مهذب الاحكام في بيان حلال والحرام المجلد 22

هوية الکتاب

سرشناسه : سبزواري، سيدعبدالاعلي، 1288؟ - 1372.

عنوان قراردادي : عروه الوثقي . شرح

عنوان و نام پديدآور : مهذب الاحكام في بيان حلال والحرام المجلد 22/ تاليف عبد الاعلي الموسوي السبزواري .

مشخصات نشر : سوریه - دار الإرشاد للطباعة والنشر والتوزيع

مشخصات ظاهري : 30 ج.

يادداشت : كتاب حاضر شرحي بر ''عروه الوثقي ''، محمد كاظم يزدي است .

مندرجات : ج.4. الطهاره.- ج.7، 8. الصلاه.- ج.10. الصومر.- ج.11. الزكاه الخمس.- ج.14. الحج.- ج.16. المكاسب.- ج.17. البيع.- ج.18. البيع الي الوديعة.- ج.19. الاجارة المضاربة.- ج.20. الشركة الي الكفالة.- ج.21. الدين الي الغصب.- ج.22. الوقف الي الكفارة.- ج.23. الصيدوالذباحة الي اللقطة.- ج.24، 25. النكاح.- ج.26. الطلاق.- ج.27. القضاء.- ج.28. الحدودالقصاص.- ج.29. الدياتج.30. الارث.

موضوع : يزدي، محمدكاظم بن عبدالعظيم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي -- نقد و تفسير

موضوع : فقه جعفري -- قرن 14

موضوع : حلال و حرام

شناسه افزوده : يزدي، محمد كاظم بن عبدالعظيم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي. شرح

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

كتاب الوقف و أخواته

اشارة

كتاب الوقف و أخواته الحمد للّه الواقف على جميع السرائر الموقوفة لدى حكمته عقول ذوي البصائر و الصلاة و السلام على محمد و آله الذين هم الموقوف عليهم عناياته الخاصة التي لا تحدها المشاعر.

______________________________

هذه المادة- و- ق- ف- تستعمل بمعنى السكون و الحبس و الوقوف في مقابل الحركة و الجريان و الذهاب، و تستعمل بهذا المعنى اللغوي في السنة و اصطلاح الفقهاء فإنه في الاصطلاحين عبارة عن «تحبيس الأصل و تسبيل الثمرة»، فعنوان الحبس و الإيقاف و السكون مأخوذ في معناه الاصطلاحي كما في معناه اللغوي، و يطلق عليه في الأخبار الصدقة (1)، بل هذا الإطلاق هو الغالب فيه، و بالمعنى اللغوي يطلق على السكنى و الرقبى و العمري، لتحقق الحبس و السكون فيها أيضا في الجملة و يصح إطلاق الصدقة عليها أيضا. و لكن إطلاق الصدقة على الوقف و أخواته إطلاق بالمعنى الأعم أي: مطلق الانتفاع مجانا و إلا فالصدقة بالمعنى الأخص تمليك مجانا قربة إلى اللّه تعالى.

و يصح أن يقال: أن الصدقة أما حدوثي فقط كما في الزكاة و نحوها، و إما ما دامي كما في السكنى و العمري و الرقبى و إما دائمي كما في الوقف.

ص: 5


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الوقوف و الصدقات.

الوقف هو تحبيس العين و تسبيل المنفعة (1) و فيه فضل كثير و ثواب جزيل قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا عن ثلاثة: ولد صالح يدعو له، و علم ينتفع به بعد موته، و صدقة جارية» (2) و فسّرت الصدقة الجارية بالوقف (3).

______________________________

(1) هذا التعريف هو المشهور نصا و فتوى، و عن نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله، «حبّس الأصل و سبّل الثمرة» (1).

(2) هذا الحديث مستفيض بين الفريقين في الجملة (2).

(3) و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين بقاء الوقف إلى الأبد كما هو النادر جدا أو انعدامه و زواله بحوادث الدهر كما هو الغالب لأن الثواب على النية و هي كانت مبنية على التأبيد و الدوام، و هو مقتضى تفضل اللّه تعالى و سعة رحمته غير المتناهية و غير مبتن على التعويض بل يعطى من يشاء بغير حساب.

ص: 6


1- مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب الوقوف الحديث: 2.
2- راجع الوسائل باب: 1 من أبواب الوقوف و الصدقات، و سنن البيهقي ج: 6 صفحة: 278 كتاب الوصايا.

فصل فيما يعتبر في الوقف

اشارة

فصل فيما يعتبر في الوقف و هو أمور.

الأول: الصيغة

اشارة

الأول: الصيغة (1) و هي كل ما دلّ على إنشاء المعنى المذكور مثل «وقفت» و «حبّست» و «سبّلت»، بل «و تصدقت»، إذا أقرن به بعض ما يدل على إرادة المعنى المقصود (2) كقوله: «صدقة مؤبدة لا تباع و لا توهب» و نحو ذلك، و كذا قوله: «جعلت أرضي أو داري أو بستاني موقوفة أو محبّسة أو مسبّلة على كذا».

______________________________

(1) على المعروف بين الفقهاء في كل إنشاء عقدا كان أو إيقاعا حيث أرسل إرسال المسلمات أنه يحتاج إلى مبرز لفظي و لا دليل لهم على هذه الكلية من عقل أو نقل، فمن أجرى صيغة الوقف على الكعبة المقدسة التي هي وقف من هبوط آدم إلى انقراض العالم؟! أو من أجراها على سائر المشاعر كعرفات و المزدلفة، و لذا أثبت المحققون صحة المعاطاة في كل إنشاء عقدي أو إيقاعي إلا ما خرج بالدليل المخصوص كما تقدم في أول كتاب البيع في بحث المعاطاة بل يكفي إيجاده بعنوان المشعرية و المسجدية كما في الكعبة المشرفة بالنسبة إلى اللّه تبارك و تعالى.

(2) قد أطالوا الكلام في بيان الصيغة في المقام و في البيع الذي هو أم العقود كما لا يخفى على من راجع المطولات، و قد أثبت محققي مشايخنا أن جميع هذه الاطالات من التطويل بلا طائل، لأن المدار على ظهور اللفظ في المعنى المراد المقصود بحيث يكتفي به الناس في المحاورات سواء كان ذلك بلا قرينة أو معها بأي لفظ كان بعد تحقق التفاهم العرفي، و ذلك كله لحجية

ص: 7

مسألة 1: لا يعتبر فيه العربية و لا الماضوية

(مسألة 1): لا يعتبر فيه العربية و لا الماضوية (3) بل تكفي الجملة الاسمية (4) كقوله: «هذا وقف أو هذه أرضي موقوفة أو محبّسة أو مسبّلة».

مسألة 2: لا بد في وقف المسجد قصد عنوان المسجدية

(مسألة 2): لا بد في وقف المسجد قصد عنوان المسجدية (5) فلو وقف مكانا على صلاة المصلّين و عبادة المتعبّدين لم يصر بذلك مسجدا (6) ما لم يكن المقصود ذلك العنوان، و الظاهر كفاية قوله: «جعلته

______________________________

الظاهر لدى العقلاء بل هو من أقوى الأمور النظامية التي يدور عليه نظام معاشهم و معادهم فيعتمدون على الظاهر و لو لم يكن حقيقة و لا يعتمدون على غير الظاهر و لو كانت حقيقة.

(3) كل ذلك لإطلاق الأدلة و أصالة عدم الاعتبار بعد صدق تحقق عنوان الوقف على جميع ذلك.

نعم، الأولى الاقتصار على ما ورد في الأخبار من الوقف و الحبس كما سيأتي.

(4) لما مر في سابقة من غير فرق مضافا إلى ورودها في وقف أمير المؤمنين عليه السّلام لما جاءه البشير بخروج عين ينبع: «هي صدقة بتّة بتلا في حجيج بيت اللّه و عابري سبيل اللّه لا تباع و لا توهب و لا تورث». (1)

(5) لأنها من العناوين القصدية المتقومة بالقصد كنظائرها مثل الدار و الخان و المستشفى و الفندق و نحوها، و ليست من العناوين الانطباقية القهرية كصعود البخار إلى الفضاء و هبوط المطر إلى الأرض، و يكفي القصد الإجمالي الارتكازي و لا يعتبر التفصيلي، للأصل.

(6) لأصالة عدم ترتب آثار المسجدية ما لم يكن العنوان الخاص مقصودا.

نعم، يصير ذلك وقفا لعبادة المتعبّدين و صلاة المصلّين و هو أعم من

ص: 8


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الوقوف و الصدقات الحديث: 2.

مسجدا» (7) في صيغة و إن لم يذكر ما يدل على وقفه و تحبيسه و إن كان أحوط (8) بأن يقول: «وقفت هذا المكان أو هذا البنيان مسجدا أو على أن يكون مسجدا».

مسألة 3: الظاهر كفاية المعاطاة في مثل المساجد و المقابر

(مسألة 3): الظاهر كفاية المعاطاة في مثل المساجد و المقابر و الشوارع و القناطر و الربط المعدة لنزول المسافرين و الأشجار المغروسة لانتفاع المارة بظلها أو ثمرها، بل البواري للمساجد و القناديل للمشاهد و أشباه ذلك، و بالجملة ما كان محبّسا على مصلحة عامة (9) فلو بنى بناء بعنوان المسجدية و أذن في الصلاة فيه للعموم و صلى فيه بعض الناس كفى في وقفه و صيرورته مسجدا. و كذا لو عين قطعة من الأرض لأن تكون مقبرة للمسلمين و خلى بينها و بينهم و أذن إذنا عاما لهم في الإقبار فيها فأقبروا فيها بعض الأموات أو بنى قنطرة و خلى بينها و بين العابرين فشرعوا

______________________________

تحقق عنوان المسجدية كما هو واضح.

(7) لأنه يدل بالظهور العرفي على الوقفية أيضا إلا أنه ظهور عرفي التزامي و قول «وقفت» له ظهور عرفي مطابقي و إذا اعتمد العقلاء على الدلالات الالتزامية في محاوراتهم يصح الاعتماد عليها شرعا أيضا.

(8) خروجا عن بعض التشكيكات و جمودا على الدلالات المطابقة مهما أمكن، و لكن التشكيك لا أصل له و الجمود لا وجه له بعد تحقق الظهور العرفي.

(9) للسيرة المستمرة بين المتشرعة خلفا عن سلف بل بين العقلاء كافة الذين لهم وقف في مثل هذه الأمور، و قد أثبتنا غير مرة أن المعاطاة موافقة للقاعدة مطلقا في كل عقد إلا ما نص الشرع على الخلاف و لا نص في المقام على الخلاف، بل العقود تدور مدار المعاطاة في جميع العصور خصوصا في الأعصار الأخيرة و التشكيكات الواردة في المعاطاة انما هي شبهات علمية قد

ص: 9

في العبور عنها. و هكذا (10).

مسألة 4: مواضع اعتبار ما ذكرنا من كفاية المعاطاة في المسجد

(مسألة 4): ما ذكرنا من كفاية المعاطاة في المسجد إنما هو فيما إذا كان أصل البناء و التعمير في المسجد بقصد المسجدية، بأن نوى ببنائه و تعميره أن يكون مسجدا خصوصا إذا حاز أرضا مباحا لأجل المسجد و بنى فيها بتلك النية. و أما إذا كان له بناء مملوك كدار و خان فنوى أن يكون مسجدا و صرف الناس بالصلاة فيه من دون إجراء صيغة الوقف عليه يشكل الاكتفاء به (11)، و كذلك الحال في مثل الرباط و القنطرة، فإذا بنى رباطا في ملكه أو في أرض مباح للمارة و المسافرين ثمَّ خلى بينه و بينهم و نزل به بعض القوافل كفى ذلك في وقفيته على تلك الجهة بخلاف ما إذا كان له خان مملوك له معدّ للإجارة و محلا للتجارة مثلا، فنوى أن يكون

______________________________

أجاب المحققون عنها و انها واهية من أصلها، و قد فصلنا القول في ذلك في أول البيع فراجع، و ما نسب إلى العلامة من أن وقفية مثل الحصير و القنديل تمليك للمسجد لا وجه فيه لأنه من مجرد الاحتمال العلمي و مخالف لوجدان الواقفين كما لا يخفى على من راجع وجدانه.

(10) كل ذلك لوجود المقتضي للوقفية و تحقق العنوان و فقد المانع فتشمله الأدلة بلا مدافع.

(11) لأن المعاطاة كالعقد اللفظي فكما أن الثاني متقوم بصدور لفظ من الطرفين لا بد و أن تكون المعاطاة متقومة بصدور فعل منهما يقوم فعل أحدهما مقام الإيجاب و فعل الآخر مقام القبول، و في الفرض لم يصدر فعل من الواقف حتى يقوم فعله مقام الإيجاب اللفظي فلا موضوع للمعاطات حينئذ من هذه الجهة لعدم تحقق فعل من كل من الموجب و القابل.

و فيه: أن المعاطاة عبارة عن كل عقد جامع لجميع الشرائط إلا أن إيجابه و قبوله بالفعل في مقابل اللفظ، و هو غالبا يكون بإعطاء ما يتحقق به الإيجاب من

ص: 10

وقفا على الغرباء و النازلين من المسافرين و خلى بينه و بينهم من دون إجراء صيغة الوقف عليه (12).

مسألة 5: لا إشكال في جواز التوكيل في الوقف

(مسألة 5): لا إشكال في جواز التوكيل في الوقف (13)، و في جريان الفضولية فيه خلاف و إشكال (14) لا يبعد جريانها فيه لكن الأحوط

______________________________

الموجب و فعل ما يتحقق به القبول من المشتري، و لا ريب في أن هذا إنما هو بحسب الغالب بالنسبة إلى الأزمنة القديمة، و يجري حكمها بل موضوعها على ما إذا تحقق موضوع غير لفظي من الموجب و قبول كذلك من القابل، و ليس لفظ المعاطاة واردا في الكتاب و السنة حتى يكون من الأمور التعبدية أو الموضوعات المستنبطة بل لفظ عرفي عبر به بحسب الغالب لا التقوم الحقيقي، و على هذا فلا ريب في المقام في تحقق التسبب إلى العنوان الخاص بغير اللفظ من الموجب و القبول الفعلي من القابل فيتحقق المعاطاة في هذا القسم من الوقف أيضا، و لكن الأحوط مع ذلك إجراء صيغة الوقف.

(12) ظهر مما ذكرنا تحقق المعاطاة فيه أيضا.

(13) لظهور الإجماع على جريانه في جميع العقود و الإيقاعات إلا ما خرج بالدليل و لا دليل على الخروج في المقام، و تقدم في الكتاب الوكالة بعض الكلام.

(14) إن قلنا ان الفضولية مطابقة للقاعدة تجري في جميع العقود إلا ما خرج بالدليل و إن قلنا انها خلاف القاعدة فلا تجري إلا في مورد دل عليه الدليل، و قلنا في كتاب البيع إنها موافقة للقاعدة، لأن مرجع النزاع فيها إلى أن الإذن المعتبر في كل عقد هل يشترط أن يتحقق قبل إنشائه أو يكفي تحققه و لو بعده، و مقتضى الأصل و الإطلاق هو الثاني بعد صدق العقد عرفا على العقود الفضولية.

و توهم أنها مناف لقصد القربة فلا وجه لجريانها فيه.

ص: 11

خلافه، فلو وقع فضولا لا يكتفي بالإجازة بل تجدد الصيغة (15).

مسألة 6: الأقوى عدم اعتبار القبول في الوقف على الجهات العامة

(مسألة 6): الأقوى عدم اعتبار القبول في الوقف على الجهات العامة (16) كالمساجد و المقابر و القناطر و نحوها، و كذا الوقف على العناوين الكلية كالوقف على الفقراء و الفقهاء و نحوها. و أما الوقف الخاص

______________________________

فاسد: لأن إضافة العقدية و ترتب الأثر إنما يتحقق بالإجازة و أن المجيز يقصد القربة بلا إشكال، مع أنا ذكرنا مرارا أن عناوين الصدقات و منها الوقف بذاتها قربى لا أن يعتبر فيها قصد القربة، كالصلاة فيكون الرياء مانعا.

(15) فيجري فيه الإشكال المتقدم و ما أجبنا عنه.

(16) اختلفت أقوالهم قدّس سرّهم في هذه المسألة فمن قائل بعدم اعتبار القبول في الوقف مطلقا و أنه إيقاف و إيقاع لا أن يكون عقدا حتى يعتبر فيه القبول فالرد مانع لا أن يكون القبول شرطا، للأصل و العمومات بعد صدق الوقف على مجرد الإيقاف عرفا، و لأنها صدقة و لا يعتبر القبول الاصطلاحي فيه بل يستحب إخفائها بحيث لا يفهم الآخذ أنها صدقة.

نعم، لو رد و لم يأخذها لا يتحقق موضوعها قهرا، و لخلو الأخبار الواردة في الوقف في بيان موضوعه أو حكمه عن ذكر القبول، مع أنه من أهم شروطه على فرض اعتباره بل ظهور قوله صلّى اللّه عليه و آله: «حبّس الأصل و سبّل الثمرة»(1)، في كونه من الإيقاعات مما لا يخفى.

و من قائل باعتباره فيه مطلقا لمعلومية عدم دخول عين أو منفعة في ملك الغير بسبب اختياري بدون قبوله.

و فيه: أنه مصادرة واضحة مع انتقاضه بالبطون اللاحقة و هم لا يقولون باعتبار القبول فيها، مع ان في جملة الأوقاف فك ملك و تحرير لا أن يكون تمليكا.

ص: 12


1- سنن البيهقي باب: 3 من أبواب الوقف ج: 6 صفحة: 162 و تقدم في صفحة: 6.

كالوقف على الذرية فالأحوط اعتباره فيه (17)، فيقبله الموقوف عليهم و إن كانوا صغارا قام به وليهم (18)، و يكفي قبول الموجودين و لا يحتاج

______________________________

و من مفصّل بين الأوقاف العامة و الخاصة فاعتبر القبول في الثانية دون الأولى لأن الثانية تمليك.

و يمكن أن يقال: أن التبرعات و الصدقات متقومة بالمتبرع و المتصدق و من لوازم تحققها خارجا عدم رده فيكون أخذه من اللوازم التكوينية لتحقق هذا المعنى الإضافي المتقوم في حد ذاته بالأخذ خارجا، و إلا فلا يتحقق المعنى الإضافي لا أن يكون القبول معتبرا في إنشائه و يكون عقدا مركبا من الإيجاب و القبول كما نسب إلى المشهور في سائر العقود.

و بعبارة أو جز: الإنشاء إما عقد أو إيقاع أو برزخ بينهما أو من مجرد الأسباب كما احتملنا ذلك في الجعالة، و يصح أن يكون الوقف باعتبار مقام إنشائه من الثاني أو الثالث أو الأخير.

إن قيل: فما وجه وجوب الوفاء و اللزوم فيما قلت بهذا العرض العريض.

يقال: الالتزامات العقلائية الدائرة بينهم على أنفسهم أو من بعضهم على بعض لازمة الوفاء فيما بينهم بحيث يوبّخون على النقض و عدم الوفاء إلا إذا ثبت الردع عنه شرعا، و ما ورد في الكتاب و السنة من وجوب الوفاء بالعقد و الشرط و نحوهما تقرير لما ثبت في فطرتهم و إمضاء لصحة طريقتهم فيكون من حيث الإضافة إلى الشرع وجوبا و إلزاما شرعيا، و من حيث الإرشاد إلى الفطرة وجوبا و إلزاما عقليا، و لا بأس باجتماعهما في شي ء واحد من جهتين بل هو الغالب في الأحكام الشرعية.

(17) لا ريب في حسنه و لكن استفادة الوجوب مما مر من أدلتهم مشكل.

(18) لأنه من فروع ولايته و تقدم الكلام في اعتبار المصلحة أو كفاية عدم المفسدة.

ص: 13

إلى قبول من سيوجد منهم بعد وجوده (19)، و الأحوط رعاية القبول في الوقف العام أيضا و القائم به الحاكم أو المنصوب من قبله (20).

مسألة 7: الأحوط قصد القربة في الوقف

(مسألة 7): الأحوط قصد القربة في الوقف (21) و إن كان في اعتباره

______________________________

(19) للأصل و العموم و صدق الوقف الذري على المال بعد قبول الموجودين و صحة تنزيل قبول الموجودين منزلة قبول جميع الذرية عرفا.

(20) أما الاحتياط فللخروج عن خلاف من اعتبر القبول فيه أيضا. و أما انه من الحاكم أو المنصوب من قبله فلأن مثل هذه الأمور من الأمور الحسبية التي يتصديها الحاكم بنفسه أو يأذن لمن يتصديها.

(21) نسب إلى المشهور اعتبار قصد القربة فيه و استدل عليه.

تارة: بأنه صدقة و يعتبر قصد القربة فيها.

و أخرى: بترتب الثواب عليه و الثواب يدور مدار قصد القربة.

و ثالثة: ببعض ما ورد في أوقاف الأئمة عليهم السّلام الذي أطلق عليه الصدقة أيضا.

و رابعة: بأصالة عدم ترتب الأثر إلا بالقربة.

و الكل مخدوش. أما الأول: فلأن إطلاق الصدقة عليه مسلّم و لكن ليست كل صدقة يعتبر فيها قصد القربة ما لم يدل دليل خاص معتبر على اعتباره فيها و هو مفقود في المقام، و قال عليه السّلام: «كل معروف صدقة» (1)، و قال صلّى اللّه عليه و آله: «اماطتك الأذى عن الطريق صدقة» (2)، و قال صلّى اللّه عليه و آله: «و تبسمك في وجه أخيك صدقة»(3)، إلى غير ذلك مما هو كثير مع أنه لا يعتبر في جميع ذلك قصد القربة.

و أما الثاني: فلأن ترتب الثواب أعم من قصد القربة كما يدل عليه إطلاق

ص: 14


1- الوسائل باب: 6 من أبواب فعل المعروف الحديث: 7.
2- كنز العمال كتاب الزكاة الحديث: 1844 ج: 6.
3- كنز العمال الحديث: 1853 كتاب الزكاة ج: 6.

نظر خصوصا في الوقف الخاص كالوقف على زيد و ذريته و نحو ذلك (22).

الثاني: مما يشترط في صحة الوقف القبض

اشارة

الثاني: مما يشترط في صحة الوقف القبض (23)، و يعتبر أن يكون

______________________________

قوله تعالى فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (1)، و لا ريب في أن الوقف خير محض، و ما ورد في ترك شرب الخمر و لو لم يكن ذلك للّه تعالى بل كان صيانة لنفسه (2).

أما الثالثة: فلأن ذكر قصد القربة و قصدهم عليهم السّلام له أعم من اعتباره في قوام ذاته كما هو معلوم، و أما الأخير فلا ريب في كونه محكوما بالعمومات و الإطلاقات هذا و لكن الظاهر أن موضوع الوقف و الصدقات و مثل قراءة القرآن و الدعاء و الذكر بذاتها أمر قربى، فيكون قصد الخلاف و الرياء مانعا لا أن يكون قصد القربة زائدا على قصد ذاتها و عنوانها شرطا، و لعل مراد المشهور أيضا هذا فلا نزاع حينئذ في البين، و لكن الأحوط قصد القربة زائدا على قصد عنوان الوقفية لأن مقام العبودية لهذا المولى العظيم الجليل يقتضي أن يكون العبد في جميع أموره الخيرية قاصدا له تعالى، فأصل الدليل حالي لا أن يكون مقاليا حتى يناقش فيه، و هذا الدليل يجري في كل فعل حسن يصدر عن الإنسان، و لعل إليه يشير قولهم عليهم السّلام: «و ليكن لك في كل شي ء نية» (3).

(22) لأنه كسائر التمليكات إلى أشخاص خاصة كالهبة و العطية و نحوهما، و لا وجه لتقوم هذه التمليكات بقصد القربة كما هو مقتضى الإطلاق و العموم.

(23) إجماعا و نصوصا منها التوقيع: «و أما ما سألت عنه من الوقف على ناحيتنا و ما يجعل لنا ثمَّ يحتاج إليه صاحبه فكل ما لم يسلّم فصاحبه بالخيار

ص: 15


1- سورة الزلزلة: 7.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب الأشربة المحرمة.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب مقدمة العبادات الحديث: 8.

بإذن الواقف (24). و هو في كل مورد بحسبه (25).

______________________________

و كل ما سلّم فلا خيار فيه لصاحبه احتاج أو لم يحتج افتقر إليه أو استغنى عنه» (1)، و منها صحيح صفوان (2)، قال: «سألته عن الرجل يقف الضيعة ثمَّ يبدو له أن يحدث في ذلك شيئا؟ فقال: إن كان وقفها لولده و لغيرهم ثمَّ جعل لها قيما لم يكن له أن يرجع فيها، و إن كانوا كبارا و لم يسلمها إليهم و لم يخاصموا حتى يحوزوها عنه فله أن يرجع فيها لأنهم لا يحوزونها عنه و قد بلغوا» و منها ما دل على أنه لو مات الواقف قبل القبض رجع ميراثا، فعن أبي جعفر عليه السّلام: «في الرجل يتصدق على ولده و قد أدركوا. قال عليه السّلام: إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث فإن تصدق على من لم يدرك من ولده فهو جائز لأن والده هو الذي يلي أمره» (3) و مثله غيره (4)، و يشهد لذلك مرتكزات العرف و العقلاء أيضا حيث إن تحقق المجانيات متقومة لديهم بالقبض، فالشرع ورد على طبق العرف و العقلاء.

(24) لأصالة عدم ترتب الأثر على القبض ما لم يتحقق شرط الصحة، و هو القبض بإذن الواقف و رضاه و ليست الأدلة المستدلة بها على اعتبار القبض في مقام البيان من هذه الجهة حتى يستدل بإطلاقها لعدم اعتباره، و يأتي بعض القول في مسألة 14.

ثمَّ إن مقتضى القاعدة كون القبض شرطا للصحة على وجه النقل لا الكشف، و يدل عليه أنه يرجع ميراثا إن مات الواقف قبل القبض فيكون النماء المتخلل بين العقد و القبض للواقف دون الموقوف عليهم.

نعم، لو كان شرطا للّزوم لا لأصل الصحة يكون لهم و لكنه لا قائل به.

(25) على ما سيأتي في المسائل الآتية.

ص: 16


1- الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات الحديث: 8.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات الحديث: 4.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات الحديث: 1.
4- الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات الحديث: 5.
مسألة 8: القبض في الوقف الخاص

(مسألة 8): القبض في الوقف الخاص و هو الوقف الذي كان على أشخاص كالوقف على أولاده و ذريته- يتحقق بقبض الموقوف عليهم (26) أو بعضهم و يكفي قبض الطبقة الأولى عن بقية الطبقات اللاحقة (27)، بل يكفي قبض الموجودين من الطبقة الأولى عمن يوجد منهم فيما بعد (28)، فإذا وقف على أولاده ثمَّ على أولاده أولاده و كان الموجود من أولاده ثلاثة فقبضوا ثمَّ تولد رابع بعد ذلك فلا حاجة إلى قبضه، و لو كان الموجودون جماعة فقبض بعضهم دون بعض صح بالنسبة إلى من قبض و بطل بالنسبة إلى من لم يقبض (29).

مسألة 9: القبض في الوقف على الجهات و المصالح كالمساجد

(مسألة 9): القبض في الوقف على الجهات و المصالح كالمساجد و ما وقف عليها يتحقق بقبض المتولي (30) إن جعل الواقف له متوليا أو بقبض الحاكم الشرعي (31)، و الأحوط عدم الاكتفاء بالثاني مع وجود

______________________________

(26) لأنه لا يتحقق القبض إلا بالنسبة إليهم أو وليهم مع قصورهم.

(27) للإجماع، و سيرة المتشرعة خلفا عن سلف و تحقق القبض عرفا.

(28) لعين ما تقدم في سابقة من غير فرق بينهما.

(29) أما الصحة بالنسبة إلى من قبض، فلوجود المقتضي و فقد المانع.

و أما البطلان بالنسبة إلى من لم يقبض فلعدم المقتضي للصحة بالنسبة إليه لما مر من أن القبض شرط للصحة. و ما تقدم من كفاية قبض الطبقة السابقة عن اللاحقة، و قبض الموجود عمن يوجد إنما هو في صورة عدم وجودهم و أما مع الوجود فالشرط ثابت بالنسبة إلى الكل للعموم و الإطلاق، و هذا هو المتيقن من الإجماع و السيرة أيضا.

(30) لأن هذا من لوازم توليته و قيمومته.

(31) لأن له الولاية على ذلك كما في قبول الزكوات و سائر الحقوق العامة لنوع الفقراء فتكون هذه الولاية في عرض ولاية القيّم و المتولي في خصوص

ص: 17

الأول (32)، و إن لم يكن قيّم تعين قبض الحاكم (33)، و كذا الحال في الوقف على العناوين العامة كالفقراء و الطلبة و العلماء (34). و هل يكفي قبض بعض المستحقين من أفراد ذلك العنوان العام بأن يقبض مثلا فقير من الفقراء في الوقف على الفقراء أو عالم من العلماء في الوقف على العلماء؟

قيل نعم و قيل لا (35)، و لعل الأول هو الأقوى فيما إذا سلّم الوقف إلى

______________________________

هذه الجهة فقط.

و قد يقال: بترجيح الحاكم لأن القيّم أو المتولي لهما الولاية فيما وقف و تمَّ الوقف، و لا وقف قبل القبض و أما الحاكم فله الولاية على الأمور الحسبية قبل الوقف و حينه و بعده.

و قد يحتمل أنه لا حاجة إلى القبض في هذا القسم من الوقف، لأن الأخبار المستدل بها على اعتباره ظاهرة في الوقف الخاص دون الوقف على العناوين العامة.

و فيه: أنه يمكن أن يكون مورد تلك الأخبار من باب المثال لا الخصوصية.

(32) لأن المغروس في أذهان المتشرعة تقديمه على الحاكم مع الثقة و الأمانة و وجود سائر الشرائط و فقد الموانع.

(33) لأن كل حكم تخييري يتعين في طرفه الموجود مع فقد الطرف الآخر.

(34) فمع وجود القيّم و الحاكم يصح قبض كل منهما، و الأحوط الأول و مع عدمه يتعين الأخير لعين ما مر في السابق بلا فرق.

(35) أما وجه كفاية قبض البعض عن الجميع فلأن الموقوف عليهم هو الجنس بما هو مرآة إلى الخارج و لا ريب في تحقق الجنس في ضمن الفرد كما هو المعلوم فتحقق قبض الموقوف عليهم عرفا.

ص: 18

المستحق لاستيفاء ما يستحق (36) كما إذا سلم الدار الموقوفة على سكنى الفقراء إلى فقير فسكنها أو الدابة الموقوفة على الزوّار و الحجاج إلى زائر و حاج فركبها.

مسألة 10: لا يكفي في القبض مجرد استيفاء المنفعة و الثمرة من دون استيلاء على العين

(مسألة 10): لا يكفي في القبض مجرد استيفاء المنفعة و الثمرة من دون استيلاء على العين (37)، فإذا وقف بستانا على الفقراء لا يكفي في القبض إعطاء شي ء من ثمرتها لبعض الفقراء مع كون البستان تحت يده (38).

مسألة 11: لو وقف مسجدا أو مقبرة كفى في قبضها صلاة واحدة دفن ميت واحد

(مسألة 11): لو وقف مسجدا أو مقبرة كفى في قبضها صلاة واحدة في المسجد و دفن ميت واحد في المقبرة (39).

______________________________

و أما وجه العدم فلأن الفرد و الجنس متغايران بحسب العنوان و الاعتبار و تعلق الحكم على هذا العنوان المختلف بالاعتبار.

و فيه: أن الجنس إذا لو حظ في حد نفسه مع قطع النظر عن كونه عين الفرد يتحقق هذا الفرق الاعتباري، لكنه حينئذ جنس منطقي و ليس بجنس طبيعي، و الكلام في الثاني دون الأول الذي لا اسم و لا أثر له إلا في فن المنطق فقط و لا ربط له بالفقه و العرف، و أما الجنس الطبيعي الذي هو عين الفرد فلا وجه لهذا الاحتمال فيه أصلا.

(36) لأنه تسليط للموقوف عليه على العين الموقوفة و لا معنى للقبض إلا هذا.

(37) لعدم تحقق القبض إلا بالاستيلاء على العين و المفروض عدم تحققه و لا ريب في أن استيفاء المنفعة أعم من قبض العين.

(38) لعدم استيفاء الموقوف عليه على العين الموقوفة بوجه من الوجوه فكيف يتحقق القبض حينئذ.

(39) لصدق القبض و الاستيلاء على العين الموقوفة بذلك إن كان بإذن

ص: 19

مسألة 12: لو وقف الأب على أولاده الصغار لم يحتج إلى قبض جديد

(مسألة 12): لو وقف الأب على أولاده الصغار لم يحتج إلى قبض جديد (40)، و كذا كل ولي إذا وقف على المولّى عليه لأن قبض الولي قبض المولّى عليه و الأحوط أن يقصد كون قبضه عنه (41).

مسألة 13: فيما يعتبر أو يكفي قبض المتولي كالوقف على الجهات العامة

(مسألة 13): فيما يعتبر أو يكفي قبض المتولي كالوقف على الجهات العامة لو جعل الواقف التولية لنفسه لا يحتاج إلى قبض آخر و يكفي قبضه الذي هو حاصل (42).

مسألة 14: لو كانت العين الموقوفة بيد الموقوف عليه قبل الوقف

(مسألة 14): لو كانت العين الموقوفة بيد الموقوف عليه قبل الوقف

______________________________

الواقف و كذا يكفي قبض المتولي أو الحاكم الشرعي أيضا، لما مر هذا بناء على اعتبار القبض في هذا النحو من الأوقاف، و أما بناء على عدم اعتباره كما عن جمع فالأمر واضح.

(40) إجماعا و نصوصا منها صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «أنه قال في الرجل يتصدق على ولده و قد أدركوا: إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث فإن تصدق على من لم يدرك من ولده فهو جائز لأن والده هو الذي يلي أمره» (1)، و تعليله يشمل كل ولي و كل مولي عليه، مع أن الحكم موافق للقاعدة أيضا.

(41) لأن هذا القبض معنون بعنوان جديد فلا بد و أن يفرق بينه و بين مطلق القبض الذي كان لأجل كونه تحت ولايته.

و فيه: أن تحقق الاستيلاء الكافي في القبض تكويني و تجدد العنوان بعد تجدد جهة القبض و الاستيلاء قهري لا أن يكون قصديا اختياريا، و لعله لذلك عبّروا بالاحتياط.

(42) لما مر في سابقة بلا فرق بينهما فلا وجه للإعادة و لا يحتاج في

ص: 20


1- الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات.

بعنوان الوديعة أو العارية أو على وجه آخر لم يحتج إلى قبض جديد بأن يستردها ثمَّ يقبضها (43).

نعم، لا بد أن يكون بقائها في يده بإذن الواقف (44) بناء على اشتراط كون القبض بإذنه كما مر (45).

مسألة 15: لا يشترط في القبض الفورية

(مسألة 15): لا يشترط في القبض الفورية (46) فلو وقف عينا في زمان ثمَّ أقبضها في زمان متأخر كفى و تمَّ الوقف من حينه.

مسألة 16: لو مات الواقف قبل القبض بطل الوقف

(مسألة 16): لو مات الواقف قبل القبض بطل الوقف و كان

______________________________

المقام إلى قصد جديد، لأن من لوازم جعل التولية لنفسه مع كون العين في يده حصول القصد إجمالا إلا أن يكون القبض اللاحق لأجل الوقفية.

(43) للأصل و الإطلاق و الاتفاق بعد تحقق القبض و الاستيلاء عرفا.

(44) لأصالة عدم تحققه إلا بإذنه كما مر. و توهم أنه صار أجنبيا بعد تحقق الوقف مناف لكون القبض شرطا للصحة، و أن كل قبض صحيح متوقف على إذن من كان مسلطا على العين إلا أن يقال: أن هذا الدليل عين المدعى، و لكنه مردود بأن المتشرعة بارتكازاتهم الشرعية يعتبرون مراعاة إذنه و لا ريب في أنه الأحوط.

(45) تقدم في المسألة الثانية و الإشكال المتقدم آنفا جار هنا أيضا مع جوابه بأن المتشرعة بل العقلاء يستنكرون الاستيلاء على العين بدون اذن الواقف و يوبّخون من فعل ذلك، و هذا المقدار يكفي في لزوم الاحتياط إن لم يكن كليا في الفتوى.

(46) للأصل و الإطلاق و ظهور الاتفاق و ما يستفاد من صحيح ابن مسلم من قوله عليه السّلام: «إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث» (1)، و لا ريب في ظهوره

ص: 21


1- الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات.

ميراثا (47)، و إذا مات الموقوف عليه فإن كان الوقف على العنوان يقوم غيره ممن ينطبق عليه العنوان مقامه في القبض، و كذا إذا كان معيّنا و بعده على شخص آخر (48).

الثالث: مما يشترط في صحة الوقف الدوام

اشارة

الثالث: مما يشترط في صحة الوقف الدوام (49) بمعنى عدم توقيته

______________________________

في التوسعة في القبض.

(47) للإجماع و خبر عبيد بن زرارة عن الصادق عليه السّلام: «في رجل تصدق على ولد له قد أدركوا قال عليه السّلام: إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث» (1)، فإنه إما خاص بخصوص الوقف كما فهمه الأصحاب و هو المنساق منها في تلك الأعصار أو شامل للوقوف و لغيره من سائر الصدقات، و على أي تقدير يكون دليلا للمقام.

(48) أما الأول فلفرض أن الموقوف عليه هو العنوان فيصح القبض من كل من انطبق عليه العنوان.

و أما الثاني: فلفرض كون الشخص الآخر مرتبا على فقد الأول فيصح قبضه لا محالة.

(49) على المشهور بل ادعي عليه الإجماع، و استدل أيضا بظواهر النصوص الواردة في أوقاف الأئمة عليهم السّلام، و هو في الجملة مقتضى مرتكزات المتشرعة بل العقلاء و جميع أهل الملل و الأديان في أوقافهم الدائرة بينهم، فما هو المعروف من أن الدوام مأخوذ في متفاهمه العرفي و عدم التوقيت في ظاهر الإنشاء صحيح لا إشكال فيه إن أريد به عدم التوقيت و إرادة التأبيد العرفي في مقابل التوقيت.

و لكن نوقش في أدلة المشهور أما الإجماع فلكونه اجتهاديا لوجود المخالف حتى عن القدماء، و أما ظواهر الأخبار فلأنها صحيح في مورد

ص: 22


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الوقوف و الصدقات الحديث: 5.

بمدة فلو قال: «وقفت هذه البستان على الفقراء إلى سنة» بطل وقفا (50)، و في صحته حبسا أو بطلانه كذلك أيضا وجهان أوجههما الثاني (51) إلا إذا علم أنه قصد كونه حبسا (52).

______________________________

أوقافهم عليهم السّلام التي قصدوا فيها التأبيد و ذكروا ذلك فيها فلا يستفاد منها بطلان ما يقصد فيه التوقيت، و أما بناء المتشرعة و العقلاء ففي التحريرات مسلم و كذا فيما قصد فيه التأبيد من الأوقاف الخاصة و لا يستفاد منهما البطلان في الوقف غير المؤبد.

نعم، ما يقال: من أن الدوام مأخوذ في ذاته ان أريد به الذاتي المنطقي فلا وجه له لعدم كونه معروفا في الكتاب و مصطلحات الفقهاء، و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات فمن قال أنه ذاتي أي: بحسب أذهان الناس و سوادهم مطلقا فإنهم يرون التأبيد كالذاتي له في مقابل ذكر المدة و من قال إنه ليس بذاتي أي كالذاتي المنطقي.

(50) لقاعدة انعدام المشروط بعدم شرطه و انعدام ذي الذات بعدم ذاته عرفيا كان الذاتي أو عقليا، و أما لو قال: وقفت على زيد سنة ثمَّ على عمرو سنة و هكذا قال بالنسبة إلى أشخاص كثيرين فلا دليل على بطلان الوقف، إذ المتيقن من الإجماع و بناء العقلاء، و المنساق من النصوص المستدل بها على البطلان غير هذه الصورة.

(51) أما وجه الفساد فلقاعدة أن العقود تابعة للقصود فما لم يقصد لم يقع، و وجه الصحة إن الحبس هو الصدقة غير المؤبدة بأي لفظ حصل فعنوان الإيقاف هو الجامع بين المؤبد و غير المؤبد و الوقف و الحبس.

و فيه: أنه صحيح مع مساعدة أهل المحاورة على عدّه من الحبس، و أما مع عدم مساعدتهم على ذلك أو الشك فيه فمقتضى الأصل عدم تحققه بعد عدم قصده.

(52) لتحقق قصد الحبس حينئذ فيكون اللفظ الصادر منه مطابقا لقصده

ص: 23

مسألة 17: إذا وقف على من ينقرض كما إذا وقف على أولاده و اقتصر على بطن

(مسألة 17): إذا وقف على من ينقرض كما إذا وقف على أولاده و اقتصر على بطن أو بطون ممن ينقرض غالبا و لم يذكر المصرف بعد

______________________________

إلا أنه يصير بغير ألفاظه الخاصة به، و لا إشكال فيه بعد عدم اعتبار لفظ خاص فيه بل يكفي كلما يفيد المعنى المقصود عرفا و لو بالقرينة، و يدل على الصحة صحيح ابن مهزيار قال: «قلت له روى بعض مواليك عن آبائك عليهم السّلام أن كل وقف إلى وقت معلوم فهو واجب على الورثة، و كل وقف إلى غير وقت جهل مجهول فهو باطل على الورثة و أنت أعلم بقول آبائك عليهم السّلام، فكتب هكذا هو عندي» (1)، بناء على أن المراد بالوقت المعلوم هو إنشاء الحبس بصورة الوقف مع المدة المعلومة و المراد بالوقف إلى وقت مجهول إنشاء الحبس بصورة الوقف مع فقد الشرط و هو المدة المعلومة لا أن يكون المراد ذكر الموقوف عليه و عدمه كما قد يقال فإنه خلاف الظاهر.

نعم، يستفاد ذلك من صحيح الصفار و لكنه سؤال آخر ذكر فيه لا ربط له بصحيح ابن مهزيار، و الصحيح هكذا عن الصفار قال: «كتبت إلى أبي محمد عليه السّلام أسأله عن الوقف الذي يصح كيف هو، فقد روى أن الوقف إذا كان غير موقت فهو باطل مردود على الورثة و إذا كان صحيح موقتا فهو صحيح مضى، قال قوم أن الموقت هو الذي يذكر فيه أنه وقف على فلان و عقبه فإذا انقرضوا فهو للفقراء و المساكين إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها، و قال آخرون: هذا موقت إذا ذكر أنه لفلان و عقبه ما بقوا و لم يذكر في آخره للفقراء و المساكين إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها، و الذي هو غير موقت أن يقول: هذا وقف و لم يذكر أحد فما الذي يصح من ذلك، و ما الذي يبطل؟ فوقع عليه السّلام: الوقوف بحسب ما يوقفها إن شاء اللّه» (2).

ص: 24


1- الوسائل باب: 7 من أبواب الوقوف و الصدقات.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الوقوف و الصدقات.

انقراضهم صح وقفا (53)، فيصح الوقف المنقطع الآخر (54) بأن يكون وقفا حقيقة إلى زمان الانقراض و الانقطاع و ينقضي بعد ذلك و يرجع إلى الواقف أو ورثته (55).

______________________________

(53) كما هو المشهور لوجود المقتضى و فقد المانع أما الأول فللعمومات و الإطلاقات خصوصا قوله عليه السّلام: «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها» (1).

و لتحقق قصد الوقفية المعروفة من الواقف، مضافا إلى إطلاق الصحيحين المتقدمين.

و أما الثاني: فلأنه لا مانع في البين إلا ما يقال من أنه مناف للتأبيد المعتبر في الوقف.

و فيه: أن التوقيت المنافي إنما هو فيما إذا ذكر وقت خاص و أمد مخصوص للوقف في ظاهر الإنشاء و المفروض عدمه.

نعم، في علم اللّه تعالى هو موقت بأمد خاص و لا يضر ذلك لأن كل حادث مسبوق بالعدم و اللحوق كما ثبت في محله و نراه بالوجدان، فما عن جمع إنه حبس و ليس بوقف لا وجه له، كما أن احتمال البطلان رأسا كذلك، و قد أطالوا الكلام في المقام و لا ريب أنه بلا طائل و من شاء العثور فليراجع المطولات.

(54) انقراض الآخر.

تارة: يكون بتوقيت من الواقف فهو باطل.

و أخرى: يكون بالحوادث الخارجية و حكم الشارع و هو صحيح و نظائر المقام من الثاني دون الأول و مقتضى إطلاق كلماتهم الصحة و لو التفت إليه الواقف في الجملة حين الوقف لشمول العمومات لهذه الصورة أيضا.

(55) يأتي التفصيل في المسألة التاسعة عشرة.

ص: 25


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الوقوف و الصدقات.
مسألة 18: الفرق بين الوقف و الحبس أن الوقف يوجب زوال ملك الواقف عنه

(مسألة 18): الفرق بين الوقف و الحبس أن الوقف يوجب زوال ملك الواقف عنه (56) أو ممنوعيته من جميع التصرفات و سلب أنحاء السلطنة منه (57) حتى أنه لا يورث (58) بخلاف الحبس فإنه باق على ملك الحابس (59)، و يورث و يجوز له جميع التصرفات (60) غير المنافية لاستيفاء المحبس عليه المنفعة (61)، و لو مات المحبس عليه ترجع العين

______________________________

(56) كما في الوقف المؤبد لما هو المغروس في الأذهان و المتسالم عليه لدى الأعاظم و الأعيان و أفتوا به الفريقان.

(57) كما في الوقف المنقطع الآخر، لأن الشك في زوال ذات الملكية المسلوب عنها جميع حيثيات السلطة الفعلية و تمام آثار الملكية، يكفي في استصحاب بقاء أصل هذا النحو من الملكية و لا دليل على خلافه من عقل أو نقل، و أما الغرس في الأذهان من زوال الملكية في الوقف رأسا صحيح في الجملة أي في المؤبد دون غيره.

(58) لأن ذلك من آثار مطلق الوقف أبديا كان أو منقرض الآخر ما لم ينقرض الموقوف عليه.

(59) للأصل و الإجماع و النص ففي رواية أبي الصباح عن الصادق عليه السّلام:

«سأل عن السكنى و العمري، فقال عليه السّلام: إن كان جعل السكنى في حياته فهو كما شرط، و إن كن جعلها له و لعقبه بعده حتى فنى عقبه فليس لهم أن يبيعوا و لا.

يورّثوا ثمَّ ترجع الدار إلى صاحبها الأول» (1)، و مثله غيره.

(60) لفرض بقاء العين على ملك الحابس و من لوازمه صحة جميع تصرفاته.

(61) لأن الحابس التزم بأن تكون المنفعة للمحبس عليه فلا يصح له نقض التزامه. لأن الحبس و أخواته لازم كما يأتي.

ص: 26


1- الوسائل باب: 3 من أبواب السكنى و الحبيس الحديث: 1.

إلى الحابس و لو مات الحابس تكون لورثته (62).

مسألة 19: إذا انقرض الموقوف عليه و كان الواقف حيا رجع إليه

(مسألة 19): إذا انقرض الموقوف عليه و كان الواقف حيا رجع إليه (63)، و لو مات الواقف يرجع إلى ورثة الواقف حين موته لا حين انقراض الموقوف عليه (64)، فلو وقف على من ينقرض كزيد و أولاده مثلا، ثمَّ مات الواقف عن ولدين و مات بعده أحد الولدين عن ولد قبل انقراض الموقوف عليهم ثمَّ انقرضوا يرجع إلى الولد الباقي و ابن أخيه حيث إنه يقوم مقام أبيه فيشاركه عمه لا أن يرجع إلى الولد الباقي فقط (65).

______________________________

(62) أما الرجوع إلى الحابس، فلما مر من أن العين لا تخرج عن ملكه و التعبير بالرجوع مسامحة بالنسبة إلى العين لبقائها على ملك الحابس.

نعم، هو صحيح بالنسبة إلى المنفعة إن لم يكن الحبس من تسبيل الانتفاع و الا فالمنفعة أيضا باقية على ملك الحابس.

و أما الرجوع إلى ورثة الحابس مع موته فلفرض أنها ملكه فيجري عليه جميع أحكام الملك الذي منها الانتقال إلى الورثة مع موت المالك.

(63) لأولويته عرفا بالنسبة إلى ما كان ملكه الطلق سابقا فيكشف انقراضهم عن أن انقطاع علاقة الواقف كان ما داميا لا دائميا، بل لنا أن نستكشف أنه لم يخرج عن ملكه من الأول و قد حصل للموقوف عليه حق الانتفاع فقط.

(64) للشك في صحة الرجوع إلى ورثته حين الانقراض مع إمكان فرض الرجوع إلى الوارث حين الموت، و يكفي هذا الشك في جريان أصالة عدم الرجوع اليه بعد عدم دليل معتبر عليه بخلاف العكس فينطبق دليل الإرث عليه قهرا، لأنه المنساق من أدلة الإرث إذ المنساق منها هو الانتقال حين الموت مع صحة فرضه فلا يبقى بعد ذلك موضوع لفرض الانتقال إلى ورثته حين الانقراض.

(65) بدعوى: أنه الوارث حين الانقراض، و ذلك لما مر من أن المنساق

ص: 27

مسألة 20: من الوقف المنقطع الآخر ما كان الوقف مبنيا على الدوام

(مسألة 20): من الوقف المنقطع الآخر ما كان الوقف مبنيا على الدوام، لكن كان وقفا على من يصح الوقف عليه في أوله دون آخره، كما إذا وقف على زيد و أولاده و بعد انقراضهم على الكنائس و البيع مثلا، فعلى ما اخترناه في الوقف على من ينقرض يصح وقفا بالنسبة إلى من يصح الوقف عليه و يبطل بالنسبة إلى ما لا يصح (66)، فظهر أن صور الوقف المنقطع الآخر ثلاث يبطل الوقف رأسا في صورة و يصح في صورتين (67).

______________________________

من أدلة الإرث كون المدار على الوراثة حين الموت، و أما القول بالرجوع إلى ورثة من انقرضوا فلا دليل له من عقل أو نقل بل الأصل و ظاهر تخصيص الواقف الوقف بخصوص من انقرضوا ينفيه كما أن القول بصرفه في وجوه البر أيضا كذلك لفرض ظهور تخصيص الوقف بمورد خاص.

نعم، لو كان الوقف لمن لا ينقرض غالبا فاتفق الانقراض كان له وجه، لإمكان استفادة أن الواقف قصد مطلق سبيل الخير و جعل الوقف عليهم من إحدى طرقها.

(66) أما الصحة بالنسبة إلى الأول فلوجود المقتضي من الإطلاقات و العمومات و فقد المانع من عدم التحديد و التوقيت في ظاهر اللفظ و المقال أو بقرينة الحال.

و أما البطلان بالنسبة إلى الثاني فبالإجماع بل الضرورة الفقهية، و كذا بالنسبة إلى كل ما كان محرما على ما يأتي تفصيله.

(67) الصورة الأولى: ما إذا وقّت الوقف بوقت خاص حين إنشاء الوقف و هي باطلة لما مر في الشرط الثالث.

الثانية: ما مر في أول المسألة الخامسة عشرة.

و الثالثة: ما في المقام و الأخيرتان صحيحتان بخلاف الأولى لما مر.

ص: 28

مسألة 21: الوقف المنقطع الأول إما بجعل الواقف و إما بحكم الشرع

(مسألة 21): الوقف المنقطع الأول إما بجعل الواقف كما إذا وقفه إذا جاء رأس الشهر الكذائي و إما بحكم الشرع بأن وقف أولا على ما لا يصح الوقف عليه ثمَّ على غيره و الظاهر بطلانه رأسا (68). و إن كان الأحوط في

______________________________

(68) نسب ذلك إلى المشهور، و استدلوا عليه.

تارة: بأنه تعليق في الوقف فيما إذا علقه على ما إذا جاء رأس الشهر مثلا.

و أخرى: بأنه على خلاف ما قصده الواقف في الوقف إن قلنا بحصول الوقفية بمجرد الإنشاء.

و ثالثة: بأنه يلزم حصول الوقف بلا موقوف عليه فيما إذا وقف على ما لا يصح ثمَّ على ما يصح فيكون الوقف قبل تحقق ما يصح الوقف عليه بلا موقوف عليه.

و رابعة: بأنه خلاف الأوقاف المتعارفة هذه أدلتهم قدّس سرّهم.

و الكل باطل. أما الأول: فلأن التعليق المبطل على فرض تمامية الدليل عليه إنما هو فيما إذا كان التعليق في نفس الإنشاء لا في المنشأ، و قد فصلنا ذلك في البيع فراجع فلا وجه للإعادة.

و أما الثاني: فلأن قصد الواقف انما هو إنشاء الوقف و قد حصل ذلك قطعا. و أما ترتب أثر المنشأ فإنما يكون بحسب تحقق سائر الخصوصيات و الجهات المعتبرة في المنشأ و لا محذور فيه لا عقلا و لا شرعا، و قد ذكرنا ذلك في الواجب المشروط و المعلق في الأصول فراجع كتاب تهذيب الأصول.

و أما الثالث: فلأن مورد الوقف من حين الإنشاء إنما هو ما قصده الواقف فهو قد تحقق نفسا و موردا بالمرتبة الإنشائية و يصير متحققا بالوجود الخارجي أيضا، و لا مورد للوقف من بدأه إلى ختامه إلا ذلك، و أما الأخير فهو.

أولا: من مجرد الدعوى.

و ثانيا: لا محذور فيه إذا كان الحكم موافقا للدليل أي العمومات و الإطلاقات.

ص: 29

الثاني (69) تجديد صيغة الوقف عند انقراض الأول أو العمل بالوقف بعده، و أما المنقطع الوسط- كما إذا كان الموقوف عليه في الوسط غير صالح للوقف عليه بخلافه في المبدأ و المنتهى- فهو بالنسبة إلى شطره الأول كالمنقطع الآخر فيصح وقفا (70) و بالنسبة إلى شطره الآخر كالمنقطع الأول يبطل رأسا.

مسألة 22: إذا وقف على غيره أو على جهة و شرط عوده إليه عند حاجته

(مسألة 22): إذا وقف على غيره أو على جهة و شرط عوده إليه عند حاجته صح على الأقوى (71)، و مرجعه إلى كونه وقفا ما دام لم ليحتج

______________________________

(69) ظهر مما ذكرنا وجه الاحتياط في كل من الأول و الثاني و الوجه في اختصاص الاحتياط بالثاني ظهور الاتفاق على بطلان ما إذا كان الانقطاع بجعل الواقف، و الظاهر انه اجتهادي لا أن يكون تعبديا حتى يعتمد عليه.

(70) لما تقدم في المسألة السابعة عشر، كما تقدم ما يتعلق ببطلان المنقطع الأول رأسا في أول المسألة فراجع.

(71) نسب ذلك إلى الأكثر و ادعي الإجماع عليه لعموم قوله عليه السّلام:

«الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها» (1)، و عموم دليل الشرط. و عن جمع البطلان بل ادعي عليه الإجماع أيضا و استدل عليه.

تارة: بأنه مناف لمقتضى الوقف.

و أخرى: بأنه من التعليق المبطل.

و ثالثة: بأنه من الوقف على النفس.

و رابعة: بأنه مناف للأخبار الدالة على عدم صحة الرجوع في الصدقة.

و خامسة: بأنه شرط الخيار في الوقف و هو باطل. هذه أدلتهم قدّس سرّهم.

و الكل مخدوش .. أما الأول: فلما مر في نظائره مرارا من أنه مناف لإطلاقه

ص: 30


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الوقوف و الصدقات.

إليه (72)، فإذا احتاج إليه ينقطع و يدخل في منقطع الآخر، و قد مرّ حكمه

______________________________

لا لذاته كما هو معلوم.

و أما الثاني: فلأنه ليس تعليقا في ذات إنشاء الوقف بل في بعض الخصوصيات الخارجة عن الإنشاء، كما إذا قيل: هذا وقف على أولادي إذا كانوا عدولا أو إن احتاجوا أو كانوا فقراء.

و أما الثالث: فلأن مرجع الشرط إلى زوال الوقف و الرجوع إلى النفس النفس مع بقاء الوقفية و به يجاب عن الرابع و الخامس لأن مرجع الشرط إلى تبدل أصل الموضوع لإبقائه و الحكم عليه بشي ء آخر حتى يلزم المحذور.

و أما خبر ابن الفضل عن الصادق عليه السّلام: «الرجل يتصدق ببعض ماله في حياته في كل وجه من وجوه الخير، قال: إن احتجت إلى شي ء من المال فأنا أحق به ترى ذلك له و قد جعله اللّه يكون له في حياته، فإذا هلك الرجل يرجع ميراثا أو يمضي صدقة؟ قال عليه السّلام: يرجع ميراثا على أهله» (1)، و خبره الآخر عنه عليه السّلام أيضا: «من أوقف أرضا ثمَّ قال ان احتجت إليها فأنا أحق بها ثمَّ مات الرجل فإنها ترجع إلى الميراث» (2)، فالإنصاف أن الاستدلال بهما على الصحة أولى من الاستدلال بهما للبطلان كما فعله بعضهم، لأن الرجوع إلى الميراث كما هو المنصوص فيهما ظاهر في أنه حصلت الحاجة فبطلت الوقفية و صار ملكا للواقف ثمَّ مات فصار ميراثا لأهله، و أما الإجماع المتقدم فلا موضوع له مع دعوى الإجماع على الصحة.

(72) لأنه المنساق عرفا من مثل هذا النحو من الوقف عند العرف و أبناء المحاورة فيتبعه حكمه لا محالة.

ص: 31


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الوقوف الحديث: 3.
2- الوافي ج: 6 باب: 69 من أبواب الوقوف صفحة: 78.

و إذا مات الواقف فإن كان بعد طرو الحاجة كان ميراثا و إلا بقي على وقفيته (73).

الرابع: يشترط في صحة الوقف التنجيز

اشارة

الرابع: يشترط في صحة الوقف التنجيز (74) فلو علقه على شرط متوقع الحصول كمجي ء زيد أو شي ء غير حاصل يقيني الحصول فيما بعد كما إذا قال: «وقفت إذا جاء رأس الشهر» بطل (75).

______________________________

(73) أما الرجوع إلى الميراث فلأدلة الإرث بعد صيرورته ملكا للمورّث، و أما البقاء على الوقفية مع عدم الحاجة فلعدم تحقق الشرط فلا معنى لزواله عن الوقفية حينئذ.

(74) استدل عليه.

تارة: بالإجماع.

و أخرى: بأن المسببات لا بد و أن تكون بتحقق أسبابها.

و ثالثة: بأنه خلاف ما وصل إلينا من الأوقاف المنقولة عن الأئمة عليهم السّلام(1).

و يمكن الخدشة في الكل. أما الأول: فلعدم أثر لهذا الإجماع في كتب جمع من المتقدمين كما اعترف به في الحدائق.

و أما الثاني: فلأن تحقق المسببات تابعة لكيفية جعل السبب فإما أن يكون الجعل فعليا من كل جهة و أخرى يكون المنشأ تعليقيا، و لكن الإنشاء فعلي على أي تقدير، و أما الأخير فعدم التعرض أعم من كونه مبطلا، فمقتضى العموم الصحة لو لا مخالفة المشهور و هو المنصور كما هو المتسالم عليه بينهم في جميع العقود، و تقدم في أول شروط البيع ما ينفع المقام فراجع إذ الحكم واحد في الجميع ما لم يدل دليل على الخلاف و هو مفقود في المقام.

(75) لقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه بعد عدم تفرقة الفقهاء بين ما هو مشكوك الحصول أو معلومه.

ص: 32


1- راجع الوسائل باب: 6 و 10 من أبواب الوقوف و الصدقات.
مسألة 23: لا بأس بالتعليق على شي ء حاصل حين الوقف

(مسألة 23): لا بأس بالتعليق على شي ء حاصل حين الوقف كما إذا قال: «وقفت إن كان اليوم يوم الجمعة» مع علمه بكونه يوم الجمعة (76) بل و لو لم يعلم به و كان يوم الجمعة (77).

مسألة 24: لو قال: «هو وقف بعد موتي»

(مسألة 24): لو قال: «هو وقف بعد موتي» فإن فهم منه في متفاهم العرف أنه وصية بالوقف صح و إلا بطل (78).

الخامس: يشترط في صحة الوقف إخراج نفسه عن الوقف

اشارة

الخامس: يشترط في صحة الوقف إخراج نفسه عن الوقف (79).

______________________________

(76) لأنه ليس بتعليق عند العرف مع العلم المذكور، كما لو قال: «إن كان مالي بعتك» مع العلم بأنه ماله مع أن عمدة الدليل على بطلان التعليق انما هو الإجماع، و المتيقن على فرض اعتباره غير هذه الصورة.

(77) لأن المتيقن من الإجماع غير صورة كون المعلّق عليه متحقق الحصول فعلا.

نعم، من يقول بأن صورة التعليق يوجب البطلان و لو لم يكن تعليقا واقعا بطل القسمان أيضا، و لكن لا دليل له من عقل أو نقل بل الإطلاقات و العمومات على خلافه.

(78) أما صحة وصيته فلفرض الانفهام العرفي فيترتب أثرها من النفوذ في الثلث و التوقف في الزائد عليه على إمضاء الورثة. و أما البطلان في صورة عدم الظهور في كل واحد منهما، فلأصالة عدم ترتب الأثر بعد عدم صحة التمسك بكل واحد من أدلة الوقف و الوصية لأنه تمسك بالدليل في الموضوع المشكوك، و يصح الرجوع في تعيين ذلك إلى اعترافه لأنه أعرف بقصده و نيته و لا يعرف ذلك إلا من قبله.

(79) استدل عليه.

تارة: بالإجماع و هو عمدة أدلتهم.

و أخرى: بأن الوقف تمليك و التمليك لا يعقل إلى النفس.

ص: 33

.....

______________________________

و ثالثة: بمكاتبة ابن سليمان إلى أبي الحسن عليه السّلام: «كتبت إليه جعلت فداك ليس لي ولد (وارث) و لي ضياع ورثتها عن أبي و بعضها استفدتها و لا آمن الحدثان، فإن لم يكن لي ولد و حدث بي حدث فما ترى جعلت فداك لي أن أقف بعضها على فقراء إخواني و المستضعفين أو أبيعها و أتصدق بثمنها عليهم في حياتي؟ فإني أتخوف أن لا ينفذ الوقف بعد موتي فإن وقفتها في حياتي فلي أن آكل منها أيام حياتي أم لا؟ فكتب عليه السّلام: فهمت كتابك في أمر ضياعك فليس لك أن تأكل منها من الصدقة فإن أنت أكلت منها لم تنفذ إن كان لك ورثة فبع و تصدق ببعض ثمنها في حياتك، و إن تصدقت أمسكت لنفسك ما يقوتك مثل ما صنع أمير المؤمنين عليه السّلام» (1).

و رابعة: بخبر طلحة عن الصادق عليه السّلام عن علي عليه السّلام: «أن رجلا تصدق بدار له و هو ساكن فيها فقال عليه السّلام: الحين أخرج منها» (2).

و خامسة: بما يأتي في مسألة اشتراط رجوعه إليه عند الحاجة.

و الكل قابل للخدشة. أما الأول: فلإمكان استناده إلى ما وصل إلينا من الأخبار بأن ظاهرهم كونه في عرضها أن يكون مستفادا منها.

و أما الثاني: ففيه. أولا: أن الوقف إيقاف لا أن يكون تمليكا.

و ثانيا: انه لا محذور فيه و لو كان تمليكا إلا اتحاد المملك و المملك له و لا محذور فيه من عقل أو شرع بعد إمكان الاختلاف بينهما بالحيثية و الاعتبار فمن حيث أنه مالك للعين أولا مملك، و من حيث أنه جعل نفسه من أحد أفراد الموقوف عليهم مملك له، و يكفي هذه التفرقة الاعتبارية بعد عدم دليل على لزوم التغاير الحقيقي.

نعم، هو الغالب في التمليكات المتعارفة.

و أما الثالث: فالمنساق منها عرفا أنه ليس لك أن تأكل منها مع كون الضيعة وقفا على الغير و هو صحيح مطابق للقاعدة و لا تدل على شرطية إخراج النفس

ص: 34


1- الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام الوقوف الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام الوقوف الحديث: 4.

فلو وقف على نفسه لم يصح (80).

مسألة 25: لو وقف على نفسه و على غيره

(مسألة 25): لو وقف على نفسه و على غيره فإن كان بنحو التشريك بطل بالنسبة إلى نفسه و صح بالنسبة إلى غيره (81)، و إن كان بنحو الترتيب فإن وقف على نفسه ثمَّ على غيره كان من الوقف المنقطع الأول، و إن كان بالعكس كان من المنقطع الآخر، و إن كان على غيره ثمَّ على نفسه ثمَّ على غيره كان من المنقطع الوسط، و قد مرّ حكم هذه الصور (82).

مسألة 26: لو وقف على غيره كأولاده أو الفقراء

(مسألة 26): لو وقف على غيره كأولاده أو الفقراء مثلا و شرط أن يقضي ديونه أو يؤدي ما عليه من الحقوق المالية كالزكاة و الخمس أو ينفق عليه من غلة الوقف لم يصح و بطل الوقف (83) من غير فرق بين ما لو

______________________________

كما لا يخفى، و مثله خبر طلحة فلا دلالة فيهما على المقام بشي ء، و أما الأخير فالاستدلال به على الجواز أولى من الاستدلال به على المنع كما يأتي، و حينئذ فمقتضى عموم «الوقوف حسب ما يوقفها أهلها» (1)، هو الجواز لو لم يعتمد على الإجماع المطابق لمرتكزات المتشرعة من الواقفين أيضا، و لكن لا بد في الفروع المتفرعة على هذه المسألة من الاقتصار على المتيقن منه و الرجوع في غيره إلى عموم قوله صلّى اللّه عليه و آله: «الوقوف حسب ما يوقفها أهلها» (2).

(80) إذ لا ريب في أنه المتيقن من إجماع الأعلام و مناف لمرتكزات الواقفين من جميع الأنام.

(81) لشمول الإجماع بالنسبة إلى ما لنفسه و عمومات الوقف بالنسبة إلى ما لغيره فيصح لا محالة.

(82) فيبطل بالنسبة إلى المنقطع الأول مطلقا و بالنسبة إلى المنقطع الوسط يصح الوقف بالنسبة إلى شطره الأول دون شطره الآخر فراجع مسألة 20 و 21.

(83) نسب ذلك إلى المشهور فيشمله إجماعهم المقدم لاعتراف

ص: 35


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الوقوف و الصدقات.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الوقوف و الصدقات.

أطلق الدين أو عيّن، و كذا بين أن يكون الشرط الإنفاق عليه و إدرار مئونته إلى آخر عمرة أو إلى مدة معينة، و كذا بين تعيين مقدار المؤنة و عدمه (84).

نعم، لو شرط ذلك على الموقوف عليه من ماله و لو من منافع الوقف بعد ملكه جاز (85).

مسألة 27: لو شرط أكل أضيافه و من يمرّ عليه من ثمرة الوقف جاز

(مسألة 27): لو شرط أكل أضيافه و من يمرّ عليه من ثمرة الوقف جاز (86)، و كذا لو شرط إدرار مئونة أهله و عياله و إن كان ممن يجب عليه نفقته حتى الزوجة الدائمة (87) إذا لم يكن بعنوان النفقة الواجبة عليه حتى تسقط عنه، و إلا رجع إلى الوقف على النفس مثل شرط أداء ديونه (88).

مسألة 28: إذا آجر عينا ثمَّ وقفها صح الوقف و بقيت الإجارة على حالها

(مسألة 28): إذا آجر عينا ثمَّ وقفها صح الوقف و بقيت الإجارة على حالها و كان الوقف مسلوبة المنفعة في مدة الإجارة، فإذا انفسخت الإجارة بالفسخ أو الإقالة بعد تمام الوقف رجعت المنفعة إلى الواقف المؤجر و لا

______________________________

المجمعين بالشمول لهذه الصورة أيضا.

(84) كل ذلك لإجماعهم على عدم صحة استفادة الواقف من عنوان ما وقف و خروج نفسه عنه فيشمل معقد الإجماع جميع ما في المتن مضافا إلى تصريحاتهم رحمهم اللّه بذلك.

(85) للأصل و صدق خروجه عن مورد الوقف عرفا.

(86) للأصل بعد كونه خارجا عن الوقف على النفس عرفا فيشمله عموم دليل الشرط لا محالة، و هذا من احدى الحيل الشرعية التي ورد فيها قوله عليه السّلام:

«نعم الشي ء الفرار من الحرام إلى الحلال» (1).

(87) كل ذلك لأنها خارجة عن متيقن إجماعهم على المنع، فيشملها الأصل و الإطلاقات و العمومات الدالة على الجواز و بقية المسألة واضحة.

(88) و قد مر حكمه في المسألة السابقة أيضا.

ص: 36


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الصرف الحديث: 1.

يملكها الموقوف عليهم (89)، فإن أراد أن ينتفع بما يوقف يمكنه الاحتيال (90) بأن يؤجره مدة كعشرين سنة مثلا مع شرط خيار الفسخ له ثمَّ يفسخ الإجارة بعد تمامية الوقف فترجع إليه منفعة تلك المدة.

مسألة 29: يجوز استثناء بعض العين الموقوفة لنفسه حين الوقف

(مسألة 29): يجوز استثناء بعض العين الموقوفة لنفسه حين الوقف (91)، كما يجوز استثناء مقدار من منافع العين الموقوفة لحق التولية (92).

______________________________

(89) أما صحة الوقف، فلعموم دليله و إطلاقه الشامل لهذه الصورة أيضا و أما صحة أصل الإجارة فلوجود المقتضي و فقد المانع فيشملها الدليل بلا مانع و لا مدافع، و أما بقائها على حالها، فللأصل و الإطلاق و الاتفاق، و أما كون الوقف مسلوب المنفعة في مدة الإجارة فلأن تسبيل المنفعة من لوازم الوقف لو لم يكن مانع في البين فيكون ذلك اقتضائيا لا أن يكون بنحو الذاتية المنطقية، و أما رجوع المنفعة إلى الواقف بعد فسخ الإجارة فلفرض أنه استندها لنفسه بعقد الإجارة فلا وجه لرجوعها إلى غيره بلا سبب مع كون الوقف مسلوب المنفعة بالنسبة إلى الموقوف عليه مدة الإجارة.

(90) و هذا أيضا من احدى الحيل الشرعية التي ورد الترخيص فيها في الشريعة كما تقدم، و قد جمع المحقق جملة منها في كتاب الطلاق فراجع، بل قد ورد في الصلاة التي تكون من أركان الدين و أم العبادات و أصلها قولهم عليهم السّلام:

«ما أعاد الصلاة فقيه قط يحتال لها و يدبرها حتى لا يعيدها» (1).

(91) للأصل و قاعدة السلطنة، كما إذا وقف بستانا و استثنى نخلتها مثلا لنفسه و ليس هذا من الوقف على النفس كما هو معلوم، و كذا لو وقف بقرة للحرث و استثنى لبنها لنفسه.

(92) لقاعدة السلطنة و عموم «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها» (2)،

ص: 37


1- الوسائل باب: 29 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الوقوف و الصدقات.
مسألة 30: لا إشكال في جواز انتفاع الواقف في الأوقاف على الجهات العامة

(مسألة 30): لا إشكال في جواز انتفاع الواقف في الأوقاف على الجهات العامة كالمساجد و المدارس و القناطر و الخانات المعدة لنزول الزوار و الحجاج و المسافرين و نحوها (93)، و أما الوقف على العناوين العامة كالفقراء و العلماء إذا كان الواقف داخلا في العنوان حين الوقف أو صار داخلا فيه فيما بعد فإن كان المراد التوزيع عليهم فلا إشكال في عدم جواز أخذه حصته من المنافع (94)، بل يلزم أن يقصد من العنوان المذكور حين الوقف من عدا نفسه و يقصد خروجه عنه (95)، و من ذلك ما إذا وقف شيئا على ذرية أبيه أو جده إذا كان المقصود البسط و التوزيع كما هو الشائع المتعارف، و إن كان المراد بيان المصرف كما هو الغالب المتعارف في الوقف على الفقراء و الزوار و الحجاج و الفقهاء و الطلبة و نحوها فلا إشكال

______________________________

و هو عوض عمل المتولي و لا يكون ذلك من الوقف على النفس كما يشهد به العرف و العقلاء.

(93) لأن الموقوف عليه إنما هو الجهة فلا يصدق الوقف على النفس عرفا مضافا إلى السيرة المستمرة.

(94) لأنه بالنسبة إلى تلك الحصة التي أخذها لنفسه يكون من الوقف على النفس و هو باطل كما مر.

(95) الأقسام ثلاثة.

فتارة: يقصد خروج نفسه حين الوقف ثمَّ يبدو له أن يأخذ الحصة و ليس له ذلك كما يأتي إلا بأن يرضى الموقوف عليهم الوقف صدقة عليهم و يعطون ذلك برضائهم و عن ملكهم، لصيرورة العين وقفا لهم فيصح له الأخذ حينئذ لكنه خارج عن عنوان الوقف بل داخل في الهدية و نحوها.

و أخرى: يقصد دخول نفسه بالنسبة إلى الحصة فقط بنحو الشرطية الخارجية الزائدة على ذات الوقفية فالمسألة مبنية على أن الشرط الفاسد مفسد أو لا؟ و حيث اخترنا العدم فأصل الوقف صحيح و الشرط فاسد و الأحوط

ص: 38

في خروجه و عدم جواز انتفاعه منه إذا قصد خروج نفسه (96)، و إنما الإشكال فيما لو قصد الإطلاق و العموم بحيث شمل نفسه و أنه هل يجوز له الانتفاع به أم لا؟ أقواهما الأول (97) و أحوطهما الثاني (98) خصوصا فيما إذا قصد دخول نفسه (99).

مسألة 31: في الأوقاف العامة لو شك في اعتبار قيد أو خصوصية في الموقوف عليه هو فاقد له

(مسألة 31): في الأوقاف العامة لو شك في اعتبار قيد أو خصوصية في الموقوف عليه هو فاقد له لم يجز له التصرف إلا بعد إحراز أنه من أهله (100).

______________________________

استيناف الوقف بلا شرط.

و ثالثة: يكون بنحو الشرطية و القيدية الحقيقية بأن يكون إنشاء الوقف في مرتبة ذاته مقيدة بذلك فيبطل، لصدق أنه أدخل نفسه في الوقف.

(96) لتخصيص العنوان بالنسبة إلى غيره و إخراج نفسه عنه في إنشاء الوقف.

(97) لأن الموقوف عليه في الواقع هو الجهة و لا يعد ذلك من الوقف على النفس بحسب الأنظار العرفية فيكون مثل الوقف على الجهات العامة و القياس على الزكوات حيث أنه لا يجوز للفقير أكل زكاة نفسه باطل. لأنه مع الفارق.

(98) خروجا عن خلاف من منع عن ذلك كالعلامة في المختلف و التذكرة و ابن إدريس و لا دليل لهما يصح الاعتماد عليه.

(99) خروجا عن شبهة ان مطلق دخول النفس يوجب البطلان، و لكنه لا وجه لها ما لم تساعدها الأذهان العرفية و هي لا تساعد كون مثل هذا الوقف من الوقف على النفس، و كذا الكلام فيما لو وقف على امام مسجد البلد أو أعلمه فصار نفسه كذلك.

(100) لأصالة عدم صحة التصرف فيما يتعلق بالغير- حقا كان أو عينا أو منفعة- بعد إحراز صحة التصرف بانطباق العنوان عليه، و لا مجرى لأصالة عدم الاشتراط أصلا.

ص: 39

فصل في شرائط الواقف و الموقوف

اشارة

فصل في شرائط الواقف و الموقوف يعتبر في الواقف البلوغ و العقل و الاختيار (1) و عدم الحجر لفلس أو سفه (2) فلا يصح وقف الصبي و إن بلغ عشرا على الأقوى (3).

نعم، حيث أن الأقوى صحة وصية من بلغ ذلك كما يأتي فإذا أوصى بالوقف صح وقف الوصي عنه (4).

______________________________

(1) هذه من الشروط العامة لكل عقد مطلقا و قدمنا ما يتعلق بها في أول كتاب البيع فراجع.

(2) لأن الوقف تصرف مالي و هما ممنوعان عن التصرفات المالية.

(3) و هو المشهور، للعمومات و الإطلاقات و ما دل على جواز صدقته و الوقف صدقة فيحوز أيضا، فعن أبي جعفر عليه السّلام في خبر زرارة: «إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنه يجوز له في ماله ما أعتق أو تصدق أو أوصى على حد معروف و حق فهو جائز» (1)، و في موثق جميل: «يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل و صدقته و وصيته و إن لم يحتلم» (2)، و في موثق محمد بن مسلم: «سأل عن صدقة الغلام ما لم يحتلم؟ قال: نعم إذا وضعها في موضع الصدقة» (3).

و فيه: أن الشك في شمولها للوقف يجزي في عدم صحة التمسك بها لصحة وقفه، إذ المنساق من هذه الأخبار الصدقات اليسيرة الجزئية التي تصدر من الصبي و هو مأذون فيها من الولي نوعا و يكون كالآلة فيها.

(4) لفرض صحة وصيتها بالوقف فيجب على الوصي العمل بها و تقع

ص: 40


1- الوسائل باب: 44 من أبواب الوصية الحديث: 4.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب الوقوف الحديث: 2.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب الوقوف الحديث: 3.

مسألة 32: لا يعتبر في الواقف أن يكون مسلما

(مسألة 32): لا يعتبر في الواقف أن يكون مسلما فيصح وقف الكافر فيما يصح من المسلم على الأقوى (5)، و كذا فيما يصح على مذهبه (6).

______________________________

صحيحة لا محالة.

(5) للإطلاق و ظهور الاتفاق، و أصالة عدم الاشتراط بعد صدق الوقف عليه.

(6) لظهور الإجماع و السيرة عليه أيضا تقريرا لهم على مذهبهم حتى يظهر الحق. و أما الإشكال على الصحة بأن الوقف متقوم بقصد القربة و هو لا يحصل من الكافر لعدم اعتقاده باللّه تعالى. ممنوع صغرى و كبرى أما الصغرى فلما مر، و أما الكبرى فلأن كثير من الكفار يعتقدون باللّه تعالى إجمالا و إنما أخطؤا في طريق معرفته و عبوديته، و يدل عليه قوله تعالى مٰا نَعْبُدُهُمْ إِلّٰا لِيُقَرِّبُونٰا إِلَى اللّٰهِ زُلْفىٰ (1).

و ما يقال: أنه على فرض اعتبار قصد القربة لا بد و أن يحصل له الثواب و هو ليس أهلا له لأن أعماله القربية باطلة مع كفره، كصلواته و صومه و نحوهما مضافا إلى قوله تعالى وَ قَدِمْنٰا إِلىٰ مٰا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنٰاهُ هَبٰاءً مَنْثُوراً (2).

مخدوش. أولا: بأن المتيقن من الإجماع لو لا الظاهر منه الصلاة و الصوم و الحج و نحوها لا كل خير يصدر من الكافر قربة إلى اللّه تعالى مثل الصدقات و مساعدة المرضى و المحتاجين، و نحو ذلك لإطلاق قوله تعالى فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (3)، و أما قوله تعالى:

وَ قَدِمْنٰا إِلىٰ مٰا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنٰاهُ هَبٰاءً مَنْثُوراً انما استدل بها على

ص: 41


1- سورة الزمر: 3.
2- سورة الفرقان: 23.
3- سورة الزلزلة: 8.

مسألة 33: يعتبر في الموقوف أن يكون عينا مملوكا

(مسألة 33): يعتبر في الموقوف أن يكون عينا (7) مملوكا (8) يصح الانتفاع به (9) منفعة محللة (10).

______________________________

الإحباط المطلق، و لكن نوقش فيه من جهات و قد فصلوه و أطالوا القول فيه فراجع مباحث الحبط في المجلد الرابع من البحار (الطبعة القديمة)، و على فرض تمامية الدلالة و عدم المعارض إنما تصح بالنسبة إلى الخلود في الجنة مع الموافاة على الكفر، و أما نفي مطلق الثواب أي الجزاء الحسن لفعل الخير و لو في البرزخ أو الحشر و النشر أو تخفيف العذاب بعد الدخول في النار، فلا يستفاد شي ء من ذلك من الآية الشريفة و ما سيق مساقها من الآيات و الروايات بعد رد بعضها إلى بعض، فكما أن مراتب النعيم متفاوتة تفاوتا كثيرا جدا كما و كيفا مراتب الجحيم أيضا كذلك فيمكن أن يكون تخفيف مرتبة من العذاب بالنسبة إلى كافر صدر منه الخير ثوابا و جزاء حسن لفعله الخير، و قد تعرضنا لتفصيل هذا البحث في غير المقام مع الاستشهاد ببعض الأخبار الواردة عن أئمة الأنام.

(7) إجماعا و نصا و هو المنساق من قوله صلّى اللّه عليه و آله: «حبّس الأصل و سبّل الثمرة» (1) و يدل عليه الأوقاف الصادرة عن الأئمة عليهم السّلام (2)، و سيرة الواقفين من المتشرعة قديما و حديثا بل سيرة جميع الواقفين من سائر الملل و الأديان.

(8) بضرورة من الفقه إن لم يكن من الدين و المنساق من الأدلة القولية و الفعلية في الوقف.

(9) لأن ما لا يصح الانتفاع به لا يتصور موضوع الوقف بالنسبة إليه مضافا إلى الإجماع فتوى و عملا.

(10) لأن الشارع سلب المنافع المحرمة فتكون العين كما لا منفعة له أصلا

ص: 42


1- تقدم في صفحة: 6.
2- الوافي ج: 6 باب: 70 صدقات النبي و الأئمة صفحة: 78.

مع بقاء عينه (11) و يمكن قبضه (12) فلا يصح وقف المنافع و لا الديون (13) و لا وقف ما لا يملك مطلقا كالحر أو لا يملكه المسلم كالخنزير (14)، و لا ما لا انتفاع به إلّا بإتلافه كالأطعمة و الفواكه (15) و لا انتفاعه ما انحصر المقصود في المحرم كآلات اللهو

______________________________

مضافا إلى الإجماع بل الضرورة.

(11) لحديث: «حبس الأصل و تسبيل المنفعة» (1)، مضافا إلى الاتفاق، و ما لا ينتفع به إلا بإتلاف عينه كيف يتصور فيه الوقف المبنى على الدوام.

(12) لتقوم الوقف بالقبض كما مر و ما لا يمكن فيه القبض كيف يصح فيه الوقف.

(13) أما عدم صحة وقف المنافع فلعدم تصوير حبس الأصل فيها إذ الأصل نفس المنافع، و الانتفاع بها انما هو بإتلافها فكيف يتصور «تحبيس الأصل و تسبيل الثمرة» فإذا كان مالكا لمنفعة بستان مثلا دون أرضه لا يصح وقف المنفعة.

و أما الدين سواء كان في ذمته كما إذا وقف شاتا على ذمته أو في ذمة الغير، كما إذا كان له شاة في ذمة الغير لا يصح وقفها قبل القبض، و العمدة فيه ظهور الإجماع و ظواهر الأدلة الواردة في أوقاف الأئمة عليهم السّلام، و لانصراف الأدلة إلى العين مضافا إلى سيرة المتشرعة. و يمكن الخدشة في الكل لو لا الإجماع مع إمكان تأييد الجواز بالصلح و البيع و نحوهما الذي يصح تعلقه بالدين أيضا.

ثمَّ انه لا إشكال في صحة الوقف المشاع للإطلاق و الاتفاق.

(14) للإجماع فيهما بل الضرورة الفقهية.

(15) لعدم تحقق معنى الوقف الشرعي بالنسبة إليه لأنه تحبيس للأصل و تسبيل الثمرة و لو وقفها لغرض الاستشمام مثلا فالظاهر الجواز مع إمكان البقاء فيها بما يقيد به و كذا الورد.

ص: 43


1- مستدرك الوسائل: باب 1 من أبواب الوقوف الحديث: 2.

و القمار (16)، و يلحق به ما كانت المنفعة المقصودة من الوقف محرمة كما إذا وقف الدابة لحمل الخمر أو الدكان لحرزه أو بيعه (17)، و كذا لا يصح ما لا يمكن قبضه (18) كالعبد الآبق و الدابة الشاردة، و يصح وقف كل ما صح الانتفاع به مع بقاء عينه كالأراضي و الدور و العقار و الثياب و السلاح و الآلات المباحة و الأشجار و المصاحف و الكتب و الحلي و صنوف الحيوان حتى الكلب المملوك و السنور و نحوها (19).

مسألة 34: لا يعتبر في العين الموقوفة كونها مما ينتفع بها فعلا

(مسألة 34): لا يعتبر في العين الموقوفة كونها مما ينتفع بها فعلا بل يكفي كونها معرضا للانتفاع و لو بعد مدة و زمان (20)، فيصح وقف الدابة الصغيرة و الأصول المغروسة التي لا تثمر إلا بعد سنين.

مسألة 35: لا يصح وقف المبهم

(مسألة 35): لا يصح وقف المبهم كما إذا قال: «وقفت بعض أملاكي أو شيئا من مالي» (21).

مسألة 36: المنفعة المقصودة في الوقف أعم من المنفعة المقصودة في العارية و الإجارة

(مسألة 36): المنفعة المقصودة في الوقف أعم من المنفعة المقصودة في العارية و الإجارة (22) فتشمل النمائات و الثمرات فيصح

______________________________

(16) إجماعا بل ضرورة.

(17) لما مر في سابقة من غير فرق.

(18) لتقوم الوقف بالقبض كما مر فما لا يمكن قبضه لا يمكن وقفه.

(19) لوجود المقتضي و فقد المانع فتشملها الإطلاقات و العمومات بلا مدافع.

(20) للإطلاق و ظهور الاتفاق إلا إذا كان طول المدة بحيث ينصرف عنه الدليل عرفا فلا يصح حينئذ.

(21) للإجماع و عدم تعلق القصد بالمبهم من حيث هو.

(22) لإطلاق قوله صلّى اللّه عليه و آله: «حبّس الأصل و سبّل الثمرة» (1)، الشامل لجميع

ص: 44


1- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب الوقوف الحديث: 2.

وقف الأشجار لثمرها و الشاة لصوفها و لبنها و نتاجها و إن لم يصح إجارتها لذلك (23).

مسألة 37: يجوز وقف الدراهم و الدنانير

(مسألة 37): يجوز وقف الدراهم و الدنانير إن فرض لهما منافع صحيحة شرعية (24).

مسألة 38: لو ترددت العين الموقوفة بين شيئين أو أكثر

(مسألة 38): لو ترددت العين الموقوفة بين شيئين أو أكثر كأن لم يعلم أنه وقف داره أو دكانه بعد العلم بوقوع عقد الوقف جامعا للشرائط فالمرجع القرعة (25).

مسألة 39: لو كانت العين مشتركة بين الطلق و الوقف فباع صاحب الطلق حصته

(مسألة 39): لو كانت العين مشتركة بين الطلق و الوقف فباع صاحب الطلق حصته أو كانت العين الموقوفة بين اثنين مثلا فباع أحدهما حصته لعروض مجوز للبيع عنده ففي ثبوت الشفعة في الصورتين إشكال (26).

______________________________

ذلك مضافا إلى الإجماع بل السيرة في الجملة.

(23) تقدم في كتاب الإجارة صحة الإجارة فيها أيضا فراجع.

(24) لشمول الإطلاقات و العمومات لها حينئذ.

(25) لأنها لكل أمر مشكل و هذا منه، و الظاهر مساعدة السيرة لها أيضا.

(26) لاحتمال انصراف أدلة الشفعة عن الصورتين بأن يقال ان مورد الشفعة ما إذا كان الشفيع مالكا للعين المشتركة لا مجرد استيلائه على استيفاء المنفعة بأي وجه كان و هو احتمال حسن لو لم تكن الأدلة ظاهرة فيه.

ص: 45

فصل في الموقوف عليه

اشارة

فصل في الموقوف عليه ينقسم الوقف باعتبار الموقوف عليه على قسمين (1) «الوقف الخاص»، و هو ما كان وقفا على شخص أو أشخاص، كالوقف على أولاده و ذريته أو على زيد و ذريته و «الوقف العام» و هو ما كان على جهة و مصلحة عامة، كالمساجد و القناطر و الخانات المعدة لنزول القوافل، أو على عنوان عام كالفقراء و الفقهاء و الطلبة و الأيتام.

مسألة 40: يعتبر في الوقف الخاص وجود الموقوف عليه حين الوقف

(مسألة 40): يعتبر في الوقف الخاص وجود الموقوف عليه حين الوقف فلا يصح الوقف ابتداء على المعدوم (2)، و من سيوجد (3)، بل

______________________________

(1) هذا التقسيم عرفي و شرعي و تقتضيه سيرة الواقفين بين الناس أجمعين فتشمله أدلة الوقف بلا مانع في البين.

(2) لاستنكار العقلاء ذلك و نسبة الواقف إلى السفاهة و عدم العقل كما إذا وقف ماله فبان أن الموقوف عليه مات قبل إنشاء الوقف بسنين.

(3) نسب بطلانه إلى المشهور و استدلوا عليه.

تارة: بالإجماع.

و أخرى: بأن هذا الوقف تمليك و لا يعقل التمليك إلى المعدوم و إلّا لزم قيام أمر وجودي بما هو معدوم و هو محال.

و ثالثة: باعتبار القبض في الوقف و مع العدم لا يتحقق القبض.

و رابعة: بأنه في معنى التعليق و هو يوجب البطلان.

و يمكن الخدشة في الكل أما الإجماع فكونه من الإجماعات التعبدية أول الدعوى، و أما عدم صحة قيام الموجود بالمعدوم فهو صحيح في الأعراض

ص: 46

و كذا على الحمل قبل أن يولد (4) و المراد بكونه ابتداء أن يكون هو الطبقة الأولى من دون مشاركة موجود في تلك الطبقة (5).

نعم، لو وقف على المعدوم أو الحمل تبعا للموجود- بأن يجعل طبقة ثانية أو مساويا للموجود في الطبقة بحيث لو وجد لشاركه- صح بلا إشكال (6) كما إذا وقف على أولاده الموجودين و من سيولد له على التشريك أو الترتيب (7).

و بالجملة: يعتبر في بطلان الوقف على المعدوم أن يكون مستقلا و ابتداء و أما لو كان كل منهما تبعا للموجود عرضا أو طويلا فيصح (8)، فلو

______________________________

الخارجية لا في الأمور الاعتبارية، و الملكية من الأمور الاعتبارية التي يصح تعلقها بالمعدوم كتعلقها بالموجود، إذ الاعتباريات خفيفة المؤنة جدا، و اما الثالثة لا وجه له مع إمكان قبض المتولي أو الحاكم، و أما الرابعة فلأن التعليق المبطل ما إذا كان أصل الإنشاء كذلك لا ما إذا كان الإنشاء مطلقا و المنشأ معلقا فلا مانع منه.

(4) دليله منحصر بدعوى الإجماع على عدم الصحة و إذا كان دعوى إجماعهم على عدم الصحة في المعدوم مخدوشة ففي المقام أولى بالخدشة.

(5) فإنه صحيح للإطلاق و ظهور الاتفاق و السيرة.

(6) لشمول الإطلاق له بلا محذور في البين و تقتضيه سيرة المتشرعة في الوقف على الذرية و ظاهر بعض أوقاف الأئمة عليهم السّلام (1).

(7) لشمول إطلاق الدليل و ظهور الإجماع لكل منهما.

(8) لشمول الإطلاق له حينئذ بلا محذور في البين، مضافا إلى سيرة المتشرعة قديما و حديثا، و أما القول بالبطلان بدعوى أن اعتبار وجود الوقوف

ص: 47


1- الوافي باب: 70 من أبواب الصدقات ج: 6.

وقف على ولده الموجود ثمَّ على أولاد الولد ثمَّ على زيد فتوفي ولده قبل أن يولد الولد ثمَّ تولد صح الوقف (9)، و كذا لو وقف على ذريته نسلا بعد نسل و كان له أولاد و أولاد الأولاد فانقرضوا و وصلت النوبة إلى الطبقة الثالثة (10).

مسألة 41: لا يعتبر في الوقف على العنوان العام وجوده في كل زمان

(مسألة 41): لا يعتبر في الوقف على العنوان العام وجوده في كل زمان بل يكفي إمكان وجوده فعلا في بعض الأزمان (11)، فإذا وقف بستانا مثلا على فقراء البلد و لم يكن في زمان الوقف فقير في البلد لكن سيوجد صح الوقف و لم يكن من المنقطع الأول، كما انه لو كان موجودا لكن لم يوجد في زمان ثمَّ وجد لم يكن من المنقطع الوسط بل هو باق على وقفيته

______________________________

عليه و عدم كونه حملا شرط حدوثا و بقاء من حين حدوث إنشاء الوقف إلى حين زواله و انقراضه فهو من مجرد الدعوى بلا دليل، لأن غاية ما تدل عليه الأدلة على فرض التمامية إنما هو اعتبار وجود الموقوف عليه و عدم اعتبار كونه حملا حين إنشاء الوقف و حدوثه، و أما بعد الإنشاء و الحدوث صحيحا و صيرورة المعدوم و الحمل تبعا للموجود فمقتضى الإطلاق الصحة فلا موضوع حينئذ لمنقطع الأول أو الوسط أو الآخر كما لا يخفى.

(9) لأن المعدوم و الحمل تبع للموجود و لا محذور فيه كما مر و المحذور إنما هو فيما إذا كان مستقلا و في الطبقة الأولى.

(10) لما مر في سابقة من غير فرق.

(11) أما عدم اعتبار الوجود فعلا في كل زمان فللإطلاق، و الاتفاق و الأصل و السيرة المستمرة بين المتشرعة و الأوقاف المنقولة عن الأئمة عليهم السّلام (1)، و أما اعتبار الوجود فعلا في بعض الأزمان فلما مر من اعتبار وجود الموقوف

ص: 48


1- الوافي باب: 70 من أبواب الصدقات ج: 6.

فيحفظ غلته في زمان عدم وجود الفقير إلى أن يوجد (12).

مسألة 42: يشترط في الموقوف عليه التعيين

(مسألة 42): يشترط في الموقوف عليه التعيين (13) فلو وقف على

______________________________

عليه حين إنشاء الوقف فيصير المعدوم حينئذ تبعا و لا محذور فيه كما تقدم، مع أن العناوين الكلية لها وجودات اعتبارية و تبعيتها للموجود أولى من تبعية العدم المحض له.

(12) لفرض وجوب إيصال الموقوف إلى أهله و هو ممكن و ليس بممتنع.

(13) نسب ذلك إلى المشهور، و استدل عليه.

تارة: بالإجماع.

و أخرى: بانصراف الأدلة إلى المعين.

و ثالثة: بعدم معهوديته في وقف المردد.

و رابعة: بأن الملكية لا تتعلق بالمردد.

و الكل مخدوش أما الإجماع فالظاهر أنه اجتهادي، و أما الانصراف فلا اعتبار به ما لم يوجب الظهور المعتبر في المنصرف اليه و هو ممنوع، و أما عدم المعهودية فلا وجه لها مع الإطلاقات خصوصا مثل قوله صلّى اللّه عليه و آله: «حبّس الأصل و سبّل الثمرة» (1)، الذي ورد مورد البيان من كل جهة في هذا الأمر العام البلوى، و أما عدم تعلق الملكية بالمردد فلا وجه له لأن الملكية من الاعتباريات و تعلق الأمر الاعتباري بالمردد لا بأس به فيكون كالواجب التخييري و ليس المراد بالتردد التردد المفهومي فإنه لا معنى له، و قد فصلوا القول في الأصول فراجع، و كما يصح التوكيل في التصدق على أحد الفقيرين و الإعطاء لإمام أحد المسجدين و نحو ذلك مما هو كثير فليكن الوقف أيضا كذلك خصوصا في الأشياء التي تكون على مقياس واحد من كل جهة و لا فرق بينها أبدا و لو كان فهو

ص: 49


1- تقدم في صفحة: 42- 6.

أحد الشخصين أو أحد المشهدين أو أحد المسجدين أو أحد الفريقين لم يصح (14).

مسألة 43: لا يصح الوقف على الكافر الحربي و المرتد عن فطرة

(مسألة 43): لا يصح الوقف على الكافر الحربي و المرتد عن فطرة (15)، و أما الذمي و المرتد لا عن فطرة فالظاهر صحته (16). سيما إذا

______________________________

بالدقة العقلية.

(14) هذا إذا كان بعنوان الترديد، و أما لو كان بعنوان الجامع صحيح كما عرفت.

(15) نسب ذلك الى المشهور لعدم أهليتهما للتملك، أما الأول فلأن أمواله في ء للمسلمين، و أما الثاني فلأن ماله لورثته هكذا قالوا و العمدة هو الإجماع لو تمَّ.

و قد يستدل بقوله تعالى لٰا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوٰادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ (1).

و فيه: أن المراد بالموادة ما يوجب التقوية لهم و ضعفا للمسلمين لا مطلق المجاملة معهم و الإحسان إليهم و لو لأجل تأليف قلوبهم.

(16) للأصل و الإطلاق بعد عدم دليل يعتد به على عدم الصحة في الحربي المرتد عن فطرة فضلا عن غيرهما خصوصا بعد إطلاق قوله تعالى:

لٰا يَنْهٰاكُمُ اللّٰهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقٰاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيٰارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ (2)، و إطلاق الأدلة المرغبة إلى الخير و الإحسان من الكتاب (3)، و السنة (4).

ص: 50


1- سورة المجادلة: 22.
2- سورة الممتحنة: 8.
3- سورة البقرة: 148.
4- الوسائل باب: 28 من أبواب الفعل المعروف- كتاب النكاح.

كان رحما للواقف (17).

مسألة 44: لا يصح الوقف على الجهات المحرمة

(مسألة 44): لا يصح الوقف على الجهات المحرمة و ما فيه إعانة على المعصية (18)، كمعونة الزناة و قطاع الطرق و كتابة كتب الضلال، و كالوقف على البيع و الكنائس و بيوت النيران لجهة عمارتها و خدمتها و فرضها و معلقاتها و غيرها.

نعم، يصح وقف الكافر عليها (19).

مسألة 45: إذا وقف مسلم على الفقراء أو فقراء البلد

(مسألة 45): إذا وقف مسلم على الفقراء أو فقراء البلد انصرف إلى فقراء المسلمين بل الظاهر إنه لو كان الواقف شيعيا انصراف إلى فقراء الشيعة، و إذا وقف كافر على الفقراء انصرف إلى فقراء نحلته فاليهود إلى

______________________________

(17) لإطلاق الأدلة الواردة في صلة الرحم- خصوصا الوالدين- من الكتاب (1)، و السنة (2)، بل العقل غير القابل للتقييد إلا بمقيد قوي متين و هو مفقود.

(18) لحرمة الإعانة على المعصية بالأدلة الأربعة (3)، و تقدم في المكاسب المحرمة و أثبتنا هناك فساد العقد الواقع بهذا العنوان فراجع.

(19) للإطلاق و الاتفاق و السيرة من المتشرعة على ترتيب آثار الوقف الصحيح على ذلك، و تقدم سابقا في وقف الكافر ما يتعلق بالبيع و الكنائس و جهات الواقف عليهما من الكفار في كتاب الجهاد فراجع، و الظاهر عدم الفرق بين أن يقف نصراني على أهل ملته أو يهودي على النصراني أو بالعكس و كذا في سائر الملل و الأديان.

ص: 51


1- سورة النساء: 1.
2- الوسائل باب: 59 من أحكام الأولاد.
3- راجع ج: 1 صفحة: 71.

اليهود و النصارى إلى النصارى و هكذا (20)، بل الظاهر إنه لو كان الواقف سنّيا انصرف إلى فقراء أهل السنة (21).

نعم، الظاهر أنه لا يختص بمن يوافقه في المذهب فلا انصراف لو وقف الحنفي إلى الحنفي و الشافعي إلى الشافعي و هكذا (22).

______________________________

(20) لأن لفظ الفقراء و ان كان عاما لكن الانصراف من القرينة المنضمّة إليه في تحققه بالمنصرف إليه، لأنه من الانصرافات المعتبرة عند العرف و أهل المحاورة عند كل مذهب و ملة، فيكون مثل هذا الانصراف من القرائن المنضمّة إلى الكلام، و قد ثبت في محله أنها مقدمة على اللغة و العرف الخاص أو العام لأن مثل هذا الانصراف كالظهور بل الصريح، و استفادة مراد الشارع عن كلامه في الكتاب و السنة تعتمد على مثل هذه القرائن إلا أن يثبت الردع عنها و هذه هي القاعدة الكلية في تشخيص موضوعات الأحكام التي لم يرد فيها تحديد شرعي فيصح ابتناء الحكم الشرعي عليه، فاللفظ و إن كان عاما إلا أن القرينة الحالية تخصصه ما لم يرد منع في البين و هو مفقود هذا مع ظهور الاتفاق على ذلك كله.

ثمَّ أن لفظ الشيعة و إن كان يطلق على كل من قدم عليا عليه السّلام على غيره في الخلافة لكن المنصرف إليه في العرف الخاص خصوص الاثني عشري.

(21) يجري فيه عين ما مر في سابقة من غير فرق، و لقرينة الحال و السيرة قديما و حديثا هذا في الوقف الخاص.

و أما التحرير كالمساجد و نحوها فلا اختصاص في البين بل خارج عن موضوع البحث، لأنه في الوقف الخاص لا في التحريرات.

(22) أخذا بالعموم، لعدم انصراف معتبر و لا سيرة كذلك بالاختصاص بأهل نحلته فقط فلا بد من الأخذ بالعموم إلا أن تكون قرينة معتبرة على الخلاف.

ص: 52

مسألة 46: إذا كان أفراد عنوان الموقوف عليه منحصرة في أفراد محصورة

(مسألة 46): إذا كان أفراد عنوان الموقوف عليه منحصرة في أفراد محصورة، كما إذا وقف على فقراء محلة أو قرية صغيرة توزع منافع الوقف على الجميع (23)، و إن كانوا غير محصورين لم يجب الاستيعاب (24)، لكن لا يترك الاحتياط بمراعاة الاستيعاب الصرفي مع كثرة المنفعة فيوزّع على جماعة معتد بها بحسب مقدار المنفعة (25)، و يتساوى الأفراد في التوزيع عليهم في الصورتين إلا مع القرينة على الخلاف (26)، و لو دار الأمر بين الاستيعاب و تقليل الحصص أو عدمه و تكثيرها يعمل بشواهد الحال (27).

مسألة 47: إذا وقف عينا على أشخاص بعنوان خاص فيهم راجح شرعا

(مسألة 47): إذا وقف عينا على أشخاص بعنوان خاص فيهم راجح شرعا كالعدالة أو الاشتغال بالعلم مثلا- فاتفق عدم تحقق ذلك العنوان في طبقة منهم فهل يجوز أن يؤجرها إلى أن يتحقق العنوان أو لا وجهان؟ لا

______________________________

(23) لأنه مقتضى اللغة و العرف و الإجماع.

(24) لأن عدم الانحصار قرينة معتبرة عن أنه ليس المراد بلفظ الفقراء الاستيعاب بل المراد به جنس الجميع إلا مع القرينة على الخلاف بحيث تكون القرينة أظهر و أقوى، كما إذا كانت المنفعة كثيرة جدا بحيث تفي بالصرف على غير المحصور أيضا فيكون حينئذ من تقديم النص على الظاهر.

(25) لصحة دعوى أن مراد الواقف من لفظ الفقراء هو الاستيعاب بأي مرتبة أمكن الاستيعاب عرفا و لو لم يكن كليا.

(26) لأن الظاهر من مصرف الوقف هو التساوي إلا مع القرينة على التفاضل، مضافا إلى الأصل و ظهور الإجماع لتعيين الواقف لبقية الصرف أو وجود عرف خاص ينصرف إليه إطلاق الوقف.

(27) إذ لا طريق الى استظهار أحدهما إلا ذلك و مع عدمها فمقتضى الجمود على ظاهر اللفظ هو التعميم إلا إذا كان في البين ما ينافيه.

ص: 53

يخلو أولهما من رجحان (28).

مسألة 48: إذا وقف على فقراء قبيلة

(مسألة 48): إذا وقف على فقراء قبيلة كبني فلان و كانوا متفرّقين لم يقتصر على الحاضرين بل يجب تتبع الغائبين و حفظ حصتهم للإيصال إليهم (29).

نعم، إذا لم يمكن التفتيش عنهم و صعب احصائهم لم يجب الاستقصاء (30) بل يقتصر على من حضر (31).

______________________________

(28) لأن ذلك من الإحسان و الجمع بين الحقين إن كان لأجل الترغيب الى تحصيل العنوان الراجح و كان العنوان مرجوا قريبا، و لكن إذا قطع بعدم حصول العنوان يشكل ذلك، فيرجع حينئذ إلى الحاكم الشرعي، لاحتمال أنه من مجهول المصرف بل الأحوط أن يرجع إلى الحاكم الشرعي في الصورة الأولى أيضا.

(29) لظهور اللفظ في التعميم و وجوب العمل بظاهر لفظ الوقف مهما أمكن مضافا إلى الإجماع. و أما مكاتبة النوفلي قال: «كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام: أسأله عن أرض وقفها جدي على المحتاجين من ولد فلان بن فلان، و هم كثير متفرقون في البلاد؟ فأجاب: ذكرت الأرض التي وقفها جدك على فقراء ولد فلان و هي لمن حضر البلد الذي فيه الوقف و ليس لك أن تتبع من كان غائبا» (1)، فلا بد من حمله على أن الوقف كان لبيان المصرف فقط لا تعميم من يصرف إليه المال.

(30) لسقوط كل حكم يتعذر موضوعه و الحرج في تحصيله، و لو لم يكن حرج في التفتيش يجب ذلك هذا إذا كان الوقف على العنوان و لو كان على الجهة فيصح الاقتصار مطلقا.

(31) لانحصار المصرف فيهم حينئذ.

ص: 54


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الوقوف و الصدقات الحديث: 1.

مسألة 49: إذا وقف على المسلمين كان لكل من أقر بالشهادتين

(مسألة 49): إذا وقف على المسلمين كان لكل من أقر بالشهادتين (32)، و لو وقف على المؤمنين اختص بالاثني عشري لو كان الواقف إماميا (33) و كذا لو وقف على الشيعة.

______________________________

(32) لأن كل من أقرّ بهما مسلم نصا (1)، و إجماعا ما لم يحكم بكفره و لا فرق في الموقوف عليه بين الرجال و النساء و الإسلام التبعي كالصغير و المجنون لشمول لفظ المسلم للكل.

(33) لما تقدم من تقديم العرف الخاص على اللغة و العرف العام، و كذا الكلام في الشيعة لأن لفظها و إن عم جميع من قدم عليا عليه السّلام على غيره في الخلافة، و لكن المنساق عند الإمامي من هذا اللفظ انما هو الشيعة بل هو المنساق من هذا اللفظ عند غير الإمامي أيضا كما لا يخفى على المتتبع، و لا فرق فيه أيضا بين الرجال و النساء و غير البالغ و المجنون و العادل و غيره لما عرفت، و القول بالاختصاص بالعادل كما عن جمع مستدلا بقوله عليه السّلام: «الإيمان هو الإقرار باللسان و عقد في القلب و عمل بالأركان» (2).

مخدوش .. أولا: بأنه في مقام بيان الفرد الكامل من الإيمان لا جميع مراتبه.

و ثانيا: بأن المراد كما عن بعض العمل بنحو القضية الحينية يعني لو عمل لعمل على طريق المؤمنين لا القضية الطبيعية الذاتية الاستمرارية بالنسبة إلى العمل و إلا لاختل النظام و كثر الكفرة بين الأنام إلا من عصمه الملك العلام.

نعم، بالنسبة إلى الإقرار باللسان و الاعتقاد بالجنان قضية ذاتية كما لا يخفى و يقتضيه قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ (3)، في عدة آيات فإن الظاهر منها المغايرة في الجملة.

ص: 55


1- الوافي ج: 3 باب: 1 من أبواب تفسير الإيمان الحديث: 1.
2- الوافي ج: 3 باب: 1 من أبواب تفسير الإيمان الحديث: 11.
3- الوسائل باب: 90 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 1 و 2.

مسألة 50: إذا وقف في سبيل اللّه يصرف في كل ما يكون وصلة إلى الثواب

(مسألة 50): إذا وقف في سبيل اللّه يصرف في كل ما يكون وصلة إلى الثواب (34) و كذلك لو وقف في وجوه البر.

مسألة 51: لو وقف على جيرانه فالمرجع العرف

(مسألة 51): لو وقف على جيرانه فالمرجع العرف (35).

______________________________

(34) لأن كل ما هو وصلة إلى الثواب سبيل إلى اللّه تعالى، كما أن وجوه البر سبيل اللّه عز و جل. و ذكر الحج أو الجهاد في بعض الأخبار (1)، من باب المثال و أرسل في الجواهر إرسال المسلمات أن الأصل في مصرف كل مال ليس له مصرف خاص هو الصرف في وجوه البر.

(35) نسب ذلك إلى جمع منهم العلامة في جملة من كتبه و المحقق و الشهيد الثانيين، و استدلوا عليه بأن المرجع في تعيين مفاد الألفاظ هو العرف ما لم يرد تحديد معتبر على الخلاف، و نسب إلى المشهور بل ادعي عليه الإجماع و استحسنه المحقق في الشرائع التحديد بأربعين ذراع من كل جانب، و كل ذراع أربعة و عشرون إصبعا، و هذا القول إن رجع إلى العرف فهو و إلا فلا دليل له، لأن دعوى الإجماع في هذه المسألة الخلافية موهون، و في بعض الروايات تحديد الجار بأربعين دار من كل جانب و اختار ذلك في الحدائق كقول أبي جعفر عليه السّلام:

«حد الجوار أربعون دارا من كل جانب من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و شماله»، و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «كل أربعين دارا جيران من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله»، و في رواية عمرو بن عكرمة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليا و سلمان و أبا ذر أن ينادوا في المسجد بأعلى أصواتهم بأنه لا إيمان لمن لم يأمن جاره بوائقه فنادوا بها ثلاثا ثمَّ أومأ بيده إلى كل أربعين دارا من بين يديه و من خلفه و عن يمينه» (2)، و هذه الروايات مخالفة للمشهور و موافقة للعامة، و إباء العرف في مثل هذه الأزمان و جملة من البلدان

ص: 56


1- الوسائل باب: 90 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 1 و 2.
2- الوسائل باب: 86 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 1.

مسألة 52: إذا وقف على أن يصرف على ميت أو أموات صرف في مصالحهم الأخروية

(مسألة 52): إذا وقف على أن يصرف على ميت أو أموات صرف في مصالحهم الأخروية (36) من الصدقات عنهم و فعل الخيرات لهم و إذا احتمل اشتغال ذمتهم بالديون صرف أيضا في إفراغ ذمتهم (37).

مسألة 53: إذا وقف على أرحامه أو أقاربه فالمرجع العرف

(مسألة 53): إذا وقف على أرحامه أو أقاربه فالمرجع العرف (38) و إذا وقف على الأقرب فالأقرب كان ترتيبيا على كيفية طبقات الإرث (39).

مسألة 54: إذا وقف على أولاده اشتراك الذكر و الأنثى و الخنثى

(مسألة 54): إذا وقف على أولاده اشتراك الذكر و الأنثى و الخنثى و يكون التقسيم بينهم على السواء (40)، و إذا وقف على أولاد أولاده عم أولاد البنين و البنات ذكورهم و إناثهم بالسوية (41).

______________________________

التي يتخلل شوارع وسيعة بين كل ستة دور بل أقل فلا بد من حملها على بعض مراتب الفضل في المجاملات الأخلاقية لا الإلزاميات التكليفية هذا مع عدم وجود قائل بها من القدماء، و لذا نسبت إلى الشذوذ. ثمَّ أن الجار يعم المالك للدار أو الساكن فيها بالاستئجار أو غيره للسيرة و ظهور الإطلاق.

(36) لأنه المنساق من مثل هذا الوقف لدى المتشرعة.

(37) لأن ذلك من أهم مصالحهم، و الأولى أن يقصد الأعم من إفراغ ذمته و وصول البر إليهم.

(38) لعدم ورود تحديد شرعي معتبر فيه و كل ما كان كذلك لا بد و أن يرجع فيه الى العرف.

(39) لظهور كلمة (الفاء) في الترتيب ما لم تكن قرينة على الخلاف و هي مفقودة في المقام.

(40) أما الأول فلكون الجميع ولدا فيشملهم اللفظ قهرا. و أما الأخير فلأن الأصل في التقسيم أن يكون على السواء ما لم تكن قرينة على الخلاف و هي مفقودة.

(41) أما الأول فلكون الجميع أولاد الأولاد فيعمهم الحكم لا محالة،

ص: 57

مسألة 55: إذا قال: «وقفت على ذريتي»

(مسألة 55): إذا قال: «وقفت على ذريتي» عم الأولاد بنين و بنات و أولادهم بلا واسطة و معها ذكورا و إناثا (42)، و يكون الوقف تشريكا يشارك الطبقات اللاحقة مع السابقة و يكون على الرؤوس بالسوية (43)، و أما إذا قال: «وقفت على أولادي» أو قال: «على أولادي و أولاد أولادي» فالمشهور (44) أن الأول ينصرف إلى الصلبي فلا يشمل أولاد الأولاد و الثاني يختص ببطنين فلا يشمل سائر البطون لكن الظاهر خلافه و إن الظاهر منهما عرفا التعميم خصوصا في الثاني (45).

مسألة 56: إذا قال: «وقفت على أولادي نسلا بعد نسل و بطنا بعد بطن»

(مسألة 56): إذا قال: «وقفت على أولادي نسلا بعد نسل و بطنا بعد بطن» الظاهر المتبادر منه عند العرف إنه وقف ترتيب (46) فلا يشارك الولد أباه و لا ابن الأخ عمّه.

______________________________

و تقدم في كتاب الخمس ما ينفع المقام، و أما التقسيم بالسوية فلما مر في سابقة من غير فرق.

(42) لدخول الجميع في عنوان الذرية فيشملهم الحكم بلا ريبة.

(43) أما التشريك فلظاهر اللفظ بعد عدم وجود ما يظهر منه الترتيب و أما التسوية بحسب الرؤوس فلأصالة التسوية بعد عدم ما يدل على التفاضل.

(44) و لا دليل لهم إلا دعوى الانصراف إلى الصلبي في الأول و البطني في الثاني فلا يتعدى إلى المرتبة الثالثة، و لكن ظهور اللفظ في الإطلاق عرفا مما لا.

ينكر لو لم تكن قرينة حالية أو مقالية على الخلاف، و لذا ذهب جماعة إلى التعميم خصوصا في الثاني الظاهر عرفا في إرادة جنس الجمع مهما صدق ذلك إلى الأبد.

(45) ظهر وجهه آنفا فلا يحتاج إلى الإعادة.

(46) لظهور كلمة (بعد) في ذلك مع عدم القرينة على الخلاف كما هو المفروض.

ص: 58

مسألة 57: إذا قال: «وقفت على ذريتي أو قال على أولادي و أولاد أولادي»

(مسألة 57): إذا قال: «وقفت على ذريتي أو قال على أولادي و أولاد أولادي» و لم يذكر أنه وقف تشريك أو وقف ترتيب يحمل على الأول (47)، و كذا لو علم من الخارج وقفية شي ء على الذرية و لم يعلم انه تشريك أو وقف ترتيب (48).

مسألة 58: لو قال: «وقفت على أولادي الذكور نسلا بعد نسل»

(مسألة 58): لو قال: «وقفت على أولادي الذكور نسلا بعد نسل» يختص الذكور من الذكور في جميع الطبقات و لا يشمل الذكور من الإناث (49).

مسألة 59: إذا كان الوقف ترتيبيا كانت الكيفية تابعة لجعل الواقف

(مسألة 59): إذا كان الوقف ترتيبيا كانت الكيفية تابعة لجعل الواقف (50).

فتارة: يجعل الترتيب بين الطبقة السابقة و اللاحقة و يراعى الأقرب فالأقرب إلى الواقف فلا يشارك الولد أباه و لا ابن الأخ عمه و عمته و لا ابن الأخت خاله و خالته (51).

______________________________

(47) لأصالة التساوي في الكمية و التشريك في الأشخاص ما لم تكن قرينة على الخلاف، و هي مفروضة العدم، و لو وجد شرط في البين في تعيين الكيفية أو الكمية يتبع الشرط لعموم: «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها» (1)، مضافا إلى الإجماع.

(48) لما مر آنفا من أصالة التساوي ما لم تكن قرينة على الخلاف لكن الاحتياط في تراضيهم على القرعة.

(49) لظهور قوله «أولادي الذكور» بل صراحته في ذلك فلا بد من أتباعه.

(50) للإجماع و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها» (2)، بل و قاعدة السلطنة أيضا لأن العين ما لم يتم الوقف تكون تحت سلطنته و اختياره.

(51) كل ذلك لأجل أنه لا تصل النوبة إلى الطبقة اللاحقة مع وجود الطبقة

ص: 59


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الوقوف و الصدقات.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الوقوف و الصدقات.

و أخرى: يجعل الترتيب بين خصوص الإباء من كل طبقة و أبنائهم فإذا كانت أخوة و لبعضهم أولاد لم يكن للأولاد شي ء ما دام حيوة الإباء (52)، فإذا توفى الإباء شارك الأولاد أعمامهم (53)، و يمكن أن يجعل الترتيب على نحو آخر (54) و يتبع فإن «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها».

مسألة 60: لو قال: «وقفت على أولادي طبقة بعد طبقة و إذا مات أحدهم و كان له ولد فنصيبه لولده»

(مسألة 60): لو قال: «وقفت على أولادي طبقة بعد طبقة و إذا مات أحدهم و كان له ولد فنصيبه لولده»، فلو مات أحدهم و له ولد يكون فنصيبه لولده (55)، و لو تعدد الولد يقسم النصيب بينهم على الرؤس (56) و إذا مات من لا ولد له فنصيبه لمن كان في طبقته (57) و لا يشاركهم الولد الذي أخذ نصيب والده (58).

مسألة 61: لو وقف على العلماء انصرف إلى علماء الشريعة

(مسألة 61): لو وقف على العلماء انصرف إلى علماء الشريعة (59)

______________________________

السابقة حسب الترتيب الذي جعله الواقف.

(52) لفرض أن الواقف لا حظ الترتيب هكذا و الشرع قرره عليه.

(53) لوجود المقتضي حينئذ للمشاركة و فقد المانع.

(54) بأي نحو أمكن عقلا و لم يكن مانع في البين شرعا.

(55) لكونه من الطبقة اللاحقة فيشمله لفظ الوقف لا محالة.

(56) لأصالة المساواة في التقسيم ما لم تكن قرينة على الخلاف.

(57) لوجود المقتضي و هو كونه في الطبقة السابقة عليه حينئذ و فقد المانع كما هو واضح.

(58) لفرض كونه متأخرا عنهم في الطبقة و مع وجود السابق لا تصل النوبة إلى المتأخر و اللاحق.

(59) لاقتضاء العرف الخاص بين المتشرعة ذلك لو لم تكن قرينة على الخلاف و لو كانوا من علماء الشريعة و غيرهم يعطي لهم أيضا.

ص: 60

فلا يشمل غيرهم كعلماء الطب و النجوم و الحكمة.

مسألة 62: لو وقف على أهل مشهد كالنجف مثلا اختص بالمتوطنين و المجاورين

(مسألة 62): لو وقف على أهل مشهد كالنجف مثلا اختص بالمتوطنين و المجاورين (60) و لا يشمل الزوّار و المترددين.

مسألة 63: لو وقف على المشتغلين في النجف مثلا من أهل البلد الفلاني كبغداد

(مسألة 63): لو وقف على المشتغلين في النجف مثلا من أهل البلد الفلاني كبغداد أو غيره من البلدان اختص بمن هاجر من بلده إلى النجف للاشتغال (61)، و لا يشمل من جعله وطنا له معرضا عن بلده (62).

مسألة 64: لو وقف على مسجد صرفت منافعه مع الإطلاق في تعميره و وضوئه و فرشه و خادمه

(مسألة 64): لو وقف على مسجد صرفت منافعه مع الإطلاق في تعميره و وضوئه و فرشه و خادمه و لو زاد شي ء يعطى لإمامه (63).

مسألة 65: لو وقف على مشهد يصرف في تعميره و وضوئه و خدّامه

(مسألة 65): لو وقف على مشهد يصرف في تعميره و وضوئه و خدّامه المواظبين لبعض الأشغال اللازمة المتعلقة بذلك المشهد (64).

مسألة 66: لو وقف على الحسين عليه السّلام يصرف في إقامة تعزيته من أجرة القارئ

(مسألة 66): لو وقف على الحسين عليه السّلام يصرف في إقامة تعزيته من أجرة القارئ و ما يتعارف صرفه في المجلس للمستمعين (65)، و لو وقف

______________________________

(60) لأنهما المنساق من هذا اللفظ مع عدم ما يدل على الخلاف.

(61) لما مر في سابقة من غير فرق.

(62) إن لم يكن مشتغلا فللخروج الموضوعي، و إن كان مشتغلا مع الإعراض عن وطنه و جعل النجف وطنا له فلانصراف عنوان الوقف عن مثله لأن المراد منه بحسب الظاهر من هاجر ثمَّ رجع.

(63) أما الأول فلأنه المنساق من الوقف على المسجد عرفا، و اما الأخير فلأن الإمام و المؤذن مما يحتاج إليه المسجد، بل من أهمه لتقوّم تعميره المعنوي بهما.

(64) لأن هذا هو المتعارف في الوقف على المشاهد و الأماكن المقدسة و الإطلاق ينزّل على المتعارف ما لم تكن قرينة على الخلاف.

(65) لأنه المنساق من الوقف على الحسين عليه السّلام عند الشيعة، و قد يستفاد

ص: 61

على إمام العصر (عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف) يرجع أمره إلى الحاكم الشرعي (66).

مسألة 67: لو وقف على من انتسب إلى شخص من نبي أو إمام

(مسألة 67): لو وقف على من انتسب إلى شخص من نبي أو إمام فهو لمن انتسب إليه من طرف الأب دون الأم (67).

مسألة 68: لا إشكال في أنه بعد تمام الوقف ليس للواقف التغيير في الموقوف عليه

(مسألة 68): لا إشكال في أنه بعد تمام الوقف ليس للواقف التغيير في الموقوف عليه بإخراج بعض من كان داخلا أو إدخال من كان خارجا إذا لم يشترط ذلك في ضمن عقد الوقف (68)، و هل يصح ذلك إذا شرط

______________________________

من القرائن التعميم بالنسبة إلى زائريه عليه السّلام أيضا.

(66) لأنه وكيله و نائبه مع اجتماع الشرائط فيه.

(67) لأن الانتساب لا يتحقق إلا من طرف الأب دون الأم.

نعم، عنوان الولدية يعم كلا منهما، و تقدم في كتاب الخمس ما ينفع المقام.

(68) لأن الوقف لازم لا يتغير عما هو عليه بحدوده و قيوده كما في كل لازم عقدا كان أو إيقاعا ما لم يدل دليل على الخلاف، و يقتضيه قوله عليه السّلام:

«الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها» (1)، يعني أنها تستقر على نحو ما وقف بالنسبة إلى نفس الواقف و بالنسبة إلى غيره فيلزم و تستقر على ما إنشاء حين الوقف و لا يتغير و لا يتبدل بعد ذلك، و عن نهاية الشيخ رحمه اللّه: انه إذا وقف على أولاده الأصاغر جاز أن يشرك معهم من يتجدد له من الأولاد و ان لم يشترط ذلك في العقد، و قوله رحمه اللّه موافق المشهور في صحة الإدخال و مخالف لهم في التعميم بالنسبة إلى عدم الاشتراط، و استدل على ما ادعاه بجملة من الأخبار منها صحيح ابن يقطين قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يتصدق على بعض

ص: 62


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الوقوف و الصدقات.

ذلك؟ فالمشهور و هو المنصور جواز الإدخال دون الإخراج (69)، فلو

______________________________

ولده بطرف من ماله ثمَّ يبدو له بعد ذلك أن يدخل معه غيره من ولده؟ قال عليه السّلام:

لا بأس بذلك» (1)، و خبر سهل عن الرضا عليه السّلام: «عن الرجل يتصدق على بعض ولده بطرف من ماله ثمَّ يبدو له بعد ذلك أن يدخل معه غيره من ولده، قال عليه السّلام:

لا بأس به» (2)، و خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال: «سألته عن رجل تصدق على ولده بصدقة ثمَّ بدا له أن يدخل غيره فيه مع ولده أ يصلح ذلك؟

قال عليه السّلام: نعم يصنع الوالد بمال ولده ما أحب و الهبة من الولد بمنزلة الصدقة من غيره» (3)، و خبر ابن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل يجعل لولده شيئا و هم صغار، ثمَّ يبدو له أن يجعل معهم غيرهم من ولده قال عليه السّلام: لا بأس» (4).

و فيه: إنها موهونة بضعف السند في بعضها و إعراض المشهور عن جميعها و معارضتها بصحيح آخر لابن يقطين عن أبي الحسن عليه السّلام: «عن الرجل يتصدق ببعض ماله على بعض ولده و يبينه لهم إله أن يدخل معهم من ولده غيرهم بعد ان أبانهم بصدقة؟ قال عليه السّلام: ليس له ذلك إلا أن يشترط انه من ولد له فهو من تصدق عليه فذلك له» (5)، و هذا الصحيح مقيد لجميع المطلقات و حاكم عليها فلا وجه للأخذ بها مع وجوده فيحمل ما تقدم من الأخبار على عدم تحقق القبض.

(69) استدل عليه.

تارة: بعموم قوله صلّى اللّه عليه و آله: «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها».

و أخرى: بأن الإدخال بالشرط كدخول الطبقة اللاحقة في الوقف على الذرية فكما يجوز الثاني فليكن الأول جائزا أيضا.

و ثالثة: بما مر من صحيح ابن يقطين: «ليس له ذلك إلا أن يشترط انه من

ص: 63


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الوقوف و الصدقات الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب الوقوف و الصدقات الحديث: 2.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب الوقوف و الصدقات الحديث: 5.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب الوقوف و الصدقات الحديث: 3.
5- الوسائل باب: 5 من أبواب الوقوف و الصدقات الحديث: 1.

.....

______________________________

ولد له فهو مثل من تصدق عليه فذلك له»(1).

و رابعة: بأنه يرجع إلى اشتراط العنوان.

و خامسة: بخبر أبي طاهر البلالي قال: «استحللت بجارية- إلى أن قال- ولي ضيعة قد كنت قبل أن تصير إلى هذه المرأة سبلتها على وصاياي و على سائر ولدي على أن الأمر في الزيادة و النقصان منه إلى أيام حياتي، و قد أتت بهذا الولد فلم الحقه في الوقف المتقدم المؤبد و أوصيت إن حدث بي حدث الموت ان يجري عليه ما دام صغيرا فإن كبر أعطي من هذه الضيعة حمله مأتي دينار غير مؤبد و لا تكون له و لعقبه بعد إعطائه ذلك في الوقف شي ء فرأيك أعزك اللّه؟

فورد جوابها- يعني من صاحب الزمان (عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف)، أما الرجل الذي استحل بالجارية- إلى أن قال- و إعطاؤه المأتي دينار و إخراجه من الوقف فالمال ماله فعل فيه ما أراد» (2).

و نوقش في الجميع أما الأولى: فلأن المراد به الكمية و الكيفية بالنسبة إلى خصوصيات الصرف.

و فيه: ما لا يخفى فإن إطلاقه يشمل الجميع إلا ما خرج بدليل صحيح.

و أما في الثانية: لأنه قياس مع الفارق.

و فيه: أنه يصلح للتأييد و إن لم يصلح للدليل.

و أما الثالثة: فلسقوطه بالمعارضة بصحيحة الآخر كما تقدم فلا وجه للأخذ به.

و فيه: انهما بالنسبة إلى مورد الشرط من المثبتين و المطلق و المقيد و لا تعارض بينهما كما ثبت في محله.

و أما الرابعة: فلأن اشتراط العنوان و اشتراط الإدخال مخالفان عرفا فكيف يرجع الثاني إلى الأول.

و أما الخامسة: فنوقش فيه بقصور السند.

ص: 64


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الوقوف و الصدقات الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب الوقوف و الصدقات الحديث: 4.

شرط إدخال من يريد صح و جاز له ذلك و لو شرط إخراج من يريد بطل الشرط (70)،

______________________________

و الحق ما هو المشهور من الصحة في جواز الإدخال دون الإخراج.

و أما الاستدلال على البطلان بأن شرط الإدخال خلاف مقتضى الوقف فيكون باطلا.

ففيه. أولا: انه خلاف إطلاقه لا خلاف مقتضى ذاته.

و ثانيا: أنه اجتهاد في مقابل النص و هو ما مر من صحيح ابن يقطين في صدر المسألة.

(70) على المشهور، و استدل عليه.

تارة: بظهور الإجماع.

و أخرى: بأنه مناف لمقتضى العقد.

و ثالثة: بأنه خلاف ما وصل إلينا من أوقاف الأئمة عليهم السّلام.

و نوقش في الكل أما الأول: فعهدة إثباته على مدعيه.

و أما الثاني: فلأنه خلاف إطلاقه لا ذاته، و ما لا يصح هو الثاني دون الأول.

و أما الأخير: فعدم الوجود في أوقاف الأئمة عليهم السّلام أعم من البطلان كما هو واضح و لذا أشكل في الحكم بالبطلان بعض بل قوى الصحة بعض آخر لإطلاق قوله عليه السّلام: «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها» (1)، بعد الخدشة فيما استدل به على البطلان. هذا و لكن مقتضى العرف و مرتكزات المتشرعة خلفا عن سلف أن هذا الشرط خلاف مقتضى الوقف فيرون التنافي بينهما و يشك في صحة التمسك بالإطلاق مع ذهاب المشهور إلى البطلان.

ثمَّ إن شرطية الإدخال و الإخراج على قسمين.

الأول: كونه مسلطا على الوقف كتسليط ذي الخيار على ما فيه الخيار

ص: 65


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الوقوف و الصدقات.

بل الوقف أيضا على إشكال (71) و مثل ذلك لو شرط نقل الوقف من الموقوف عليهم إلى من سيوجد (72).

نعم، لو وقف على جماعة إلى أن يوجد من سيوجد و بعد ذلك كان الوقف على من سيوجد صح بلا إشكال (73).

مسألة 69: إذا علم وقفية شي ء و لم يعلم مصرفه

(مسألة 69): إذا علم وقفية شي ء و لم يعلم مصرفه و لو من جهة نسيانه فإن كانت المحتملات متصادفة غير متباينة يصرف في المتيقن (74)،

______________________________

نقضا و إبراما حلا و إمضاء.

الثاني: أن يكون بمنزلة المتولي و الناظر الذي يرى مصلحة الوقف و حفظ بقائه في الإدخال تارة و الإخراج أخرى، و الظاهر جواز كل منهما في القسم الثاني بخلاف القسم الأول فإن مقتضى القاعدة عدم الصحة، و لعل بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات فراجع و تأمل، و كذا في مسألة النقل إلى من سيوجد.

(71) من أنه إخراج لبعض الموقوف عليهم فيبقى أصل الوقف في الجملة صحيحا بحاله. و من احتمال أنه تغيير لأصل الوقف فيحتاج إلى وقف مستأنف.

(72) لأنه تغيير للوقف و نقل له الى غير من وقف عليه أولا، و خلاف الأوقاف المعهودة بين المتشرعة قديما و حديثا، و الشك في شمول العموم له يكفي في العدم.

إن قيل: أنه يرجع الى شرط الإدخال و قد مر جوازه.

يقال: الفرق بينهما واضح لأن ما مر إنما هو في إدخال شخص خاص في الموقوف عليهم الموجودين حين الإنشاء و بعده و المقام نقل الوقف عن الموجود الى غيره، فمقتضى الأصل عدم جوازه إلا بدليل يدل عليه و هو مفقود.

(73) لأن كل وقف ذرّي يكون هكذا فيشمله الإجماع و العموم و السيرة و يكون مثل الوقف على العنوان فيشمل الموجود و المعدوم طولا و عرضا.

(74) للعلم بأنه مصرف الوقف حينئذ.

ص: 66

كما إذا لم يدر أنه وقف على الفقراء أو على الفقهاء فيقتصر على مورد تصادف العنوانين و هو الفقهاء الفقراء، و إن كانت متباينة فإن كان الاحتمال بين أمور محصورة كما إذا لم يدر أنه وقف على أهالي النجف أو كربلاء أو لم يدر انه وقف على المسجد الفلاني أو المشهد الفلاني و نحو ذلك يوزع بين المحتملات بالتنصيف لو كان مرددا بين أمرين و التثليث لو كان مرددا بين ثلاثة و هكذا (75)، و يحتمل القرعة. و إن كان بين أمور غير محصورة فإن كان مرددا بين عناوين و أشخاص غير محصورين- كما إذا لم يدر أنه وقف على فقراء البلد الفلاني أو فقهاء البلد الفلاني أو سادة البلد الفلاني أو ذرية زيد أو ذرية عمرو أو ذرية خالد و هكذا- كانت منافعه بحكم مجهول المالك (76)، فيتصدق بها، و ان كان مرددا بين جهات غير

______________________________

(75) المحتملات في المقام ثلاثة: التصالح و التراضي الاختياري، و الصلح القهري الشرعي، و القرعة أما الأول فلا إشكال في جوازه و يشمله قوله تعالى:

وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ (1)، و مع قصور المورد يتصديه الحاكم الشرعي. و أما الثاني فلأنه خير و إحسان و عدل و انصاف فتشمله الأدلة الواردة في الترغيب إلى ذلك كله من الكتاب (2)، و السنة (3)، و يمكن أن يستشهد بما ورد في الوديعة في خبر السكوني عن أبي جعفر عليه السّلام: «في رجل استودع رجلا دينارين فاستودعه آخر دينارا فضاع دينار منها، قال عليه السّلام: يعطى صاحب الدينارين دينارا و يقسم الآخر بينهما نصفين» (4). و أما الأخير فلأنها للأمر المشكل و المقام منه.

(76) يمكن أن يكون منه موضوعا، و يدل على أنه يتصدق به خبر ابن

ص: 67


1- سورة النساء: 128.
2- سورة المائدة: 48.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب فعل المعروف.
4- الوسائل باب: 12 من أبواب أحكام الصلح.

محصورة- كما إذا لم يعلم أنه وقف على المسجد أو المشهد أو القناطر أو إعانة الزوار أو تعزية سيد الشهداء عليه السّلام و هكذا- يصرف في وجوه البر (77).

______________________________

راشد قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام قلت: جعلت فداك اشتريت أرضا إلى جنب ضيعتي بألفي درهم فلما وفّرت المال خبرت أن الأرض وقف؟ فقال عليه السّلام: لا يجوز شراء الوقف و لا تدخل الغلة في ملك، ادفعها إلى من أوقفت عليه، قلت: لا أعرف لها ربا، قال عليه السّلام: تصدق بغلّتها» (1).

(77) على المشهور أما بقاء أصل الوقف و عدم بطلانه فللأصل، و أما الصرف في وجوه البر فلأن كل مال تعذر صرفه في مصرفه الخاص يصرف في وجوه البر، و يدل عليه العرف و الشرع بل العقل أيضا، و قد جعل صاحب الجواهر هذا أصلا و قاعدة و قرره في موارد من كتابه و كذا غيره من الفقهاء، و استدل على هذه القاعدة بأخبار متفرقة التي يستفاد من مجموعها ان كل مال تعذر صرفه فيما هو المقرر يصرف في وجوه البر، كالخبر الوارد في الوصية عن محمد بن الريان قال: «كتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام أسأله عن إنسان أوصى بوصية فلم يحفظ الوصي إلا بابا واحدا منها، كيف يصنع و الجواب أن العرف و المتشرعة يأبون بحسب ارتكازاتهم عن عدّ هذا في الباقي؟ فوقع: الأبواب الباقية اجعلها في البر» (2)، و ما تقدم من خبر ابن راشد، و ما ورد فيمن أوصى بمال للحج فلم يبلغ المال أن يتصدق به (3)، و كذا لو أوصى بمال للكعبة (4)، إلى غير ذلك من الروايات (5).

ص: 68


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الوقوف.
2- الوسائل باب: 61 من أبواب الوصية.
3- الوسائل باب: 87 من أبواب الوصية.
4- الوسائل باب: 60 من أبواب الوصية.
5- راجع الوافي ج: 10 باب: 53 من أبواب وجوه المكاسب: باب المال المفقود صاحبه صفحة: 50.

مسألة 70: إذا كانت للعين الموقوفة منافع متجددة و ثمرات متنوعة

(مسألة 70): إذا كانت للعين الموقوفة منافع متجددة و ثمرات متنوعة يملك الموقوف عليهم جميعها مع إطلاق الوقف (78)، فإذا وقف العبد يملكون جميع منافعه من مكتسباته و حيازاته من الالتقاط و الاصطياد و الاحتشاش و غير ذلك، و في الشاة الموقوفة يملكون صوفها المتجدد و لبنها و نتاجها، و في الشجر و النخل ثمرهما و منفعة الاستظلال بهما و السعف و الأغصان و الأوراق اليابسة بل و غيرها إذا قطعت للإصلاح (79) و كذا فروخهما و غير ذلك، و هل يجوز تخصيص بعض المنافع حتى يكون للموقوف عليهم بعض المنافع دون بعض، فيه تأمل و إشكال (80).

مسألة 71: يصح اشتراط كل شرط سائغ في الوقف

(مسألة 71): يصح اشتراط كل شرط سائغ في الوقف بالنسبة إلى الواقف و العين الموقوفة و الموقوف عليهم و كيفية الصرف و كميته و كذا بالنسبة إلى المتولي و الناظر (81).

______________________________

(78) أما إن نماء الوقف الخاص و منافعه للموقوف عليهم فهو من ضروريات الفقه لو لم يكن من الدين، و أما كون جميع المنافع للموقوف عليهم مع الإطلاق فلأنه لا معنى للإطلاق إلا ذلك.

(79) أو انقطعت لحادث من ريح أو نحوه.

(80) منشأ الإشكال أنه من الوقف على النفس و تقدم بطلانه من الوقف على النفس بل يعدونه استثناء عن الوقف و الإيقاف لا أن يكون تشريكا للواقف في الوقف، فيصح الأول دون الثاني، و الفرق بينهما واضح بلا تأمل و لا إشكال بحمد اللّه، مع ان الشك في الصحة يكفي في جريان أصالة الصحة كما ثبت في محله.

(81) كل ذلك لإطلاق قوله عليه السّلام: «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها» (1)، و إطلاق دليل الشرط مضافا إلى ظهور الإجماع و الاتفاق

ص: 69


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الوقوف و الصدقات.

مسألة 72: لو وقف على مصلحة فبطل رسمها

(مسألة 72): لو وقف على مصلحة فبطل رسمها كما إذا وقف على مسجد أو مدرسة أو قنطرة فخربت و لم يمكن تعميرها أو لم يحتج المسجد إلى مصرف لانقطاع من يصلي فيه و المدرسة لعدم الطلبة و القنطرة لعدم المارة- صرف الوقف في وجوه البر (82)، و الأحوط صرفه في مصلحة أخرى من جنس تلك المصلحة و مع التعذر يراعى الأقرب فالأقرب منها (83).

مسألة 73: إذا خرب المسجد لم تخرج عرصته عن المسجدية

(مسألة 73): إذا خرب المسجد لم تخرج عرصته عن المسجدية

______________________________

منهم رحمهم اللّه.

(82) لما تقدم من أن كل مال كان لمصرف مخصوص و لم يمكن صرفه فيه يصرف في وجوه البر.

(83) كل ذلك لقاعدة الميسور، و تقتضيه مرتكزات المتشرعة أيضا و حيث أن التمسك بها لا بد و أن ينجبر بعمل الأصحاب في موردها و هو مشكل إن لم يكن ممنوعا، و المرتكزات لا تصل إلى حد الإلزام فلذا عبر بالاحتياط.

ثمَّ إن حال الوقف في مثل هذا الوقف الذي بطل رسمه لا يخلو عن أقسام.

الأول: أن يعلم من القرائن أن نظره من الوقف إلى بقاء خير و خيرات منه و جعل الخصوصيات المذكورة في الوقف طريقا إليها من باب تعدد المطلوب، فالصرف في وجوه البر حينئذ يكون مطابقا للقاعدة بعد بطلان الرسم.

الثاني: أن يعلم منها أن التعيين كان من باب وحدة المطلوب و الموضوعية الصرفة، و الظاهر كون الوقف حينئذ من المنقطع الآخر.

الثالث: أن يشك في أنه من أي القسمين و مقتضى أن حب الخير و بقائه و إبقائه جبلّي لمن أقدم على وقف ماله أن يلحق هذا القسم بالقسم الأول، و لعله يمكن أن يجمع بين الكلمات فراجع و تأمل.!

ص: 70

فتجري عليها أحكامها و كذا لو خربت القرية التي هو فيها بقي المسجد على صفة المسجدية (84).

مسألة 74: لو وقف دارا على أولاده أو على المحتاجين منهم، فإن أطلق فهو وقف منفعة

(مسألة 74): لو وقف دارا على أولاده أو على المحتاجين منهم، فإن أطلق فهو وقف منفعة (85)، كما إذا وقف عليهم قرية أو مزرعة أو خانا أو دكانا و نحوها يملكون منافعها (86) فلهم استنمائها (87) فيقسمون بينهم ما يحصلون منها بإجارة و غيرها على حسب ما قرره الواقف من الكمية و الكيفية (88)، و إن لم يقرر كيفية في القسمة يقسمونه بينهم بالسوية (89).

و إن وقفها عليهم لسكناهم فهو وقف انتفاع و يتعين لهم ذلك و ليس لهم إجارتها (90)،

______________________________

(84) كل ذلك للأصل و السيرة خلفا عن سلف و استنكار المهتمين بدينهم بإزالة آثار المسجدية مهما أمكن، بل و توبة من فعل ذلك و لو بعد الخراب و الاندراس.

(85) لظهور الإطلاق في ذلك مضافا إلى ظهور الاتفاق.

(86) لأنه معنى وقف المنفعة في مقابل ملك الانتفاع الذي يأتي بعد ذلك فيكون وقف المنفعة كالإجارة و وقف الانتفاع كالعارية.

(87) لقاعدة السلطنة و إجماع الأمة.

(88) لوجوب اتباع نظره فيهما فيما عينه منهما لقوله صلّى اللّه عليه و آله: «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها» (1)، مضافا إلى الإجماع.

(89) لأصالة المساواة و عدم التفضيل ما لم يقم على خلافها الدليل.

(90) لعدم كونهم مالكين للعين و لا المنفعة، و إنما لهم حق الانتفاع بالسكنى فقط مع أن الإجارة تمليك المنفعة.

ص: 71


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الوقوف و الصدقات.

و حينئذ فإن كفت لسكنى الجميع سكنوها (91)، و ليس لبعضهم أن يستقل به و يمنع غيره (92)، و إذ وقع بينهم التشاح في اختيار الحجر فإن جعل الواقف متوليا يكون له النظر في تعيين المسكن للساكن كان نظره و تعيينه هو المتّبع (93)، و مع عدمه كانت القرعة هي المرجع (94)، و لو سكن بعضهم و لم يسكنها البعض فليس له مطالبة الساكن بأجرة حصته (95) إذا لم يكن مانعا عنه بل كان باذلا له الإسكان و هو لم يسكن بميله و اختياره أو لمانع خارجي، هذا كله إذا كانت كافية لسكنى الجميع و إن لم تكف لسكنى الجميع سكنها البعض (96)، و مع التشاح و عدم المتولي من قبل الواقف يكون له النظر في تعيين الساكن و عدم تسالمهم على المهاياة لا محيص عن القرعة، و من خرج اسمه يسكن و ليس لمن لم يسكن مطالبته بأجرة حصته (97).

______________________________

(91) لوجود المقتضي و فقد المانع فيسكنون الجميع فيها بلا مانع و لا مدافع.

(92) لأصالة عدم ثبوت هذا الحق له بعد ظهور الوقف أو صراحته في التعميم.

(93) لفرض ثبوت ولايته على ذلك بتعيين الواقف.

(94) لأنها لكل أمر مشكل و المقام منه حينئذ.

(95) لأصالة عدم ثبوت هذا الحق له بعد عدم صدور مزاحمة و معارضة بالنسبة إليه في الفروض المذكورة.

(96) لانحصار الموقوف عليه فيه حينئذ و الانطباق القهري عليه.

(97) أما اعتبار نظر المتولي فلفرض ولايته عن الواقف على مثل هذه الأمور و أما تسالمهم فلأن الحق لا يتجاوز عنهم فلهم أن يتسالموا على ما شاءوا و أرادوا.

ص: 72

مسألة 75: الثمر الموجود حال الوقف على النخل و الشجر لا يكون للموقوف عليهم

(مسألة 75): الثمر الموجود حال الوقف على النخل و الشجر لا يكون للموقوف عليهم بل هو باق على ملك الواقف، و كذلك الحمل الموجود حال وقف الحامل (98).

نعم، في الصوف على الشاة و اللبن في ضرعها إشكال (99) فلا يترك الاحتياط (100).

______________________________

و أما اعتبار القرعة فلانحصار تعيين التشخيص فيها حينئذ.

و أما عدم حق المطالبة فلسقوط حقه التعيين الشرعي بواسطة القرعة التي تكون معتبرة شرعا فلا يصح التعدي عنها.

(98) الأقسام ثلاثة ..

تارة: تكون في البين قرينة معتبرة على دخولها في الوقف.

و أخرى: تكون قرينة معتبرة على خروجها عنه.

و ثالثة: ليست في البين قرينة مطلقا و يكون من مجرد الشك في الدخول و الخروج. أما وجود القرينة فلا بد من اتباعها دخولا أو خروجا. و أما مع الشك فمقتضى الأصل بقائها على ملك المالك بعد عدم صحة التمسك بإطلاق دليل الوقف و عمومه لكونه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك.

(99) ادعي عدم الخلاف على دخولها في الوقف و كونها للموقوف عليهم فإن تمَّ إجماع تعبدي أو دلت قرائن معتبرة على الدخول فهو و إلا فلا فرق بينها و بين الثمرة و الحمل، فمع وجود القرائن يعمل بها و مع العدم يعمل بالأصل كما تقدم.

و يمكن أن يجعل هذا النزاع لفظيا بينهم فمن يقول بالدخول أي مع القرينة و من يقول بالعدم أي مع القرينة على عدم الدخول.

(100) بأن يستأذن الموقوف عليهم من الواقف في التصرف فيها أو يستأذن الواقف منهم في التصرف، و مع فوت الواقف يستأذن الواقف من الورثة

ص: 73

مسألة 76: لو قال وقفت على أولادي و أولاد أولادي شمل جميع البطون

(مسألة 76): لو قال وقفت على أولادي و أولاد أولادي شمل جميع البطون كما أشرنا سابقا (101) فمع اشتراط الترتيب أو التشريك أو المساواة أو التفضيل أو قيد الذكورية أو الأنوثية أو غير ذلك يكون هو المتبع (102)، و إذا أطلق فمقتضاه التشريك و الشمول للذكور و الإناث و المساواة و عدم التفضيل (103)، و لو قال وقفت على أولادي ثمَّ على أولاد أولادي أفاد الترتيب بين الأولاد و أولاد الأولاد قطعا (104)، و أما أولاد الأولاد بناء على شموله لجميع البطون فالظاهر عدم الدلالة على الترتيب بينهم (105) إلا إذا قامت قرينة على أن حكمهم كحكمهم مع

______________________________

و المتولي، و مع عدم المتولي فتصل النوبة إلى الحاكم الشرعي و من كان في سبيل الاحتياط يسهّل اللّه تعالى طريقه.

(101) في المسألة الخامسة و الخمسين، و لما مر من ظهور هذا اللفظ في العموم ما لم تكن قرينة على الخلاف.

(102) لأن المؤمنين عند شروطهم (1)، فيجب على نفسه الوفاء بها و إن «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها» (2)، فيجب على غير الواقف العمل بها.

(103) لأصالة الإطلاق، و أصالة عدم التقييد بالقيود المذكورة و أصالة البراءة عن لزوم العمل بها فلا بد من العمل بالإطلاق لا محالة.

(104) لظهور لفظ «ثمَّ» و ما يرادفه من سائر اللغات في الترتيب مع عدم القرينة على الخلاف بلا إشكال فيه و المفروض عدم القرينة.

(105) لعدم لفظ ظاهر في الترتيب بالنسبة إليهم فلا بد حينئذ من إتباع القرائن المعتبرة و مع عدمها يعمل بالإطلاق و الأصول.

ص: 74


1- الوسائل باب: 20 من أبواب المهور الحديث: 4.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الوقوف و الصدقات.

الأولاد (106)، و إن ذكر الترتيب بين الأولاد و الأولاد من باب المثال و المقصود الترتيب في سلسلة الأولاد و أن الوقف للأقرب فالأقرب إلى الواقف.

مسألة 77: لا ينبغي الإشكال في أن الوقف بعد ما تمَّ يوجب زوال ملك الواقف عن العين الموقوفة

(مسألة 77): لا ينبغي الإشكال في أن الوقف بعد ما تمَّ يوجب زوال ملك الواقف عن العين الموقوفة (107)، كما أنه لا ينبغي الريب في أن الوقف على الجهات العامة، كالمساجد و المشاهد و القناطر و الخانات المعدة لنزول القوافل و المقابر و المدارس و كذا أوقاف المساجد و المشاهد و أشباه ذلك لا يملكها أحد بل هو فك ملك (108) بمنزلة التحرير بالنسبة إلى الرقبة و تسبيل للمنافع على جهات معينة. و أما الوقف الخاص كالوقف على الأولاد و الوقف العام على العناوين العامة- كالوقف على الفقراء و الفقهاء و الطلبة و نحوها- فإن كانت وقف منفعة بأن وقف عليهم ليكون

______________________________

(106) لأن هذه القرينة معتبرة فلا بد من اتباعها حينئذ، و يحمل ما ذكر أولا على أنه من باب المثال و أن المقصود جريان الترتيب في جميع الموقوف عليهم مهما وجدوا.

(107) لظواهر الأخبار المشتملة على التعبير في جميع الموقوف عليهم ب «صدقة بتا بتلا» (1)، الظاهر من مثل هذه التعبيرات في انقطاع علقة الواقف عنه بالمرة، و لسيرة المتشرعة بل بناء العقلاء و ظهور الإجماع بلا فرق في ذلك بين جعل الوقف عقدا أو إيقاعا أي من مجرد الإيقاف فقط.

(108) للعرف و الوجدان و السيرة سواء قيل بأن مثل هذه الأوقاف يصير ملكا اللّه تعالى أو لا، لأن ملكية اللّه تعالى نحو ملكية لا تنافي فك الملك بالنسبة

ص: 75


1- الوسائل باب: 6 و 10 من أبواب الوقوف.

منافع الوقف لهم فيستوفونها بأنفسهم أو بالإجارة أو ببيع الثمرة و غير ذلك، فالظاهر أنهم كما يملكون المنافع ملكا طلقا يملكون الرقبة أيضا ملكا غير طلق (109)، و ان كان وقف انتفاع كما إذا وقف الدار لسكنى ذريته أو الخان لسكنى الفقراء ففي كونه كوقف المنفعة فيكون ملكا غير طلق للموقوف- عليهم، أو كالوقف على الجهات العامة فلا يملكه أحد أو الفرق

______________________________

إلى الواقف بل و لا اعتبار الملكية غير الطلقة للناس بالنسبة إلى الشي ء الموقوف، و يدل على ذلك ظاهر الأخبار التي أشرنا إلى بعضها.

(109) لأن الموقوف عليهم يرون لأنفسهم نحو سلطة خاصة بالنسبة إلى العين الموقوفة عليهم في هذه الموارد، و هي برزخ بين الملكية الطلقة، و بين عدم الملكية رأسا، و تقتضي ذلك مرتكزات المتشرعة بل العقلاء الذين لهم أوقاف خاصة أيضا و لا يرون ذلك مثل المسجد و سائر التحريرات.

و خلاصة الكلام في مثل هذه الأوقاف بنحو الحصر العقلي إما أن تكون العين الموقوفة باقية على ملك الواقف طلقا، و هو خلاف الشرع و الوجدان و العرف أو غير طلق و هو خلاف الوجدان و العرف أيضا، لأن الواقف يرى نفسه أجنبيا عما وقفه و العرف يرونه كذلك و يستنكرون سلطنته عليها بأي نحو من أنحاء السلطة، و اما أن تكون ملكا للّه تعالى و هو لا ينافي ملكية غيره تعالى، لأن الملكية طولية لا أن تكون عرضية. و أما أن تكون ملكا طلقا للموقوف عليهم و هو خلاف الضرورة الدينية بل الوجدان و العرف بل العقل أيضا لكونه من حصول المسبب بلا سبب. و أما أن تكون ملكا غير طلق لهم و هو المتعين و لا محذور فيه من عقل أو نقل. و أما أن تكون من مجرد الملك بلا مالك و ظاهرهم الاتفاق على امتناعه و لم يقيموا عليه دليل من عقل أو نقل، لأن للملكية جهتان جهة مضافة إلى الغير و جهة قائمة بذات الشي ء و إذا انتفت الجهة الأولى لأمر عارض تبقى الجهة الأخرى و تترتب عليه بعض الآثار، و حيث أنه ليس لهذا

ص: 76

بين الوقف الخاص فالأول و الوقف العام فالثاني؟ وجوه (110).

مسألة 78: لا يجوز تغيير الوقف و ابطال رسمه و إزالة عنوانه

(مسألة 78): لا يجوز تغيير الوقف و ابطال رسمه و إزالة عنوانه و لو إلى عنوان آخر (111) كجعل الدار خانا أو دكانا أو بالعكس.

نعم، إذا كان الوقف وقف منفعة و صار بعنوانه الفعلي مسلوب المنفعة أو قليلها في الغاية لا يبعد جواز تبديله إلى عنوان آخر ذي منفعة (112)، كما إذا صارت البستان الموقوفة من جهة انقطاع الماء عنها أو لعارض آخر لم ينتفع منها بخلاف ما إذا جعلت دارا أو خانا.

______________________________

البحث ثمرة عملية معتنى بها بل و لا علمية كذلك فلا وجه للتطويل بأكثر من ذلك.

(110) مقتضى ما تقدم في الفرع السابق هو الوجه الأول هنا أيضا.

نعم، بالنسبة إلى الوقف العام يكون من سنخ ملكية المسلمين للأرض المفتوحة عنوة حيث إن الملكية فيها أيضا غير طلق لكنها أوسع دائرة من الوقف الخاص و لا ثمرة في هذا الفرع كما في سابقة.

(111) لقوله عليه السّلام: «الوقوف على تكون حسب ما يوقفها أهلها» (1)، مضافا إلى الإجماع و ما يستفاد من النصوص الخاصة كقول أبي الحسن الأول عليه السّلام: «لا يحل لمؤمن يؤمن باللّه و اليوم الآخر أن يبيعها و لا يبتاعها و لا يهبها و لا ينحلها و لا يغير شيئا مما هو عليها» (2)، و قوله عليه السّلام أيضا: «و لا يحل لامرئ مسلم يؤمن باللّه و اليوم الآخر أن يغير شيئا مما أوصيت به في مالي و لا يخالف فيه أمري من قريب و لا بعيد» (3).

(112) بدعوى أن تعيين العنوان الأول لم يكن لموضوعية و خصوصية فيه و إنما كان التعيين طريقا للانتفاع ما دام يمكن ذلك، فإذا لم يمكن الانتفاع به

ص: 77


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الوقوف.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب الوقوف الحديث: 5.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب الوقوف الحديث: 4.

مسألة 79: لو خرب الوقف و انهدم و زال عنوانه

(مسألة 79): لو خرب الوقف و انهدم و زال عنوانه كالبستان انقلعت أو يبست أشجارها و الدار تهدّمت حيطانها و عفت آثارها- فإن أمكن تعميره و اعادة عنوانه و لو بصرف حاصله الحاصل بالإجارة و نحوها فيه لزم و تعين (113)، و إلا ففي خروج العرصة عن الوقفية و عدمه فيستنمى منها

______________________________

كذلك يدور الأمر بين زوال أصل الوقفية رأسا و بين تبديل العنوان و بقاء الوقفية، و مقتضى المرتكزات تقديم الثاني و يأتي في بيع الوقف ما ينفع المقام.

ثمَّ أن أقسام لحاظ العنوان في الوقف أربعة.

الأول: أن يقف الواقف شيئا ما دام على عنوانه الخاص و هيئتها المخصوصة، و حينئذ فإذا زال العنوان و بطلت الهيئة يزول أصل الوقفية و يكون من الوقف المنقطع الآخر و لا يصح التغيير و التبديل اختيارا.

الثاني: الوقف بأي عنوان أمكن الانتفاع به و حينئذ يجوز التغيير اختيارا فضلا عما إذا زال العنوان بغير اختيار.

الثالث: وقف العنوان ما دام موجودا و إرادة مطلق الانتفاع به إن زال العنوان و لا يجوز لغيره اختيارا مع بقاء العنوان و يجوز الانتفاع به بأي عنوان آخر مع زواله.

الرابع: الوقف بالعنوان المخصوص مهما أمكن ذلك فلا يجوز التغيير اختيارا، و إذا زال العنوان تجب الإعادة إلى العنوان الأول و الانتفاع منه بذلك العنوان الخاص، و لا يصح الانتفاع به بغير ذلك العنوان، لفرض تعنون الوقف بعنوان خاص حدوثا و بقاء فلا يصح التغيير مع ذلك التخصيص و التحديد.

(113) لأن الوقف متقوم بالتأبيد و حفظ التأبيد ممكن كما هو المفروض فيتعين ذلك لا محالة، و أما صحة صرف الحاصل فيه بأي وجه أمكن شرعا فلا بد من تقديم الأهم على المهم حينئذ، إذ الأمر يدور بين زوال تمام أصل الوقف أو بقائه في الجملة و صرف الحاصل في إبقاء الأصل و العرف و العقل

ص: 78

بوجه آخر و لو بزرع و نحوه، وجهان بل قولان أقواهما الثاني (114) و الأحوط أن يجعل وقفا و يجعل مصرفه و كيفياته على حسب الوقف الأول (115).

مسألة 80: إذ احتاجت الاملاك الموقوفة إلى تعمير و ترميم و إصلاح لبقائها و الاستنماء بها

(مسألة 80): إذ احتاجت الاملاك الموقوفة إلى تعمير و ترميم و إصلاح لبقائها و الاستنماء بها فإن عيّن الواقف لها ما يصرف فيها فهو و إلا يصرف فيها من نمائها مقدما على حق الموقوف عليهم حتى إنه إذا توقف بقائها على بيع بعضها جاز (116).

مسألة 81: الأوقاف على الجهات العامة

(مسألة 81): الأوقاف على الجهات العامة التي قد مر أنه لا يملكها

______________________________

و الشرع يحكم بتعيين الأخير.

(114) لأصالة بقاء الوقفية و عدم الخروج عنها إلا بدليل معتبر و هو مفقود.

و احتمال أن الوقفية تدور مدار بقاء العنوان فإذا انتفى ينتفي أصلها.

مردود: بأنه صحيح فيما إذا كان العنوان قيدا للوقف بحيث يدور مداره وجودا و عدما كما إذا وقف على شخص بعنوان أنه إمام مسجد فترك ذلك الشخص الإمامة رأسا، و المقام ليس كذلك لأن العنوان سبب حدوث الوقفية لا أن يكون علة له حدوثا و بقاء و الشك في كونه كذلك أو لا يكفي في جريان الأصل.

(115) مقتضى الأصل بقاء أصل الوقف مع جميع كيفياته و خصوصياته أيضا. و منشأ الاحتياط احتمال زوال أصل الوقفية بزوال العنوان فيستأنف أصل الوقف مع خصوصياته و هو احتياط حسن.

(116) أما لزوم ما عينه الواقف لأجل ذلك فللإجماع بل الضرورة و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها» (1)، و أما صرف النماء

ص: 79


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الوقوف.

أحد كالمساجد و المشاهد و المدارس و المقابر و القناطر و نحوها- لا يجوز بيعها بلا إشكال، و إن آل إلى ما آل (117) حتى عند خرابها و اندراسها بحيث لا يرجى الانتفاع بها في الجهة المقصودة أصلا بل تبقى على حالها (118)، فلو خرب المسجد و خربت القرية التي هو فيها و انقطعت المارة عن الطريق الذي يسلك إليه لم يجز بيعه و صرف ثمنه في احداث مسجد آخر أو تعميره (119)، هذا بالنسبة إلى أعيان هذه الأوقاف و أما ما يتعلق بها من الآلات و الفرش و الحيوانات و ثياب الضرائح و أشباه ذلك فما

______________________________

مقدما على حق الموقوف عليهم فلقاعدة تقديم الأهم على المهم، و حيث يحتمل وجوب الإبقاء على الموقوف عليهم فالأحوط لهم الرضاء بذلك أيضا.

و أما صحة التبعيض فلتلك القاعدة أيضا لأن الأمر يدور بين زوال أصل الوقف أو إبقائه بصرف النماء أو بيع البعض في حفظ الأصل و العرف و العقل و الشرع يحكم بتقديم الثاني.

(117) للضرورة الدينية في الأولين و للإجماع و سيرة المتشرعة في البقية و استنكارهم لذلك فيها خلفا عن سلف، مضافا إلى الأصل و ظواهر ما ورد من الأخبار في مطلق الوقف من أنه «لا تباع و لا توهب و لا تورث» (1).

و توهم: أن الوقفية فيها تابعة للآثار و مع زوالها يزول الوقف لا محالة.

فاسد: لأن عنوان الوقفية يعرض الذات و العين و الأثر و لا تزول عن العين بزوال الأثر و إن آل الأثر إلى ما آل.

(118) للاستصحاب و ظهور تسالم الأصحاب و إطلاق أخبار الباب كما تقدم.

(119) للأصل و الإطلاق و الاتفاق إلا ممن قال بصحة زوال المسجد عن

ص: 80


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الوقوف الحديث: 1.

دام يمكن الانتفاع بها باقية على حالها (120)، و لا يجوز بيعها فإن أمكن الانتفاع بها في المحل، الذي أعدّت له و لو بغير ذلك الانتفاع الذي أعدّت له بقيت على حالها في ذلك المحل فالفرش المتعلقة بمسجد أو مشهد إذا أمكن الانتفاع بها في ذلك المحل بقيت على حالها فيه (121)، و لو فرض استغناء المحل عن الافتراش بالمرة لكن يحتاج إلى ستر يقي أهله من الحر أو البرد تجعل سترا لذلك المحل (122)، و لو فرض استغناء المحل عنها بالمرة بحيث لا يترتب على إمساكها و إبقائها فيه إلا الضياع و الضرر و التلف تجعل في محل آخر مماثل له (123) بأن تجعل ما للمسجد لمسجد آخر و ما للمشهد لمشهد آخر، فإن لم يمكن المماثل أو استغنى عنها بالمرة

______________________________

المسجدية في مثل المقام و لا دليل له من عقل أو نقل.

(120) لأصالة البقاء و إجماع العلماء و سيرة العقلاء في الأوقاف الدائرة بينهم.

(121) لما مر في سابقة مضافا إلى استنكار المتدينين بدينهم بل و عقلهم التصرف فيها في غير محلها.

(122) لأنه يمكن الانتفاع به حينئذ في مورد الوقف فلا يصح الانتفاع به في غيره إذ لا أقل من الشك في كونه أهم من غيره، فيتعين ذلك لقاعدة تقديم الأهم و محتمل الأهمية على غيره عند الدوران.

(123) لكونه أقرب إلى نظر الواقف و غرضه عند فوات استعماله في مورد وقفه، و المتشرعة يرجحون مراعاة هذه الأقربية عند الإمكان، هذه خلاصة ما يقال في اعتبار المماثلة و هو حسن مع كون الصلاح فيه بنظر الثقات من أهل الخبرة، و أما مع عدم كون المماثل صلاحا فلا وجه لمراعاته ابدا بل لا بد من مراعاة ما فيه الصلاح و لعل نظر من قال بمراعاة الأقرب فالأقرب كالعلامة و من تبعه إلى ذلك و إلا فالخدشة فيه ظاهرة.

ص: 81

جعلت في المصالح العامة (124)، هذا إذا أمكن الانتفاع بها باقية على حالها و أما لو فرض أنه لا يمكن الانتفاع بها إلا ببيعها و كانت بحيث لو بقيت على حالها ضاعت و تلفت بيعت (125)، و صرف ثمنها في ذلك المحل إن احتاج إليه و إلا ففي المماثل ثمَّ المصالح حسبما مر (126).

مسألة 82: كما لا يجوز بيع تلك الأوقاف، الظاهر أنه لا يجوز إجارتها

(مسألة 82): كما لا يجوز بيع تلك الأوقاف، الظاهر أنه لا يجوز إجارتها (127)، و لو غصبها غاصب و استوفى منها غير تلك المنافع المقصودة منها- كما إذا جعل المسجد أو المدرسة بيت المسكن أو محرزا- لم يكن عليه أجرة المثل (128).

______________________________

(124) لقاعدة أن «كل مال يتعذر صرفه في مصرفه يصرف في وجوه البر» كما تقدم، و هي في المقام تنطبق على المصالح العامة التي لها معرضية البقاء لا مثل التصدق بها على شخص.

نعم، لو كان ذلك الشخص معرضا لاستفادة النوع منه بالنسبة إلى هذه العين الموقوفة ما دامت العين باقية صح التصدق بها عليه حينئذ.

(125) لدوران الأمر بين الاستفادة بماليته في الجملة أو ذهابها بالمرة و العرف و العقل و الشرع يحكم بأولوية الأول كما هو واضح.

(126) و تقدم ما يتعلق به فراجع.

(127) لأنها تصرّف في غير جهة الوقف فلا يجوز لإطلاق قوله عليه السّلام:

«الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها» (1).

(128) نسب ذلك إلى جمع مستدلين عليه بأنه لا ملكية و لا مالية فيها بالنسبة إلى أحد فلا يتحقق موضوع الضمان فيكون كالمباحات حينئذ فكما لا ضمان فيها لا ضمان في المقام أيضا.

ص: 82


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الوقوف.

نعم، لو أتلف أعيانها متلف الظاهر ضمانه (129)، فيؤخذ منه القيمة و تصرف في بدل التالف و مثله (130).

مسألة 83: الأوقاف الخاصة كالوقف على الأولاد و الأوقاف العامة

اشارة

(مسألة 83): الأوقاف الخاصة كالوقف على الأولاد و الأوقاف العامة التي كانت على العناوين العامة كالفقراء و إن كانت ملكا للموقوف عليهم كما مر، لكنها ليست ملكا طلقا لهم (131) حتى يجوز لهم بيعها و نقلها بأحد النواقل متى شاءوا و أرادوا كسائر أملاكهم، و

إنما يجوز لهم ذلك لعروض بعض العوارض و طرو بعض الطواري و هي أمور
اشارة

إنما يجوز لهم ذلك ر

______________________________

و فيه: أن مورد الضمان انما هو الاستيلاء بغير حق على إتلاف شي ء أو استيفاء منافعه بحيث يصح اعتبار التدارك في مقابله، و لا ريب في تحقق ذلك في المقام فلا وجه لعدم الضمان حينئذ مع تحقق منشئه هذا مضافا إلى عموم قاعدة «على اليد» الشاملة لكل من استولى على ما ليس له حق الاستيلاء عليه، و فرق واضح بين المباحات و المقام إذ الأولى حكم شرعي لا يقابل بالعوض بخلاف الثاني فإنه حق محترم يقابل بالمال، و سيأتي في المسائل الآتية بعض الكلام.

(129) يجري فيه عين ما مر في سابقة بالأولى لاعتبار العرف و العقلاء صحة الضمان فيه بلا استنكار منهم في البين.

إن قيل: ان هذا مخالف لما أرسل المسلمات من أن ما يطلب بقيمته يطلب بمنافعه و جعل ذلك من القواعد.

يقال .. أولا: لا تجري هذه القاعدة على ما ذكرناه من ضمان المنافع المستوفاة بغير الحق.

و ثانيا: أنه لا دليل على كلية هذه القاعدة من عقل أو نقل.

نعم، لعل الغالب يكون هكذا.

(130) لأن البدل في حكم المبدل ما لم يدل دليل على الخلاف و هو مفقود.

(131) بضرورة المذهب إن لم تكن من الدين و إطلاق قولهم عليهم السّلام: «لا تباع

ص: 83

لعروض بعض العوارض و طرو بعض الطواري و هي أمور.

أحدها: فيما إذا خربت بحيث لا يمكن إعادتها إلى حالتها الأولى و لا الانتفاع بها إلا ببيعها

أحدها: فيما إذا خربت بحيث لا يمكن إعادتها إلى حالتها الأولى و لا الانتفاع بها إلا ببيعها (132) فينتفع بثمنها كالحيوان المذبوح و الجذع البالي و الحصير الخلق فتباع و يشتري بثمنها ما ينتفع به الموقوف عليهم، و الأحوط لو لم يكن الأقوى مراعاة الأقرب فالأقرب إلى العين الموقوفة (133).

______________________________

و لا توهب حتى يرثها اللّه» (1)، و كذا قوله: «لا تباع و لا توهب و لا تورث فمن باعها أو وهبها فعليه لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين» (2)، و ظاهرهم كون ذلك من مقومات الوقف العرفية الاعتبارية إن لم يكن حقيقة واقعية.

(132) لأن الأمر حينئذ يدور بين زوال الوقف رأسا و إبقائها و الانتفاع منها في الجملة، و فطرة الواقف و غيره من الناس تحكم بترجيح الثاني على الأول، و لا بد و ان يعد هذا الحكم من الفطريات بعد التأمل و الالتفات كما هو واضح لمن تفكر و تأمل.

(133) مع كون مراعاة الأقرب فالأقرب مما فيه الصلاح بنظر الثقات من أهل الخبرة كما مر سابقا، و أما عدم كون ذلك صلاحا بنظرهم فيراعى ما فيه الصلاح.

ثمَّ ان كبرى جميع هذه الأقسام التي ذكروها لجواز بيع الوقف داخلة في قاعدة تقديم الأهم- الذي هو الانتفاع بالوقف في الجملة- على المهم الذي هو الجمود على حفظ العين، و العقلاء يقولون- في مورد الدوران- بتقديم الأهم على المهم كما هو معلوم لكل عاقل هذا إذا لم يكن العنوان المذكور في الوقف شرطا و قيدا في الوقف، و إلا فإذا زال العنوان يصير أصل الوقف باطلا و يكون

ص: 84


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الوقوف الحديث: 2.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب الوقوف الحديث: 3.
الثاني: أن يسقط بسبب الخراب أو غيره عن الانتفاع المعتد به

الثاني: أن يسقط بسبب الخراب أو غيره عن الانتفاع المعتد به (134) بحيث كان الانتفاع به بحكم العدم بالنسبة إلى منفعة أمثال العين الموقوفة كما إذا انهدمت الدار و اندرست البستان فصارت عرصة لا يمكن الانتفاع بها إلا بمقدار جزئي جدا يكون بحكم العدم بالنسبة إليهما، لكن إذا بيعت يمكن أن يشتري بثمنها دارا أو بستان أخرى أو ملك آخر تكون منفعتها تساوي منفعة الدار أو البستان أو تقرب منها (135).

نعم، لو فرض أنه على تقدير بيع العرصة لا يشتري بثمنها إلا ما يكون منفعتها بمقدار منفعتها باقية على حالها لم يجز بيعها بل تبقى على حالها (136).

الثالث: فيما إذا علم أو ظن أنه يؤدي بقائه إلى خرابه على وجه لا ينتفع به أصلا

الثالث: فيما إذا علم أو ظن أنه يؤدي بقائه إلى خرابه على وجه لا ينتفع به أصلا أو ينتفع به قليلا ملحقا بالعدم (137)، سواء كان ذلك بسبب

______________________________

من المنقطع الآخر، و تقدم بعض الكلام في شرائط العوضين في البيع.

(134) يظهر دليله مما مر في سابقة من غير فرق لأنه إذا حكم متعارف الناس بأنه لا منفعة في العين الموقوفة بالنسبة إلى منافعها السابقة تصير مما لا ينتفع بها إذ ليس المراد بعدم الانتفاع دقة و عقلا بل المراد العرفي منه، فينبغي أن يعد القسمان قسما واحدا.

نعم، لعدم الانتفاع من شي ء متعددة.

فتارة: يكون هو الخراب.

و أخرى: أمور أخر كما هو واضح لمن تبصر.

(135) لدوران الأمر حينئذ بين إمكان الانتفاع بها مع تبدلها أو إبقائها على حالها و تعطيلها، و العرف و العقلاء يحكمون بتعيين الأول و الشارع هو رأس العقلاء و رئيسهم لا يتخلف عن طريقتهم.

(136) للأصل بعد عدم أثر متعارف عند العقلاء لمثل هذا البيع.

(137) لأن بقائه حينئذ تضييع للمال و هو حرام و لدوران الأمر بين سقوط

ص: 85

الاختلاف الواقع بين أربابه أو لأمر آخر (138).

الرابع: فيما إذا اشترط الواقف في وقفه أن يباع عند حدوث أمر

الرابع: فيما إذا اشترط الواقف في وقفه أن يباع عند حدوث أمر (139)، مثل قلة المنفعة أو كثرة الخراج أو المخارج أو وقوع الاختلاف بين أربابه أو حصول ضرورة أو حاجة لهم أو غير ذلك (140)، فإنه لا مانع حينئذ من بيعه عند حدوث ذلك الأمر على الأقوى.

الخامس: فيما إذا وقع بين أرباب الوقف اختلاف شديد

الخامس: فيما إذا وقع بين أرباب الوقف اختلاف شديد لا يؤمن معه

______________________________

أصل الوقف و زواله أو سقوط شخص العين الموقوفة و بقاء نوعها و العرف و العقلاء يقدمون الأخير كما هو واضح على الخبير.

(138) لأن المناط كله صيرورة العين الموقوفة عرضة للزوال و الفناء مع البقاء و ذكر الاختلاف بين الأرباب في بعض الأخبار من باب المثال لا التخصيص، كخبر ابن مهزيار قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام: «أن بين من وقف عليهم هذه الضيعة اختلافا شديدا و انه ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده فإن كان ترى أن يبيع هذا الوقف و يدفع إلى كل إنسان منهم ما وقف له من ذلك أمرته، فكتب إليه بخطه و أعلمه أن رأيي له إن كان قد علم الاختلاف ما بين أصحاب الوقف ان بيع الوقف أمثل فإنه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال و النفوس» (1)، و لا بد و أن يقيد بما ذكرناه إذ الأخذ بإطلاقه في مقابل أدلة المنع مشكل جدا.

(139) لإطلاق قوله عليه السّلام: «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها» (2)، و إطلاق قوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم» (3)، و يستفاد صحة مثل هذا الشرط في أوقاف أمير المؤمنين عليه السّلام (4).

ص: 86


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الوقوف الحديث: 6.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الوقوف.
3- الوسائل باب: 22 من أبواب المهور.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب الوقوف.

من تلف الأموال و النفوس و لا ينحسم ذلك إلا بيعه فيجوز حينئذ بيعه (141). و تقسيم ثمنه بينهم (142).

نعم، لو فرض أنه يرتفع الاختلاف بمجرد بيعه و صرف الثمن في شراء عين أخرى لهم أو تبديل العين الموقوفة بعين أخرى تعين ذلك (143)، فيشترى بالثمن عينا أخرى أو يبدل بملك آخر فيجعل وقفا و يبقى لسائر البطون و الطبقات (144).

______________________________

(140) لشمول ما مر من الإطلاقين لكل ذلك.

(141) لما تقدم من خبر ابن مهزيار، و أشكل عليه.

تارة: بأن المراد به تلف العين الموقوفة و نفوس الموقوف عليهم فيرجع إلى القسم السابق.

و أخرى: بأنه في الوقف المنقطع الآخر لا فيما نحن فيه.

و ثالثة: بأنه من الوقف الباطل لعدم تحقق القبض.

و رابعة: بأن ظاهر الحديث اختصاص الثمن بالموجودين، و هو مناف لحق اللاحقين.

و الكل باطل. إذ الأول: خلاف ظاهر الإطلاق، و كذا الثاني، بل و كذا الثالث، و أما الأخير فهو من مجرد الاحتمال المنافي لسياق السؤال و الجواب كما لا يخفى على المتأمل فيه حق التأمل.

(142) لما مر من صحيح ابن مهزيار، مع أنه موافق للعرف و الاعتبار و إجماع فقهائنا الأبرار بعد فرض عدم رفع الاختلاف إلا بذلك.

(143) لوجوب حفظ عنوان الوقف مهما أمكن كما تقدم.

(144) لفرض صيرورته وقفا فيشمله دليل: «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها» (1).

ص: 87


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الوقوف.

مسألة 84: لا إشكال في جواز إجارة ما وقف منفعة

(مسألة 84): لا إشكال في جواز إجارة ما وقف منفعة (145)، سواء كان وقفا خاصا أو عاما كالدكاكين و المزارع و الخانات الموقوفة على الأولاد أو الفقراء أو الجهات و المصالح العامة حيث أن المقصود استنمائها بإجارة و نحوها و وصول نفعها و نمائها إلى الموقوف عليهم بخلاف ما كان وقف انتفاع، كالدار الموقوفة على سكنى الذرية و كالمدرسة و المقبرة و القنطرة و الخانات الموقوفة لنزول المارّة فإن الظاهر عدم جواز إجارتها في حال من الأحوال (146).

مسألة 85: إذا خرب بعض الوقف بحيث جاز بيعه و احتاج بعضه الآخر إلى تعمير

(مسألة 85): إذا خرب بعض الوقف بحيث جاز بيعه و احتاج بعضه الآخر إلى تعمير و لو لأجل توفير المنفعة لا يبعد أن يكون الأولى بل

______________________________

(145) لوجود المقتضي و فقد المانع فتشمله إطلاق أدلة الإجارة بلا مدافع، مضافا إلى الإجماع و السيرة بل ينبغي أن يعد ذلك من ضرورة المذهب إن لم يكن من الدين.

(146) نسب ذلك إلى المشهور و استدلوا عليه بأن الموقوف عليهم لا يملكون المنفعة فيها و إنما يكون لهم حق الانتفاع فقط، فتكون العين الموقوفة من سنخ الإباحات الأولية بالنسبة إليهم و لا ريب في عدم صحة إجارة المباحات الأولية.

و فيه. أولا: أنه أي محذور من القول بأن الموقوف عليهم يملكون المنفعة الخاصة ملكا اشاعيا كملكية المسلمين للأرض المفتوحة عنوة.

و ثانيا: بأي دليل لا تكفي ملكية الانتفاع في صحة الإجارة و القياس على المباحات باطل، لأن الإباحة فيها حكمي و في المقام حقي إلا أن يتشبث بذيل العرف و يقال أن المتعارف و منهم المتشرعة يستنكرون الإجارة في مثل هذه الموارد.

ص: 88

الأحوط أن يصرف ثمن البعض الخراب في تعمير البعض الآخر (147).

مسألة 86: لا إشكال في جواز قسمة الوقف عن الملك الطلق

(مسألة 86): لا إشكال في جواز قسمة الوقف عن الملك الطلق فيما إذا كانت العين مشتركة بين الوقف و الطلق (148) فيتصديها مالك الطلق مع متولي الوقف أو الموقوف عليهم (149)، بل الظاهر جواز قسمة الوقف أيضا لو تعدد الوقف و الموقوف عليه (150)، كما إذا كانت دار مشتركة بين شخصين فوقف كل منهما حصته على أولاده، بل لا يبعد جوازها فيما إذا تعدد الوقف و الموقوف عليه مع اتحاد الواقف كما إذا وقف نصف داره مشاعا على مسجد و النصف الآخر على مشهد، و لا يجوز قسمته بين أربابه

______________________________

(147) أما أصل جواز بيع الوقف الخراب فلما مر من أن خرابه يوجب جواز بيعه. و أما صرف ثمنه فيتصور فيه وجوه.

الأول: أن يمكن تعميره من منافعه و صرف ثمن الخراب في اشتراء مثله.

الثاني: ما إذا لم يمكن ذلك و احتاج إلى التعمير احتياجا ذاتيا لأجل توفير المنفعة و كان الثمن وافيا بذلك.

الثالث: ما إذا لم يكف الثمن به و أمكن صرفه في التوفير، و الأحوط صرف بعض المنفعة في التعمير و صرف ثمن البعض في شراء المماثل في الأول، و صرف الثمن في التعمير في الثاني، و الصرف في التوفير في الأخير، و كل ذلك لأصالة عدم وجوب هذا الترتيب بعد عدم دليل عليه من عقل أو نقل و إنما عبرنا بالاحتياط لكونه أقرب إلى مرتكزات المتشرعة في الجملة.

(148) لأصالة الإباحة و قاعدة السلطنة و ولاية المتولي على مثل ذلك.

(149) لكون ولاية مثل هذا التصرف تدور مدارهم فيقع عن اهله و في محله، و مع عدمهم أو عدم بعضهم تصل النوبة إلى الحاكم الشرعي لأن ذلك من الأمور الحسبية و لا ريب في ولايته عليها.

(150) لأن الحق في الواقع متعدد و مفروز و مقتضى تميّز الحق واقعا

ص: 89

.....

______________________________

و ظاهرا و أصالة الإباحة و كون الحق بين الموقوف عليه صحة القسمة بعد أن لم تكن قرينة على الخلاف لا بحسب الشرع و لا بحسب جعل الواقف، و لكن نسب إلى المشهور عدم صحة قسمة الوقف بين أربابه و إطلاق كلامهم يشمل جميع الأقسام و هي:

الأول: اتحاد الوقف و الواقف و الموقوف عليه- كما إذا كان بطونا متلاحقة- و العين الموقوفة.

الثاني: التعدد في الجميع.

الثالث: التعدد في الواقف و الاتحاد في الموقوف عليه.

الرابع: عكس ذلك، إلى غير ذلك مما يتصور فيها. و استدلوا عليه.

تارة: بأنه خلاف مقتضى الوقف.

و أخرى: بأنه خلاف رضى الواقف.

و ثالثة: بعدم انحصار الحق في الموجودين حتى يكون لهم هذه السلطة بل مقتضى الأصل عدمها، و الجمود على قوله عليه السّلام: «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها» (1)، يقتضي ذلك أيضا.

و الكل مخدوش فلأن القسمة من العوارض الطارئة على الوقف لا فيما أخذ فيه بجعل الواقف، مع أن مقتضى إطلاق الوقف مراعاة صلاح الموقوف عليهم ما لم يدل دليل على الخلاف، و أما الثاني فلأنه يرجع إلى الأول أيضا مع أنه أول الدعوى، و أما الثالث فلأن الحق الفعلي منصرف فيهم و إذا صح اعمال حقهم شرعا يكون نافذا فبالنسبة إلى اللاحقين أيضا، و أما الحديث، فالمنساق منه إنما هو الأمور التي يجعلها الواقف شرطا أو قيدا في الوقف و لا تشمل العوارض اللاحقة التي هي من قبل الموقوف عليهم.

نعم، لو أحرز بوجه معتبر أن الواقف لاحظ عدم القسمة في الوقف و أراد إبقائه على حاله لا يصح ذلك، لأنه يصير من الشرط في الوقف حينئذ. هذا كله

ص: 90


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الوقوف.

إذا اتحد الوقف و الواقف مع كون الموقوف عليهم بطونا متلاحقة (151).

نعم لو وقع الخلاف بين أربابه بما جاز معه بيع الوقف لا ينحسم ذلك الاختلاف إلا بالقسمة جازت على الأقوى (152).

مسألة 87: لو آجر الوقف البطن الأول و انقرضوا قبل انقضاء مدة الإجارة

(مسألة 87): لو آجر الوقف البطن الأول و انقرضوا قبل انقضاء مدة الإجارة بطلت بالنسبة إلى بقية المدة (153)، و في صحتها بإجازة البطن اللاحق إشكال (154)،

______________________________

فيما إذا كانت القسمة حقيقية بحسب ذات العين بحيث تلزم على البطون اللاحقة كذلك و أما قسمة كل طبقة حصتهم بحسب رؤوسهم من حيث المنافع فيجوز، و ليس هذا مراد المشهور مما نسب إليهم من المنع.

(151) لأنه تغيير و تصرف في الوقف بغير مجوز شرعي.

نعم، لو فرض وجود مصلحة في ذلك يراها المتولي أو الحاكم الشرعي من المصالح الصحيحة يصح حينئذ و يكون من القسم اللاحق.

(152) لفحوى ما دل على جواز بيع الوقف حينئذ.

(153) لفرض أن حقه في المنفعة كان محدودا بحياته فقط و ينتفي حقه بموته فلا موضوع لصحة الإجارة بعد موته أصلا، و تقدم في الإجارة بعض ما ينفع المقام.

(154) وجهه ان مورد صحة الفضولي بالإجازة إنما هو فيما إذا كان المجيز له أهلية الإجازة حين إنشاء عقد الفضولي، و في المقام ليس كذلك لأنه ليس للبطن اللاحق الإجازة حين حدوث العقد لعدم ثبوت حق لهم بعد.

و فيه. أولا: أنه لا دليل على اعتبار هذا الشرط بل مقتضى الأصل عدمه.

و ثانيا: على فرض الاعتبار يكفي ثبوت الحق الاقتضائي و هو موجود بلا إشكال.

و ثالثا: البطن السابق تصرف في مورد البطن اللاحق و حين وصلت النوبة

ص: 91

فالأحوط تجديد الإجارة منهم (155) لو أرادوا بقائها هذا إذا أجر البطن الأول و أما لو آجر المتولي فإن لا حظ في ذلك مصلحة الوقف صحت و نفذت بالنسبة إلى سائر البطون (156)، و أما لو كانت لأجل مراعاة البطن اللاحق دون أصل الوقف فنفوذها بالنسبة إليهم من دون إجازتهم لا يخلو من إشكال (157).

______________________________

إلى البطن اللاحق يصير حقه الاقتضائي فعليا فتصح إجازته.

(155) ظهر وجه الاحتياط مما مر و أنه استحبابي.

(156) لأنه لاحظ مصلحة الوقف و المفروض أن الوقف وقف للبطون مترتبا فترجع مصلحة الوقف إلى مصلحتهم أيضا.

(157) وجهه عدم فعلية ولايته عليهم مع بقاء البطن السابق.

و فيه: أنه قد لو حظ في جعل التولية جميع الطبقات مترتبا فكل لا حق جعلت له التولية حين إنشائها للمتولي كالوجوب الانبساطي المجعول للمركبات التدريجية مثل الصلاة و نحوها مع أنه يرجع إلى مصلحة الوقف أيضا بالملازمة.

ص: 92

فصل في ناظر الوقف و متوليه

اشارة

فصل في ناظر الوقف و متوليه يجوز للواقف أن يجعل تولية الوقف و نظارته لنفسه- دائما أو إلى مدة- مستقلا أو مشتركا مع غيره و كذا يجوز جعلها للغير كذلك (1).

مسألة 88: يجوز أن يجعل أمر التولية بيد شخص

(مسألة 88): يجوز أن يجعل أمر التولية بيد شخص بأن يكون المتولي كل من يعينه ذلك الشخص، بل يجوز التولية لشخص و يجعل أمر تعيين المتولي بعده بيده و هكذا كل متولي يعين المتولي بعده (2).

مسألة 89: إنما يكون للواقف جعل التولية لنفسه أو لغيره

(مسألة 89): إنما يكون للواقف جعل التولية لنفسه أو لغيره حين إيقاع الوقف و في ضمن عقده (3)، و أما بعد تمامه فهو أجنبي عن الوقف فليس له جعل التولية لأحد و لا عزل من جعله متوليا عن التولية إلا إذا اشترط لنفسه ذلك (4) بأن جعل التولية لشخص و شرط أنه متى أراد أن

______________________________

(1) كل ذلك لإطلاق قوله عليه السّلام: «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها» (1)، و ظهور الإجماع على صحة ذلك كله، و للسيرة المستمرة بين المتشرعة، و لما ورد في كيفية أوقاف علي عليه السّلام (2).

(2) لما تقدم في سابقة من غير فرق، مضافا إلى قاعدة السلطنة المقتضية لصحة الجميع ما لم ينه عنه الشرع و هو مفقود.

(3) لأنه بعد تمامية الوقف يصير أجنبيا عنه كما يأتي من الماتن فلا أثر لجعله كما في كل من يكون أجنبيا عنه حيث لا أثر لجعله مطلقا.

(4) للأصل و الإطلاق و الاتفاق فيجري حكم الشرط الصحيح حينئذ.

ص: 93


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الوقوف.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب الوقوف الحديث: 4.

يعزله عزله.

مسألة 90: لا إشكال في عدم اعتبار العدالة

(مسألة 90): لا إشكال في عدم اعتبار العدالة فيما إذا جعل التولية و النظر لنفسه (5)، و في اعتبارها فيما إذا جعل النظر لغيره قولان أقواهما العدم (6).

نعم، الظاهر أنه يعتبر فيه الأمانة و الكفاية (7)، فلا يجوز جعل التولية خصوصا في الجهات و المصالح العامة (8) لمن كان خائنا غير موثوق به،

______________________________

(5) للأصل و الإطلاق و ظهور الاتفاق إلا ما يظهر من الكفاية و الرياض و لم يستدلا بشي ء يصح الاعتماد عليه.

(6) للأصل و ظواهر ما وصل إلينا من أوقاف الأئمة عليهم السّلام. و عن جمع اعتبارها و استدل عليه.

تارة: بعدم معرفة الخلاف كما في الحدائق.

و أخرى: بما عن علي عليه السّلام في بعض أوقافه: «فإن وجد فيهم- بني على- من يرضى بهداه و إسلامه و أمانته فإنه يجعله إليه إنشاء» (1).

و فيه: أن الأول ليس من الإجماع المعتبر، مع أنه يمكن أن يكون مراد الجميع مانعية الخيانة كما هو مسلّم بين الجميع لا شرطية العدالة، و الثاني أعم من العدالة المصطلحة كما هو معلوم، فيصح أن يستدل به على عدم اعتبار العدالة لأن الهدى و الأمانة و الإسلام أعم من العدالة كما لا يخفى.

(7) لمرتكزات المتشرعة قديما و حديثا بل كل واقف بالنسبة إلى كل ما وقف فيصح حينئذ دعوى إجماع العقلاء فضلا عن الفقهاء على اعتباره، و هو المراد مما تقدم في وقف أمير المؤمنين عليه السّلام و لعله هو المراد من الجميع فلا نزاع حينئذ في البين، إذ الفطرة تأبى عن تولية من لم يحرز أمانته و لا كفايته.

(8) لأنها ولايته نوعية قل من يسلم جميع جهاتها و موازينها إلا من

ص: 94


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الوقوف الحديث: 4.

و كذا من ليس له الكفاية في تولية أمور الوقف، و من هنا يقوي اعتبار التميز و العقل فيه فلا يصح تولية المجنون و الصبي الغير المميّز (9).

مسألة 91: لو جعل التولية لشخص لم يجب عليه القبول

(مسألة 91): لو جعل التولية لشخص لم يجب عليه القبول سواء كان حاضرا في مجلس العقد أو لم يكن حاضرا فيه ثمَّ بلغ إليه الخبر و لو بعد وفاة الواقف (10)، و لو جعل التولية لأشخاص على الترتيب و قبل بعضهم لم يجب القبول على المتولين بعده (11)، فمع عدم القبول كان الوقف بلا متول منصوب (12)، و لو قبل التولية فهل يجوز له عزل نفسه بعد ذلك كالوكيل أم لا قولان (13)، لا يترك الاحتياط بأن لا يرفع اليد عن الأمر و لا

______________________________

عصمه اللّه تعالى.

(9) لاستقباح المتشرعة و استنكارهم لذلك فتقصر الأدلة عن شمولها لكون الاستنكار من القرينة المتصلة، بل و كذا الصبي المميز أيضا إن كانت التولية شاملة للإجازة لظهور الاتفاق على بطلان عقوده.

نعم، لو كان المراد بالتولية مجرد جعل الآلة لأخذ شي ء من مورد خاص و إعطائه لشخص مخصوص فتصح بالنسبة إلى غير المميز فضلا عن المميّز، بل يصح للمجنون الذي يقع ذلك منه لفرض كون الجميع كالآلة المحضة.

(10) كل ذلك لأصالة البراءة عن وجوب القبول بعد عدم دليل عليه من عقل أو نقل، مضافا إلى ظهور إجماعهم على عدم الوجوب و تنظير المقام على الوصية قياس لا نقول به، و يأتي في الوصية بعض الكلام إنشاء اللّه تعالى.

(11) لما مر في سابقة من غير فرق.

(12) يأتي حكمه في مسألة 97 إن شاء اللّه تعالى.

(13) نسب الأول إلى جمع لاستصحاب الجواز الثابت قبل القبول و لأصالة البراءة عن وجوب القبول حدوثا و بقاء، و يظهر عن بعض الثاني لأصالة اللزوم في عقد الوقف المنبسط ذلك اللزوم على جميع ما يشمل العقد عليه من

ص: 95

يعزل نفسه و لو عزل يقوم بوظائفه مع المراجعة إلى الحاكم (14).

مسألة 92: لو شرط التولية لاثنين فإن صرح باستقلال كل منهما استقل

(مسألة 92): لو شرط التولية لاثنين فإن صرح باستقلال كل منهما استقل و لا يلزم عليه مراجعة الآخر (15)، و إذا مات أحدهما أو خرج عن الأهلية انفرد الآخر (16)، و إن صرّح بالاجتماع ليس لأحدهما الاستقلال (17)، و كذا لو أطلق (18) و لم تكن على إرادة الاستقلال قرائن الأحوال و حينئذ لو مات أحدهما أو خرج عن الأهلية يضم الحاكم إلى الآخر شخصا آخر على الأحوط لو لم يكن الأقوى (19).

______________________________

الخصوصيات و الجهات و هو حسن إن ثبت اللزوم في المقام بهذا النحو، و أما إن لم يثبت ذلك من الأدلة بل كان المستفاد منها في نظائر المقام كونها من قيام الناس بعضهم بقضاء حاجة البعض.

و بعبارة أخرى: اللزوم الاخلاقي لا الشرعي الحقي فلا وجه للوجوب.

نعم، ربما يكون خلاف الأخلاق و منه يظهر وجه الاحتياط المذكور.

(14) لاقتضاء ولايته على الأمور الحسبية تصديه لأمثال ذلك و رجوع الناس اليه فيها.

(15) لفرض شرطية الاستقلال لكل منهما.

(16) لوجود المقتضي للانفراد حينئذ و هو شرطية الاستقلال لكل واحد منهما و فقد المانع.

(17) لأصالة عدم الولاية بعد أن شرط الواقف الاجتماع.

(18) لأن ظاهر جعلها لاثنين قرينة على الاجتماع ما لم تكن قرينة أقوى على الخلاف، مضافا إلى أصالة عدم الولاية الاستقلالية ما لم تثبت ذلك.

(19) وجه التردد احتمال كون المورد من منصوص التولية إن ثبت تحليل جعل التولية إلى الاستقلالية بعد فوت أحدهما بأن يكون ذلك ملحوظا له حين جعل التولية.

ص: 96

مسألة 93: لو عيّن الواقف وظيفة المتولي و شغله فهو المتبع

(مسألة 93): لو عيّن الواقف وظيفة المتولي و شغله فهو المتبع (20)، و لو أطلق كانت وظيفته ما هو المتعارف (21) من تعمير الوقف و إجارته و تحصيل أجرته و قسمتها على أربابه و أداء خراجه و نحو ذلك كل ذلك على وجه الاحتياط و مراعاة الصلاح (22)، و ليس لأحد مزاحمته في ذلك حتى الموقوف عليهم (23)، و يجوز أن ينصب الواقف متوليا في بعض الأمور و آخر في الآخر (24)، كما إذا جعل أمر التعمير و تحصيل المنافع إلى أحد و أمر حفظها و قسمتها على أربابها إلى آخر أو جعل لواحد أن يكون الوقف بيده و حفظه و للآخر التصرف، و لو فوّض إلى واحد التعمير و تحصيل الفائدة و أهمل باقي الجهات من الحفظ و القسمة و غيرهما كان الوقف بالنسبة إلى غير ما فوّض إليه بلا متول منصوب فيجري عليه

______________________________

(20) لعموم «المؤمنون عند شروطهم» (1)، مضافا إلى إجماع الفقهاء بل العقلاء.

(21) لتنزل كل إطلاق على المتعارف ما لم يكن دليل على الخلاف.

(22) أما مراعاة الاحتياط فلأنه حسن مطلقا خصوصا في الموقوفات بل قد يكون واجبا في المقام، و قد يكون راجحا و التشخيص موكول إلى نظره بعد أن كان أمينا كما هو المفروض، و أما مراعاة الصلاح فلكونه من مقومات المتولي عند الناس كما لا يخفى.

(23) لفرض ثبوت ولايته شرعا فلا بد من اتباع نظره و تحرم مزاحمته كما في سائر من ثبت ولايته في الشرع.

(24) كل ذلك لقاعدة السلطنة و إطلاق الأدلة و إجماع الإمامية و السيرة المستمرة.

ص: 97


1- الوسائل باب: 22 من أبواب المهور الحديث: 4.

حكمه (25) و سيأتي.

مسألة 94: لو عين الواقف للمتولي شيئا من المنافع تعين

(مسألة 94): لو عين الواقف للمتولي شيئا من المنافع تعين و كان ذلك أجرة عمله ليس له أزيد من ذلك و إن كان أقل من أجرة مثله (26)، و لو لم يذكر شيئا فالأقرب أن له أجرة المثل (27).

مسألة 95: ليس للمتولي تفويض التولية إلى غيره حتى مع عجزه عن التصدي

(مسألة 95): ليس للمتولي تفويض التولية إلى غيره حتى مع عجزه عن التصدي (28) إلا إذا جعل الواقف له ذلك عند جعله متوليا (29).

نعم، يجوز له التوكيل في بعض ما كان تصديه من وظيفته (30) إذا

______________________________

(25) لظهور التفويض في ذلك فيكون بالنسبة إلى سائر الجهات مهملة فيجري عليه حكمه الآتي.

(26) أما تعيين ما عين له الواقف فلفرض قبوله حين جعل التولية له كما في سائر موارد جعل الأجرة حيث يتعين ذلك فيها أيضا، و أما كونه أجرة عمله فلفرض تباينهما عليه و أما أنه ليس له أزيد منه و إن كان أقل من أجرة المثل فلفرض إقدام المتولي عليه من عند نفسه و باختياره فيكون تصرفه فيما زاد عليه غصبا و خيانة.

(27) لأصالة احترام العمل التي هي من الأصول النظامية، و عن صاحب الحدائق المناقشة في ذلك لأن العين الموقوفة و منافعها خرجت عن تحت سلطة الواقف و المتولي فليس له حق التصرف فيهما إلا بإذن الموقوف عليهم و مع عدمهم فالحاكم الشرعي.

و فيه: أن مؤن حفظ الوقف تخرج من الوقف إجماعا و أجرة المتولي من جملة المؤن فلا تدخل في ملك الموقوف عليهم أصلا حتى يحتاج إلى الإذن منهم.

(28) لأصالة عدم ثبوت هذا الحق له إلا بدليل خاص و هو مفقود.

(29) لثبوت هذا الحق حينئذ له ممن له حق ذلك.

(30) للأصل و السيرة و الإجماع.

ص: 98

لم يشترط عليه المباشرة (31).

مسألة 96: يجوز للواقف أن يجعل ناظرا على المتولي

(مسألة 96): يجوز للواقف أن يجعل ناظرا على المتولي (32) فإن أحرز أن المقصود مجرد اطلاعه على أعماله لأجل الاستيثاق فهو مستقل في تصرفاته (33)، و لا يعتبر إذن الناظر في صحتها و نفوذها (34)، و إنما اللازم عليه اطلاعه (35)، و إن كان المقصود إعمال نظره و تصويب عمله لم يجز له التصرف إلا بإذنه (36) و تصويبه و لو لم يحرز مراده فاللازم مراعاة الأمرين (37).

______________________________

(31) لوجوب الوفاء بالشرط حينئذ لعموم الأدلة الدالة على لزوم الوفاء به- كما مر- الشامل للمقام كغيره فلا يجوز له التوكيل حينئذ.

(32) لأصالة الإباحة و قاعدة السلطنة و إطلاق: «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها» (1)، و الإجماع و السيرة.

(33) لفرض أن نظر الناظر حينئذ من مجرد الطريق إلى كون المتولي صالحا للتولية، و المفروض تحقق صلاحيته كان هناك ناظر في البين أولا.

(34) لفرض عدم الموضوعية لنظر الناظر بوجه من الوجوه، و إنما هو طريق محض إلى كون المتولي صالحا فيما ولي فيه من تمام الجهات و المفروض تحققه.

(35) لأنه لا معنى لنظارته على هذا الوجه إلا ذلك كما هو واضح.

(36) لفرض أن لنظره و إذنه موضوعية خاصة حينئذ و ليس هو من الطريق المحض كما تقدم في القسم الأول.

(37) يعني لا بد حينئذ من الاستيذان منه مضافا إلى اعتبار اطلاعه عليه، و ذلك للعلم الإجمالي بأن نظارته لا تكون إلا من أحد القسمين و هو منجز

ص: 99


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الوقوف و الصدقات.

مسألة 97: إذا لم يعين الواقف متوليا أصلا

(مسألة 97): إذا لم يعين الواقف متوليا أصلا: فأما الأوقاف العامة فالمتولي لها الحاكم أو المنصوب من قبله على الأقوى (38)، و أما الأوقاف الخاصة فالحق أنه بالنسبة إلى ما كان راجعا إلى مصلحة الوقف و مراعاة البطون من تعميره و حفظ الأصول و إجارته على البطون اللاحقة و نحوها، كالأوقاف العامة توليتها للحاكم أو منصوبه (39)، و أما بالنسبة إلى تنميته و اصلاحاته الجزئية المتوقف عليها في حصول النماء الفعلي كتنقية أنهاره و كريه و حرثه و جمع حاصله و تقسيمه و أمثال ذلك فأمرها راجع إلى الموقوف عليهم الموجودين (40).

مسألة 98: في الأوقاف التي توليتها للحاكم و منصوبه مع فقده

(مسألة 98): في الأوقاف التي توليتها للحاكم و منصوبه مع فقده و عدم الوصول إليه توليتها لعدول المؤمنين (41).

______________________________

فيجب العمل به، و الظاهر صحة الاكتفاء بالإذن لملازمته مع العلم و الاطلاع غالبا ما لم تكن قرينة على الخلاف.

(38) لأن مثل ذلك من الأمور الحسبية التي لا بد له من القيام بها بعد صيرورة الواقف كالأجنبي بعد تمامية الوقف و أصالة عدم ولاية الموقوف عليهم على ذلك و إنما يكون لهم حق الانتفاع فقط.

(39) لما تقدم في سابقة من غير فرق بينهما إلا أن دائرة التعميم في الأوقاف العامة أوسع و في المقام أضيق.

(40) لفرض أن كل ذلك من مصالحهم الشخصية الراجعة إلى جهات انتفاعهم عن العين الموقوفة فلا وجه لقيام غيرهم مقامهم، فتكون كما إذا كان للعين متوليا خاصا لم يشترط له المباشرة في تصدي ذلك.

(41) لأن التصدي للقيام بالأمور الحسبية مطلوب منهم أيضا. إنما الكلام أنهم في عرض الحاكم الشرعي فيجوز لهم التصدي لها و لو مع وجود الحاكم الشرعي و إمكان تصديه أو أنهم في طوله فلا يجوز لهم ذلك مع إمكان تصديه؟

ص: 100

مسألة 99: لا فرق فيما كان أمره راجعا إلى الحاكم

(مسألة 99): لا فرق فيما كان أمره راجعا إلى الحاكم بين ما إذا لم يعين الواقف متوليا و بين ما إذا عين و لم يكن أهلا لها أو خرج عن الأهلية (42)، فإذا جعل التولية للعادل من أولاده و لم يكن بينهم عادل أو كان ففسق كان كأن لم ينصب متوليا.

مسألة 100: لو جعل التولية لعدلين من أولاده مثلا و لم يكن فيهم إلا عدل واحد

(مسألة 100): لو جعل التولية لعدلين من أولاده مثلا و لم يكن فيهم إلا عدل واحد ضم الحاكم إليه عدلا آخر (43)، و أما لو لم يوجد فيهم عدل أصلا فهل اللازم على الحاكم نصب عدلين أو يكفي نصب واحد؟

______________________________

و الحق هو الأول مع كون تصديهم على طبق الوظيفة الشرعية و كانوا خبراء بالجهات الشرعية و العرفية لما يتصدون له، و ذلك لعموم مثل قولهم عليهم السّلام: «كل معروف صدقة» (1)، و كذا: «اللّه في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه المؤمن» (2)، إلى غير ذلك مما يستفاد منه التعميم و لا مخصص في البين من عقل أو نقل إلا دعوى أصالة عدم الولاية.

و فيه: أنه لا وجه للولاية في المقام أصلا و إنما المناط كله إتيان العمل على الوجه الصحيح الشرعي و المفروض حصول ذلك منهم، و تعرضنا للتفصيل في غير المقام (3).

(42) لأن وجوده حينئذ كالعدم بلا فرق حينئذ بين العدم الأصلي للمتولي و العدم العارضي في شموله دليل ولاية الحاكم لكليهما.

(43) حفظا لغرض الواقف مهما أمكن لأنه مع فقد العدل الآخر يكون بلا متولي من هذه الجهة فتنقل التولية إلى الحاكم الشرعي فإما أن يقوم فيها بنفسه أو ينصب عدلا آخر.

ص: 101


1- الوسائل باب: 29 من أبواب فعل المعروف.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب فعل المعروف الحديث: 5.
3- راجع ج: 16 صفحة: 369.

أحوطهما الأول و أقواهما الثاني (44).

مسألة 101: إذا احتاج الوقف إلى التعمير و لم يكن وجه يصرف فيه

(مسألة 101): إذا احتاج الوقف إلى التعمير و لم يكن وجه يصرف فيه يجوز للمتولي أن يقترض له قاصدا أداء ما في ذمته بعد ذلك مما يرجع إليه كمنافعه أو منافع موقوفاته (45)، فيفترض متولي البستان مثلا لتعميرها بقصد أن يؤدي بعد ذلك دينه من عائداتها و متولي المسجد أو المشهد أو المقبرة و نحوها بقصد أن يؤدي دينه من عائدات موقوفاتها، بل يجوز أن

______________________________

(44) لفرض انتقال أصل التولية إليه، و مقتضى الأصل عدم وجوب التعدد و عدم وجوب ملاحظة نظر الواقف عليه، و ظاهر الواقف أن التعدد انما لو حظ في نظره مع وجود العدل في الأولاد و أما مع العدم فلا موضوع له.

نعم، لو علم بالقرائن إن للتعدد موضوعية خاصة مطلقا في نظر الواقف حتى في غير صورة وجود العدلين في الأولاد و يثبت مراعاة ما هو منظورة مطلقا وجب التعدد حينئذ و منه يعلم وجه الاحتياط، و الظاهر كفاية الأمانة فيمن ينصبه الحاكم و لا يحتاج إلى العدالة كما مر سابقا.

(45) أما جواز اقتراض المتولي لذلك فلأنه من فروع توليته عرفا لأنه إنما جعل متوليا لأن يتصدى لمصالح الوقف و هذا من المصالح بل ربما يكون من أهمها، مضافا إلى أصالة الإباحة و إطلاق الأدلة المرغبة إلى الإحسان و البر و الخير من الكتاب (1)، و السنة (2)، الشامل جميع ذلك للمقام إذ لا ريب في أنه بر و خير و إحسان، و تقدم في كتاب الزكاة أنه يجوز لولي الزكاة أن يقرض عليها، و أما مورد القرض فيمكن أن يكون ذمته نفس المتولي فإن له ذمتان إحديهما ذمته من شخصه و لنفسه ثانيهما ذمته من حيث ولايته على الوقف، و يصح اعتبار الذمة الثانية له عرفا كاعتبار الأولى كما يصح اعتبار الذمة في نفس الوقف أيضا فيقرض على الوقف و المراد بالذمة فيها تدارك ما اقترض لها منها و لا ريب في صحة اعتبارها عند العرف و العقلاء.

ص: 102


1- تقدم في صفحة: 101.
2- تقدم في صفحة: 101.

يصرف في ذلك من ماله بقصد الاستيفاء مما ذكر (46).

نعم، لو اقترض له لا بقصد الأداء منه أو صرف من ماله لا بنية الاستيفاء منه لم يكن له ذلك (47) بعد ذلك.

مسألة 102: لو باع المتولي العين الموقوفة و لم يعلم أن بيعه كان مع وجود المسوّغ أو لا؟

(مسألة 102): لو باع المتولي العين الموقوفة و لم يعلم أن بيعه كان مع وجود المسوّغ أو لا؟ يحكم بصحته (48).

______________________________

و أما لزوم قصد الأداء منها فلفرض أن القرض لها فلا بد و أن يتعين ذلك في أصل القرض و إلا يبطل القرض، لأنه لم يقترض لنفسه حتى يقع له فإن لم يقصد الأداء منها يصير القرض بلا مقترض في البين و هو باطل، فكل من وقع القرض له لا بدّ و أن يعين في عقد القرض و إلا بطل العقد و يصح الاقتراض على ذمة الحاكم الشرعي لاعتبار الذمة له بالنسبة إلى هذه الأمور و لكنه موقوف على الاستيذان منه أو إجازته، و فيما لو كان للموقوف متول معين يعتبر رضاه أيضا إن اقترض على ذمة الحاكم.

(46) لأصالة الإباحة الوضعية و التكليفية و عدم منع في البين من عقل أو نقل، و لما أشرنا إليه من إطلاق الأدلة من الكتاب و السنة المرغبة إلى أنحاء البر و الخير، و كذا يجوز الاقتراض على سهم سبيل الإمام عليه السّلام و سهم سبيل اللّه من الزكاة، و كل مال جمع للصرف في الخيرات و المبرات، و كذا يجوز على ذمة الغير بعد الإذن أو الإجازة من الغير كل ذلك لعموم الأدلة المرغبة إلى البر و الخير.

(47) إن كان من قصده التبرع المحض فقد خرج عن ملكه تبرعا و لكن لو لم يقصد ذلك فمقتضى أصالة بقاء المال على ملكه جواز أخذ بدله.

(48) لجريان أصالة الصحة في عمله إن كان مورد الوثوق و الاطمئنان و احتمال القول بعدم جريانها لأن الموضوع متعلق بحق الغير لا بحق نفسه.

مدفوع: بأنه بعد فرض الوثوق و ثبوت ولايته لا فرق حينئذ بين الجهتين و كذا الحكم في الناظر.

ص: 103

فصل فيما يثبت به الوقف

اشارة

فصل فيما يثبت به الوقف تثبت الوقفية بالشياع إذا أفاد العلم أو الاطمئنان (1) و بإقرار ذي اليد أو ورثته (2)، و بكونه في تصرف الوقف بأن يعامل المتصرفون فيه معاملة الوقف بلا معارض (3)، و كذا تثبت بالبينة الشرعية (4).

مسألة 103: إذا أقرّ بالوقف ثمَّ ادعى أن إقراره كان لمصلحة يسمع

(مسألة 103): إذا أقرّ بالوقف ثمَّ ادعى أن إقراره كان لمصلحة يسمع

______________________________

(1) لأن الاطمينانات العقلائية حجج إمضائية شرعية، أيضا ما لم يثبت الردع عنه شرعا و لم يثبت ذلك في المقام كما هو معلوم.

(2) لأن إقرار العقلاء حجة على أنفسهم عقلا و نقلا كما تقدم في كتاب الإقرار (1).

(3) لتحقق الاطمئنان العرفي حينئذ بالوقفية، و الظاهر كون ذلك من الأمارات العرفية المتعارفة بين المتشرعة و جرت السيرة على ترتب آثار الوقفية عليها خلفا عن سلف.

(4) لكون البينة حجة شرعية مطلقا على الإثبات ما لم يحدها الشرع بحد مخصوص و هو مفقود في المقام، بل يمكن أن يقال: ان قول ثقتين أمينين حجة عقلائية على الإثبات مطلقا ما لم يردع عنها الشرع، و ليس في البين إلا أصالة عدم الحجية التي أثبتوها بالأدلة الأربعة كما تقدم، و موردها غير الاطمينانات العرفية العادية و هي خارجة عنها تخصصا، و المفروض أن قول الثقتين الأمينين يفيد الاطمئنان العرفي العادي كما هو معلوم.

ص: 104


1- راجع ج 21 صفحة: 232.

منه (5) لكن يحتاج إلى الإثبات، بخلاف ما إذا وقع العقد و حصل القبض ثمَّ ادعى أنه لم يكن قاصدا فإنه لا يسمع منه أصلا (6)، كما هو الحال في جميع العقود و الإيقاعات.

مسألة 104: كيفية عملهم من الترتيب و التشريك و المصرف و غير ذلك 7 دليل على كيفية الوقف

(مسألة 104): كما أن معاملة المتصرفين معاملة الوقفية دليل على أصل الوقفية ما لم يثبت خلافها كذلك كيفية عملهم من الترتيب و التشريك و المصرف و غير ذلك (7) دليل على كيفيته فيتبع ما لم يعلم خلافها (8).

مسألة 105: إذا كان ملك بيد شخص يتصرف فيه بعنوان الملكية لكن علم أنه قد كان في السابق وقفا

(مسألة 105): إذا كان ملك بيد شخص يتصرف فيه بعنوان الملكية لكن علم أنه قد كان في السابق وقفا لم ينتزع من يده بمجرد ذلك ما لم يثبت وقفيته فعلا (9)، و كذا لو ادعى أحد أنه قد وقف على آبائه نسلا بعد نسل و أثبت ذلك من دون أن يثبت كونه وقفا فعلا (10).

______________________________

(5) أما أصل سماع الدعوى فلاحتمال الصحة فيه عند العرف و العقلاء و أنه أعرف بقصده و نيته، و أما عدم ترتب الأثر إلا بعد الإثبات بحجة معتبرة فلأصالة عدم ترتيب الأثر إلا بذلك.

(6) لأنه بفعله السابق- الظاهر بل الصريح في الصحة- كذّب دعواه اللاحق بالمرة فلا موضوع لسماعة حتى يحتاج إلى الإثبات، و كذا الكلام في سائر العقود و الإيقاعات.

نعم، لو قامت حجة معتبرة على أنه غير قاصد لأفعاله الصادرة منه لعارض فيه تقبل الحجة حينئذ.

(7) لظهور السيرة و الإجماع و اعتبار ظاهر الحال ما لم يثبت الخلاف.

(8) لأصالة الصحة ما لم تكن قرينة معتبرة على الخلاف.

(9) لظاهر يده الفعلية ما لم يثبت خلافه فعلا و مجرد العلم بالوقفية سابقا لا يثبت الوقفية الفعلية مع اليد الفعلي على الخلاف، و قد تقرر في محله تقدم اليد على الاستصحاب.

(10) لاستصحاب بقاء الوقفية ما لم تكن حجة معتبرة على الخلاف.

ص: 105

نعم، لو أقر ذو اليد في مقابل خصمه بأنه قد كان وقفا إلا أنه قد حصل المسوّغ للبيع و قد اشتراه سقط حكم يده و ينتزع منه، و يلزم بإثبات الأمرين وجود المسوّغ للبيع و وقوع الشراء (11).

مسألة 106: إذا كان كتاب أو مصحف أو صفر مثلا بيد شخص و هو يدعي ملكيته و كان مكتوبا عليه أنه وقف

(مسألة 106): إذا كان كتاب أو مصحف أو صفر مثلا بيد شخص و هو يدعي ملكيته و كان مكتوبا عليه أنه وقف لم يحكم بوقفيته بمجرد ذلك (12) فيجوز الشراء منه.

نعم، الظاهر أن وجود مثل ذلك عيب و نقص في العين (13)، فلو خفي على المشتري ثمَّ اطلع عليه كان له خيار الفسخ (14).

مسألة 107: لو ظهر في تركة الميت ورقة بخطه أن ملكه الفلاني وقف

(مسألة 107): لو ظهر في تركة الميت ورقة بخطه أن ملكه الفلاني وقف و انه قد وقع القبض و الإقباض لم يحكم بوقفيته بمجرد ذلك ما لم يحصل العلم أو الاطمئنان به، لاحتمال أنه كتب ليجعله وقفا (15) كما يتفق ذلك كثيرا.

______________________________

(11) لصيرورته مدعيا حينئذ و يسقط يده عن الاعتبار و لا بد له من إثبات دعواه و إلا يترتب عليه آثار الوقفية.

(12) لأن يده أمارة الملكية و الكتابة أعم من الوقفية الفعلية كما مر.

(13) لأن المتشرعة يتأملون في اشترائه بل يتنافرون عن ترتب آثار الملكية عليه.

(14) أما اعتبار الخفاء على المشتري فلما مر في خيار العيب من اعتبار عدم العلم بالعيب، و أما ثبوت الخيار بعد تحقق العيب فلتحقق المقتضي له و فقد المانع حينئذ فيثبت لا محالة.

(15) لأن كتابه الوقف جامعة للشرائط أعم من وقوعه خارجا كذلك.

نعم، لو شهدت البينة في الكتابة رؤية القبض و الإقباض تتحقق الوقفية حينئذ لحجية البينة.

ص: 106

مسألة 108: إذا كانت العين الموقوفة من الأعيان الزكوية

(مسألة 108): إذا كانت العين الموقوفة من الأعيان الزكوية كالأنعام الثلاثة لم يجب على الموقوف عليهم زكاتها و إن بلغت حصة كل منهم حد النصاب (16)، و أما لو كانت نمائها منها كالعنب و التمر ففي الوقف الخاص وجبت الزكاة على كل من بلغت حصته النصاب من الموقوف عليهم لأنها ملك طلق لهم بخلاف الوقف العام، و إن كان مثل الوقف على الفقراء لعدم كونه ملكا لواحد منهم إلا بعد قبضه (17).

نعم، لو اعطى الفقير مثلا حصة من الحاصل على الشجر قبل وقت تعلق الزكاة- كما قبل احمرار التمر و اصفراره- وجبت عليه الزكاة إذا بلغت حد النصاب (18).

مسألة 109: الوقف المتداول بين الأعراب

(مسألة 109): الوقف المتداول بين الأعراب و بعض الطوائف من غيرهم يعمدون إلى نعجة أو بقرة و يتكلمون بألفاظ متعارفة بينهم، و يكون المقصود ان تبقى و تذبح أولادها الذكور و تبقى الإناث، و هكذا الظاهر بطلانها لعدم الصيغة و عدم القبض و عدم تعيين المصرف و غير ذلك (19).

مسألة 110: الأموال التي تجمع لعزاء سيد الشهداء عليه السّلام

(مسألة 110): الأموال التي تجمع لعزاء سيد الشهداء عليه السّلام أو غيره من المعصومين عليهم السّلام من صنف خاص أو أهل بلد لإقامة مأتمهم أو للأنصار الذين يذهبون في زيارة مخصوصة إلى مشاهدهم عليهم السّلام أنها من قسم

______________________________

(16) لأن من شرط وجوب الزكاة الملكية و الموقوف عليه ليس بمالك للعين فيها.

(17) و مورد تعلق الزكاة ملكية الثمر على الشجر لا ملكية الحاصل بعد الاقتطاف فإنه لا وجه لتعلق الزكاة به كما مر في كتاب الزكاة.

(18) لوجود المقتضي حينئذ لتعلق وجوب الزكاة و فقد المانع عنه.

(19) و كذا لو شك في أنها جامعة للشرائط أو لا، و ذلك لمكان جهلهم بها.

نعم، لو أمكن حمل فعلهم على الصحة يحمل عليها.

ص: 107

الصدقات المشروط صرفها في جهة معينة (20)، و ليست باقية على ملك مالكها و لا يجوز الرجوع فيها (21)، و إذا مات قبل صرفها لا يجوز لوارثه المطالبة بها (22)، و إذا تعذر صرفها في الجهة المعينة تصرف في سبل الخير (23).

مسألة 111: يجوز أن يشتري ملكا من سهم سبيل اللّه من الزكاة

(مسألة 111): يجوز أن يشتري ملكا من سهم سبيل اللّه من الزكاة و يجعله مسجدا أو مدرسة أو مسكنا للزوار أو الحجاج أو الفقراء أو نحو ذلك مما فيه مصلحة المسلمين، كما يجوز تعمير ما احتاج إليه مثل الموقوفات المذكورة من السهم المذكور أو مما مصرفه وجوه البر (24).

______________________________

(20) لأصالة عدم تحقق عنوان الوقفية، و أما تحقق عنوان الصدقة و التبرع فيدل عليه ظاهر الحال هو حجة عند المتعارف.

(21) لأن ظاهر العطية و التبرع أن المالك أخرجه من ملكه إلا إذا استفيد من القرائن الخارجية أن الإخراج كان ما دام الصرف لا غيره.

(22) لفرض إخراجها عن ملكه بالإعطاء إلى الطرف.

(23) لأنها مورد صرف تلك الأموال و إن كان الأحوط مراعاة الأقرب فالأقرب.

(24) كل ذلك لإطلاق سبيل اللّه عليه الشامل للجميع، و كذا يجوز من سهم الإمام عليه السّلام مع إذن نائبه.

ص: 108

فصل في الحبس و أنواعه

اشارة

فصل في الحبس و أنواعه

مسألة 1: يجوز للإنسان أن يحبّس ملكه على كل ما يصح الوقف عليه

(مسألة 1): يجوز للإنسان أن يحبّس ملكه على كل ما يصح الوقف عليه (1). بأن يصرف منافعه فيما عينه على ما عينه (2)، فلو حبّسه على سبيل من سبل الخير و مواقع قرب العبادات مثل الكعبة المعظمة و المساجد

______________________________

و هو عبارة عن التحبيس الذي هو الجامع المشترك بين الوقف و الرقبى و العمري و السكنى، و حيث أن الوقف له أهمية خاصة و مسائل كثيرة خصّه الفقهاء بكتاب مستقل دون البقية، و لكن الجامع بين الكل هو الحبس كما عرفت في أول الكتاب، و تقدم الفرق بينه و بين الوقف في مسألة 18 فحقيقة التحبيس في الثلاثة واحدة و الاختلاف انما هو بالإضافة فإن أضيف إلى العمر قيل «عمرى» و «سكنى»، و إن أضيف إلى الإسكان فقط قيل «سكنى» خاصة و إن أضيف إلى المدة قيل «رقبى» فالجامع واحد و تختلف الإضافة و يختلف الاسم من هذه الجهة. و يظهر من جمع منهم الشهيدين و المحقق صحة أصل التحبيس و لو لم يعنون بأي عنوان كما إذا احتبس فرسه في سبيل اللّه تعالى.

(1) لأصالة الإباحة و قاعدة السلطنة و الإجماع و نصوص خاصة تأتي الإشارة إليها.

(2) لقاعدة: «المؤمنون عند شروطهم»، و للإجماع و نصوص خاصة منها خبر ابن نعيم عن الكاظم عليه السّلام: «رجل جعل سكنى داره لرجل أيام حياته أو له و لعقبه من بعده؟ قال عليه السّلام: هي له و لعقبه كما شرط» (1)، و عن حمران عن

ص: 109


1- الوسائل باب: 2 من أبواب السكنى و الحبيس.

و المشاهد المشرفة، فإن كان مطلقا أو صرح بالدوام فلا رجوع و لا يعود على ملك المالك و لا يورث (3)، و إن كان إلى مدة لا رجوع في تلك المدة و بعد انقضائها يرجع إلى المالك (4)، و لو حبّسه على شخص فإن عيّن مدة أو مدة حيوته لزم حبسه عليه في تلك المدة (5)، و لو مات الحابس قبل انقضائها يبقى على حاله إلى أن تنقضي (6) و إن أطلق و لم يعيّن وقتا لزم ما دام حيوة الحابس (7)، و إن مات كان ميراثا (8) و هكذا

______________________________

الصادق عليه السّلام: «سألته عن السكنى و العمري؟ فقال عليه السّلام: الناس فيه عند شروطهم إن كان شرط حياته فهي حياته و إن كان لعقبه فهو لعقبه كما شرط حتى يفنوا ثمَّ يرد إلى صاحب الدار» (1).

(3) للأصل و الإجماع و قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح الحلبي: «ليس لهم أن يبيعوا و لا يورّثوا» (2).

(4) أما عدم الرجوع في تلك المدة فلمكان الاشتراط و الالتزام الذي التزم به على نفسه، و أما الرجوع إلى المالك فلفرض بقائه على ملكه، و انما أحلّ للطرف حق السكنى فقط كما يأتي في المسألة السادسة، و مع وفاة المالك يرجع إلى وارثه لعموم أدلة الإرث.

(5) لوجوب الوفاء بالعقد و لزومه عليه.

(6) لأن عقد الحبس لازم يجب الوفاء به على نحو ما إنشاء مطلقا كان أو موقتا.

(7) بناء على انصراف الإطلاق إلى حياة الحابس، و أما بناء على كفاية المسمى و صرف الوجود فيه كما يأتي في المسألة الخامسة فيصح له الرجوع متى شاء.

(8) لبقاء العين على ملك مالكه فينتقل بعد موته إلى ورثته كما في سائر

ص: 110


1- الوسائل باب: 2 من أبواب السكنى و الحبيس.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب السكنى و الحبيس الحديث: 2.

الحال لو حبّس على عنوان عام (9) كالفقراء، فإن حدده بوقت لزم إلى انقضائه و إن لم يوقّت لزم ما دام حياة الحابس (10).

مسألة 2: إذا جعل لأحد سكنى داره- مثلا-

(مسألة 2): إذا جعل لأحد سكنى داره- مثلا بأن سلّطه على إسكانها مع بقائها على ملكه يقال له «السكنى» سواء أطلق و لم يعين مدة أصلا كأن يقول «أسكنتك داري» أو «لك سكناها» أو قدّره بعمر أحدهما، كما إذا قال لك «سكنى داري مدة حياتك» أو «مدة حياتي» أو قدره بالزمان كسنة و سنتين مثلا.

نعم، في كل من الأخيرين له اسم يختص به و هو العمري في أولهما و الرقبى في ثانيهما (11).

مسألة 3: يحتاج كل من هذه الثلاثة إلى عقد مشتمل على إيجاب من المالك و قبول من الساكن

(مسألة 3): يحتاج كل من هذه الثلاثة إلى عقد مشتمل على إيجاب من المالك و قبول من الساكن (12)، فالإيجاب كل ما أفاد التسليط المزبور بحسب المتفاهم العرفي كان يقول في السكنى «أسكنتك هذه الدار» أو

______________________________

أملاكه، و ينتقل حق السكنى إلى ورثة المالك أيضا أما بناء على الانصراف إلى حياة الحابس فلبطلان السكنى بموته و كذا بناء على كفاية صرف الوجود فيه كما هو معلوم.

(9) لجريان جميع ما تقدم فيه أيضا من غير فرق.

(10) لأصالة اللزوم الجارية فيه بل في جميع العقود كما تقدم مكررا.

(11) الوجه في تمام هذه المسألة واضح لا يحتاج إلى البيان.

(12) لأن كل واحد من الثلاثة عقد إجماعا و كل عقد متقوم بالإيجاب و القبول بالضرورة فيحتاج كل واحد من الثلاثة إليهما كذلك، و يحتمل في كل واحد منها أن يكون الرد مانعا لا أن يكون القبول شرطا كما تقدم في الوقف و يأتي في الوصية.

ص: 111

«لك سكناها» و ما أفاد معناهما بأي لغة كان (13)، و في العمرى «أسكنتكها» أو «لك سكناها مدة حياتك أو حياتي»، و في الرقبى «أسكنتكها سنة أو سنتين» مثلا، و للعمري و الرقبى لفظان آخران فللأولى «أعمرتك هذه الدار عمرك أو عمري أو ما بقيت أو بقيت أو ما حييت أو حييت أو ما عشت أو عشت و نحوها»، و للثانية «أرقبتك مدة كذا» و أما القبول فهو كل ما دل على الرضا و القبول من الساكن (14) و تجري فيها المعاطاة (15).

مسألة 4: يشترط في كل من الثلاثة قبض الساكن

(مسألة 4): يشترط في كل من الثلاثة قبض الساكن فلو لم يقبض حتى مات المالك بطلت كالوقف (16).

مسألة 5: هذه العقود الثلاثة لازمة يجب العمل بمقتضاها

(مسألة 5): هذه العقود الثلاثة لازمة (17) يجب العمل بمقتضاها و ليس للمالك الرجوع و إخراج الساكن (18)، ففي السكنى المطلقة حيث ان الساكن استحق مسمى الإسكان و لو يوما لزم العقد في هذا المقدار فليس للمالك منعه عن ذلك.

______________________________

(13) لما تقدم غير مرة أنه لا موضوعية للألفاظ في العقود و انما هي طريق محض لإبراز المعنى المقصود، فكل لفظ أفاد ذلك يكتفى به في المحاورات ما لم يدل دليل على الخلاف و لا دليل على الخلاف في المقام.

(14) لما تقدم آنفا من غير فرق بينهما في ذلك.

(15) لكونها موافقة للقاعدة فتجري في جميع العقود إلا مع الدليل على العدم و هو مفقود في المقام.

(16) لتقوم تحقق المجانيات مطلقا بالقبض عند العرف مضافا إلى الإجماع على اعتباره فيها.

(17) لأصالة اللزوم في كل عقد مطلقا التي قررناها في كتاب البيع ما لم يدل دليل على الخلاف و لا دليل كذلك في المقام.

(18) لأنه لا معنى للزوم العقد إلا ذلك.

ص: 112

نعم، له الرجوع و الأمر بالخروج في الزائد متى شاء (19)، و في العمرى المقدرة بعمر الساكن أو عمر المالك لزمت مدة حياة أحدهما، و في الرقبى لزمت في المدة المضروبة فليس للمالك إخراجه قبل انقضائها (20).

مسألة 6: إذا جعل داره سكنى أو عمري أو رقبى لشخص لم تخرج عن ملكه

(مسألة 6): إذا جعل داره سكنى أو عمري أو رقبى لشخص لم تخرج عن ملكه (21)، و جاز له بيعها (22) و لم يبطل الإسكان و لا الأعمار و لا الإرقاب بل يستحق الساكن السكنى على النحو الذي جعلت له (23) و كذا ليس للمشتري إبطالها (24).

______________________________

(19) لقاعدة السلطنة، مضافا إلى الإجماع بعد وفائه بما التزم به و هو بذل مسمى الإسكان، و يدل عليه صحيح الحلبي عن الصادق عليه السّلام: «قلت له: رجل أسكن رجلا داره و لم يوقت؟ قال عليه السّلام: جائز و يخرجه إذا شاء» (1)، و مثله غيره هذا إذا لم تكن قرينة معتبرة في البين على التحديد بالحياة من انصراف و نحوه و إلا تتبع.

(20) لوجوب الوفاء عليه بما التزم به على نفسه.

(21) للأصل و النص و الإجماع، ففي خبر أبي الصباح عن الصادق عليه السّلام قال: «سئل عن السكنى و العمري؟ فقال: إن كان جعل السكنى في حياته فهو كما شرط و إن كان جعلها له و لعقبه بعده حتى يفنى عقبه فليس لهم أن يبيعوا و لا يرثوا ثمَّ ترجع الدار إلى صاحبها الأول» (2).

(22) لقاعدة السلطنة مضافا إلى الإجماع.

(23) للأصل و الإطلاق و الاتفاق في كل من الحكمين.

(24) لأصالة عدم حق له على الإبطال مضافا إلى الإجماع.

ص: 113


1- الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام السكنى و الحبيس الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام السكنى الحديث: 1.

نعم، لو كان جاهلا كان له الخيار بين فسخ البيع و إمضائه بجميع الثمن (25).

مسألة 7: لو جعل المدة في العمرى طول حياة المالك و مات الساكن قبله

(مسألة 7): لو جعل المدة في العمرى طول حياة المالك و مات الساكن قبله كان لورثته السكنى إلى أن يموت المالك، و لو جعل المدة طول حياة الساكن و مات المالك قبله لم يكن لورثته إزعاج الساكن بل يسكن طول حياته (26)، و لو مات الساكن لم يكن لورثته السكنى (27) إلا إذا جعل له السكنى مدة حياته و لعقبه و نسله بعد وفاته فلهم ذلك ما لم ينقرضوا (28) فإذا انقرضوا رجعت إلى المالك أو ورثته (29).

______________________________

(25) لأن عدم استيلاء المشتري على المنفعة الخاصة لملكه ضرر عليه و لا بد و أن يتدارك هذا الضرر و تداركه يتحقق بنفي اللزوم، و هذا عبارة أخرى عن الخيار، و تقدم نظير ذلك في الإجارة فراجع هذا في السكنى المحدودة بحد خاص و أما المطلق منها فحيث يتحقق بالمسمى يصح أن يكون البيع رجوعا عنه مع الالتفات و لو في الجملة للمشتري بعد ذلك لعدم موضوع له حينئذ.

(26) هذه المسألة مبنية على أن الحاصل بالثلاثة تمليك المنفعة كالإجارة أو أن الحاصل منها مجرد حصول حق الانتفاع فقط، أو لا تكون من هذا و لا ذاك بل تحصل مجرد الإذن و الإباحة المحضة من دون حصول ملك أو حق في البين، و يترتب على الأولين تحقق الإرث لورثة الساكن لو مات قبل انقضاء المدة، و أما الأخير فلا موضوع للإرث لعدم مال أو حق في البين حتى يورث، و مقتضى مرتكزات المتشرعة بل الناس و ظواهر كلمات الفقهاء هو الأول و الأدلة الشرعية منزلة عليه ما لم يكن شاهد على الخلاف و هو مفقود، و إن كان مقتضى الأصل هو الأخير كما لا يخفى على الخبير و طريق الاحتياط واضح.

(27) لفرض اختصاص حق السكنى بخصوص الساكن الأول دون ورثته.

(28) لشمول الإذن من المالك للجميع حينئذ.

(29) لعدم خروج الملك من ملك المالك في السكنى بل هو باق على

ص: 114

مسألة 8: إطلاق السكنى يقتضي أن يسكن من جعلت له السكنى بنفسه و أهله و أولاده

(مسألة 8): إطلاق السكنى يقتضي أن يسكن من جعلت له السكنى بنفسه و أهله و أولاده و الأقرب جواز إسكان من جرت العادة بالسكنى معه، كغلامه و جاريته و مرضعة ولده و ضيوفه، بل و كذا دابته إذا كان الموضع معدا لمثلها (30). و لا يجوز أن يسكن غيرهم (31) إلا أن يشترط ذلك أو يرضى المالك (32)، و كذا لا يجوز أن يؤجر المسكن أو يعيره لغيره على الأقوى (33).

مسألة 9: كل ما صح وقفه صح إعماره

(مسألة 9): كل ما صح وقفه صح إعماره (34) من العقار و الحيوان و الأثاث و غيرها، و يختص مورد السكنى بالمساكن (35)، و أما الرقبى ففي

______________________________

ملكه فمع حياته يرجع إليه و مع موته يرجع إلى ورثته و يتبعه حق السكنى أيضا، لفرض انقراض من جعل له الحق فالمقتضي للرجوع مطلقا موجود و المانع عنه مفقود.

(30) كل ذلك لظهور الإطلاق المنزّل على ما هو المتعارف و يختلف ذلك باختلاف الأشخاص و الخصوصيات و الجهات.

(31) للأصل بعد ظهور الإسكان في سكنى نفسه و كذا لو شك في الشمول لغيره.

(32) لتحقق الإذن حينئذ من المالك و من له الحق.

(33) للأصل بعد الشك في شمول الإذن في السكنى لذلك لأنا و إن قلنا بأنه تمليك المنفعة لكن الظاهر أن التمليك مختص به.

نعم، لو استفيد من القرائن عدم اعتبار المباشرة لنفسه بنفسه يصح كل ذلك لثبوت الإذن من المالك حينئذ.

(34) أرسل ذلك إرسال المسلمات و ادعي الإجماع عليه و تقتضيه قاعدة السلطنة أيضا.

(35) لظهور اللغة و العرف و النص (1)، و الإجماع فيه.

ص: 115


1- تقدم في صفحة: 113.

كونها في ذلك بحكم العمري أو بحكم السكنى تأمل و إشكال (36).

مسألة 10: يشترط في الحبس و ما يلحق به الشرائط العامة

(مسألة 10): يشترط في الحبس و ما يلحق به الشرائط العامة (37) و جميع ما تقدم من الشرائط في الوقف (38).

مسألة 11: يجوز أن يجعل مورد الحبس نفس المنفعة

(مسألة 11): يجوز أن يجعل مورد الحبس نفس المنفعة مثل ما إذا استأجر شخص دارا من غير شرط استيفاء المنفعة بنفسه مدة معينة ثمَّ حبس تلك المدة لغيره (39).

مسألة 12: لو ادعى المالك الحبس و ادعى المحبوس عليه الوقف

(مسألة 12): لو ادعى المالك الحبس و ادعى المحبوس عليه الوقف يقدم قول المالك إن لم تكن بيّنة في البين (40).

______________________________

(36) الظاهر أنه لا إشكال في كونه كالعمرى لقاعدة السلطنة و عدم ما يصح للتخصيص من نص أو إجماع معتبر أو غيرهما.

(37) لما تقدم غير مرة من الدليل على اعتبارها فلا وجه للتكرار المرجوح.

(38) لما أرسلوه إرسال المسلمات بحيث يظهر منهم الإجماع على ذلك، و لعل السر في عدم تعرضهم لتفصيل القول في الحبس الاكتفاء بما ذكروه في الوقف.

(39) لإطلاق الأدلة الشاملة لهذه الصورة أيضا كما تقدم بعد عدم دليل على اختصاص التحبيس بالعين بخلاف الوقف، كما عرفت- بل يجوز حبس الانتفاع أيضا كما إذا حبس المالك الانتفاع من ظل جداره أو شجرته على أحد و كذا غيرهما من الانتفاعات.

(40) لأنه أعرف بنيته ما لم تكن حجة على الخلاف، مع بقاء سلطنته على العين، و لو وقع هذا النزاع بين ورثة المالك و المحبوس عليه فمقتضى أصالة بقاء العين على ملك مورّثهم انتقال العين إليهم أيضا فيقدم قولهم إلا إذا قامت البينة على الوقفية.

ص: 116

خاتمة في الصدقة

اشارة

خاتمة في الصدقة التي قد تواترت النصوص على ندبها و الحث عليها (1) خصوصا

______________________________

(1) فلها آثار وضعية في الدنيا و الآخرة كما يستفاد من النصوص الآتية، و تدل على رجحانها في الجملة الأدلة الأربعة فمن العقل استقلاله بحسن الخير و نفع الغير و فضل الإحسان بالنسبة إلى الأخوان، و من الكتاب ما أمتن عز و جل على عباده بقوله تعالى أَنَّ اللّٰهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبٰادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقٰاتِ (1)، و قوله تعالى وَ أَقْرِضُوا اللّٰهَ قَرْضاً حَسَناً(2)، و قوله تعالى وَ مٰا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللّٰهِ (3)، إلى غير ذلك من الآيات المباركة، و أما الإجماع فهو من المسلمين بل العقلاء إذ لا يختص حسن الصدقة بملّة دون أخرى.

و أما السنة فهي متواترة بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «الصدقة تدفع ميتة السوء» (4)، و عنه صلّى اللّه عليه و آله: «تصدقوا فإن الصدقة تزيد في المال كثرة فتصدقوا رحمكم اللّه» (5)، و عنه صلّى اللّه عليه و آله: «التوحيد نصف الدين و استنزلوا الرزق بالصدقة» (6)، و عنه صلّى اللّه عليه و آله أيضا: «خير مال المرء و ذخائره الصدقة» (7)، و عنه صلّى اللّه عليه و آله: «داووا مرضاكم بالصدقة» (8)، و عنه صلّى اللّه عليه و آله أيضا: «اتقوا النار و لو بشق تمرة، و استنزلوا الرزق بالصدقة، ادفعوا البلاء بالدعاء، ما نقص

ص: 117


1- سورة التوبة: 104.
2- سورة الحديد: 18.
3- سورة الزمر: 73.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب الصدقات الحديث: 3.
5- الوسائل باب: 1 من أبواب الصدقات الحديث: 8.
6- الوسائل باب: 1 من أبواب الصدقات الحديث: 13.
7- الوسائل باب: 1 من أبواب الصدقات الحديث: 16.
8- الوسائل باب: 1 من أبواب الصدقات الحديث: 18.

في أوقات مخصوصا كالجمعة و عرفة و شهر رمضان (2). و على طوائف مخصوصة كالجيران (3) و الأرحام (4) بل ورد في الخبر «لا صدقة و ذو

______________________________

مال من صدقة، و صدقة و ذو رحم محتاج» (1)، و عن علي عليه السّلام: «الصدقة جنة من النار» (2)، و عنه عليه السّلام أيضا: «إذا أملقتم فتاجروا اللّه بالصدقة» (3)، إلى غير ذلك من الأخبار و تأتي الإشارة إلى بعضها.

(2) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الصدقة يوم الجمعة يضاعف أضعافا» (4)، و في رواية عبد اللّه بن سليمان: «كان أبو جعفر عليه السّلام إذا كان يوم عرفة لم يرد سائلا» (5)، و عن الصادق عليه السّلام: «من تصدق في شهر رمضان بصدقة صرف اللّه عنه سبعين نوعا من أنواع البلاء» (6)، و يشهد لذلك العرف و الاعتبار أيضا فإن لفضل الزمان و المكان أثرا في زيادة فضل العبادة، و يمكن التعدي عن ذلك بأن يقال أن صدقة أهل التقوى أكثر ثوابا من صدقات الهمج الرعاء إلى غير ذلك مما يوجب زيادة الفضل.

(3) لما ورد من كثرة التوصية بهم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «ما زال جبرائيل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورّثه» (7)، و عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما آمن بي من بات شبعان و جاره جائع» (8)، إلى غير ذلك من الأخبار التي تستفاد منها الأولوية فيها على الجار.

(4) فعن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «من مشى إلى ذي قرابة بنفسه و ماله ليصل رحمه أعطاه اللّه عز و جل أجر مائة شهيد و له بكل خطوة أربعون ألف حسنة و محي عنه

ص: 118


1- الوسائل باب: 7 من أبواب الصدقات الحديث: 2.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الصدقات الحديث: 17.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الصدقات الحديث: 20.
4- الوسائل باب: 15 من أبواب الصدقات الحديث: 1.
5- الوسائل باب: 15 من أبواب الصدقات الحديث: 2.
6- الوسائل باب: 15 من أبواب الصدقات الحديث: 3.
7- الوسائل باب: 86 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 5.
8- الوسائل باب: 88 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 1.

رحم محتاج»، و هي دواء المريض و دافعة البلاء و قد أبرم إبراما (5) و بها يستنزل الرزق و يقضي الدين و تخلف البركة و تزيد في المال (6) و بها

______________________________

أربعون ألف سيئة و رفع له من الدرجات مثل ذلك و كان كأنما عبد اللّه عز و جل مائة سنة صابرا محتسبا» (1)، و عنه صلّى اللّه عليه و آله أيضا: «الصدقة بعشرة، و القرض بثمانية عشر، و صلة الإخوان بعشرين و صلة الرحم بأربعة و عشرين» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة بل المتواترة.

(5) أما الأول فلما تقدم من قوله صلّى اللّه عليه و آله: «داووا مرضاكم بالصدقة» (3)، و في رواية معاذ بن مسلم قال: «كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فذكروا الوجع فقال عليه السّلام:

داووا مرضاكم بالصدقة، و ما على أحدكم أن يتصدق بقوت يومه أن ملك الموت يدفع إليه الصك بقبض روح العبد فيتصدق فيقال له: رد عليه الصك» (4)، و أما الثاني فلوصية النبي لعلي عليه السّلام: «يا علي الصدقة ترد القضاء الذي قد أبرم إبراما» (5).

(6) أما الأول فلما تقدم من قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «استنزلوا الرزق بالصدقة» و قول علي عليه السّلام: «إذا أملقتم فتاجروا اللّه بالصدقة»، و غيرها من الأخبار و أما بعده فلقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «حسن الصدقة يقضي الدين و يخلف بالبركة» (6)، و عن أبي جعفر عليه السّلام: «البر و الصدقة ينفيان الفقر و يزيدان في العمر و يدفعان عن صاحبهما سبعين ميتة السوء» (7)، و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «تصدقوا فإنّ الصدقة تزيد في المال كثرة فتصدقوا رحمكم اللّه» (8).

ص: 119


1- الوسائل باب: 20 من أبواب الصدقة الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب الصدقة الحديث: 5.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب الصدقة الحديث: 1.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب الصدقة الحديث: 2.
5- الوسائل باب: 8 من أبواب الصدقة الحديث: 4.
6- الوسائل باب: 1 من أبواب الصدقة الحديث: 3.
7- الوسائل باب: 1 من أبواب الصدقة الحديث: 4.
8- الوسائل باب: 1 من أبواب الصدقة الحديث: 8.

تدفع ميتة السوء و الداء و الحرق و الغرق و الهدم و الجنون إلى سبعين بابا من السوء (7)، و بها في أول كل يوم يدفع نحوسة ذلك اليوم و شروره و في أول كل ليلة تدفع نحوسة تلك الليلة و شرورها (8)، و لا يستقل قليلها فقد ورد:

«تصدقوا و لو بقبضة أو ببعض قبضة و لو بشقة تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة و لا يستكثر كثيرها فإنها تجارة رابحة»، ففي الخبر: «إذا أملقتم تاجروا اللّه بالصدقة» و في خبر آخر: «انها خير الذخائر»، و في آخر: «إن اللّه تعالى يربي الصدقات لصاحبها حتى يلقاها يوم القيامة كجبل عظيم».

مسألة 1: يعتبر في الصدقة قصد القربة

(مسألة 1): يعتبر في الصدقة قصد القربة (9)، و لو نوى الرياء

______________________________

(7) لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «إن اللّه لا إله إلا هو ليدفع بالصدقة الداء و الدبيلة و الحرق و الغرق و الهدم و الجنون و عد سبعين بابا من السوء» (1).

(8) لقول الصادق عليه السّلام: «باكروا بالصدقة فإن البلايا لا تتخطاها و من تصدق بصدقة أو النهار دفع اللّه عنه شر ما ينزل من السماء في ذلك اليوم فإن تصدق أول الليل دفع اللّه عنه شر ما ينزل من السماء في تلك الليلة» (2).

(9) لقول أبي عبد اللّه ع: «لا صدقة و لا عتق إلا ما أريد به وجه اللّه عز و جل» (3)، و عنه عليه السّلام أيضا: «إنما الصدقة للّه عز و جل فما جعل اللّه عز و جل فلا رجعة له فيه» (4)، مضافا إلى الإجماع و مرتكزات المتشرعة بل العقلاء الذين يعتقدون بالصدقة، و في رواية محمد بن عمر بن يزيد قال: «أخبرت أبا الحسن الرضا عليه السّلام اني أصبت بابنين و بقي لي ابني صغير، فقال عليه السّلام: تصدق عنه، ثمَّ قال حين حضر قيامي: مر الصبي فليتصدق بيده بالكسرة و القبضة و الشي ء و ان قلّ،

ص: 120


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الصدقة الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب الصدقة الحديث: 5.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب الوقوف.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب الوقوف الحديث: 1.

بطل (10)، و الأقوى أنه لا يعتبر فيها العقد المشتمل على الإيجاب و القبول كما نسب إلى المشهور، بل يكفي المعاطاة (11) فتتحقق بكل لفظ أو فعل

______________________________

فإن كل شي ء يراد به اللّه و إن قل بعد أن تصدق النية فيه عظيم إن اللّه عز و جل يقول فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ و قال فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَ مٰا أَدْرٰاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعٰامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذٰا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذٰا مَتْرَبَةٍ علم اللّه أن كل أحد لا يقدر على فك رقبة فجعل إطعام اليتيم و المسكين مثل ذلك تصدق عنه» (1).

(10) للأخبار الدالة على أن الرياء يوجب بطلان العمل الذي تعتبر فيه قصد القربة (2)، و حينئذ فإن كان الإذن في التصرف مقيدا بالقربة فلا يصح للطرف التصرف فيه و يبقى المال على ملك مالكه، و أما إن كانت القربة من باب تعدد المطلوب يصح له التصرف، لمكان الإذن و على أي حال لو تصرف لا يكون ضامنا لقاعدة «ما لا يضمن بصحيحة لا يضمن بفاسده».

(11) للسيرة خلفا عن سلف و عدم معهودية الإيجاب و القبول اللفظي فيها بل الظاهر استنكار المتشرعة لذلك، فمقتضى الإطلاقات عدم اعتبار اللفظ فيها، و نسب إلى المشهور اعتبار الإيجاب و القبول اللفظي فيها و لم يستدلوا عليه بشي ء من عقل أو نقل و لم يشر إليه في شي ء من تلك الأخبار الكثيرة الواصلة إلينا. و المنساق من الأخبار أنها تصدق على مجرد البذل للّه تعالى و إن لم يكن بعنوان الارتباط العقدي بل يظهر من التأكيد على اختفائها و مداومة الأئمة عليهم السّلام على ذلك قيام تحققها بنفس المتصدق فقط، و كذا التصدق على الإبراء بقصد القربة أيضا، فهي بالإيقاع أشبه منه بالعقد. و قد أثبتنا مكررا أن المعاطاة موافقة للقاعدة ما لم يدل دليل على الخلاف و لا دليل على الخلاف في المقام.

ص: 121


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الصدقة الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب مقدمة العبادات.

من إعطاء أو تسليط قصد به التمليك مجانا مع نية القربة (12)، و يشترط فيها الإقباض و القبض (13).

مسألة 2: فضولية الصدقة

(مسألة 2): تجري في الصدقة الفضولية أيضا (14).

مسألة 3: لا يجوز الرجوع في الصدقة مع القربة بعد القبض

(مسألة 3): لا يجوز الرجوع في الصدقة مع القربة بعد القبض و إن كانت على أجنبي على الأصح (15).

مسألة 4: تحل صدقة الهاشمي لمثله و لغيره

(مسألة 4): تحل صدقة الهاشمي لمثله و لغيره مطلقا حتى الزكاة المفروضة و الفطرة، و أما صدقة غير الهاشمي للهاشمي فتحل في المندوبة و تحرم في الزكاة المفروضة و الفطرة، و أما المفروضة غيرهما كالمظالم و الكفارة و نحوها فالظاهر أنها كالمندوبة و إن كان الأحوط عدم إعطائهم لها

______________________________

(12) لما مر غير مرة من أن المناط في إبراز المقاصد كل لفظ أو فعل ظاهر فيها في المحاورات و لو كان الظهور مستندا إلى القرائن المعتبرة، و حيث أنها من العناوين المجانية فكل لفظ أو فعل يكون ظاهرا في هذا العنوان يجزي في تحققها. و أما القربة فهي إنما تتحقق بمجرد القصد و النية و لو لم يكن عليها دال في الخارج.

(13) لتقوم تحقق كل عنوان مجاني بذلك كما هو معلوم مع اتفاقهم عليه.

(14) لما تقدم في البيع من انها موافقة للقاعدة ما لم يدل دليل على الخلاف و لا دليل كذلك في المقام، و حينئذ فلو قصد الفضولي القربة و أجاز المالك كذلك تصح و إلا فيقصد المالك القربة حين الإجازة.

(15) لأصالة اللزوم في كل عقد إلا ما خرج بالدليل، و لإطلاق جملة من النصوص منها قول أبي جعفر عليه السّلام: «لا ترجع في الصدقة إذا ابتغى وجه اللّه عز و جل» (1)، و في رواية أخرى عن الصادق عليه السّلام: «إنما الصدقة للّه عز و جل، فما

ص: 122


1- الوسائل باب: 11 من أبواب الوقوف و الصدقات الحديث: 7.

و تنزههم عنها (16).

مسألة 5: يعتبر في المتصدق البلوغ و العقل و عدم الحجر

(مسألة 5): يعتبر في المتصدق البلوغ و العقل و عدم الحجرلفلس أو سفه (17).

نعم، في صحة صدقة من بلغ عشر سنين وجه لكنه لا يخلو عن إشكال (18).

مسألة 6: لا يعتبر في المتصدق عليه في الصدقة المندوبة الفقر و لا الإيمان

(مسألة 6): لا يعتبر في المتصدق عليه في الصدقة المندوبة الفقر و لا الإيمان بل و لا الإسلام فيجوز على الغني و على المخالف و على الذمي

______________________________

جعل للّه عز و جل فلا رجعة له فيه» (1)، و في خبر الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنما مثل الذي يرجع في صدقته كالذي يرجع في قيئه» (2)، و يشهد له العرف و الاعتبار أيضا، و ما نسب إلى بعض فقهائنا منهم الشيخ في المبسوط انها جائزة، و إن صدقة التطوع بمنزلة الهدية المستفاد منه صحة الرجوع إلى غير ذي الرحم، ما دامت العين موجودة مخالف للعرف و الوجدان و الإطلاق و ظهور الاتفاق حتى من غير مبسوطة، فلا ريب في ضعفه و سقوطه، و أما ما في بعض النصوص، المشتملة على أن الصدقة جائزة فيمكن حمله على بعض المحامل كما لا يخفى.

(16) تقدم كل ذلك في كتاب الزكاة في الوصف الرابع من أوصاف المستحقين فراجع.

(17) لأن التصدق تصرف مالي و كل هؤلاء محجورون عن التصرف المالي كما تقدم في كتاب الحجر هذا مضافا إلى الإجماع في كل ذلك.

(18) من إطلاق أدلة المنع و عمومها الشامل له أيضا، و من خبر الحلبي:

«انه سأل الصادق عليه السّلام عن صدقة الغلام إذا لم يحتلم؟ قال عليه السّلام: نعم لا بأس به إذا

ص: 123


1- الوسائل باب: 11 من أبواب الوقوف و الصدقات الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب الوقوف و الصدقات الحديث: 4.

و إن كانا أجنبيين (19).

______________________________

وضعها في موضع الصدقة» (1)، المحمول على ما إذا بلغ عشر سنين بقرينة ما ورد في الوصية (2)، و غيرها، لكن خبر الحلبي مرسل يشكل الاكتفاء به في الجزم بالحكم، مع احتمال أن يكون الصبي من مجرد الآلة فقط.

(19) كل ذلك للاتفاق و الإطلاق غير القابل للتقييد، و إطلاق قوله تعالى:

لٰا يَنْهٰاكُمُ اللّٰهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقٰاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيٰارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (3)، و لخبر عمرو بن ابي نصر قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام إن أهل البوادي يقتحمون علينا و فيهم اليهود و النصارى و المجوس فنتصدق عليهم؟ قال عليه السّلام: «نعم» (4)، و لقوله عليه السّلام: «ان اللّه تبارك و تعالى يحب إبراد الكبد الحري و من سقى كبدا حرى من بهيمة و غيرها أظله اللّه يوم لا ظل إلا ظله» (5)، و عن معلى بن خنيس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه خرج و معه جراب من خبز فأتينا ظلة بني ساعدة فإذا نحن بقوم نيام فجعل يدس الرغيف و الرغيفين حتى أتى على آخرهم ثمَّ انصرفنا، فقلت جعلت فداك يعرف هؤلاء الحق؟ فقال عليه السّلام: لو عرفوه لواسيناهم بالدقة- و الدقة هي الملح، إلى أن قال- إن عيسى بن مريم لما مر على شاطئ البحر رمى بقرص من قوته في الماء، فقال له بعض الحواريين: يا روح اللّه و كلمته لم فعلت هذا و انما هو شي ء من قوتك؟ قال: فعلت هذا الدابة تأكله من دواب الماء و ثوابه عند اللّه عظيم» (6)، و يشمل ذلك الإنسان بالأولى خصوصا عند الحاجة و الضرورة.

ص: 124


1- الوسائل باب: 24 من أبواب الصدقة.
2- الوسائل باب: 44 من أبواب الوصايا.
3- سورة الممتحنة: 8.
4- الوسائل باب: 21 من أبواب الصدقة الحديث: 7.
5- الوسائل باب: 19 من أبواب الصدقة الحديث: 2.
6- الوسائل باب: 19 من أبواب الصدقة الحديث: 1.

نعم، لا يجوز على الناصب و لا على الحربي و إن كانا قريبين (20).

مسألة 7: الصدقة المندوبة سرا أفضل

(مسألة 7): الصدقة المندوبة سرا أفضل، فقد ورد: «أن صدقة السر تطفئ غضب الرب» و «تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار» و: «تدفع سبعين بابا من البلاء» و في خبر آخر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «سبعة يظلهم اللّه في ظله يوم لا ظل إلا ظله- إلى أن قال- و رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لم تعلم يمينه ما تنفق شماله».

نعم، إذا اتّهم بترك المواساة فأراد دفع التهمة عن نفسه أو قصد اقتداء غيره به لا بأس بالإجهار بها (21)، و لم يتأكد إخفائها. هذا في الصدقة المندوبة و أما الواجبة فالأفضل إظهارها مطلقا (22).

______________________________

(20) لقول مولانا الهادي عليه السّلام: «من تصدق على ناصب فصدقته عليه لا له» (1)، و أما الحربي فلا ريب في عدم كونه أهلا للإحسان إليه.

(21) لأن العناوين الأولية تتغير بعروض العناوين الثانوية.

(22) لقاعدة: ان كل ما أوجب اللّه عليك فإعلانه أفضل من أسراره و كل ما كان مندوبا فإسراره أفضل من إعلانه»، و تدل عليها روايات كثيرة تقدم جملة منها في كتاب الصلاة (2)، و منها رواية عمار الساباطي قال: «قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا عمار الصدقة و اللّه في السر أفضل من الصدقة في العلانية و كذلك و اللّه العبادة في السر أفضل منها في العلانية»(3)، و قريب منه غيره و عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: صدقة السر تطفئ غضب الرب» (4)، و عنه عليه السّلام أيضا: «سبعة يظلهم اللّه في ظله يوم لا ظل إلا ظله- إلى أن قال- و رجل

ص: 125


1- الوسائل باب: 21 من أبواب الصدقة الحديث: 8.
2- راجع ج: 9 صفحة: 132.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب مقدمة العبادات.
4- الوسائل باب: 13 من أبواب الصدقة الحديث: 5.

مسألة 8: يستحب اختيار الصدقة على المؤمن على ما سواها

(مسألة 8): يستحب اختيار الصدقة على المؤمن على ما سواها من العبادات المندوبة (23).

مسألة 9: يستحب أن يقبّل الإنسان يده بعد التصدق

(مسألة 9): يستحب أن يقبّل الإنسان يده بعد التصدق مطلقا (24).

______________________________

تصدق بصدقة فأخفاها حتى لم يعلم يمينه ما تنفق شماله» (1).

(23) لما ورد عن أبي الحسن الأول عليه السّلام: «في الرجل يكون عنده الشي ء أ يتصدق به أفضل أم يشتري به نسمة؟ فقال الصدقة أحب إليّ» (2)، و عن أبي جعفر عليه السّلام: «لأن أعول أهل بيت من المسلمين أشبع جوعتهم و أكسو عورتهم و أكف وجوههم عن الناس أحب إليّ من أحج حجة و حجة حتى انتهى إلى عشر و عشر مثلها و مثلها حتى انتهى إلى سبعين» (3)، و يستفاد من إطلاق قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ليس شي ء أثقل على الشيطان من الصدقة على المؤمن و هي تقع في يد الرب تبارك و تعالى قبل أن تقع في يد العبد» (4)، أفضليتها من جميع العبادات المندوبة، و في رواية سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إن اللّه عز و جل يقول: ما من شي ء إلا و قد وكلت به من يقبضه غيري إلا الصدقة فإني أتلقفها بيدي تلقفا» (5)، فتكون الصدقة أفضل من جميع المصارف المالية التي يصرفها الناس في مندوباتهم فضلا عن مباحاتهم، و يصح الإتيان بالمندوب المالي بعنوان الصدقة أيضا سواء كان المصرف فقيرا أو لا، لعدم اعتبار الفقر في مصرف الصدقة المندوبة.

(24) لأنها تشرفت بالإضافة التشريفية بأخذ اللّه تبارك و تعالى الصدقة منه قبل أخذ المستحق كما يستفاد ذلك من الآية المباركة:

ص: 126


1- الوسائل باب: 13 من أبواب الصدقة الحديث: 11.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الصدقة الحديث: 2.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب الصدقة الحديث: 1 و 2.
4- الوسائل باب: 18 من أبواب الصدقة الحديث: 1.
5- الوسائل باب: 18 من أبواب الصدقة الحديث: 3.

مسألة 10: لا تختص الصدقة المندوبة بالمال فقط

(مسألة 10): لا تختص الصدقة المندوبة بالمال فقط بل تجري في كل ما فيه غرض صحيح شرعي إن أريد به وجه اللّه تعالى (25).

______________________________

أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبٰادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقٰاتِ (1)، و في رواية محمد بن مسلم كان علي بن الحسين عليه السّلام يقبّل يده عند الصدقة فقيل له: ذلك قال عليه السّلام: «لأنها تقع في يد اللّه قبل أن تقع يد السائل» (2)، و قريب منه غيره و مقتضى إطلاق الآية الشريفة و الأخبار عدم الفرق بين كون الآخذ مؤمنا أو لا.

(25) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في رواية عبد الأعلى: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: كل معروف صدقة» (3)، و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «الكلمة الطيبة صدقة» (4)، و يدل على ذلك آيات كثيرة منها قوله تعالى وَ مٰا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللّٰهِ (5)، و منها قوله تعالى مَنْ جٰاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثٰالِهٰا(6)، إلى غير ذلك من الآيات المباركة، و عن علي عليه السّلام: «ان اللّه فرض عليكم زكاة جاهكم كما فرض عليكم زكاة ما ملكت أيديكم» (7)، فمثل هذه الأخبار إما أن تجعل هذه الأمور من الصدقة موضوعا أو تجعلها منها حكما و على أي تقدير يتحقق فيها الثواب بلا إشكال. و عن نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «إن على كل مسلم في كل يوم صدقة، قيل: من يطيق ذلك؟ قال صلّى اللّه عليه و آله: أماطتك الأذى عن الطريق صدقة و أمرك بالمعروف صدقة و نهيك عن المنكر صدقة و إرشادك الرجل إلى الطريق صدقة و عيادتك المريض صدقة و ردك السلام صدقة» (8)، و قال صلّى اللّه عليه و آله: «دخل عبد الجنة بغصن

ص: 127


1- سورة التوبة: 104.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب الصدقة الحديث: 2.
3- الوسائل باب: 41 من أبواب الصدقة الحديث: 1.
4- سنن البيهقي ج: 4 باب وجوه الصدقة صفحة: 188.
5- سورة البقرة: 110.
6- سورة الأنعام: 160.
7- الوسائل باب: 34 من أبواب فعل المعروف الحديث: 3.
8- مستدرك الوسائل باب: 40 من أبواب الصدقة.

مسألة 11: لو دار الأمر بين التوسعة على العيال و الصدقة المندوبة

(مسألة 11): لو دار الأمر بين التوسعة على العيال و الصدقة المندوبة يقدم الأول (26).

مسألة 12: يستحب المساعدة و التوسط في إيصال الصدقة إلى المستحق

(مسألة 12): يستحب المساعدة و التوسط في إيصال الصدقة إلى المستحق فعن مولانا الصادق عليه السّلام: «لو جرى المعروف على ثمانين كفا لأوجروا كلهم من غير أن ينقص صاحبه من أجره شيئا» بل في خبر آخر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال في خطبة له: «من تصدق بصدقة عن رجل إلى مسكين كان له مثل أجره و لو تداولها أربعون ألف إنسان ثمَّ وصلت إلى المسكين كان لهم أجر كامل».

مسألة 13: يكره كراهة شديدة أن يتملك من الفقير ما تصدق به

(مسألة 13): يكره كراهة شديدة أن يتملك من الفقير ما تصدق به بشراء أو اتهاب أو بسبب آخر (27).

______________________________

من شوك كان على طريق المسلمين فأماط عنه» (1).

(26) لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «كل معروف صدقة و أفضل الصدقة عن ظهر غني، و ابدء بمن تعول، و اليد العليا خير من اليد السفلى و لا يلوم اللّه على الكفاف» (2)، و عنه صلّى اللّه عليه و آله: «عيال الرجل أسراؤه و أحب العباد إلى اللّه عز و جل أحسنهم صنعا إلى أسرائه» (3).

(27) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في الصحيح: «إذا تصدق الرجل بصدقة لم يحل له أن يشتريها و لا يستوهبها و لا يستردها إلا في ميراث» (4)، المحمول على الكراهة الشديدة لمخالفته لأصول المذهب و قواعده، و إطلاق قوله عليه السّلام: «و لا يستردها» يشمل جميع أنحاء الاسترداد.

ص: 128


1- سفينة البحار ج: 2 صفحة: 82.
2- الوسائل باب: 42 من أبواب الصدقة الحديث: 5.
3- الوسائل باب: 88 من أبواب مقدمات النكاح.
4- الوسائل باب: 12 من أبواب الوقوف و الصدقات.

بل قيل بحرمته (28)، نعم لا بأس بأن يرجع إليه بالميراث (29).

مسألة 14: يكره رد السائل و لو ظن غناه

(مسألة 14): يكره رد السائل و لو ظن غناه بل أعطاه و لو شيئا يسيرا فعن مولانا الباقر عليه السّلام: «أعط السائل و لو كان على ظهر فرس»، و عنه عليه السّلام قال: «كان فيما ناجى اللّه عز و جل به موسى عليه السّلام قال: يا موسى أكرم السائل ببذل يسير أو برد جميل- الخبر».

مسألة 15: يكره كراهة شديدة السؤال من غير احتياج بل مع الحاجة أيضا

(مسألة 15): يكره كراهة شديدة السؤال من غير احتياج بل مع الحاجة أيضا و ربما يقال بحرمة الأول (30)، و لا يخلو من قوة (31) فعن

______________________________

نعم، ظاهر الحديث اعتبار العلم بذلك فلو أخذ الآخذ الصدقة من المعطي و بعد مدة ردها إليه بعنوان الهدية مثلا و لم يعلم بذلك كان أخذه بلا كراهة و إن كان الأولى تركه مطلقا.

(28) نسب ذلك إلى ظاهر النهاية و المقنعة.

(29) لما تقدم في الصحيح.

(30) يظهر ذلك من صاحب الوسائل حيث عنوان الباب: «باب تحريم السؤال من غير احتياج» (1)، و ذكر جملة من الروايات فيه.

(31) قال المحقق في الشرائع في كتاب الشهادات: «لا تقبل شهادة السائل بكفه لأنه يسخط إذا منع»، و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «شهادة الذي يسأل في كفه ترد» (2)، و قال في الجواهر و نعم ما قال: «ثمَّ إنه قد يستفاد من النصوص المزبورة بل و الفتوى عدم حرمة السؤال بالكف فضلا عن غيره، و إلا لكان المتجه فيه تعليل رد الشهادة به اللهم إلا أن يحمل ذلك على عدم الحكم بفسقه بمجرد سؤاله بالكف الذي يمكن أن يكون لضرورة إذ فعل المسلم محمول على الصحة مع الإمكان فترد شهادته لسؤاله و ان كان على ظاهر العدالة، و لكن لا يخفى عليك

ص: 129


1- راجع الوسائل باب: 31 من أبواب الصدقة.
2- الوسائل باب: 32 من أبواب الصدقة الحديث: 16.

النبي صلّى اللّه عليه و آله: «من فتح على نفسه باب مسألة فتح اللّه عليه باب فقر»، و عن مولانا الصادق عليه السّلام قال: «قال علي بن الحسين عليه السّلام: ضمنت على ربي أنه لا يسأل أحد من غير حاجة إلا اضطر به المسألة يوما إلى أن يسأل من حاجة»، و عن مولانا الباقر عليه السّلام: «لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحدا، و لو يعلم المعطي ما في العطية ما رد أحد أحدا، ثمَّ قال عليه السّلام: إنه من سأل و هو يظهر غنى لقي اللّه مخموشا وجهه يوم القيامة». و في خبر آخر:

«من سأل من غير فقر فإنما يأكل الخمر». و في خبر آخر: «من سأل الناس و عنده قوت ثلاثة أيام لقي اللّه يوم القيامة و ليس على وجه لحم». و في آخر قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «ثلاثة لا ينظر إليهم يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب اليم الديوث و الفاحش المتفحش و الذي يسأل الناس و في يده بظهر غنى».

______________________________

أن هذا بعد فرض معلومية حرمة السؤال و لو بالكف مع فرض عدم تدليس به كما لو صرح بغنائه عن ذلك، و هو و إن كان مغروسة في الذهن و النصوص مستفيضة بالنهي عن سؤال الناس لكن كثير منها محمول على بعض مراتب الأولياء، و هو الغنى عن الناس و الالتجاء إلى اللّه تعالى، و آخر منها محمول على المدلّس بإظهار الحاجة و الفقر لتحصيل مال من الناس بهذا العنوان و هم الذين يسئلون الناس إلحافا عكس الذي يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، و أما حرمة السؤال من حيث كونه سؤالا و لو بالكف فلا دليل مطمئن به على حرمته و إن كان مغروسا في الذهن فتأمل فإنه لم يحضرني للأصحاب فيه منقح».

أقول: و هو قول متين جدا فالجزم بحرمة السؤال من حيث هو مشكل و لا ينبغي ترك الاحتياط بتركه. و اللّه تعالى هو العالم.

ص: 130

.....

______________________________

بسم اللّه الرحمن الرحيم

كتاب الوصيّة

اشارة

كتاب الوصيّة

و هي من أقدم العهود الإلهية بالنسبة إلى أنبيائه و منهم بالنسبة إلى أممهم قال تعالى شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مٰا وَصّٰى بِهِ نُوحاً (1)، و قال تعالى بعد بيان عدة من أصول الدين و فروعه ذٰلِكُمْ وَصّٰاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)، و قال تعالى وَ وَصّٰى بِهٰا إِبْرٰاهِيمُ بَنِيهِ (3)، إلى غير ذلك من الآيات مما هو كثير، و هي بالنسبة إلى الإنسان آخر عهد يقع منه في دار الفناء و أول التزام يصدر منه بالنسبة إلى شؤونه في دار البقاء، و لا تختص بالمسلمين بل تعم جميع العباد سيما الذين يعترفون بالحشر و المعاد، و وقعت من أبينا آدم و تقع من بنيه إلى انتهاء هذا العالم، و قد ورد في الحث عليها ما لا تعد و لا تحصى قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «الوصية حق على كل مسلم» (4)، و قال عليه السّلام: «ما ينبغي لامرء مسلم أن يبيت ليلة إلا و وصيته تحت رأسه» (5)، و قال عليه السّلام أيضا: «من مات بغير وصية مات ميتة الجاهلية» (6)، و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «ما من ميت تحضره الوفاة إلا رد اللّه عليه من بصره و سمعه و عقله للوصية أخذ للوصية أو ترك و هي الراحة التي يقال لها راحة الموت فهي حق على كل مسلم» (7)، و الأخبار الكثيرة الدالة على

ص: 131


1- سورة الشورى: 13.
2- سورة الأنعام: 151.
3- سورة البقرة: 132.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب الوصية الحديث: 3.
5- الوسائل باب: 1 من أبواب الوصية الحديث: 7.
6- الوسائل باب: 1 من أبواب الوصية الحديث: 8.
7- الوسائل باب: 29 من أبواب الاحتضار.

كتاب الوصيّة و هي إما مصدر «وصى يصي» بمعنى الوصل (1) حيث أن الموصي يصل تصرفه بعد الموت بتصرفه حال الحياة، و إما اسم مصدر بمعنى العهد (2) من «وصّى يوصّي توصية» أو «أوصى يوصي إيصاء». و هي إما

______________________________

أن نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و خلفائه عليهم السّلام أوصوا متواترة بين العامة و الخاصة(1)، و لو قيل انها من شؤون إنسانية الإنسان لكان هذا القول موافقا للوجدان و البرهان كما في كل من الأمور الدينية الواردة في السنة و القرآن، و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «من لم يحسن وصيته عند الموت كان نقصا في مروته و عقله» (2).

(1) الوصل و العهد في المقام متلازمان عرفا في الجملة لأن العهد إلى شخص أو شي ء نحو وصل اعتباري بالنسبة إليه، كما أن الوصل الاختياري إلى شخص أو شي ء تعهد إجمالي بالنسبة إليه.

ثمَّ ان الوصل في الوصية يصح من حيث وصل التصرفات في حال الحيوة إلى حال الموت أو العكس كما لا يخفى.

(2) إذا لوحظ المصدر من حيث مجرد الحدثية يطلق عليه المصدر، و إن لو حظ من حيث أنه صفة من الصفات و شي ء من الأشياء مستقلا يطلق عليه اسم المصدر إلا أنه قد يكون لاسم المصدر اسم خاص كالغسل بالنسبة إلى الغسل، و قد لا يكون له اسم خاص بل يكون الفرق بالاعتبار فقط كما في نظائر المقام،

ص: 132


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الوصية.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الوصية.

تمليكية أو عهدية (3) و بعبارة أخرى: إما تمليك عين أو منفعة (4)، أو تسليط على حق، أو فك ملك، أو عهد متعلق بالغير (5)، أو عهد متعلق بنفسه كالوصية بما يتعلق بتجهيزه. و تنقسم انقسام الأحكام الخمسة (6).

______________________________

و تقدم أن الوصل و العهد متلازمان في الجملة عرفا.

(3) الوصية الشائعة بين الناس على اختلاف مللهم و أديانهم أوضح من أن يعرّفها الفقهاء بهذه التعريفات، فإيكال بيان مفهومها إلى مرتكزاتهم أحسن و أولى لأنهم يرون قوام الوصية بالعهد في جميع أنحائها و أقسامها، و إن اختلف متعلق العهد إلى أمور و أقسام ففي تمليك العين و المنفعة عهد من الموصي بتمليكهما، و كذا في الوصاية بالقيمومة و الولاية عهد بهما و اختلاف المتعلق لا يوجب الاختلاف في حقيقة الوصية، فالجامع بين تمام الأقسام هو العهد إلا أن متعلقة يختلف باختلاف الخصوصيات.

(4) تقدم أن الجامع في الجميع هو العهد الصادر من الموصى فيما يتعلق بما بعد موته سواء كان لغيره أو لنفسه.

(5) تمليك العين كما إذا أوصى بأن يكون داره لزيد بعد موته و تمليك المنفعة كما إذا أوصى بأن تكون منفعة داره لشخص، و التسلط على الحق كما لو أوصى بأن يكون لشخص حق الانتفاع بكتبه أو حق القيمومة على صغاره مثلا و فك الملك كأن يوصي بعتق مملوكه، و العهد المتعلّق بالغير كأن يوصي شخص بأن يوصي إلى ولده أن يتعلم الفقه أو يصل أرحامه أو نحو ذلك.

(6) فالوصية الواجبة هي الوصية بتفريغ الذمة من الواجبات التي اشتغلت الذمة بها، و المحرمة الوصية بالمحرم كالوصية بقطع الرحم أو سائر المحرمات، و المندوبة الوصية بالقربات و المبرّات، و المكروهة كالوصية بتفضيل بعض الورثة على بعض بلا مرجح ديني كما يأتي، و كذا الوصية بسائر المكروهات كتوصية أولاده باتخاذ المكاسب و الصنائع المكروهة، و المباحة

ص: 133

مسائل في الوصية

مسألة 1: الوصية العهدية لا تحتاج إلى القبول

(مسألة 1): الوصية العهدية لا تحتاج إلى القبول (7) و كذا الوصية

______________________________

كالوصية بالمباحات و هي كثيرة بأن يصير ولده خياطا أو مهندسا مثلا و لا ريب في وجوب إنفاذ الوصية في جميع ذلك إلا في المحرم فيكون وجوب إنفاذ الوصية في المكروه كوجوب الوفاء بالعقد في البيوع المكروهة، و هل تشمل الأدلة المرغبة في الوصية و ما ورد في كثرة الاهتمام بها المكروهة و المباحة أيضا؟ مقتضى الإطلاق هو الأخير خصوصا إن كان فيها غرض صحيح عقلائي. و لكن يمكن دعوى الانصراف إلى خصوص ما يكون موردها الواجبات و المندوبات، و لا يبعد أن يكون هذا هو مقتضى مرتكز كل من يوصي من المتشرعة و سائر أهل الملل و الأديان أيضا فإن وصاياهم إنما تكون فيما هو راجح عندهم و بنظرهم.

(7) للأصل و الوجدان و السيرة و ظاهر الإطلاق و أي إطلاق أقوى من قولهم عليهم السّلام: «ما ينبغي لامرء مسلم أن يبيت ليلة إلا و وصيته تحت رأسه» (1)، الذي هو صريح في صدق الوصية بذلك و لو لم يطلع عليه غير اللّه تعالى و قريب منه غيره.

ثمَّ أنه لا بد من تأسيس الأصل في المقام حتى ينتفع به في غير المقام أيضا فنقول: لو شك في عنوان من العناوين أنه عقد أو إيقاع ففيه أقسام.

الأول: عدم الصدق العرفي بدون القبول، فلا ريب في كون عقدا عرفا و شرعا.

الثاني: الشك في الصدق العرفي و عدمه بدونه و مقتضى الأصل الموضوعي عدم ترتب الأثر بدون القبول فيكون هذا القسم كالقسم الأول بلا كلام و لا يجوز التمسك بالإطلاق و العموم، لأنه تمسك بالدليل في الموضوع المشكوك.

ص: 134


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الوصية الحديث: 1.

بالفك، كالعتق (8). و أما التمليكية فالمشهور على أنه يعتبر فيها القبول (9) جزءا. و عليه تكون من العقود أو شرطا- على وجه الكشف أو النقل- فيكون من الإيقاعات، و يحتمل قويا عدم اعتبار القبول فيها بل يكون الرد

______________________________

الثالث: تحقق العنوان بدون القبول عرفا، و الشك في اعتباره شرعا فمقتضى الإطلاقات و العمومات كونه من الإيقاع، لفرض الصدق العرفي بلا قبول، و لا وجه حينئذ لجريان أصالة عدم ترتب الأثر لمكان الإطلاق و العموم و الصدق العرفي بلا قبول أيضا هذا مع قطع النظر عن الوجدان و إلا فمقتضى الوجدان أن من كتب وصية عهدية و تمليكية و لم يطلع عليه إلا اللّه تعالى، ثمَّ مات و ظهرت الوصية كل الناس يقولون: «رحم اللّه فلانا مات عن وصية كاملة و لم يمت بلا وصية»، و تجرون على الورقة أحكام الوصية من لزوم الإنفاذ و حرمة التبديل و نحوهما فلا إشكال في عدم احتياج الوصية العهدية إلى القبول.

نعم، لو عين وصيا يحتاج إلى قبوله في وصايته لا في أصل صحة الوصية كما هو معلوم.

(8) فإنه عهد بالفك فيفك بعد الموت و لو لم يتحقق قبول من أحد.

(9) استدل عليه.

تارة: بأصالة عدم الانتقال إلا بالقبول.

و أخرى: بأن التمليك سلطة على الغير و مقتضى الأصل عدم هذه السلطة عليه إلا بقبوله.

و ثالثة: بدعوى الإجماع.

و الكل باطل. أما الأول: فلأنه لا وجه للتمسك بالأصل مع وجود الإطلاقات و العمومات القوية في البين كما مر.

و أما الثاني: فلا معنى لتحقق السلطنة على الطرف في الإحسان المحض

ص: 135

مانعا و عليه تكون من الإيقاع الصريح (10). و دعوى: أنه يستلزم الملك القهري، و هو باطل (11) في غير مثل الإرث. مدفوعة: بأنه لا مانع منه عقلا، و مقتضى عمومات الوصية ذلك، مع أن الملك القهري موجود في مثل الوقف (12).

______________________________

و الخير الصرف مع كونه مختارا في الرد، كما في جميع أنحاء الإحسانات في حال الحيوة فيكون الرد مانعا عن تحققها لا أن يكون القبول المتعارف في العقود من مقوماتها.

و أما الأخير: فلا وجه له أصلا فكيف يثبت الإجماع فيما اختلفوا فيه في أن القبول معتبر أو لا، و على الأول فهل هو شرط أو جزء و على كل منهما بنحو النقل أو الكشف فراجع كلماتهم تجدها مشوشة، مع انهم لا يلتزمون بشرائط العقود فيها من الموالاة بين الإيجاب و القبول و بطلان العقد بموت الموجب قبل قبول القابل، مضافا إلى أن الكلمات لا اعتبار بها ما لم يستند إلى دليل قويم و لم تجمع في صراط متين مستقيم، فما أسسناه من الأصل من أن الوصية مطلقا عهد خاص قائم بالموصي فقط أصل صحيح و ليس على خلافه دليل ظاهر فضلا عن الصريح هذا في الوصية التمليكية الشخصية. و أما التمليكية النوعية كالعلماء و الفقراء و السادات وجه عدم الاحتياج إلى القبول فيها أبين و أظهر كما هو واضح لكل من تأمل.

(10) و هو الحق القويم كما لا يخفى على كل ذي وجدان مستقيم.

(11) لا دليل على بطلانه من عقل أو نقل إلا ما ذكروه فيما تقدم من الأدلة الثلاثة و قد مر بطلان الكل فراجع.

(12) أي: البطون اللاحقة في وقف المنفعة بالنسبة إليهم و أما الطبقة الأولى فيتوقف على القبض في الجملة و هو اختياري. و يصح التمثيل بالزكاة و الأخماس بناء على الملكية النوعية لهم فيهما، و كذا ملكية الأراضي المفتوحة

ص: 136

مسألة 2: بناء على اعتبار القبول في الوصية يصح إيقاعه بعد وفاة الموصي

(مسألة 2): بناء على اعتبار القبول في الوصية يصح إيقاعه بعد وفاة الموصي بلا إشكال (13) و قبل وفاته على الأقوى (14)، و لا وجه لما عن جماعة من عدم صحته حال الحياة، لأنها تمليك بعد الموت فالقبول قبله كالقبول قبل الوصية، فلا محل له، و لأنه كاشف أو ناقل و هما معا منتفيان حال الحياة إذ نمنع عدم المحل له، إذ الإنشاء المعلق على الموت قد حصل فيمكن القبول المطابق له. و الكشف و النقل إنما يكونان بعد تحقق المعلق عليه فهما في القبول بعد الموت لا مطلقا (15).

مسألة 3: تتضيق الواجبات الموسعة بظهور أمارات الموت

(مسألة 3): تتضيق الواجبات الموسعة بظهور أمارات الموت (16)، مثل قضاء الصلوات و الصيام و النذور المطلقة و الكفارات و نحوها، فيجب

______________________________

عنوة بالنسبة إلى المسلمين، و يأتي في مسألة 4 بعض ما ينفع المقام و تقسيم الإيقاع إلى قسمين فراجع.

(13) للإجماع و السيرة و الإطلاقات بناء على اعتباره.

(14) لشمول الإطلاقات و العمومات لذلك أيضا. و ما يتوهم من أن القبول في زمان الحيوة لا أثر له فيكون لغوا.

فاسد: لأنه يكفي في القبول وجود الأثر سواء كان بعد إنشاء الإيجاب أو بعد مدة و زمان كما لا يعتبر في الإيجاب حصول الأثر بعد تحقق إنشائه.

(15) مع أن الاعتباريات خفيفة المؤنة جدا يصح تعلقها بكل ما ليس بممتنع عقلا أو عرفا و ليس بممتنع شرعا و المقام ليس من ذلك كله، و ليست هذه الإشكالات إلا من التطويل بلا طائل و العجب من مثل العلامة رحمه اللّه حيث تعرض لذلك.

(16) بضرورة من المذهب إن لم تكن من الدين و العقل يحكم بذلك أيضا لقاعدة الاشتغال بعد تحقق التكليف و ذهاب التوسعة فلا موضوع للتخيير الطولي حينئذ.

ص: 137

المبادرة إلى إتيانها مع الإمكان (17) و مع عدمه يجب الوصية بها، سواء فاتت لعذر أو لا لعذر، لوجوب تفريغ الذمة بما أمكن في حال الحياة، و إن لم يجز فيها النيابة فبعد الموت تجرى فيها و يجب التفريغ بها بالإيصاء (18)، و يجب ردّ أعيان أموال الناس التي كانت عنده كالوديعة و العارية و مال المضاربة و نحوها (19). و مع عدم الإمكان يجب الوصية بها (20) و كذا يجب أداء ديون الناس الحالة (21)، و مع عدم الإمكان أو مع

______________________________

(17) لعدم المؤمن من عقل أو نقل في التأخير مع ظهور أمارات الموت، و ظهور تلك الأمارات ليس محدودا بحد خاص و لم يحد بحد معين بل يختلف ذلك اختلافا كثيرا جدا بحسب الأشخاص و الأصناف و سائر الجهات.

(18) لتمكنه من التفريغ حينئذ و لو بالتسبيب و العقل و الشرع يحكم بلزومه مع إمكان التسبيب، و لا فرق بين أن يعلم بقيام الغير بها أو لا، لأن مجرد الاحتمال بترتيب الأثر منجز عقلا و تحقق العجز خارجا مانع عن فعلية التكليف فكيف بما إذا كان مقدورا و لو بالتسبيب، فتجب الوصية بكل واجب فات منه و كان قابلا للنيابة كالصلاة و الصوم و الحج، و تقدم بعض الكلام في كتاب الطهارة في أحكام الأموات و في كتاب الصلاة في الصلاة الاستيجارية، و في كتاب الحج.

(19) المراد من الأداء في المقام أعم من الاستيثاق الذي يعتمد عليه المتعارف، و كان ذلك شائعا لديهم و حجّة معتبرة فيما بينهم فمع إمكان الأداء خارجا يؤدي و مع تعذره عرفا يستوثق خصوصا إذا لم يطمئن من الورثة و الدليل على وجوب الأداء بالمعنى الذي قلناه حكم العقل بأن الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ كذلك و لا يحصل الفراغ إلا بما قلناه.

(20) لقاعدة الاشتغال بعد تنجز الاحتمال في إمكان الإيصال.

(21) للأدلة الأربعة الدالة على وجوب أداء الديون الناس الحالة مطلقا كما

ص: 138

كونها مؤجلة يجب الوصية بها (22) إلا إذا كانت معلومة أو موثقة بالإسناد المعتبرة (23)، و كذا إذا كان عليه زكاة أو خمس أو نحو ذلك (24) فإنه يجب عليه أداؤها أو الوصية بها، و لا فرق فيما ذكر بين ما لو كانت له تركة أو لا إذا احتمل وجود متبرع أو أداؤها من بيت المال (25).

مسألة 4: ردّ الموصى له للوصية مبطل لها إذا كان قبل حصول الملكية

(مسألة 4): ردّ الموصى له للوصية مبطل لها إذا كان قبل حصول الملكية (26)،

______________________________

تقدم خصوصا عند ظهور أمارة الموت.

(22) لقاعدة الاشتغال بعد تنجز الاحتمال في إمكان الإيصال.

(23) لأن وجود الاسناد المعتبرة حجة شرعية كافية في وجوب الإخراج من ماله فلا موضوع للوصية حينئذ و لو أوصى مع ذلك يكون تأكيدا.

(24) من الكفارات و المظالم و الديات و أروش الجنايات و غير ذلك من الحقوق الخالقية و الخلقية مطلقا، و الوجه في وجوب ذلك بالترتب الذي مر في حقوق الناس عين ما مر فيها من الدليل بلا فرق بينهما في البين.

(25) لتنجز هذا الاحتمال عقلا فيلزمه العقل و الشرع بالوجوب.

(26) لأصالة عدم ترتب الأثر و ظهور الإجماع، و يشهد له العرف أيضا لأنهم يرون هذه الوصية كالعدم بلا فرق ان يجعل عقدا أو إيقاعا.

أما على الأول: فلا إشكال فيه لدى الأذهان السليمة كما تقدم.

و أما على الثاني: فالإيقاع على قسمين قسم لا موضوع لاختيار مورده فيه بوجه من الوجوه كالطلاق و العتق مثلا فيكون من قبيل الكسر، فلا محيص بعد تحقق الكسر الجامع للشرائط إلا من الانكسار، و قسم آخر يكون لإعمال النظر و الفكر و التأمل مجال واسع في مورده لدى العرف و العقلاء فرب شخص لا يصلح له و لا يرى من نفسه قبول الوصية لأغراض صحيحة عقلائية و في مثله يعتبر العرف و العقلاء اعتبار عدم رده و على هذا فالإنشائيات على أقسام.

ص: 139

و إذا كان بعد حصولها لا يكون مبطلا لها (27)، فعلى هذا إذا كان الردّ منه

______________________________

الأول: عقد متقوم بإنشاء الطرفين.

الثاني: إيقاع محض قائم بطرف واحد فقط كالعتق و الطلاق.

الثالث: إيقاع يكفي عدم رد المورد فقط و لا يحتاج إلى القبول كما في المقام، و قد خلطت الأقسام في كلمات الأعلام فراجع تجدها غير منقّحة مع أن هذا التفصيل ساقط من أصله بعد إجماعهم على أن الرد في المقام مبطل للوصية بلا فرق بين أن جعلت الوصية عقدا أو إيقاعا محضا أو إيقاعا منوطا بعدم الرد.

(27) لاستصحاب بقاء الملكية و حصول السبب التام فلا بد من ترتب المسبب و عدم زواله إلا بما جعله الشارع سببا مزيلا، و الرد في المقام ليس كذلك.

إن قيل: مقتضى كون الوصية جائزة من الطرفين هو صحة الرد مطلقا، و قد ادعى صاحب الجواهر رحمه اللّه ظهور الإجماع على جوازها من الطرفين.

يقال: الجواز من طرف الموصي مسلم و هو موافق للاعتبار أيضا لكثرة اختلاف الحالات و الخصوصيات، و يمكن اختلاف الوصية لأجلها فاذن الشارع في صحة التغيير و التبديل، و لكن بالنسبة إلى الموصى له فلا دليل على الجواز بل مقتضى أصالة اللزوم و الإطلاقات اللزوم بالنسبة إليه و لا وجه لدعوى الإجماع في مقابلها، مع أنه لو كان معتبرا لما حصل هذه التفصيلات و الأقوال، بل يمكن أن يقال باللزوم في الجملة بالنسبة إلى الموصي أيضا لكن يجوز التغيير و التبديل بالنسبة إلى متعلّق الوصية لا بالنسبة إلى أصلها و ذاتها، فمن أوصى بوصية معتبرة ثمَّ ترك أصل الوصية و أعرض عنها مطلقا عن عمد و اختيار يعد ذلك مستهجنا و مستنكرا لدى المتشرعة.

نعم، لا ريب في صحة التغيير و التبديل في بعض جهاتها و هو إرفاق حسن عرفا و شرعا بالنسبة إلى الموصي خصوصا مع اقتضاء الضرورة

ص: 140

بعد الموت و قبل القبول أو بعد القبول الواقع حال حياة الموصي مع كون الرد أيضا كذلك يكون مبطلا لها لعدم حصول الملكية بعد (28)، و إذا كان بعد الموت و بعد القبول لا يكون مبطلا سواء كان القبول بعد الموت أيضا أو قبله و سواء كان قبل القبض أو بعده (29) بناء على الأقوى من عدم اشتراط القبض في صحتها لعدم الدليل على اعتباره (30)، و ذلك لحصول الملكية حينئذ له فلا تزول بالرد و لا دليل على كون الوصية جائزة بعد

______________________________

و الاضطرار ذلك.

(28) لما تقدم من إنا لو جعلناها إيقاعا و غير متوقفة على القبول في ذاتها لكنها من القسم الثاني من الإيقاع الذي يكون الرد مانعا عن تحققه لا أن يكون القبول شرطا في تقومه، و منه تظهر الخدشة فيما ذكره بعض مشايخنا في حاشيته الشريفة (1).

نعم، إشكاله رحمه اللّه وارد بناء على أن يكون المراد من الإيقاع القسم الأول منه فراجع و تأمل.

(29) لحصول العلة التامة للملكية فلا بد من أن تؤثر أثرها بناء على عدم اعتبار القبض فيها كما يأتي.

(30) نسب ذلك إلى المشهور، للأصل و الإطلاق و السيرة. و عن جمع اعتباره فيها، لأصالة عدم ترتب الأثر إلا به و لأنها عطيّة و هي متوقفة على القبض، فالوصية تكون كذلك أيضا، و لأن الوصية كالهبة التعليقية فلا بد في تحققها من القبض.

و الكل باطل. أما الأول: فلا وجه له مع العمومات و الإطلاقات كما هو واضح.

ص: 141


1- فقيه عصره السيد أبو الحسن الأصبهاني رحمه اللّه.

تماميتها بالنسبة إلى الموصى له (31)، كما أنها جائزة بالنسبة إلى الموصي (32) حيث انه يجوز له الرجوع في وصيته كما سيأتي، و ظاهر كلمات العلماء حيث حكموا ببطلانها بالرد عدم صحة القبول بعده لأنه عندهم مبطل للإيجاب الصادر من الموصي، كما أن الأمر كذلك في سائر العقود (33) حيث إن الرد بعد الإيجاب يبطله و إن رجع و قبل بلا

______________________________

و أما الثاني: فكونه من القياس أظهر من أن يخفى.

و أما الأخير: فهو من مجرد الاستحسان و لا يليق بالاعتماد عليه.

نعم، لو كان هناك دليل على اعتبار القبض لا بأس بالاستشهاد له بما ذكر.

(31) بل الإطلاقات و العمومات و أصالة اللزوم المطلق تدل على اللزوم و لا مخصص في البين إلا دعوى ظهور الإجماع عن بعض متأخر المتأخرين كصاحب الجواهر و عهدة إثباته على مدعيه.

(32) إن أريد بالجواز بالنسبة إلى الموصي تبديل بعض الجهات و الخصوصيات فهو مسلم، و إن أريد به رفع اليد عن أصل الوصية فهو أول الدعوى و لم يستدلوا عليه بدليل صريح أو إجماع صحيح، و لكنهم أرسلوا الجواز إرسال المسلمات.

(33) أرسلوا ذلك إرسال المسلمات و أوكلوه إلى المرتكزات و أصالة عدم ترتب الأثر، و المتيقن من المرتكزات إنما هو القسم الأول من الأقسام الآتية و الأصل محكوم بصدق الإطلاقات و العمومات عرفا كما هو كذلك في بقية الأقسام، و لم يستدلوا عليه بدليل يشفي العليل أو يروى الغليل. و الحق أن يقال أن الأقسام أربعة.

الأول: الرد الثابت المستقر عن إرادة اختيارية و جزم به فلا رجوع بعده، و لا ريب في كون العقد باطلا حينئذ عقلا لتقومه بالقبول و المفروض عدم تحققه أصلا بل تحقق ضده و نقيضه.

ص: 142

تأخير (34)، و كما في إجازة الفضولي حيث إنها لا تصح بعد الرد (35) لكن لا يخلو عن إشكال إذا كان الموصي باقيا على إيجابه، بل في سائر العقود أيضا مشكل (36) إن لم يكن إجماع (37) خصوصا في الفضولي، حيث ان مقتضى بعض الأخبار صحتها و لو بعد الرد (38)، و دعوى عدم

______________________________

الثاني: الرد كذلك مع عدم استقراره بل حصل القبول بعده، مقتضى الإطلاق و العموم و أصالة بقاء الإيجاب على صلاحية لحوق القبول به صحة القبول بعد ان المدار في أفعال العقلاء و المتعارف فيما بينهم انما هي المستقرة و لو في الجملة لا الزائل العائد.

الثالث: ما إذا علم أن الرد كان لأجل غرض لا لأجل إبطال الإيجاب و هذا في حكم القسم الثاني بل أولى منه لصحة لحوق القبول.

الرابع: ما يشك في أنه من أي الأقسام فمع صدق العقد يصح القبول و مع العدم لا أثر له، لأن التمسك بالدليل اللفظي حينئذ تمسك بالدليل في الموضوع المشكوك إلا أن يتمسك بأصالة بقاء أثر الإيجاب فيصح أن يلحقه القبول، و أما التمسك بالإجماع في مثل هذه المسائل فعهدة الاعتماد عليه على مدعيه.

(34) تقدم التفصيل و أنه لا دليل على صحة إطلاق هذا المدعى.

(35) الكلام فيها هو الكلام فيما مر من التفصيل في القبول بعد الرد و يجري فيها عين ما قلناه فيه.

(36) تقدم أنه لا إشكال في الصحة في بعض الأقسام و يبطل في بعضها الآخر بلا كلام و كذا إجازة الفضولي.

(37) على فرض تحققه يكون المتيقن منه هو القسم الأول من الأقسام الأربعة السابقة، و في غيره من الأقسام يرجع إلى أصالة بقاء أثر الإيجاب و الإطلاق و العموم من أدلة الباب.

(38) قد تعرضنا له في بيع الفضولي فراجع و لا بد من حمله على بعض ما

ص: 143

صدق المعاهدة عرفا إذا كان القبول بعد الرد ممنوعة (39) ثمَّ إنهم ذكروا أنه لو كان القبول بعد الرد الواقع حال الحياة صح، و هو أيضا مشكل على ما ذكروه من كونه مبطلا للإيجاب (40) إذ لا فرق حينئذ بين ما كان في حال الحياة أو بعد الموت (41) إلا إذا قلنا أن الرد و القبول لا أثر لهما حال الحياة و أن محلهما إنما هو بعد الموت (42) و هو محل منع.

مسألة 5: لو أوصى له بشيئين بإيجاب واحد فقبل الموصى له أحدهما دون الآخر

(مسألة 5): لو أوصى له بشيئين بإيجاب واحد فقبل الموصى له

______________________________

ذكرناه من الأقسام.

(39) في غير القسم الأول فإن فيه لا يصدق العهد و العقد عرفا.

(40) قد عللوا رحمهم اللّه في صحة القبول بعد الرد الواقع في حال الحيوة ببقاء الإيجاب في نفس الموجب و بقاء الموصي على إيجابه فينطبق القبول على مورده و يؤثر أثره و يكون مورد كلامهم غير القسم الأول من الأقسام الأربعة السابقة، و تقدم أن الصحة بحسب القاعدة في غير الوصية فكيف بها المبينة على التسامح في عقدها في الجملة.

(41) مقتضى دليلهم من بقاء الإيجاب في نفس الموصي و بقائه على إيجابه جريانه بعد الموت أيضا لأن البقاء على الإيجاب من الصفات القائمة بالنفس، و هي باقية بعد الموت إلا أن يدعى انصراف كلماتهم إلى خصوص البقاء الالتفاتي الاختياري في خصوص هذه النشأة الدنيوية التي هي شأنها العقود و العهود و الإيقاعات كما هو المنساق من الكلمات في المحاورات.

ثمَّ إن مقتضى هذا التعليل صحة القبول بعد الرد في كلية العقود مطلقا حتى في غير الوصية إذا أحرز ذلك و لو بالأصل، و قد تشتت كلماتهم في المقام و في البيع فراجع.

(42) تقدم في المسألة الثانية نسبة ذلك إلى جمع منهم العلامة و مرت أدلتهم مع ردها فراجع.

ص: 144

أحدهما دون الآخر صح فيما قبل و بطل فيما رد (43)، و كذا لو أوصى له بشي ء فقبل بعضه مشاعا أو مفروزا و رد بعضه الآخر (44)، و إن لم نقل بصحة مثل ذلك في البيع و نحوه بدعوى عدم التطابق حينئذ بين الإيجاب و القبول، لأن مقتضى القاعدة (45) الصحة في البيع أيضا إن لم يكن إجماع (46).

______________________________

(43) لأصالة الصحة و إطلاق الأدلة و مرتكزات المتشرعة أما بناء على عدم كون الوصية عقدا و انما الرد يكون مانعا عن تحققها فالأمر أوضح من أن يخفى على أحد لصحة ما لم يرد و بطلان ما رد بالوجدان، و أما بناء على كونه عقدا فلانحلال العقد بحسب الاجزاء كما في بيع ما يملك و ما لا يملك و نحوه كما تقدم في البيع.

(44) لجريان عين ما تقدم فيه أيضا.

(45) المراد بالقاعدة قاعدة السلطنة في كل من الموجب و القابل مضافا إلى العمومات و الإطلاقات و أصالة الصحة.

(46) هذه المسألة عرفية محاورية و ليست شرعية حتى يكون لنظر الفقهاء و إجماعهم دخل فيها، لأنها ليست من الحقائق الشرعية و لا الموضوعات المستنبطة بل من الموضوعات المتعارفة المحاورية الشائعة بين الناس، لأن أهل المحاورة إما أن يحكمون بصدق التطابق مع هذه الاختلافات اليسيرة أو بعدم الصدق أو يتردد في ذلك، و في الأول لا ريب في شمول الأدلة له، كما لا ريب في عدم الشمول في الثاني، و أما الأخير فلا تشملها الأدلة اللفظية لعدم إحراز الموضوع، و حينئذ فمن يقول بجريان أصالة الصحة فتجري و تشملها الأدلة اللفظية أيضا، و من يقول بالعدم فلا بد من الرجوع إلى أصالة عدم ترتب الأثر.

ثمَّ ان المراد بالمطابقة انما هي العرفية الدائرة بينهم في محاوراتهم

ص: 145

و دعوى عدم التطابق ممنوعة (47).

نعم، لو علم من حال الموصي إرادة تمليك المجموع من حيث المجموع لم يصح التبعيض (48).

مسألة 6: لا يجوز للورثة التصرف في العين الموصى بها قبل أن يختار الموصى له أحد الأمرين من القبول أو الرد

(مسألة 6): لا يجوز للورثة التصرف في العين الموصى بها قبل أن يختار الموصى له أحد الأمرين من القبول أو الرد (49)، و ليس لهم إجباره

______________________________

و مجاملاتهم لا الدقة العقلية لعدم ابتناء الفقه مطلقا عليها.

(47) مر أن المناط في صدق التطابق هو الأنظار العرفية فقد يكون مطابقا بحسبها و قد لا يكون و قد يتردد العرف في الحكم بالمطابقة و عدمها و الوصية أوسع دائرة من البيع كما هو معلوم.

(48) لأصالة عدم ترتب الأثر بعد اختصاص المجموع من حيث المجموع فتكون الأقسام ثلاثة.

الأول: كون مورد الوصية الطبيعة الصادقة على مجرد صرف الوجود.

الثاني: انحلاليا بحسب مصاديق المورد و أفراده.

الثالث: كون موردها بحسب المجموع من حيث المجموع و لا يصح التبعيض في الأخير دون الأولين و الوجه في الكل واضح كما لا يخفى.

(49) على المشهور و تقتضيه مرتكزات المتشرعة أيضا لأنه تصرف في مورد حق الغير من دون إحراز رضاه و هو حرام بالأدلة الأربعة كما تقدم في كتاب الغصب، و هذا واضح بناء أن الوصية مجرد إيقاع كما في النذر على شخص و التصدق عليه حيث يكفي فيه مجرد عدم الرد فقط و كذا بناء على كونه عقدا متوقفا على القبول لفرض أن الموصي أعمل سلطنته في ماله بالنسبة إلى شخص خاص، و قد حصل له الحق بذلك بحيث إن شاء قبل و إن شاء رد فيكون التصرف بغير إذنه تصرفا في متعلق حق الغير من دون إحراز رضاه فيكون من سنخ الحقوق المجازة لشخص خاص ينتظر إنفاذه و إمضائه، و لا فرق فيه بين

ص: 146

على اختيار أحدهما معجلا (50) إلا إذا كان تأخيره موجبا للضرر عليهم فيجبره الحاكم حينئذ على اختيار أحدهما (51).

مسألة 7: إذا مات الموصى له قبل القبول أو الرد

اشارة

(مسألة 7): إذا مات الموصى له قبل القبول أو الرد فالمشهور قيام وارثه مقامه (52) في ذلك فله القبول إذا لم يرجع الموصي عن وصيته من غير فرق بين كون موته في حياة الموصي أو بعد موته و بين علم الموصي بموته و عدمه (53)، و قيل بالبطلان بموته قبل القبول (54) و قيل بالتفصيل

______________________________

التصرفات المتلفة و غيرها لجريان الدليل في الجميع.

(50) لأصالة عدم ثبوت هذا الحق لهم مع بناء قبول نوع الوصايا على التثبت و لا يستنكر المتعارف التأجيل فيه بل ربما يستقبح التعجيل فيه.

(51) لأنه حينئذ من صغريات الحسبة التي لا بد من قيام الحاكم الشرعي مباشرة أو تسبيبا مضافا إلى قاعدة «نفي الضرر و الضرار».

و توهم: أنها نافية فلا تثبت حكما.

باطل: لأن مثل هذه القواعد من أجلّ القواعد الامتنانية العقلائية النظامية و أعظمها نفعا في أبواب الفقه الإسلامي من أولها إلى آخرها التي قررها الشارع الأقدس امتنانا و تسهيلا على أمته، و في مثل هذه القواعد لا وجه لأن يقال أنها تنفي و لا تثبت، لأنه تضييق لا تسهيل، فلا دليل من عقل أو نقل عليه.

نعم، لو كان دليل معتبر بالخصوص على تخصيصها بشي ء لا بد من الالتزام به لا أن تخصص بالظنون الاجتهادية بحسب الانظار فهي معتبرة في دلالاتها المطابقية و الالتزامية.

(52) و هذه الشهرة من المشهورات المعتبرة فتوى و عملا بين المتقدمين و المتأخرين.

(53) و يدل عليه إطلاق جمع صريح آخرين.

(54) نسب ذلك إلى جمع منهم ابن الجنيد و العلامة في مختلفة. و أما

ص: 147

بين ما إذا علم أن غرض الموصي خصوص الموصى له فتبطل و بين غيره فلورثته، و القول الأول و إن كان على خلاف القاعدة (55) مطلقا- بناء على اعتبار القبول في صحتها- لأن المفروض أن الإيجاب مختص بالموصى له (56)

______________________________

التفصيل المذكور في المتن فقال في الدروس: «أنه حق».

(55) كونه على خلاف القاعدة أول الدعوى و عين المدعى، لأن القبول على فرض اعتباره في الموصى به غير معتبر في الوصية فينتزع- من نفس الوصية بعد تماميتها و لو قبل القبول- نحو حق مالي يصدق عليه الموصى له أنه من تركته نظير سائر الحقوق الموروثة.

(56) هذا التعليل على إطلاقه عليل جدا لأن توجيه الإيجاب في ظاهر الخطاب إلى الطرف أقسام.

الأول: أن يكون الخطاب إليه مقيدا بزمان حيوته فقط، و لا ريب في الاختصاص و عدم جريان نزاعهم فيه بحسب القاعدة، و أما بحسب صحيح ابن قيس فيأتي الكلام فيه.

الثاني: أن يكون لأجل خصوصية فيه بالخصوص كما إذا كان الطرف فقيها عادلا و جعل الموصى له لأجل ذلك فقط، و لم يقل أحد بقيام وارثه مقامه مع عدم اتصافهم بتلك الخصوصية.

نعم، من كان متصفا بالخصوصية يتحقق موضوع الوراثة حينئذ فيكون المقام مثل وراثة الطبقة اللاحقة عن السابقة في الموقوفة مع اعتبار الواقف قيدا فيها.

الثالث: كون الموصى له هو نفس الشخص بلا قيد و خصوصية كما في جملة من الإنشائيات حيث يبيع البائع ماله إلى المشتري مع الغفلة عن ملاحظة أي خصوصية فيه، و انما الغرض الأهم تحقق المعاوضة فلو قبل وكيله أو وارثه

ص: 148

و كون قبول الوارث بمنزلة قبوله ممنوع (57)، كما أن دعوى انتقال حق القبول إلى الوارث أيضا محل منع صغرى و كبرى لمنع كونه حقا (58).

______________________________

كان باقيا على إيجابه أيضا إن لم يكن إجماع على الخلاف.

الرابع: كونه موصى له بأي نحو قرره الشرع و لو بنحو انتقال حق القبول إلى ورثته، و الظاهر عدم الإشكال في صحة الوصية بهذا القسم أيضا للعمومات و الإطلاقات كما أنه لا إشكال في صحة الوراثة حينئذ أيضا، لعموم أدلة الإرث الشامل لكل حق، انما الكلام في القسم الثالث و الظاهر كونه كالقسم الأخير إن قلنا بثبوت حق اقتضائي للموصى له فيرثه ورثته.

الخامس: الشك في أنه من أي الأقسام و لا يصح حينئذ. و الحاصل: أنه بعد ثبوت الحق الاقتضائي و شمول أدلة الإرث لمثل هذا الحق فمقتضى عموماتها و إطلاقاتها قيام الوارث مقام الموصى له في ذلك إلا مع وجود قرينة دالة على الخلاف و يأتي التفصيل في مستقبل الكلام.

(57) لا وجه لهذا الإشكال بعد إثبات كون قبول الموصى له من الحق القابل للانتقال إلى الورثة، لأن الورثة بعد موت الموصي له تكون ذا سلطة على إنفاذ حقهم كسائر حقوقهم الموروثة مع أن هذا المنع عين الدعوى كما لا يخفى.

(58) تقدم الفرق بين الحق و الحكم(1)، سابقا، و انهما من سنخ مقولتين مختلفتين فلا ربط لأحدهما بالآخر، فإن الحكم من سنخ مقولة الفعل- خالقيا كان أو خلقيا- إن كان المراد به الاعتقاد الجازم و الحق من مقولة الجدة فلا يتحدان مصداقا و لا يصح ان يدخل مقولة تحت مقولة أخرى.

نعم، يصح اجتماع مقولات متعددة في شي ء واحد- كالصلاة- حيث اجتمعت فيها مقولات كثيرة، و لكن المدعى ليس من ذلك فالاختلاف بينهما

ص: 149


1- راجع: ج: 16 صفحة: 205.

و منع كون كل حق منتقلا إلى الوارث (59) حتى مثل ما نحن فيه من الحق الخاص به (60) الذي لا يصدق كونه من تركته (61) و على ما قوينا- من

______________________________

وجداني و عرفي و عقلي.

و ما عن بعض مشايخنا (1)، في فقهه و أصوله من أن الاعتباريات خارجة عن المقولات مطلقا فلا يمكن كونهما من مقولتين مختلفتين صحيح في الجملة لما أثبتناه غير مرة من أن الاعتباريات شي ء و الجواهر و العرض بمقولاته شي ء آخر، و لكنه بعد اعتبار المعتبرين لها لا بد و أن يدخل في إحدى المقولات العرضية فهو قدّس سرّه ينظر إلى نفس الاعتبار و نحن ننظر إليها بعد تحققها الاعتباري و أصل الفرق من المسلمات.

انما البحث في مورد الدوران بينهما بعد عدم دليل على تعيين أحدهما من نص أو إجماع أو وجدان، و حيث أن الشك في الموضوع شك في ترتب الاثار المختصة بأحدهما فلا يترتب الأثر المختص لكل واحد منهما المذكور في لسان الدليل في ظرف الشك لا محالة لأنه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك.

نعم، تجري الأصول الموضوعية لو لم تسقط بالمعارضة.

(59) من لوازم السلطة و الاستيلاء على الشي ء أن يكون قابلا للنقل إلا ما خرج بالدليل، و لا دليل على الخلاف في المقام من عقل أو نقل، و لا يقصر هذا الحق الاقتضائي عن حق التحجير عرفا.

(60) هذا عين الدعوى لأن الكلام في أن هذا الحق خاص به فقط كحق الأبوة مثلا إن كان أبا أو قابل للانتقال إلى الغير فلا وجه لجعله من الأدلة.

(61) التركة تصدق عرفا و لغة على كل ما يعتبر وجوده بعد الموت عينا كان أو منفعة أو حقا أو أمرا اعتباريا يقال: ترك ضياعا و أموالا أو ذكرا حسنا

ص: 150


1- هو المحقق آية اللّه العظمى الشيخ محمد حسين الأصبهاني الغروي قدّس سرّه.

عدم اعتبار القبول فيها بل كون الرد مانعا أيضا يكون الحكم على خلاف القاعدة (62) في خصوص صورة موته قبل موت الموصى له لعدم ملكيته في حياة الموصي (63)، لكن الأقوى مع ذلك هو إطلاق الصحة كما هو المشهور (64) و ذلك لصحيحة محمد بن قيس (65) الصريحة في ذلك حتى في صورة موته في حياة الموصي المؤيدة بخبر الساباطي و صحيح

______________________________

لأهله، فبقاء كل جوهر أو عرض أو أمر اعتباري تصدق عليه التركة و لو كان ذلك باعتبار المعتبرين و أدلة الإرث تشملها إلا ما خرج بالدليل من عقل أو نقل أو سيرة من العرف.

(62) ظهر من جميع ما مر أنه على طبق القاعدة فراجع و تأمل.

(63) يكفي الحق الاقتضائي في صحة الوراثة كما هو مطابق للوجدان، لأن المتشرعة بمرتكزاتهم يرون ورثة الموصي له مع الأهلية و وجود المقتضي و فقد المانع أولى بالقبول من غيرهم و ليس ذلك إلا الارتكاز بقاء الحق بالنسبة إليهم.

(64) و هو المطابق للقاعدة أيضا و النص ورد مطابقا لها كما لا يخفى على من تأمل فيما ذكرناه.

(65) فعن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

«قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل أوصى لآخر و الموصى له غائب فتوفي الموصى له الذي أوصى له قبل الموصي قال عليه السّلام: الوصية لوارث الذي أوصى له قال: و من أوصى لأحد شاهدا كان أو غائبا فتوفي الموصى له قبل الموصي فالوصية لوارث الذي أوصى له إلا أن يرجع في وصيته قبل موته» (1)، و الإشكال عليها باشتراك محمد ابن قيس بين الثقة و الضعيف فلا تصلح للاستناد ساقط بأنه هو الثقة بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه كما هو المتسالم عليه بين المحققين من المتأخرين.

ص: 151


1- الوسائل باب: 30 من أبواب الوصية الحديث: 1.

المثنى (66)، و لا يعارضها صحيحتا محمد بن مسلم و منصور بن حازم (67) بعد إعراض المشهور عنهما و إمكان حملهما على محامل منها التقية، لأن المعروف بينهم عدم الصحة.

______________________________

(66) ففي الأول قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل أوصى إليّ و أمرني أن أعطي عما له في كل سنة شيئا فمات العم فكتب عليه السّلام أعط ورثته» (1)، بناء على ما هو المنساق منه من أن الوصية حصلت بالنسبة إلى تمليك الموصى له بفعل الموصي و إنشائه، و الموصى إليه من مجرد الواسطة في الإيصال فيكون من المقام حينئذ. و أما احتمال إنها وصية بالتمليك فلا ربط له بالمقام فبعيد، و لعله رحمه اللّه لأجل احتمال ذلك و لقصور السند جعله مؤيدا و لم يجعله دليلا.

و في الثاني: قال: «سألته عن رجل أوصى له بوصية فمات قبل أن يقبضها و لم يترك عقبا؟ قال عليه السّلام: اطلب له وارثا أو مولى فادفعها إليه، قلت: فإن لم أعلم له وليا، قال عليه السّلام: اجهد على أن تقدر له على ولي، فإن لم تجد و علم اللّه منك الجد فتصدق بها» (2)، فإنه يمكن أن يكون قوله: «فمات قبل أن يقبضها» كناية عن عدم القبول فيصير مما نحن فيه، و يمكن أن يكون المراد تحقق القبول و عدم تحقق القبض فلا ربط له بالمقام، و إطلاق الجواب و عدم التفصيل يشمل كل واحد من الاحتمالين.

(67) ففي الأولى عن الصادق عليه السّلام قال: «سأل عن رجل أوصى لرجل فمات الموصى له قبل الموصي، قال عليه السّلام: ليس بشي ء» (3).

و في الثانية: عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أيضا قال: «سألته عن رجل أوصى لرجل بوصية إن حدث به حدث فمات الموصي قال عليه السّلام: ليس بشي ء» (4). و قوله عليه السّلام:

«ليس بشي ء» يحتمل وجوها.

الأول: البطلان مطلقا.

ص: 152


1- الوسائل باب: 30 من أبواب الوصية الحديث: 3.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب الوصية الحديث: 2.
3- الوسائل باب: 30 من أبواب الوصية الحديث: 4.
4- الوسائل باب: 30 من أبواب الوصية الحديث: 5.

نعم، يمكن دعوى انصراف الصحيحة عما إذا علم كون غرض الموصي خصوص شخص الموصى له على وجه التقييد (68)، بل ربما يقال (69) إن محل الخلاف غير هذه الصورة، لكن الانصراف ممنوع (70) و على فرضه يختص الإشكال بما إذا كان موته قبل موت الموصي و إلا فبناء على عدم اعتبار القبول بموت الموصي صار مالكا بعد فرض عدم رده فينتقل إلى ورثته.

بقي هنا أمور
اشارة

بقي هنا أمور.

أحدها: هل الحكم يشمل ورثة الوارث؟

أحدها: هل الحكم يشمل ورثة الوارث؟ كما إذا مات الموصى له

______________________________

الثاني: ليس بشي ء حتى يقبل الورثة.

الثالث: الموت ليس بشي ء يضر بالوصية بل هي باقية على حالها إلا إذا ردها الورثة.

الرابع: الحمل على التقية على فرض الظهور في بطلان الوصية، و مع هذه الاحتمالات كيف تعارضان صحيح ابن قيس الصريح في الصحة خصوصا مع وهنهما بالإعراض مع عدم الاحتياج إلى الإعراض بعد قصور الدلالة و الموافقة لرأيهم.

(68) تقدمت الأقسام في أول البحث فراجع.

(69) يظهر من الدروس و الرياض و الجواهر.

(70) جمودا على الإطلاق فيشمل كل ما أمكن شموله إلا مع الدليل على الخلاف و لا دليل عليه.

و توهم أنه إذا كان مورد الحكم الشخص، و الشخصي غير قابل للإطلاق و ما لا يقبل الإطلاق لا يقبل التقييد.

فاسد: لما أثبتناه في الأصول من أن الإطلاق و التقييد الاعتباري اللحاظي يشمل الجزئي الحقيقي أيضا لاحتفاف كل جزئي حقيقي بجهات من الاعتباريات و الخصوصيات.

ص: 153

قبل القبول و مات وارثه أيضا قبل القبول فهل الوصية لوارث الوارث أو لا؟

وجوه الشمول (71) و عدمه لكون الحكم على خلاف القاعدة، و الابتناء على كون مدرك الحكم انتقال حق القبول فتشمل و كونه الاخبار فلا.

الثاني: إذا قبل بعض الورثة و ردّ بعضهم فهل تبطل، أو تصح

الثاني: إذا قبل بعض الورثة و ردّ بعضهم فهل تبطل، أو تصح و يرث الراد أيضا مقدار حصته، أو تصح بمقدار حصة القابل فقط، أو تصح و تمامه للقابل، أو التفصيل بين كون موته قبل موت الموصي فتبطل أو بعده فتصح بالنسبة إلى مقدار حصة القابل؟ وجوه (72).

______________________________

(71) الحق الشمول و بعد ما أثبتنا أن الحكم مطابق للقاعدة و أن النص ورد على طبقها لا وجه لهذه الوجوه.

(72) وجه الأول عدم قابلية هذا الحق للتبعيض فكأنه لم يقع قبول فتبطل الوصية.

و فيه: أن تبعيض الحق باعتبار متعلقه مما لا بأس به مطلقا بل هو من الوجدانيات، و تقدم في المسألة الخامسة ما ينفع المقام، كما مر الجواب عن إشكال عدم المطابقة بين الإيجاب و القبول فراجع.

و وجه الثاني دعوى كفاية صرف وجود القبول في الصحة المطلقة فيشمله الإطلاق و العموم و أصالة الصحة.

و فيه: أنه مجرد الدعوى بلا دليل عليه.

و وجه الثالث وجود المقتضي للصحة بالنسبة إلى القابل و فقد المانع عنها فلا بد من ترتيب الأثر، و أما غيره فمقتضى الأصل عدم ترتب الأثر بالنسبة إليه إلا بدليل معتبر حاكم على الأصل و هو مفقود.

و وجه الرابع دعوى أن صرف وجود القبول يكفي بالنسبة إلى انتقال تمام المال إلى القابل إلا مع وجود قرينة على التقسيط و هي مفقودة.

و فيه: أن تعدد الورثة قرينة على انحلال الحق و متعلقه بالنسبة إليهم إلا مع

ص: 154

الثالث: هل ينتقل الموصى به بقبول الوارث إلى الميت ثمَّ إليه

الثالث: هل ينتقل الموصى به بقبول الوارث إلى الميت ثمَّ إليه أو إليه ابتداء من الموصي؟ وجهان، أوجههما الثاني (73) و ربما يبنى (74) على كون القبول كاشفا أو ناقلا فعلى الثاني الثاني، و على الأول الأول، و فيه أنه على الثاني أيضا يمكن أن يقال بانتقاله إلى الميت آنا ما (75) ثمَّ إلى

______________________________

دليل على الخلاف و هو مفقود.

و أما الأخير فهو ليس وجها خاصا بالمقام بل هو عين ما تقدم التفصيل في أصل المسألة فراجع، و كل هذه الوجوه باطلة إلا الثالث لتطابق الانظار العرفية و مرتكزات المتشرعة عليه.

(73) هذا النزاع يلحظ.

تارة: بالنسبة إلى إرث حق القبول.

و أخرى: بالنسبة إلى أصل المال الموصى به، أما الأول فالنزاع ساقط من أصله بعد البناء على صحة وراثة هذا الحق كما هو المشهور المنصور، و مقتضى وساطة الموصى له في الإرث و انتقال الحق منه إلى الورثة كون إرثهم على كتاب اللّه تعالى و سهامه المقررة فيه كما هو واضح و أما بالنسبة إلى الثاني فصاحب المال أولا و بالذات هو الموصي و عليه تدور وراثة المال عرفا و شرعا، و الموصى له متفرع عليه فالمنسبق إلى الأذهان المتعارفة هو الانتقال من الموصي و كون الموصى له كالوساطة المحضة فاحتمال انتقال المال منه إلى الورثة احتمال بدوي يزول بالتأمل كما لا يخفى على من تأمل و تدبر.

(74) نسب ذلك إلى المحقق الثاني و يأتي فساد البناء و المبنى.

(75) المراد بقولهم: «الملكية آنا ما» في المقام و نظائره صحة اعتبار الملكية مترتبا في الاعتبار الصحيح العقلي بأن تعتبر في نظر العقلاء أولا للميت باعتبار أن لا أثر له إلا الانتقال إلى وارثه، و ليس المراد بقولهم: «آنا ما» الملكية الزمانية في آن من الزمان حتى يستشكل عليه بأن ما هو ممتنع لا فرق فيه بين

ص: 155

وارثه، بل على الأول يمكن أن يقال بكشف قبوله عن الانتقال إليه من حين موت الموصي لأنه كأنه هو القابل (76)، فيكون منتقلا إليه من الأول (77).

الرابع: هل المدار على الوارث حين موت الموصى له إذا كان قبل موت الموصي

الرابع: هل المدار على الوارث حين موت الموصى له إذا كان قبل موت الموصي، أو الوارث حين موت الموصي، أو البناء على كون القبول من الوارث موجبا للانتقال إلى الميت ثمَّ إليه أو كونه موجبا للانتقال إليه أولا من الموصي فعلى الأول الأول، و على الثاني الثاني؟ وجوه (78).

الخامس: إذا أوصى له بأرض فمات قبل القبول فهل ترث زوجته منها أو لا؟

الخامس: إذا أوصى له بأرض فمات قبل القبول فهل ترث زوجته منها أو لا؟ وجهان مبنيان على الوجهين في المسألة المتقدمة فعلى الانتقال

______________________________

الزمان القليل و الكثير.

(76) لفظ «كأنه» مستدرك و لا وجه لذكره إلا حصول التعقيد في العبارة و لا ريب في أن الوارث تابع للموروث و حيثيته متفرعة عليه و قبول الوارث بمنزلة قبول المورّث فيصح القول بكشفه عن قبول المورّث، و لا محذور فيه عن عقل أو شرع إلا ما مر من احتمال أن الميت غير مستأهل لذلك و هو من الخلط بين الأمور الحقيقية التكوينية و الأمور الاعتبارية التي تقوم بصحة الاعتبار، لأي غرض من الأغراض غير المنهية عنه شرعا.

(77) لأنه لا معنى للكشف إلا ذلك.

(78) وجه الأول أنه المنساق عرفا من الأدلة و مطابق للمرتكزات و وجه الثاني أن الانتقال الحقيقي يقع حين موت الموصي فلا بد و أن يكون المدار على الوارث حينه.

و فيه: أنه خلاف الانسباق العرفي و لا يصار إليه إلا بقرينة معتبرة. و وجه الثالث واضح، و وجه الأخير أنه بناء على انتقال المال من الموصي إلى الوارث على صرف وجود الوارث قهرا و هو الموجود حين موت الموصي. و فيه أنه ليس إلا عين المدعى، و ظهر من جميع ذلك أن المتعين هو الوجه الأول.

ص: 156

إلى الميت ثمَّ إلى الوارث لا ترث و على الانتقال إليه أولا لا مانع من الانتقال إليها، لأن المفروض أنها لم تنتقل إليه إرثا من الزوج بل وصية من الموصي (79)، كما أنه يبنى على الوجهين إخراج الديون و الوصايا من الموصى به بعد قبول الوارث و عدمه (80)، أما إذا كانت بما يكون من الحبوة ففي اختصاص الولد الأكبر به بناء على الانتقال إلى الميت أولا، فمشكل لانصراف الأدلة عن مثل هذا (81).

السادس: إذا كان الموصى به ممن ينعتق على الموصى له

السادس: إذا كان الموصى به ممن ينعتق على الموصى له (82) فإن

______________________________

(79) لكن يقسم المال بينها و بين سائر الورثة على سهام الإرث لأنها ترث بواسطة وراثتها عن الموصى له حق التملك، فإذا انحصر الوارث مثلا في الزوجة و الابن فلها الثمن و له الباقي، و طريق الاحتياط التراضي في التفاوت بل في أصل إرثها منها لأن مقتضى الأنظار العرفية انتقال الموصى به من الميت إلى الوارث لا من الموصي فتأمل تعرف.

(80) الظاهر عدم الإشكال في وجوب إخراجها بعد قبول الوارث على كل حال، لصدق كون المال مال الميت عرفا، بل قد يجب على الوارث القبول، لأنه من إزالة المانع عن تفريغ ذمة ميتهم من ماله، كما أن الظاهر أن المتصدي للإخراج هو الوصي أو من يقوم مقامه من الحاكم الشرعي و طريق الاحتياط مشاركة الورثة أيضا في ذلك.

(81) لو لم يكن من الانصرافات البدوية و طريق الاحتياط التراضي بين الولد الأكبر و باقي الورثة في ذلك.

(82) هذا الفرع مذكور في كتب أصحابنا على اختلاف في تعبيراتهم و من ينعتق على الرجل بعد ملكه له قهرا و لا يستقر ملكه عليه أحد عشرة: و هم الآباء، و الأمهات، و الأجداد، و الجدات لهما، أو لأحدهما و إن علوا، و الأولاد ذكورا و إناثا و إن سفلوا، و الأخوات و العمات، و الخالات، و بنات الأخ، و بنات الأخت،

ص: 157

قلنا بالانتقال إليه أولا بعد قبول الوارث، فإن قلنا به كشفا (83) و كان موته بعد موت الموصي انعتق عليه (84)، و شارك الوارث ممن في طبقته (85).

و يقدم عليهم مع تقدم طبقته (86) فالوارث يقوم مقامه في القبول ثمَّ يسقط عن الوارثية (87) لوجود من هو مقدم عليه، و إن كان موته قبل موت الموصي، أو قلنا بالنقل و أنه حين قبول الوارث ينتقل إليه آنا ما فينعتق لكن

______________________________

و تقدم البحث في كتاب البيع.

(83) لا يخفى سوء التعبير و حقه أن يقال: «و قلنا به كشفا».

(84) لحصول الملكية الغير القابلة إلا للانعتاق القهري، فينعتق لا محالة نحو ترتب المعلول على العلة التامة و هذا الترتيب في المقام طبيعي لا أن يكون زمانيا.

(85) لوجود المقتضي للوراثة حينئذ و فقد المانع فيتحقق الوراثة قهرا لأن المانع عنها كان الرقية و قد أزيلت بالعتق فتؤثر العلة التامة أثرها.

(86) لأن كل ذلك من قواعد الإرث و قوانينه كما يأتي إن شاء اللّه تعالى و يتفرد بالإرث مع تفرده بالوراثة.

(87) أما قيام الوارث مقامه في القبول فلانحصار الوارث به قبله و أما سقوطه عن الوارث بالقبول فلما ذكره قدّس سرّه في المتن.

إن قيل: إن إرث العبد لا وجه له، لأنه مستلزم للدور الباطل لأن وراثته متوقفة على قبوله، لأن المعتبر انما هو قبول جميع الورثة و لا يكفي عن بعضهم و المفروض أن القبول متوقف على الوراثة و ليس هذا إلا الدور، و يظهر هذا الإشكال من الشيخ رحمه اللّه، و يمكن تقرير هذا الإشكال بوجه آخر كما عن العلامة.

يقال: هذا التوقف ليس من التوقف الوجودي الخارجي الحقيقي المتوقف على تحقق كل واحد من طرفي الدور خارجا، بل هو توقف اعتباري شرعي يلزم من تحقق أحد الطرفين خروج الآخر تخصيصا أو تخصصا عن

ص: 158

لا يرث (88) إلا إذا كان انعتاقه قبل قسمة الورثة و ذلك لأنه على هذا التقدير انعتق بعد سبق سائر الورثة بالإرث (89).

نعم، لو انعتق قبل القسمة في صورة تعدد الورثة شاركهم (90) و إن قلنا بالانتقال إلى الوارث من الموصي لا من الموصى له فلا ينعتق عليه (91)، لعدم ملكه بل يكون للورثة إلا إذا كان ممن ينعتق عليهم أو على بعضهم فحينئذ ينعتق (92)، و لكن لا يرث (93) إلا إذا كان ذلك مع تعدد الورثة و قبل قسمتهم (94).

______________________________

تحت الحكم و لا محذور فيه من عقل أو شرع بعد اقتضاء الأدلة الشرعية ذلك.

(88) أما الانعتاق القهري فلحصول سببه و هو ملكية الرجل لأحد من ينعتق عليه فيترتب عليه المسبب لا محالة.

و أما عدم الإرث فلانتفاء شرط الإرث و هو كون الوارث حرا حين موت المورّث لفرض حصول الحرية بعده كما هو معلوم يأتي في المتن.

(89) يأتي وجهه و تفصيله في كتاب الإرث إن شاء اللّه تعالى.

(90) لتقارن إرثهم مع موت الموصى له و تأخير الحرية عن ذلك.

(91) يعني لا ينعتق على الموصى له لعدم صيرورته مالكا لمن ينعتق عليه حتى ينعتق حينئذ، و هذا صحيح بناء على لحاظ ملكية الورثة بنحو الموضوعية الصرفة و الاستقلالية المحضة، و أما إذا لوحظت بنحو المرآتية عن نفس الموصى له فلا فرق بين الوجهين كما أشير إليه سابقا.

(92) لوجود المقتضي حينئذ للعتق القهري و فقد المانع فلا بد من تحققه لا محالة، و تقدم من ينعتق على الرجل في صدر المسألة فراجع.

(93) لما مر من اشتراط الحرية في الوارث حين موت المورّث و هو في المقام مفقود.

(94) لأن ذلك من القواعد الإرثية و يأتي تفصيلها في كتاب الإرث إن شاء اللّه تعالى.

ص: 159

السابع: لا فرق في قيام الوارث مقام الموصى له

السابع: لا فرق في قيام الوارث مقام الموصى له بين التمليكية و العهدية (95).

مسألة 8: اشتراط القبول على القول به مختص بالتمليكية

(مسألة 8): اشتراط القبول على القول به مختص بالتمليكية كما عرفت فلا يعتبر في العهدية (96) و يختص بما إذا كان لشخص معين أو

______________________________

(95) لكونه من الحق القابل للانتقال فتشمله عمومات الإرث و إطلاقاتها ما لم يدل دليل على المنع خصوصا إذا كانت عهدا بتمليك شي ء لشخص أو أشخاص، فلا نحتاج إلى إقامة دليل من الخارج، و ما تقدم من خبر الساباطي ورد مطابقا للقاعدة و ليس فيه تعبد محض حتى يقال بأنه لا جابر بالنسبة إليه.

(96) المراد قبول الموصى له فلا يعتبر قبوله في تحقق أصل الوصية كما إذا عهد بصرف مال في شخص كتعمير بيته أو تزويج أولاده أو نحو ذلك، أو بصرف مال في النوع كصرفه في الفقهاء و نحوهم، و الوجه في عدم اعتبار القبول فيه واضح لتمامية الوصية بمجرد إنشائها عرفا مضافا إلى السيرة المستمرة. و لو كانت عهدا بتمليك مال لشخص أو أشخاص فالظاهر أنه ليس فيه فرق كثير بينه و بين التمليكية.

و أما قبول الموصى إليه كما إذا نصب شخصا لتنفيذ وصاياه و يطلق عليه الوصي أيضا فلا ريب في اعتبار قبوله في اتصافه بهذا المنصب لا في صحة أصل الوصية، فلو لم يقبل تصح الوصية و يجب إنفاذها على الورثة و مع عدمهم فعلى الحاكم الشرعي و ثقات المؤمنين.

ثمَّ أن الوصية العهدية على أقسام ثلاثة.

الأول: عهد محض كالوصية بأن يدفن في محل خاص مثلا.

الثاني: العهد بصرف مال في مصرف خاص.

الثالث: عهد بتمليك مال لشخص أو أشخاص. و في الكل يجب إنفاذ الوصية و يعتبر القبول على الوصي في تحقق وصايته و لا يعتبر قبول الموصى له

ص: 160

أشخاص معينين (97)، و أما إذا كان للنوع أو للجهات كالوصية للفقراء و العلماء أو للمساجد فلا يعتبر قبولهم أو قبول الحاكم فيما للجهات (98) و إن احتمل ذلك أو قيل.

و دعوى: أن الوصية لها ليست من التمليكية بل هي عهدية و إلا فلا يصح تمليك النوع أو الجهات كما ترى (99)، و قد عرفت سابقا قوة عدم

______________________________

في تحقق أصل الوصية.

(97) لأنه المنساق من الدليل على اعتبار القبول على فرض تماميته و هو الذي يظهر من عبارات جمع و صريح آخرين.

(98) لصدق تمامية الوصية بدون قبولهم و قبول الحاكم لغة و عرفا و شرعا فتشملها الأدلة لا محالة.

(99) و هذه الدعوى و إن ادعاها في الجواهر و تبعه بعض المعاصرين لكن لا دليل عليه من عقل أو نقل إلا احتمال أن التمليك و الملكية عرض خارجي قائم بموضوع خارجي، كما في جميع الأعراض الخارجية و الأمور الاعتبارية التي يصح اعتبارها للكل ما لم ينه عنه الشرع و لا يستنكره العرف كما في الملكية و التمليك فإنهما اعتباريان قائمان بصحة الاعتبار فمهما وجد إليه السبيل ما لم يردع بالدليل.

نعم، للملكية مراتب متفاوتة جدا يترتب جميع آثارها على بعض مراتبها دون بعض مراتبها الأخر و تقدم في كتاب البيع بعض ما ينفع المقام فراجع، فلا وجه للقول بأنها من الوصية العهدية و إلا لكان اللازم أن يقال: ان الوصية إما تمليكية أو عهدية أو اختصاصية و هم لا يقولون به لبطلانه، لأنه مبني على أن التمليك و الملكية نوع واحد شخصي و لا ينبغي أن يصدر هذا عن عاقل فضلا عن الفاضل بل هما جنسان تحتهما أنواع كثيرة كما هو معلوم لذوي البصيرة.

ص: 161

اعتبار القبول مطلقا و إنما يكون الرد مانعا (100)، و هو أيضا لا يجري في مثل المذكورات فلا تبطل برد بعض الفقراء مثلا، بل إذا انحصر النوع في ذلك الوقت في شخص فرد لا تبطل (101).

مسألة 9: الأقوى في تحقق الوصية كفاية كل ما دل عليها من الألفاظ

(مسألة 9): الأقوى في تحقق الوصية كفاية كل ما دل عليها من الألفاظ و لا يعتبر فيه لفظ خاص (102)، بل يكفي كل فعل دال عليها (103)

______________________________

(100) و هو المطابق للمرتكزات في الجملة و سهولة الشريعة خصوصا في هذا الأمر العام البلوى الواقع غالبا في الخفايا و عند الانقطاع عن أهل الدنيا.

(101) أما فيما إذا رد البعض فلبقاء من سواه و التمليك إلى النوع دون الفرد فلا بد من الصحة حينئذ، و كذا في صورة لانحصار لأن من رد ليس مورد الوصية بالخصوص حتى يكون مانعا عن الصحة و انما يكون موردها العنوان و هو باق اعتبارا.

(102) للإطلاق و الاتفاق و السيرة المستمرة في كل مذهب و ملة فتقع بكل لغة و أية لهجة.

(103) للعمومات و الإطلاقات الشاملة للفعل المبرز للعنوان المقصود و تقدم في المعاطاة أنها مطابقة للقاعدة إلا ما نص الشرع على بطلانها فيه، و هو مفقود في المقام خصوصا بعد بناء الشريعة في إنشاء الوصية على التسهيل مهما وجد إليه السبيل.

و ما نسب إلى جمع تارة و إلى المشهور أخرى و ادعى عليه الإجماع ثالثة إن تمَّ إجماعا معتبرا فالمتيقن منه على فرض اعتباره انما هو فيما إذا كان الفعل غير واضح عرفا في إبراز المراد كما هو الغالب، و إلا فمع الوضوح فلا وجه للتشكيك فيه مع أن فيهم من يقول بصحة المعاطاة و كونها مطابقة للقاعدة سواء كانت الوصية من العقود أو من مجرد الإيقاع، لأن ظاهر القول الفعل كظاهره

ص: 162

حتى الإشارة و الكتابة (104) و لو في حال الاختيار (105) إذا كانت صريحة في الدلالة بل أو ظاهرة فإن ظاهر الأفعال معتبر كظاهر الأقوال، فما يظهر من جماعة اختصاص كفاية الإشارة و الكتابة بحال الضرورة لا وجه له (106) بل يكفي وجود مكتوب منه بخطه و مهره إذا علم كونه إنما كتبه

______________________________

القول معتبر لدى العقلاء مطلقا ما لم يدل دليل على الخلاف و هو مفقود.

(104) مع كونهما ظاهرتين ظهورا عرفيا محاوريا في المعنى المقصود كما يأتي.

(105) لأن المناط في إبراز المقاصد على الدوال الخارجية المعتبرة عند المتعارف و المفروض كونهما كذلك فيكون المقتضي للصحة موجودا و المانع عنها مفقودا، فتصح لا محالة و لا مانع في البين إلا دعوى الشهرة على الخلاف و انصراف الأدلة إلى صورة الضرورة و المتيقن من الشهرة على فرض تحققها غير صورة الصراحة و الوضوح التي يكتفي بهما العرف في المحاورات الدائرة بينهم، و أما الانصراف فلا ريب في أنه غالبي على فرض قبوله.

(106) نسب الاختصاص بحال الضرورة إلى المشهور بل ادعي عليه الإجماع، و يمكن أن يكون مرادهم صورة عدم الصراحة أو الظهور العرفي في إبراز الوصية و إلا فهو مخالف للإطلاقات.

ثمَّ إن الإشارة المفهمة.

تارة: تكون مع التمكن الفعلي عن اللفظ بحيث تعد الإشارة مستنكرة عند المتعارف.

و أخرى: مع وجود غرض عقلائي في الإشارة بالخصوص بحيث لا يحصل ذلك الغرض في غيرها مع الضرورة الفعلية إلى الإشارة، و مراد ما نسب إلى المشهور على فرض صحة النسبة هو الأول.

ص: 163

بعنوان الوصية (107)، و يمكن أن يستدل عليه بقوله عليه السّلام: «لا ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت ليلة إلا و وصيته تحت رأسه»، بل يدل عليه ما رواه الصدوق عن إبراهيم بن محمد الهمداني قال: «كتبت إليه كتب رجل كتابا بخطه و لم يقل لورثته هذه وصيتي و لم يقل إني قد أوصيت إلا أنه كتب كتابا فيه ما أراد أن يوصي به، هل يجب على ورثته القيام بما في الكتاب بخطه و لم يأمرهم بذلك؟ فكتب: إن كان له ولد ينفذون كل شي ء يجدون في كتاب أبيهم في وجه البر و غيره» (108).

______________________________

(107) للسيرة المستمرة على ذلك بل يكفي المكتوب المعتبر و لو لم يكن بخطه بل كان بخط غيره أو مطبوعا و كانت فيه أمارة الصحة و الاعتبار.

(108) الظاهرة في اعتبار الوصية بهذا النحو و صحتها و إلا فلا معنى لوجوب الإنفاذ على الولد، و ذكر الولد من باب أنهم الأولى بإنفاذ وصية مورّثهم و عدم المسامحة فيها لا التقييد فلا وجه لجعل ذلك من مختصات الولد كقضاء الصلاة، و ذلك لأن قرائن الأحوال و المقامات المعتبرة لدى العقلاء خصوصا في مثل الوصية التي تتهيأ عند الشدائد و البلايا و الانقطاع عن الأهل و الدنيا، كما لا وجه للمناقشة السندية بعد كون الحكم موافقا للعمومات و الإطلاقات و السيرة، مع أن المناقشة موهونة كما لا يخفى.

ثمَّ ان الوصية التمليكية تتقوم بأمور ثلاثة: الموصي و الموصى به و الموصى له. و العهدية تتقوم بأمرين الموصي و الموصى به.

نعم، إذا عين الموصي شخصا لتنفيذها تقوم بثلاثة الموصي و الموصى به و الموصى إليه و يطلق عليه الوصي أيضا، و الوجه في ذلك كله واضح لا يحتاج إلى بيان.

ص: 164

فصل فيما يعتبر في الموصي

اشارة

فصل فيما يعتبر في الموصي

مسألة 10: يشترط في الموصي أمور

اشارة

(مسألة 10): يشترط في الموصي أمور.

الأول: البلوغ

الأول: البلوغ، فلا تصح وصية غير البالغ (1).

نعم، الأقوى وفاقا للمشهور صحة وصية البالغ عشرا إذا كان عاقلا في وجوه المعروف للأرحام أو غيرهم لجملة من الأخبار المعتبرة (2).

______________________________

(1) البلوغ و العقل من الشرائط العامة لكل عقد و تصرف مالي، أما العقل فبالأدلة الأربعة لاستنكار العقل و العقلاء ترتيب آثار الصحة على أفعال المجانين و أقوالهم و تصرفاتهم، و قد تقدم في كتاب البيع ما ينفع المقام و كذا بالنسبة إلى غير المميّزين من الصبيان.

نعم، اعتبار البلوغ بالحد المخصوص يدل عليه الإجماع و السنة و تقدم التعرض لها في كتاب الحجر و الحكم فيهما من مسلمات الفقه و قطعياته و ضرورياته.

(2) و هي مستفيضة منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في الصحيح: «إذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيته» (1)، المقيد بقول أبي جعفر عليه السّلام: «إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنه يجوز له في ماله» (2)، و عن أبي بصير عن الصادق عليه السّلام: «في الغلام ابن عشر سنين يوصي؟ قال عليه السّلام: إذا أصاب موضع الوصية جازت» (3)، إلى غير ذلك من الأخبار و لا بد من تقييد جميعها بما إذا كانت الوصية جامعة للشرائط العامة كالعقل و الاختيار و الرشد و غير ذلك مما يأتي من الشرائط و أن

ص: 165


1- الوسائل باب: 44 من أبواب الوصايا الحديث: 3.
2- الوسائل باب: 44 من أبواب الوصايا الحديث: 4.
3- الوسائل باب: 44 من أبواب الوصايا الحديث: 6.

خلافا لابن إدريس و تبعه جماعة (3).

الثاني: العقل

الثاني: العقل (4) فلا تصح وصية المجنون (5).

نعم، تصح وصية الأدواري منه إذا كانت في دور إفاقته (6)، و كذا لا تصح وصية السكران حال سكره (7). و لا يعتبر استمرار العقل فلو أوصى ثمَّ جنّ لم تبطل، كما أنه لو أغمي عليه أو سكر لا تبطل وصيته، فاعتبار العقل إنما هو حال إنشاء الوصية (8).

الثالث: الاختيار

الثالث: الاختيار (9).

______________________________

يكون فيه غرض عقلائي صحيح غير منهي عنه شرعا. و أما قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح ابن مسلم: «أن الغلام إذا حضره الموت فأوصى و لم يدرك جازت وصيته لذوي الأرحام و لم تجز للغرباء» (1)، فلا بد من حمل ذيله على ما إذا لم تكن الوصية للغرباء في وجوه البر و إلا لكان مخالفا لسائر النصوص و المشهور.

(3) بناء منهم على عدم حجية أخبار الاحاد و قد أثبتنا في الأصول سقوط أصل هذا المبنى، فيسقط البناء لا محالة.

(4) بالضرورة العقلائية فضلا عن الدينية.

(5) بضرورة من الدين، و لحديث رفع القلم عن المجنون (2).

(6) لوجود المقتضي حينئذ و فقد المانع فتشمله الأدلة بلا مانع و مدافع.

(7) لسلب عباراته و أفعاله عند الناس أجمعين.

(8) كل ذلك للإطلاقات و العمومات بعد صدق الوصية عرفا و شرعا و أصالة عدم اعتبار الاستمرار بعد عدم دليل عليه من عقل أو نقل.

(9) للإجماع بل الضرورة المذهبية إن لم تكن دينية، و عن نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله في الحديث المعروف بين الفريقين: «رفع عن أمتي

ص: 166


1- الوسائل باب: 44 من أبواب الوصايا الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات الحديث: 11.
الرابع: الرشد

الرابع: الرشد، فلا تصح وصية السفيه (10)، و إن كانت بالمعروف (11) سواء كانت قبل حجر الحاكم أو بعده (12)، و أما المفلس فلا مانع من وصيته و إن كانت بعد حجر الحاكم لعدم الضرر بها على الغرماء لتقدم الدين على الوصية (13).

______________________________

ما أكرهوا عليه» (1).

(10) لأن السفه حالة مانعة عن صحة التصرفات المالية لدى العقلاء قررها الشارع كما تقدم في كتاب الحجر.

(11) لعموم دليل الحجر عليه الشامل لذلك أيضا، و نسب إلى المشهور صحة وصيته في البر و في المعروف، و استدل عليه بقصور شمول أدلة الحجر عن شمولها للبر و المعروف لورودها مورد الامتنان و لا امتنان عن حرمانه عن المعروف.

و فيه: أن الامتنان حكمة أصل التشريع لا علة الحكم المشروع بحيث يدور الحكم مدارها وجودا و عدما فيؤخذ بعموم الدليل ما لم يكن مخصص صحيح في البين.

نعم، لو شك في الصدق العرفي لا وجه للتمسك بالدليل لأنه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك و هو غير جائز كما ثبت في الأصول، فيرجع حينئذ إلى أصالة الصحة و لعل مراد ما نسب إلى المشهور على فرض صحة النسبة ذلك أيضا.

(12) لما مر في كتاب الحجر من أن حجر السفيه عن تصرفاته المالية لا يتوقف على حكم الحاكم فمع ثبوت الموضوع لدى المتعارف لا يصح تصرفاته و لا يصح للغير ترتب الأثر على تصرفاته.

(13) فيكون اشتراط عدم التفليس لغوا، لتقدم حق الديان على الوصية

ص: 167


1- الوسائل باب: 56 من أبواب جهاد النفس.
الخامس: الحرية

الخامس: الحرية، فلا تصح وصية المملوك بناء على عدم ملكه و إن أجاز مولاه (14) بل و كذا بناء على ما هو الأقوى من ملكه (15)، لعموم أدلة الحجر و قوله عليه السّلام: «لا وصية لمملوك» بناء على إرادة نفي وصيته لغيره لا نفي الوصية له (16).

نعم، لو أجاز مولاه صح على البناء المذكور (17) و لو أوصى بماله ثمَّ انعتق و كان المال باقيا في يده صحت على إشكال (18).

______________________________

اشترط عدم التفليس أو لا؟ و سواء مات مفلّسا أو لا.

(14) لأصالة عدم ترتب الأثر على التصرفات التعليقية ما لم يدل دليل على الصحة و لا دليل عليها في المقام مضافا إلى ظهور الإجماع على عدمها بناء على عدم الملكية حتى مع إجازة المولى.

(15) تقدم في كتاب الزكاة و الحج ما يدل عليه.

(16) أي: يكون من باب الصفة عن الفاعل القائم بها لا نفيها عن المفعول له و يدل عليه قول أبي جعفر عليه السّلام في صحيح ابن قيس: «في المملوك ما دام عبدا فإنه و ماله لأهله لا يجوز له تحرير و لا كثير عطاء و لا وصية إلا إن يشاء سيده» (1)، و قريب منه غيره.

(17) لوجود المقتضي للصحة و فقد المانع عنها حينئذ فتشملها الأدلة.

(18) أما الصحة فلإطلاق الأدلة و عمومها و أصالة الصحة. أما الإشكال فلأنها وقعت في حال الرقية فتشملها الأدلة المانعة عن صحة وصية الرق.

و فيه: أن المنساق منها الرقية المستقرة في الجملة لا صرف وجودها، و لو فرض الشك في أن المراد المستقرة منها أو صرف وجودها تكفي أصالة الصحة.

ص: 168


1- الوسائل باب: 78 من أبواب الوصايا الحديث: 1.

نعم، لو علقها على الحرية فالأقوى صحتها (19) و لا يضر التعليق المفروض، كما لا يضر إذا قال هذا لزيد إن متّ في سفري (20)، و لو أوصى بدفنه في مكان خاص لا يحتاج إلى صرف مال فالأقوى الصحة، و كذا ما كان من هذا القبيل (21).

السادس: أن لا يكون قاتل نفسه

السادس: أن لا يكون قاتل نفسه بأن أوصى بعد ما أحدث في نفسه ما يوجب هلاكه- من جرح أو شرب سم أو نحو ذلك- فإنه لا تصح وصيته على المشهور المدعى عليه الإجماع، للنص الصحيح الصريح (22) خلافا

______________________________

(19) لانصراف أدلة التعليق المبطل عن مثله لأن عمدة دليلهم على كونه مبطلا الإجماع و المتيقن منه غير المقام مع أن التعليق على مقتضيات العقد ليس من التعليق المبطل في شي ء.

(20) لأن كل ذلك و نظائره من التعليق على مقتضى العقد و لا دليل على كونه مبطلا من عقل أو نقل.

(21) للأصل و العموم و الإطلاق، لأن المملوك محجور عن التصرفات المالية لا أن يكون محجورا عن بيان كل ما فيه غرض صحيح عقلائي كما هو واضح.

(22) و هو صحيح أبي ولاد قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من قتل نفسه متعمدا فهو في نار جهنم خالدا فيها، قلت: أرأيت إن كان أوصى بوصية ثمَّ قتل نفسه من ساعته تنفذ وصيته؟ قال: إن كان أوصى قبل أن يحدث حدثا في نفسه من جراحة أو قتل أجزيت وصيته في ثلثه، و إن كان أوصى بوصية بعد ما أحدث في نفسه من جراحة أو قتل لعله يموت لم تجز وصيته» (1). و أما التعليل بأن قتله لنفسه أمارة سفهه، و أنه غير مستقرة الحياة، و أن القاتل يمنع عن الميراث فيمنع عن الوصية أيضا.

ص: 169


1- الوسائل باب: 52 من أبواب الوصايا الحديث: 1.

لابن إدريس (23). و تبعه بعض (24) و القدر المنصرف إليه الإطلاق الوصية بالمال (25)، و أما الوصية بما يتعلق بالتجهيز و نحوه مما لا تعلق له بالمال فالظاهر صحتها (26)، كما أن الحكم مختص بما إذا كان فعل ذلك عمدا لا سهوا أو خطأ- و برجاء أن يموت- لا لغرض آخر (27) و على

______________________________

باطل. إذ الأول خلاف المحسوس إلا إذا أريد اصطلاحا خاصا في السفه كما قد يطلق على شارب الخمر و من يبالغ في حب الدنيا- كما تقدم في كتاب الحجر- و لكنه لا ربط له بالسفه المشهور بين الفقهاء الذي جعلوه من موجبات الحجر، و الثاني لا دليل على اعتباره بعد أن صدرت الوصية جامعة للشرائط في حال الحيوة كما هو المفروض كما إذا أوصى فمات فجأة بعد تمام الوصية. و الأخير قياس كما هو معلوم.

(23) استدل على الصحة بوجود المقتضي لها و فقد المانع عنها بعد تحقق الحيوة و العقل كما هو المفروض، و بما ورد في القرآن من النهي عن تبديل الوصية (1)، و لا يجوز تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد و فيه: أنه اجتهاد في مقابل النص المتقدم، و قد أثبتنا في الأصول صحة تخصيص عمومات الكتاب و تقييد إطلاقاته بالخبر الواحد المعتبر فلا وجه لأصل البناء و المبنى.

(24) نفى البأس عنه العلامة في المختلف و استحسنه الشهيد في الروضة و كل ذلك مخالف للدليل الصحيح الصريح.

(25) لعمومات أدلة صحة الوصية و إطلاقاتها و أصالة الصحة، و ظاهر صحيح أبي ولاد هو المال «أجيزت وصيته في ثلثه» (2)، و لا نحتاج إلى التمسك بالقدر المتيقن و الانصراف.

(26) لأصالة الصحة و الإطلاق و ظهور الاتفاق.

(27) اما اعتبار التعمد و رجاء أن يموت فلذكرهما في الصحيح، و أما عدم

ص: 170


1- سورة البقرة: 181.
2- الوسائل باب: 52 من أبواب الوصايا.

وجه العصيان (28) لا مثل الجهاد في سبيل اللّه (29). و بما لو مات من ذلك (30) و أما إذا عوفي ثمَّ أوصى صحت وصيته بلا إشكال (31) و هل تصح وصيته قبل المعافاة؟ إشكال (32) و لا يلحق التنجيز بالوصية (33) هذا و لو أوصى قبل أن يحدث في نفسه ذلك ثمَّ أحدث صحت وصيته (34)، و إن كان حين الوصية بانيا على أن يحدث ذلك بعدها، للصحيح المتقدم، مضافا إلى العمومات.

______________________________

الأثر للقتل سهوا أو خطأ فللإجماع بل الضرورة المذهبية مضافا إلى الأصل و الإطلاق.

(28) لظاهر ما مر من الصحيح مضافا إلى ظهور الإجماع و أصالة الصحة في غيره.

(29) للإجماع بل الضرورة الدينية.

(30) لظهور الصحيح و الاتفاق في اعتباره و الرجوع في غيره إلى الأصل و الإطلاق.

(31) لوجود المقتضي للصحة و فقد المانع عنها حينئذ.

(32) من صدق أنه لم يمت فعلا فتصح وصيته. و من احتمال أن يكون المراد إيجاد سبب الموت و تحقق المعرضية العرفية له أيضا و الاحتياط في تجديد الوصية.

(33) للأصل و الإطلاق و ظهور الاتفاق.

(34) لإطلاق الأدلة و إجماع الأجلّة و ما مر من التفصيل في الصحيح (1)، مضافا إلى أصالة الصحة و إطلاق الجميع يشمل ما إذا كان حين الوصية بانيا على أن يقتل نفسه بعد ذلك.

ص: 171


1- تقدم في صفحة: 169.

فصل في القيم

اشارة

فصل في القيم

مسألة 11: يصح لكل من الأب و الجد الوصية بالولاية على الأطفال

(مسألة 11): يصح لكل من الأب و الجد الوصية بالولاية على الأطفال (1). مع فقد الآخر، و لا تصح مع وجوده (2) كما لا يصح ذلك لغيرهما حتى الحاكم الشرعي فإنه بعد فقدهما (3) له الولاية عليهم ما دام حيا (4).

______________________________

(1) و هذا هو الذي يسمى ب (القيم) عند المتشرعة و تدل عليه السيرة المستمرة قديما و حديثا، و الإجماع و النصوص الكثيرة الواردة في الأبواب المتفرقة منها صحيح ابن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه سأل على رجل أوصى إلى رجل بولده و بمال لهم و أذن له عند الوصية أن يعمل بالمال و أن يكون الربح بينه و بينهم؟ فقال: لا بأس به من أجل أن أباه قد أذن له في ذلك و هو حي» (1)، مضافا إلى انه لا معنى لولايته إلا ذلك كما هو واضح.

(2) لظهور الإجماع، و لأنه مع وجود ولي في البين لا موضوع للوصية إلى الأجنبي في الولاية على الطفل و لا إطلاق في أدلة الوصاية في الولاية حتى يشمل الفرض، بل الشك في شمولها لمثل الفرض يكفي في عدم صحة التمسك بها، لأنه تمسك بالدليل في الموضوع المشكوك بل الظاهر أن متعارف المتشرعة لا يقدمون على ذلك بل يستنكرونه.

(3) و فقد الوصي لأحدهما أيضا إذ لا ولاية للحاكم الشرعي مع وجود الوصي.

(4) للإجماع، و للنصوص (2)، الدالة على أن للحاكم الشرعي الولاية على

ص: 172


1- الوسائل باب: 92 من أبواب الوصايا.
2- راجع الروايات في الوافي كتاب الحسبة للفيض الكاشاني المجلد التاسع.

و ليس له أن يوصي بها لغيره بعد موته فيرجع الأمر بعد موته إلى الحاكم الآخر (5)، فحاله حال كل من الأب و الجد مع وجود الآخر و لا ولاية في ذلك للأم (6) خلافا لابن الجنيد حيث جعل لها بعد الأب إذا كانت رشيدة، و على ما ذكرنا فلو أوصى للأطفال واحد من أرحامهم أو غيرهم بمال و جعل أمره إلى غير الأب و الجد و غير الحاكم لم تصح (7)، بل يكون للأب و الجد مع وجود أحدهما و للحاكم مع فقدهما (8).

نعم، لو أوصى لهم على أن يبقى بيد الوصي ثمَّ يملكه لهم بعد بلوغهم أو على أن يصرفه عليهم من غير أن يملكهم يمكن أن يقال

______________________________

الأمور الحسبية و المقام من أهمها كما هو واضح.

(5) لأنه مع وجود حاكم شرعي آخر لا يتحقق موضوع الوصاية أصلا لأن ولاية حكام الشرع نوعية صنفية لا أن تكون فردية شخصية، و حينئذ تكون وصاية من مات من الحاكم الشرعي مع وجود الآخر كوصاية كل واحد من الأب و الجد مع وجود الآخر حيث أنه لا أثر لها كما مر و يأتي.

(6) للأصل بعد عدم دليل على ثبوت الولاية لها مضافا إلى ظهور الإجماع إلا من ابن الجنيد و عدم الدليل له و شذوذه يغني عن التعرض لرده و كم له من هذه الفتاوي الشاذة.

(7) لما مر من عدم الولاية لأحد على الأطفال غير الأب و الجد و الحاكم مع فقدهما فلا يجوز لمن جعل الأمر إليه التصرف في المال و لو في مصالح الأطفال، و لكن الوصية صحيحة لأن بطلان الوصاية إلى أحد لا يستلزم بطلان أصل الوصية لأنهما أمران مختلفان كما هو معلوم.

(8) لأن بطلان الوصاية يصير المورد موضوعا للحكم الشرعي و هو يقتضي ذلك.

ص: 173

بصحته (9)، و عدم رجوع أمره إلى الأب و الجد أو الحاكم (10).

______________________________

(9) لأنها حينئذ ليست من الوصية بالولاية على الطفل و جعل القيّم له بل هو من الوصية بصرف المال في مورد خاص و لا إشكال في صحتها فلا وجه لقوله: «يمكن أن يقال بصحته».

(10) لانتفاء موضوع الرجوع إليهم لعدم كونها من الوصية بالولاية حتى تصل النوبة إليهم.

ص: 174

فصل في الموصى به

اشارة

فصل في الموصى به تصح الوصية بكل ما يكون فيه غرض عقلائي محلل من عين أو منفعة أو حق قابل للنقل، و لا فرق في العين بين أن تكون موجودة فعلا أو قوة فتصح بما تحمله الجارية أو الدابة أو الشجرة، و تصح بالعبد الآبق منفردا (1) و لو لم يصح بيعه إلا بالضميمة (2)، و لا تصح بالمحرمات كالخمر و الخنزير و نحوهما و لا بآلات اللهو (3)، و لا بما لا نفع فيه و لا غرض عقلائي كالحشرات و كلب الهراش (4)، و أما كلب الصيد فلا مانع منه، و كذا كلب الحائط و الماشية و الزرع و إن قلنا بعدم مملوكية ما عدا كلب الصيد (5) إذ يكفي وجود الفائدة فيها، و لا تصح بما لا يقبل النقل من

______________________________

(1) كل ذلك للعمومات و الإطلاقات و ظهور الإجماع و إرسال الفقهاء ذلك كله إرسال المسلمات.

(2) لاختصاص اعتبار الضميمة بخصوص البيع و لا وجه لإلحاق المقام به بعد تحقق الغرض الصحيح في الوصية و لو بلا ضميمة.

(3) كل ذلك للإجماع بل الضرورة المذهبية إن لم تكن دينية.

نعم، لو فرض فيها غرض صحيح غير منهي عنه شرعا تصح الوصية لأجل ذلك الغرض، للعموم و الإطلاق.

(4) لإجماع العقلاء فضلا عن الفقهاء على عدم الوصية بما ليس فيه غرض صحيح فتكون لغوا لا محالة.

(5) لأن المناط في صحة الوصية وجود الغرض العقلائي في الموصى به سواء كان مملوكا أو لا.

ص: 175

الحقوق كحق القذف و نحوه (6)، و تصح بالخمر المتخذ للتخليل (7)، و لا فرق في عدم صحة الوصية بالخمر و الخنزير بين كون الموصي و الموصى له مسلمين أو كافرين أو مختلفين لأن الكفار أيضا مكلفون بالفروع.

نعم، هم يقرون على مذهبهم (8) و إن لم يكن عملهم صحيحا (9)، و لا تصح الوصية بمال الغير (10) و لو أجاز ذلك الغير إذا أوصى لنفسه.

نعم، لو أوصى فضولا عن الغير احتمل صحته إذا أجاز (11).

______________________________

(6) لتقوم الوصية التمليكية بالنقل فما لا يقبله لا موضوع للوصية فيه.

نعم، تصح الوصية العهدية إن فرض وجود أثر صحيح فيها.

(7) لأن أولها إلى التخليل غرض صحيح وجدانا بلا احتياج فيه إلى الدليل ثمَّ انه ليست الفائدة المحللة للخمر منحصرة بالتخليل بل لها فوائد محللة أخرى أيضا كما لا يخفى على الخبير.

(8) هاتان القاعدتان أي «قاعدة الكفار مكلفون بالفروع كتكليفهم بالأصول» و قاعدة «تقرير المذاهب على مذهبهم بالنسبة إلينا» من القواعد المسلمة عندنا، و تدل على الثانية نصوص كثيرة في أبواب متفرقة (1)، و تعرضنا للقاعدة الأولى في هذا الكتاب (2)، فراجع.

(9) لاشتراط الصحة بالإسلام و الإيمان و مع فقد الشرط ينتفي المشروط بلا إشكال و جواز ترتب أثر الصحة بالنسبة إلينا أعم من الصحة الواقعية كما هو واضح.

(10) للإجماع بل الضرورة الفقهية.

(11) الوصية الفضولية على أقسام.

الأول: عن الغير للغير كأن يقول مال زيد لعمرو بعد وفاة زيد.

ص: 176


1- راجع الوسائل باب: 4 من أبواب ميراث الاخوة و باب: 3 من أبواب ميراث المجوس.
2- راجع ج: 11 صفحة: 42.

مسألة 1: يشترط في نفوذ الوصية كونها بمقدار الثلث أو بأقل منه

(مسألة 1): يشترط في نفوذ الوصية كونها بمقدار الثلث أو بأقل منه (12)، فلو كانت بأزيد بطلت في الزائد إلا مع إجازة الورثة بلا

______________________________

الثاني: عن الغير لنفسه بعد وفاة صاحب المال، و مقتضى كون الفضولي مطابقا للقاعدة صحتهما بعد الإجازة، خصوصا بعد بناء الوصية على التسهيل سيما بعد ثبوت السيرة في بعض الأقسام المتداولة بين أهل القرى و العوام من أن عالم المحل يكتب الوصية لشخص من أصدقائه و يأتي بها إليه فيجيز و ينفذ، و لا مانع في البين إلا دعوى الانصراف و تحقق التعليق و هو يوجب البطلان، و لا وجه للأول بعد كونه بدويا و لا الثاني لكون التعليق على الصحة و هي من لوازم العقد و مقتضياته.

الثالث: عن نفسه لنفسه ثمَّ تراضيا مع الغير لتكون هذه الوصية له، و في جميع الأقسام يتوقف على الإجازة لتقوم الفضولي على ذلك هذا بناء على اعتبار القبول في الوصية، و أما بناء على عدم اعتبار القبول فيها، فإن قلنا بجريان الفضولية في الإيقاعيات أيضا فتصح بل الأمر هنا أوضح لأن الإنفاذ و الإجازة إيصاء، و ان قلنا بالعدم فيصح أن يجعل نفس الإجازة الجامعة لحدود الوصية و قيودها وصية مستقلة، و لكن مع ذلك كله لا بد من مراعاة الاحتياط لعدم الاعتناء بالفضولي، و إنشاء الوصية مستقلا.

(12) إجماعا و نصوصا مستفيضة إن لم تكن متواترة منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في الموثق: «الميت أحق بماله ما دام فيه الروح يبيّن به فإن أوصى به فليس له إلا الثلث» (1)، و عنه عليه السّلام أيضا قال: «كان البراء بن معرور الأنصاري بالمدينة و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بمكة، و أنه حضره الموت و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و المسلمون يصلون إلى بيت المقدس فأوصى البراء بن معرور إذا دفن أن

ص: 177


1- الوسائل باب: 17 من أبواب الوصايا الحديث: 7.

إشكال (13) و ما عن علي بن بابويه- من نفوذها مطلقا على تقدير ثبوت النسبة- شاذ (14)، و لا فرق بين أن يكون بحصة مشاعة من التركة أو بعين معينة (15) و لو كانت زائدة و أجازها بعض الورثة دون بعض نفذت في حصة المجيز فقط (16)، و لا يضر التبعيض كما في سائر العقود فلو خلف ابنا و بنتا و أوصى بنصف تركته فأجاز الابن دون البنت كان للموصى له ثلاثة إلا ثلث من ستة و لو انعكس كان له اثنان و ثلث من ستة.

______________________________

يجعل وجهه تلقاء النبي صلّى اللّه عليه و آله إلى القبلة و أوصى بثلث ماله فجرت به السنة» (1)، و في رواية أبي بصير عن الصادق عليه السّلام: «في الرجل له الولد يسعه أن يجعل ماله لقرابته؟ قال عليه السّلام: هو ماله يصنع به ما شاء إلى أن يأتيه الموت فإن أوصى به فليس له إلا الثلث» (2)، إلى غير ذلك من النصوص المعروفة بين الفريقين.

(13) للإجماع بل الضرورة الفقهية ففي رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «رجل أوصى بأكثر من الثلث و أعتق مماليكه في مرضه، فقال عليه السّلام:

إن كان أكثر من الثلث رد إلى الثلث و جاز العتق» (3)، و مثله غيره.

(14) و لعله رحمه اللّه اعتمد على قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في موثق عمار: «الرجل أحق بماله ما دام فيه الروح إذا أوصى به كله فهو جائز» (4)، و مثله غيره و لكن لا وجه للاعتماد عليه مع هجر الأصحاب عنه و معارضته بما هو أقوى منه كما تقدم و إمكان حمله على الوصية بالواجبات المالية.

(15) لظهور الإطلاق و الاتفاق على عدم الفرق بينهما.

(16) لوجود المقتضي لنفوذها فيها و فقد المانع عنه حينئذ فلا بد من النفوذ، و الأقسام أربعة.

ص: 178


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الوصايا الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب الوصايا الحديث: 6.
3- الوسائل باب: 67 من أبواب الوصايا الحديث: 4.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب الوصايا الحديث 19.

مسألة 2: لا يشترط في نفوذها قصد الموصي كونها من الثلث

(مسألة 2): لا يشترط في نفوذها قصد الموصي كونها من الثلث الذي جعله الشارع له (17) فلو أوصى بعين غير ملتفت إلى ثلثه و كانت بقدره أو أقل صحت (18)، و لو قصد كونها من الأصل أو من ثلثي الورثة و بقاء ثلثه سليما مع وصيته بالثلث سابقا أو لا حقا بطلت مع عدم إجازة الورثة (19)، بل و كذا إن اتفق أنه لم يوص بالثلث أصلا لأن الوصية المفروضة مخالف للشرع و إن لم تكن حينئذ زائدة على الثلث (20).

______________________________

الأول: إجازة الجميع للجميع.

الثاني: إجازة الجميع للبعض.

الثالث: إجازة البعض للبعض.

الرابع: إجازة البعض للجميع كما إذا كان للموصي ابن و بنت و أوصى لزيد بنصف ماله قسمت التركة ثمانية عشر و نفذت في ثلثها و هو ستة، و في الزائد و هو ثلاثة احتاج إلى إمضاء الابن و البنت فإن أمضيا معا يصير من القسم الأول و نفذت في تمامها و إن امضى الابن دون البنت يصير من القسم الرابع نفذت في الاثنين و بطلت في واحد، فكان للموصى له ثمانية و إن كان بالعكس كان بالعكس و كان للموصى له سبعة و كيف كان فالأقسام جميعها صحيحة كما عرفت.

(17) لأن الحكم مع تحقق موضوعه في الواقع انطباقي قهري لا أن يكون قصديا اختياريا إلا مع القرينة على الخلاف.

(18) لتحقق الموضوع فيترتب عليه الحكم قهرا.

(19) لفرض أنه عيّن الموصي في غيره ثلثه فلا بد من البطلان مع عدم إجازة الورثة.

(20) مع عدم كونها حينئذ زائدة عن الثلث كيف تكون باطلة خصوصا مع جهل الموصي بالحكم.

ص: 179

نعم، لو كانت في واجب نفذت لأنه يخرج من الأصل (21) إلا مع تصريحه بإخراجه من الثلث.

مسألة 3: إذا أوصى بالأزيد أو تمام تركته و لم يعلم كونها في واجب

(مسألة 3): إذا أوصى بالأزيد أو تمام تركته و لم يعلم كونها في واجب (22) حتى تنفذ أو لا حتى يتوقف الزائد على إجازة الورثة فهل الأصل النفوذ إلا إذا ثبت عدم كونها بالواجب، أو عدمه إلا إذا ثبت كونها بالواجب؟ وجهان، ربما يقال بالأول و يحمل عليه ما دل من الأخبار (23) على أنه إذا أوصى بماله كله فهو جائز و أنه أحق بماله ما دام فيه الروح، لكن الأظهر الثاني لأن مقتضى ما دل على عدم صحتها إذا كانت أزيد من ذلك و الخارج منه كونها بالواجب و هو غير معلوم (24).

______________________________

نعم، كان في مقام التشريع في التسبيب مطلقا لا أن يكون من الخطأ في التطبيق تبطل حينئذ من جهة أن السبب المشرّع فيه كالعدم.

(21) إجماعا و نصوصا كما سيأتي في مستقبل الكلام ما يتعلق بالمقام.

(22) أي واجب مالي كما يأتي.

(23) القول المذكور ساقط و حمل الأخبار (1)، عليه بلا شاهد بل على خلافه الشواهد.

(24) يعني ان الإخراج من الأصل علّق على أمر وجودي و هو كون الموصى به واجبا ماليا و كل ما علق الحكم على أمر وجودي لا بد من إحراز ذلك الأمر الوجودي لتقوم الحكم بإحراز الموضوع، و مع عدم إحرازه لا وجه لترتب الحكم لكونه من الحكم بلا موضوع، و هذه قاعدة تجري في جملة من الموارد فلا وجه للإخراج من الأصل مع الشك، مع أن ظاهر حال المسلم الإتيان بالواجبات المالية إلا مع قرينة معتبرة على الخلاف.

ص: 180


1- تقدم في صفحة: 178.

نعم، إذا أقر بكون ما أوصى به من الواجب عليه يخرج من الأصل (25)، بل و كذا إذا قال أعطوا مقدار كذا خمسا أو زكاة أو نذرا أو نحو ذلك و شك في أنها واجبة عليه أو من باب الاحتياط المستحبي فإنها أيضا تخرج من الأصل، لأن الظاهر من الخمس و الزكاة الواجب منهما و الظاهر من كلامه اشتغال ذمته بهما (26).

______________________________

و أما ما يقال من جريان أصالة الصحة في الوصية و إن لنا مقامان مقام الحكم الواقعي و مقام الحكم الظاهري (لا وجه له)، لأن الكلام في الاستظهار من الأدلة و الماتن استظهر من الأدلة عدم ثبوت الوصية بالنسبة إلى الأصل فلا يبقى موضوع لأصالة الصحة مع استظهار عدمها من الأدلة اللفظية. و أما تطويل الكلام في الحكم الواقعي و الظاهري فلا ربط له أيضا بالمقام بعد فرض البحث مما وصلت إلينا من الأدلة.

(25) لأنه إقرار بالدين و مقتضى الإجماع و النصوص (1)، ترتب الأثر عليه ما لم يعلم خلافه بل تشمله قاعدة «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»، و ما يقال:

من أن المقام إقرار في حق الغير لا في حق نفسه حتى يقبل.

مدفوع: بأن حق الغير إنما يأتي بعد أداء الديون فهو مترتب على إخراجها.

(26) و الوجه في كل ما ذكر واضح لأن ظواهر الألفاظ معتبرة و تترتب عليها الآثار في الوصايا و الأقارير و الأوقاف، و ظاهر اللفظ كون ذلك كله من الواجبات إلا مع القرينة على الخلاف و هو مفقود خصوصا في هذا الزمان الذي استولى الفساد على أهله فيتسامحون بالوصية بالواجبات فضلا عن الزكاة المندوبة، فالقرينة الحالية أيضا ظاهرة في الحق الواجب.

ص: 181


1- راجع الوسائل باب: 16 من أبواب الوصايا.

مسألة 4: إذا أجاز الوارث بعد وفاة الموصي فلا إشكال في نفوذها

(مسألة 4): إذا أجاز الوارث بعد وفاة الموصي فلا إشكال في نفوذها و لا يجوز له الرجوع في إجازته (27)، و أما إذا أجاز في حياة الموصي ففي نفوذها و عدمه قولان أقواهما الأول- كما هو المشهور- للأخبار (28)

______________________________

(27) أما نفوذ أصل الإجازة فلوقوعها عن أهلها و في محلها فلا بد من النفوذ و إلا يلزم تخلف المعلول عن العلة التامة و هو محال، مضافا إلى الإجماع و السيرة.

و أما عدم جواز الرجوع في الإجازة فللأصل و الإجماع و انقطاع علقته عما أجاز بسبب الإجازة و عودها يحتاج إلى دليل و هو مفقود مع أن الإجازة هنا في معنى إسقاط الحق مطلقا، مضافا إلى فحوى ما يأتي من صحيح ابن مسلم من عدم صحة الرجوع بعد الإجازة في زمان الحيوة و يستفاد ذلك من صحيح أحمد بن محمد قال: «كتب أحمد بن إسحاق إلى أبي الحسين عليه السّلام: أن درّة بنت مقاتل توفيت و تركت ضيعة أشقاصا في مواضع، و أوصت لسيدنا في أشقاصها بما يبلغ أكثر من الثلث و نحن أوصياؤها و أحببنا إنهاء ذلك إلى سيدنا فإن أمرنا بإمضاء الوصية على وجهها أمضيناها و إن أمرنا بغير ذلك انتهينا إلى أمره في جميع ما يأمر به إن شاء اللّه؟ قال فكتب عليه السّلام بخطه: ليس يجب لها في تركتها إلا الثلث و إن تفضلتم و كنتم الورثة كان جائزا لكم إن شاء اللّه» (1).

(28) كصحيح ابن مسلم عن الصادق عليه السّلام: «في رجل أوصى بوصية و ورثته شهود فأجازوا ذلك فلما مات الرجل تقضوا الوصية، هل لهم أن يردّوا ما أقروا به؟ فقال: ليس لهم ذلك، و الوصية جائزة عليهم إذا أقروا بها في حياته» (2)، و كذا في صحيح ابن حازم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أوصى بوصية

ص: 182


1- الوسائل باب: 11 من أبواب الوصايا الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب الوصايا الحديث: 1.

المؤيدة باحتمال كونه ذا حق في الثلاثين (29)، فيرجع إجازته إلى إسقاط حقه (30) كما لا يبعد استفادته من الأخبار الدالة على أن ليس للميت من ماله إلا الثلث (31) هذا و الإجازة من الوارث تنفيذ لعمل الموصي (32)

______________________________

أكثر من الثلث و ورثته شهود فأجازوا ذلك له؟ قال عليه السّلام: جائز»(1)، إلى غير ذلك من الروايات.

(29) أي حق اقتضائي استعدادي فعلا من حيث الاقتضاء قابل للإسقاط في الجملة لا الحق الفعلي من كل حيثية و جهة، و ثبوت هذا الحق الاقتضائي لعله من المرتكزات عند الناس.

(30) فالأخبار المتقدمة وردت مطابقة للقاعدة لا أن تكون مخالفة لها.

(31) هذه الأخبار مستفيضة إن لم تكن متواترة كما تقدم بعضها (2)، و حيث أن المال مردد بين الموصي و الوارث و ان الثلث للميت و الباقي للوارث و احتمال شي ء آخر خلاف المرتكزات في مثل هذه التعبيرات. و يمكن استفادة هذا الحق الاقتضائي من آيات الإرث (3)، حيث عبر فيها بكلمة (اللام) الظاهر في الاختصاص لطبيعي الوارث مطلقا بحسب الذات و الاقتضاء.

نعم، يصل هذا الحق إلى مرتبة الفعلية بعد موت المورّث.

(32) لأنه المنسبق منها إلى أذهان الأنام من الإجازات الواقعة منهم في نظائر المقام و احتمال غيره ليس إلا من مجرد تشكيك الاعلام، و تقدم في المسألة التاسعة و العشرين من المضاربة أقسام الإجازة فراجع.

ثمَّ ان الإجازة ليست على الفور للأصل بعد عدم دليل في المقام على الفورية كما أنه لا يكتفى فيها بمجرد الرضاء الباطني لفرض كونها تنفيذا فلا بد لها من مظهر في البين من قول أو فعل يدل عليه.

ص: 183


1- الوسائل باب: 13 من أبواب الوصايا الحديث: 2.
2- تقدم في صفحة: 178.
3- سورة النساء الآيات: 11 و 12 و غيرها.

و ليست ابتداء عطية من الوارث (33)، فلا ينتقل الزائد إلى الموصى له من الوارث بأن ينتقل إليه بموت الموصى أولا ثمَّ ينتقل إلى الموصى له بل و لا بتقدير ملكه، بل ينتقل إليه من الموصي من الأول (34).

مسألة 5: ذكر بعضهم أنه لو أوصى بنصف ماله مثلا فأجاز الورثة ثمَّ قالوا ظنا أنه قليل

(مسألة 5): ذكر بعضهم (35) أنه لو أوصى بنصف ماله مثلا فأجاز الورثة ثمَّ قالوا ظنا أنه قليل قضي عليهم بما ظنوه و عليهم الحلف على الزائد (36)، فلو قالوا ظننا أنه ألف درهم فبان أنه ألف دينار قضي عليهم

______________________________

(33) للأصل و شهادة العرف بذلك بل الوجدان حيث لا يجد المجيز من نفسه إعطاء الموصى له شيئا، بل أزال المانع عن وصول مال الموصي إلى الموصى له فلو أطلق الإعطاء بالنسبة إلى المجيز يكون الإطلاق بالعرض و المجاز، و لا بأس به مسامحة و لكنه ليس موضوع الأحكام الذي ذكروها في العطية.

(34) لأن النقل و الانتقال انما هو بين الموصي و الموصى له و الإجازة تثبيت لنقل الموصى به إلى الموصى له لا أن يكون إنشاء تمليك من المجيز، فلا موضوع لملك المجيز و لا لتصوير الملك له أصلا.

(35) يظهر ذلك عن جمع منهم المحقق في الشرائع.

(36) أما سماع الدعوى فلوجود المقتضي من ثبوت الأثر له و فقد المانع عنه كما يأتي. أما الحلف فلأن فصل الخصومة لا يكون إلا بالبينة أو الحلف، و حيث لا بنية في المقام كما هو المفروض فلا بد من حلف المنكر إما لأنه لا يعرف إلا من قبله فلا بد من تحليفه لفصل الخصومة، أو لكون قوله مطابقا للأصل أي أصالة عدم وقوع الإجازة على الزائد عما يعترفون، لأن الإجازة منبسطة على جميع المال ففي كل جزء منه شك في تعلقها به فتدفع بالأصل أو لأصالة عدم علمهم بالزيادة و الكل صحيح.

و الإشكال على الأخير بأنه لا أثر له لأن الوارث أجاز النصف كائنا ما كان.

ص: 184

بصحة الإجازة في خمسمائة درهم و أحلفوا على نفي ظن الزائد (37)، فللموصى له نصف ألف درهم من التركة و ثلث البقية (38)، و ذلك لأصالة عدم تعلق الإجازة بالزائد و أصالة عدم علمهم بالزائد، بخلاف ما إذا أوصى بعين معينة كدار أو عبد فأجازوا ثمَّ ادعوا أنهم ظنوا أن ذلك أزيد من الثلث بقليل فبان أنه أزيد بكثير فإنه لا يسمع منهم ذلك (39)، لأن إجازتهم تعلقت بمعلوم (40) و هو الدار أو العبد، و منهم من سوّى بين المسألتين في

______________________________

ساقط: لأن هذا هو عين الدعوى و المدعى و النزاع في أن الوارث يقول:

إني لو زعمت أن المال كان أزيد مما زعمت لما أجزت. فتجري أصالة عدم العلم بالزائد.

نعم، أصالة عدم تعلق الإجازة بالزائد كالأصل الموضوعي و مع جريانها لا تصل النوبة إلى أصالة عدم العلم بالزيادة كما لا يخفى إلا أن ترجع الثانية إلى الأولى في الواقع و كان الاختلاف في مجرد التعبير و لعله كذلك.

(37) الحلف على عدم تعلق الإجازة بالزائدة أولى من هذا و لعل ذلك يرجع إلى الحلف على عدم إجازة الزائد.

(38) فيعطى ثلث ألف دينار بالوصية و سدس الالف درهم بالإجازة جمعا بين أصل الوصية و بين ما أجازوه بزعمهم.

(39) منشأ عدم سماع الدعوى إما عدم الأثر له أو فقده لشرائط السماع منه كأن يكون مجنونا أو غير بالغ أو منافيا لإقراره، و الأولان مفروض الانتفاء و مرجع تحقق الثاني إلى فهم المتعارف من أهل المحاورة، فإن فهموا الثاني لا يقبل و إلا فيقبل و إذا راجعناهم لا يحكمون بالتنافي بين الإجمال بزعم ثمَّ التفصيل و التفسير بعد التأمل و التدبير، و كذا بين الإطلاق بزعم ثمَّ التقييد، بعد تبين الواقع إلا مع وجود قرينة معتبرة على الخلاف فيؤخذ بالإقرار الأول و يترك ما ينافيه.

(40) إن كان المراد بالمعلوم المعلوم الاعتقادي فهو متحقق في كل واحد

ص: 185

القبول (41) و منهم من سوى بينهما في عدم القبول، و هذا هو الأقوى (42) أخذا بظاهر كلامهم في الإجازة (43) كما في سائر المقامات كما إذا أقر بشي ء ثمَّ ادعى أنه ظن كذا أو وهب أو صالح أو نحو ذلك ثمَّ ادعى أنه ظن كذا فإنه لا يسمع منه (44)،

______________________________

منهما، و إن كان المراد بالمعلوم الواقعي فهو غير متحقق في كل واحد منهما فلا وجه لهذا التعليل.

(41) استوجهه جمع منهم و أفتى به بعض مشايخنا (1).

(42) بل الأقوى هو الأول لثبوت المقتضي للسماع في كل منهما، و فقد المانع كما يأتي فلا بد من السماع فيهما بلا فرق بينهما أما ثبوت المقتضي فلم يستشكل فيه أحد و إنما الإشكال في إبداء المانع، و يأتي التعرض لذكر المانع و الإشكال فيه.

(43) هذا هو المانع الذي ذكروه لعدم السماع و خلاصته: أن ظهور اللفظ معتبر ما لم تكن قرينة على الخلاف و هي مفقودة في المقام.

و فيه: أنه لا وجه لاستقرار الظهور مع التفسير و البيان و لا ريب عند أهل العرف و المحاورة أن ما ذكروه بعد إنشاء الإجازة من بيان اعتقادهم في القلة و نحوها تفسير و بيان و قرينة على الخلاف، لإطلاق ما أنشأ أولا فكيف يؤخذ بإطلاق المنشإ مع هذا البيان و الشرح و القرينة، مع أن بناء مثل هذه الإجازات على تتميم إجازاتهم و إلحاق أشياء بها و لو بعد مدة.

نعم، لو كانت قرينة معتبرة في البين على عدم صحة مثل هذا الشرح و البيان و القرينة التي ألحقت بالإجازة تعمل بالقرينة لا محالة، و في التأمل في المحاورات العرفية غنى و كفاية.

(44) هذا هو المانع الثاني لعدم السماع و ذكره في الجواهر أيضا.

ص: 186


1- الفقيه السيد أبو الحسن الأصبهاني قدّس سرّه.

بل الأقوى عدم السماع (45) حتى مع العلم بصدقهم في دعواهم (46).

______________________________

و خلاصته انه من تعقيب الإقرار بالمنافي و لا يسمع ذلك في الأقارير و نحوها.

و فيه: أن المنافي للإقرار و نحوه على أقسام.

الأول: ما يكون منافيا له عرفا من غير دعوى الشرح و التفصيل و التبين و لا يسمع ذلك، لاستقرار ظهور الإقرار فلا يبطل إلا بحجة معتبرة على الخلاف.

الثاني: ما إذا كان من قبيل بيان الكلام و تفسير المرام الذي يكون مرجعه إلى عدم استقرار ظهور الكلام و إطلاقه بعد، و مقتضى المحاورات القبول حينئذ.

الثالث: الشك في أنه من أي القسمين و مقتضى القاعدة أن يلحق ذلك بالقسم الثاني لأنه يصح لكل متكلم أن يلحق بكلامه ما شاء و متى شاء ما لم يستنكره أهل الأذهان السليمة و الأفهام المستقيمة.

ثمَّ ان دعوى الشرح و التفصيل لا بد و ان يثبت بأمارة معتبرة و لا يعتمد عليه بمجرد الدعوى خصوصا مع القرينة على الخلاف. هذه خلاصة ما ينبغي أن يقال في نظائر المقام و من اللّه الاعتصام، و أما الكلمات فهي متشتتة و بين إفراط و تفريط و جميعها ليست إلا من الظنون الاجتهادية لا من نقل الحجة المعتبرة من إجماع أو غيره، و من شاء العثور عليها فليراجع المطولات.

(45) بل يسمع على التفصيل الذي تقدم.

(46) هذا إفراط من القول بغير دليل عليه من عقل أو نقل و غاية ما استدل عليه ما عن بعض مشايخنا (1)، في موارد من بحثه الشريف و حواشيه على الكتاب و تبعه بعض المعاصرين من أن إحراز الصدق داع للإنشاء لا أن يكون قيدا له و تخلف الداعي لا يضر بالأخذ بظاهر لفظ المنشأ بخلاف تخلف القيد فإنه يضر به كما هو معلوم.

و فيه: أن التحديد و التقييد متحقق وجدانا في العلم بالصدق و في صورة

ص: 187


1- هو المحقق النائيني قدّس سرّه.

إلا إذا علم كون إجازتهم مقيدة بكونه بمقدار كذا (47) فيرجع إلى عدم الإجازة و معه يشكل السماع فيما ظنوه أيضا (48).

مسألة 6: المدار في اعتبار الثلث على حال وفاة الموصي

(مسألة 6): المدار في اعتبار الثلث على حال وفاة الموصي (49) لا حال الوصية (50) بل على حال حصول قبض الوارث للتركة (51). إن لم تكن بيدهم حال الوفاة (52) فلو أوصى بحصة مشاعة كالربع أو الثلث

______________________________

التقييد الظاهري إلا أن طريق إحراز التقييد تارة لفظي و أخرى لبي واقعي علمي، و لا فرق بينهما في المحاورات المعتبرة و لا وجه بجعل الأول من التفسير و الأخير من الداعي كما هو واضح بعد التأمل.

و بعبارة أوضح أن الداعي إنما يلحظ في ناحية العلة الغائية و العلم بالحدود و القيود انما يلحظ في ناحية فاعلية الفاعل و متممات الموضوع و بينهما بون بعيد.

(47) مع العلم بصدقهم يحصل هذا العلم لتلازم العلمين غالبا.

(48) إن انطبق ما ظنوه على المقيد لا إشكال في الصحة و الإشكال فيما زاد عليه.

(49) لأنه المنساق عرفا من الوصية و التركة و نحوهما مما يتعلق بما بعد الموت مضافا إلى الإطلاق و ظهور الاتفاق.

(50) إجماعا منهم و يقتضيه العرف و الاعتبار أيضا.

(51) لأنه يمكن أن يتجدد للميت مال بعد موته كالدية فإنها على حكم مال الميت يخرج ثلثه و ديونه منها أيضا. و أما النقص فإن لم يكن على وجه الضمان فهو وارد على الجميع من الورثة و مورد الوصية، و إن كان على وجه ضمان الوارث أو الأجنبي فعلى الضامن التدارك بالنسبة إلى الجميع فلا أثر للتبعيض من هذه الجهة.

(52) لتحقق القبض حينئذ فلا أثر لاعتبار القبض زائدا عليه كما في كل

ص: 188

و كان ماله بمقدار ثمَّ نقص كان النقص مشتركا بين الوارث و الموصي و لو زاد كانت الزيادة لهما مطلقا و إن كانت كثيرة جدا (53)، و قد يقيد بما إذا لم تكن كثيرة إذا لا يعلم إرادته هذه الزيادة المتجددة و الأصل عدم تعلق الوصية بها، و لكن لا وجه له (54) للزوم العمل بإطلاق الوصية.

نعم، لو كان هناك قرينة قطعية على عدم إرادته الزيادة المتجددة صح ما ذكر (55) لكن عليه لا فرق بعين كثرة الزيادة و قلتها (56)، و لو أوصى بعين معينة كانت بقدر الثلث أو أقل ثمَّ حصل نقص في المال أو زيادة في قيمة تلك العين بحيث صارت أزيد من الثلث حال الوفاة بطلت بالنسبة إلى الزائد مع عدم إجازة الوارث (57)، و إن كانت أزيد من الثلث حال

______________________________

مال يكون في يد من يعتبر قبضه.

(53) لأنه لا معنى للشركة الإشاعية إلا هذا و هو مقتضى ما تقدم من المناط في الثلث من مال الموصي على حين الوفاة فلو حصل نقص حصل بالنسبة إلى ماله أيضا و لو حصلت الزيادة فكذلك.

(54) نسب هذا التقييد إلى جامع المقاصد و يرد عليه مضافا إلى ما في المتن تسالم الكل على أن المناط المال الموجود حين الوفاة، فلا موضوع للتقييد مع هذا التسالم حتى من نفسه رحمه اللّه، و لعله أراد صورة وجود قرينة حالية أو مقالية دالة على التقييد و لا نزاع حينئذ في البين.

(55) لتعين الواقع بما قامت عليه القرينة فلا يشمل غيرها و لا يعتبر في القرينة أن تكون قطعية بل المدار على الاعتبار قطعية كانت القرينة أو لا.

(56) يمكن الفرق بأن الزيادات القليلة مسامحية غالبا لا تقع مورد الاعتناء حتى يبحث عنها الفقيه.

(57) لشمول الأدلة الدالة على أن صحة الوصية الزائدة على الثلث منوطة بالإجازة فمعها تصح و مع عدمها لا تصح لهذه الصورة أيضا.

ص: 189

الوصية ثمَّ زادت التركة أو نقصت قيمة تلك العين فصارت بقدر الثلث أو أقل صحت الوصية فيها (58)، و كذا الحال إذا أوصى بمقدار معين كلي كمائة دينار مثلا.

مسألة 7: ربما يحتمل فيما لو أوصى بعين معينة أو بكلي كمائة دينار- مثلا- أنه إذا أتلف من التركة بعد موت الموصي يرد النقص عليهما

(مسألة 7): ربما يحتمل (59) فيما لو أوصى بعين معينة أو بكلي كمائة دينار- مثلا- أنه إذا أتلف من التركة بعد موت الموصي يرد النقص عليهما أيضا بالنسبة كما في الحصة المشاعة و إن كان الثلث وافيا، و ذلك بدعوى أن الوصية بهما ترجع إلى الوصية بمقدار ما يساوي قيمتها فيرجع إلى الوصية بحصة مشاعة، و الأقوى عدم ورود النقص عليهما ما دام الثلث وافيا و رجوعهما إلى الحصة المشاعة في الثلث أو في التركة لا وجه له خصوصا في الوصية بالعين المعينة.

مسألة 8: إذا حصل للموصي مال بعد الموت

(مسألة 8): إذا حصل للموصي مال بعد الموت كما إذا نصب شبكة فوقع فيها صيد بعد موته يخرج منه الوصية كما يخرج منه الديون (60)، فلو كان أوصى بالثلث أو الربع أخذ ثلث ذلك المال أيضا مثلا، و إذا أوصى بعين و كانت أزيد من الثلث حين الموت و خرجت منه بضم ذلك المال

______________________________

(58) لوجود المقتضي للصحة و فقد المانع فلا بد من الصحة لا محالة و كذا الكلام في الوصية بالكلي من غير فرق.

(59) احتمله في الجواهر و الخدشة فيه ظاهرة بما ذكره في المتن و إرجاع المعين إلى مطلق المالية خلاف الأذهان العرفية في الأعيان الخارجية.

نعم، في النقود الرائجة له وجه لكن مع القرينة المعتبرة الدالة عليه و مع وجودها لا فرق بين النقود و سائر الأعيان الخارجية، فالمناط يكون عليها و لعل صاحب الجواهر أراد هذه الصورة.

(60) لأنه ماله حصل بنصب الشبكة الذي هو فعله المنسوب إليه فمقتضى القاعدة كون المال له كما أن مقتضى القاعدة أن كل ما كان مالا لشخص

ص: 190

نفذت فيها، و كذا إذا أوصى بكلي كمائة دينار مثلا (61) بل لو أوصى ثمَّ قتل حسبت ديته من جملة تركته (62) فيخرج منها الثلث كما يخرج منها

______________________________

يخرج منه ثلثه و ديونه.

(61) لا إشكال في ذلك كله لأن ما صاده تسبيبا من ماله يصير ملكه و كل ما كان مالا للشخص نلحظ الزيادة على الثلث و يتم نقصانه بالنسبة إليه و فيما صاده تلحظ الزيادة و النقصان بالنسبة إليه و هذا من الشكل الأول البديهي الإنتاج.

ثمَّ ان الشبكة و الصيد على أقسام.

الأول: كون الشبكة للشخص الذي نصبها و وقوع الصيد فيها حال حياته و لا ريب في أن الصيد لصاحب الشبكة و يعد من ماله.

الثاني: عين هذه الصورة مع وقوع الصيد فيها مقارنا لموت الصائد الظاهر كونها كالصورة الأولى لوقوع النصب و التسبيب في حال الحياة جامعا للشرائط فتشملها الأدلة.

الثالث: الشك في أن المورد من أي القسمين و يلحقه حكم الأولين لفرض أنه لا يخلو عن أحدهما.

الرابع: وقوع الصيد في الشبكة بعد موت ناصبها و انتقال الشبكة إلى الورثة، و الظاهر أن العرف يقدّمون فيها التسبيب و النصب على حكم كون الشبكة لغير الناصب، فيكون الصيد لناصب الشبكة لما يأتي في أحكام الصيد من أنه لو صاد أحد بالآلة الغصبية يكون الصيد للصائد و تكون عليه أجرة المثل للآلة مع أن المقام ليس من الصيد بالآلة الغصبية كما هو واضح.

الخامس: أن يشك في أنه من أي قسم من هذه الأقسام الأربعة و يغلّب جهة التسبيب حينئذ ففي جميع تلك الأقسام يكون الصيد للميت.

(62) هذا الحكم موافق للعرف، و الإجماع، و الاعتبار، و قاعدة «ان كل ما يؤخذ عوضا عن الميت أو بدنه فهو من ماله» التي أرسلوها إرسال المسلمات

ص: 191

ديونه إذا كان القتل خطأ و إن كان عمدا و صالحوا على الدية (63)، للنصوص الخاصة (64). مضافا إلى الاعتبار (65) و هو كونه أحق بعوض نفسه من غيره، و كذا أخذ دية جرحه خطأ، بل أو عمدا (66).

______________________________

كما يأتي في القصاص و الديات، مضافا إلى الأخبار منها صحيح محمد بن قيس قال: «قلت له: رجل أوصى لرجل بوصية من ماله ثلث أو ربع فيقتل الرجل خطأ، يعني الموصي فقال عليه السّلام: يحاز لهذه الوصية من ماله و من ديته» (1)، و في خبر النوفلي عن الصادق عليه السّلام: «قال أمير المؤمنين من أوصى بثلثه ثمَّ قتل خطأ فإن ثلث ديته داخل في وصيته» (2).

(63) أما في صورة العمد فيملك الدية في حياته بمصالحة حق القصاص بها، و أما في الخطأ فيملكها ابتداء فلا يكون واحد منهما من الملكية بعد الموت، و يأتي تفصيل هذا الإجمال في محله إن شاء اللّه تعالى.

(64) منها خبر أبي بصير عن الكاظم عليه السّلام: «فإن هو قتل عمدا و صالح أولياؤه قاتله على الدية فعلى من الدين، على أوليائه أم من الدية أو على إمام المسلمين؟ فقال عليه السّلام: بل يؤدوا دينه من ديته التي صالح عليها أولياؤه فإنه أحق بديته من غيره» (3)، و يستفاد حكم الوصية من قوله عليه السّلام: «أحق بديته» و قريب منه خبري يحيى الأزرق و عبد الحميد (4).

(65) لأن العرف و العقلاء يعتبرون للمقتول نحو أولوية لاستيلائه على ديته و ينزلون الولي منزلته في هذه الجهة فلا موضوعية للولي في الواقع.

(66) أما في الخطأ فلأنه ملكها ملكا اعتباريا و أما في صورة العمد فملكها كذلك ملكا طوليا يحصل بواسطة استيلاء الولي على الصلح بها فيصير ذلك منه

ص: 192


1- الوسائل باب: 14 من أبواب الوصايا الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب الوصايا الحديث: 2.
3- الوسائل باب: 59 من أبواب أحكام القصاص الحديث: 2.
4- الوسائل باب: 24 من أبواب الدين القرض.

مسألة 9: للموصي تعيين ثلثه في عين مخصوصة من التركة

(مسألة 9): للموصي تعيين ثلثه في عين مخصوصة من التركة، و له تفويض التعيين إلى الوصي فيتعين فيما عينه (67). و مع الإطلاق، كما لو قال «ثلث مالي لفلان» كان شريكا مع الورثة بالإشاعة (68) فلا بد و أن يكون الإفراز و التعيين برضى الجميع كسائر الأموال المشتركة (69).

مسألة 10: يشترط في الوصية العهدية أن يكون ما أوصى به عملا سائغا

(مسألة 10): يشترط في الوصية العهدية أن يكون ما أوصى به عملا سائغا يتعلق به الأغراض العقلائية فلا تصح الوصية بصرف ماله في معونة الظالم، و كذا كل محرّم كتعمير الكنائس و نسخ كتب الضلال و نحوها، و كذا الوصية بما يكون صرف المال فيه سفها و عبثا (70).

______________________________

بمنزلة نفسه. انتهى كتاب العروة الوثقى لأعظم فقهاء عصره رحمه اللّه و للّه الحمد و الشكر على نعمائه غير المحدودة على الفقير الذي لا يليق بواحدة منها فضلا عن جميعها و هذا مقتضى فضله تعالى على الجميع و كان ذلك في جوار من بنفسه بدئت الوصاية و بنسله ختمت الولاية و الإمامة في جوار من يفتخر به الملإ الأعلى فكيف بالفقهاء و العلماء.

(67) لقاعدة السلطنة و ظهور الإطلاق و الاتفاق في جميع ذلك و ظاهر الإطلاق في الكسر الحمل على الإشاعة إلا مع القرينة على الخلاف.

(68) لحمل الإطلاق على الإشاعة كما هو الظاهر و المفروض أن حق الورثة أيضا مشاع فتتحق الشركة الإشاعية لا محالة.

(69) لقاعدة «عدم صحة تصرف كل واحد من الشركاء في المال المشترك إلا برضاء الجميع».

(70) كل ذلك لإجماع الإمامية بل المسلمين إن لم تكن من الضرورة في الدين. و كذا الحكم لو أوصى بالصرف في الغناء و اللهو، و في رواية علي بن إبراهيم عن الصادق عليه السّلام: «و الإثم بعمارة بيوت النيران و اتخاذ المسكر فيحل

ص: 193

مسألة 11: لو أوصى بما هو جائز عنده اجتهادا أو تقليدا و غير جائز عند الوصي

(مسألة 11): لو أوصى بما هو جائز عنده اجتهادا أو تقليدا و غير جائز عند الوصي كجملة من المسائل الاختلافية لا يصح للوصي إنفاذها (71) و لو انعكس الأمر انعكس (72).

مسألة 12: لو أوصى لغير الولي بمباشرة تجهيزاته من الغسل و الصلاة

(مسألة 12): لو أوصى لغير الولي بمباشرة تجهيزاته من الغسل و الصلاة فالأحوط للوصي و الولي أن يتراضيا عليه و لا يستقل أحدهما الآخر (73).

مسألة 13: إنما يحسب الثلث بعد إخراج ما يخرج من الأصل

(مسألة 13): إنما يحسب الثلث بعد إخراج ما يخرج من الأصل كالدين و الواجبات المالية فإن بقي بعد ذلك شي ء يخرج ثلثه (74).

______________________________

للوصي أن لا يعمل شي ء بذلك» (1).

(71) لأن التكليف بالإنفاذ متوجه إلى الوصي و هو مكلف بذلك و مع كونه حراما لديه كيف ينفذها؟! هذا إذا كانت في البين قرينة دالة على أن الموصي أراد العمل على طبق نظره اجتهادا أو تقليدا أو كان منصرف الوصية ذلك عند المتعارف، و أما إذا كان المراد أن يعمل الوصي على طبق نظر نفسه مطلقا فيجوز له مخالفة ما أوصاه الموصي، و لو كان نظره إتيان العمل صحيحا شرعا يتخير في العمل برأي نفسه أو العمل طبق نظر الموصي، و قد تقدم نظير هذا الفرع في موارد كثيرة في الاجتهاد و التقليد و النيابة في الحج و الوصية بقضاء الصلوات و غير ذلك.

(72) لأن الموصي أو كل الأمر إلى نظر الوصي فتشمله عمومات إنفاذ الوصية.

(73) تقدم وجهه في التجهيزات فراجع فلا وجه للتكرار.

(74) إجماعا و نصوصا مستفيضة منهما قول أمير المؤمنين عليه السّلام: «إن الدّين

ص: 194


1- الوسائل باب: 37 من أبواب الوصايا الحديث: 4.

مسألة 14: لو أوصى بوصايا متعددة غير متضادة

(مسألة 14): لو أوصى بوصايا متعددة غير متضادة (75) فإن كانت من نوع واحد فان كانت الجميع واجبات مالية أو واجبات بدنية كانت الجميع بمنزلة وصية واحدة (76) فتنفذ الجميع من الأصل في الواجب

______________________________

قبل الوصية ثمَّ الوصية على أثر الدين ثمَّ الميراث بعد الوصية فإن أول [أولى] القضاء كتاب اللّه» (1)، و عنه عليه السّلام في قوله تعالى مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهٰا أَوْ دَيْنٍ قال: إنكم لتقرأون في هذه الوصية قبل الدين و أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قضى بالدين قبل الوصية» (2)، و عن الصادق عليه السّلام: «أول شي ء يبدأ به من المال الكفن ثمَّ الدين ثمَّ الوصية ثمَّ الميراث» (3)، إلى غير ذلك من الروايات و تقدم خروج الواجبات المالية- خلقية كانت أو خالقية- مطلقا من الأصل في هذا الكتاب مرارا، و الواجبات المالية التي يعبّر عنها بالحقوق المالية أيضا أقسام ثلاثة.

الأول: حقوق الناس كالغصب و السرقة و الديون مطلقا و الدية و أروش الجنايات و رد المظالم و نحو ذلك.

الثاني: الحقوق الإلهية كالكفارات و نحوها.

الثالث: المركبة منهما كالأخماس و الزكوات و النذور بالنسبة إلى الأشخاص، و تقدم تفصيل ذلك كله في هذا الكتاب مكررا، كما تقدم أن الحج واجب مالي يخرج من الأصل بلا فرق بين الواجب منه بالأصل أو بالنذر و نحوه.

(75) يأتي تفسير المتضادة في المسألة السادسة عشرة، فراجع. ثمَّ أن الموصى به إما واجب مالي فقط أو بدني كذلك أو تبرعي فقط أو مركب من الاثنين أو الثلاثة، و يأتي حكم الجميع إن شاء اللّه تعالى.

(76) لفرض الوحدة الصنفية الموجودة في البين فالوحدة في الواجبات

ص: 195


1- الوسائل باب: 28 من أبواب الوصايا.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب الوصايا.
3- الوسائل باب: 28 من أبواب الوصايا.

المالي و من الثلث في الواجب البدني (77)، فإن و في الثلث بالجميع نفذت في الجميع (78) و كذا إن زادت عليه و أجاز الورثة و أما لو لم يجيزوا يوزع النقص على الجميع بالنسبة (79)، فلو أوصى بمقدار من

______________________________

المالية كونها واجبا ماليا و في الواجبات البدنية كونها بدنيا، و الواجبات إما مالية محضة كالديون- خلقية كانت أو خالقية- أو بدنية محضة كالصلاة و الصوم أو مركب من البدني و المالي كالحج، و الأول و الأخير يخرج من الأصل نصا (1) و إجماعا بل الضرورة الفقهية، و تقدم هنا و في كتاب الحج فراجع، و المشهور في الواجب البدني أنه يخرج من الثلث، و عن جمع خروجه من الأصل أيضا و عمدة دليلهم إطلاق الدين عليه في بعض الأخبار (2)، فقرّروا بذلك الشكل الأول البديهي الإنتاج فقالوا: إن الواجب البدني دين و كل دين يخرج من الأصل فالواجب البدني يخرج من الأصل. و لكنه باطل لأن الدين يطلق على جميع التكاليف الإلهية بأسرها، و الدين الذي يخرج من الأصل قسم خاص منها فالدليل مغالطة بين النوع و الصنف لا أن يكون من الشكل الأول البديهي الإنتاج كما لا يخفى على المتأمل.

(77) أما خروج الواجب المالي و منه الحج من الأصل فبالنصوص كما مر و الإجماع بل الضرورة الفقهية، و أما خروج البدني من الثلث فهو المشهور التي يعبر عنها بالحقوق المالية أيضا.

(78) لتحقق مقتضى النفوذ فيه حينئذ و فقد المانع عنه فتنفذ قهرا و كذا إذا زادت عليه و أجاز الورثة تلك الزيادة فيتحقق الموضوع و يترتب عليه الحكم لا محالة.

(79) لفرض وحدة متعلق الوصية نوعا و عدم التميز في الافراد لبعضها

ص: 196


1- راجع الوسائل باب: 65 من أبواب الوصايا.
2- تقدم في صفحة: 339 المجلد السابع.

الصوم و مقدار من الصلاة و لم يف الثلث بهما و كانت أجرة الصلاة ضعف أجرة الصوم ينتقص من وصية الصلاة ضعف ما ينتقص من وصية الصوم، كما إذا كانت التركة ثمانية عشر و أوصى بستة لاستئجار الصلاة ثمَّ أوصى بثلاثة لاستئجار الصوم فإن أجاز الوارث نفذت الوصيتان، و إن لم يجز بطلتا بالنسبة إلى ثلاثة و توزعت على الوصيتين بالنسبة فينقص عن الوصية الأولى اثنان و عن الثانية واحد، فيصرف في الصلاة أربعة و في الصوم اثنان (80) و إن كانت الجميع تبرعية فإن لم يكن بينها ترتيب بل كانت مجتمعة كما إذا قال: «أعطوا زيدا أو عمرا أو خالدا كلا منهم مائة» كانت بمنزلة وصية واحدة فإن زادت على الثلث و لم يجز الورثة ورد النقص على الجميع بالنسبة (81)، و إن كانت بينها ترتيب تقديم و تأخير في الذكر بأن كانت الثانية بعد تمامية الوصية الأولى و الثالثة بعد تمامية الثانية و هكذا، كما إذا قال: «أعطوا زيدا مائة ثمَّ قال أعطوا عمروا مائة ثمَّ قال أعطوا خالدا مائة»، و كانت المجموع أزيد من الثلث و لم يجز الورثة يبدأ بالأول فالأول إلى أن يكمل الثلث، فإذا كان الثلث مائة نفذت الأولى و لغت الأخيرتان، و إن كان مائتين نفذت الأوليان و لغت الأخيرة، و إن كان

______________________________

على بعض و عدم الترتيب في الوصية فلا بد من التخصيص مضافا إلى ظهور الإجماع، و يشهد له ما ورد في درهم الودعي (1)، كما يشهد له الأخبار الآتية في المقام.

(80) لأنه لا معنى للتخصيص بالنسبة إلا هذا كما هو واضح لا يخفى.

(81) لعين ما تقدم في سابقة من غير فرق من حيث وحدة المتعلق و عدم الترجيح بلا مرجح فلا بد من التخصيص.

ص: 197


1- الوسائل باب: 12 من أحكام الصلح.

مائة و خمسين نفذت الأولى و الثانية في نصف الموصى به و لغت البواقي و هكذا (82).

مسألة 15: لو أوصى بوصايا مختلفة بالنوع

(مسألة 15): لو أوصى بوصايا مختلفة بالنوع كما إذا أوصى بأن يعطى مقدارا معينا خمسا و زكاة و مقدارا صوما و صلاة و مقدارا لا طعام الفقراء، فإن أطلق و لم يذكر المخرج يبدأ بالواجب المالي فيخرج من الأصل (83) فإذا بقي شي ء يعين ثلثه (84) و يخرج منه البدني و التبرعي،

______________________________

(82) للإجماع و النص مع أن ظاهر الترتيب قرينة معتبرة على تقدم كل سابق على لا حقه و تأخر كل لا حق عن سابقة فلا بد من العمل بها، و في خبر حمران عن أبي جعفر عليه السّلام: «في رجل أوصى عند موته و قال: أعتق فلانا و فلانا و فلانا حتى ذكر خمسة فنظر في ثلثه فلم يبلغ ثلثه أثمان قيمة المماليك الخمسة الذين أمر بعتقهم، قال عليه السّلام: ينظر إلى الذين سماهم و بدأ بعتقهم فيقوّمون و ينظر إلى ثلثه فيعتق منه أول شي ء ذكر، ثمَّ الثاني و الثالث ثمَّ الرابع ثمَّ الخامس فإن عجز الثلث كان في الذين سمى أخيرا لأنه أعتق بعد مبلغ الثلث ما لا يملك فلا يجوز له ذلك» (1).

(83) لأن الواجبات المالية يخرج من الأصل نصا و إجماعا أوصى بها أو لم يوص و لا أثر للوصية من هذه الجهة، ففي صحيح ابن عمار عن الصادق عليه السّلام: «امرأة أوصت بمال في عتق و حج و صدقة فلم يبلغ قال عليه السّلام: ابدأ بالحج فإنه مفروض فإن بقي شي ء فاجعل في الصدقة طائفة و في العتق طائفة» (2)، و قريب منه غيره و تعليله يشمل غير الحج من الواجبات المالية، و تقدم التفصيل في كتاب الحج فراجع.

(84) لأن الثلث انما يعين بعد إخراج ما وجب إخراجه من الديون

ص: 198


1- الوسائل باب: 66 من أبواب الوصايا.
2- الوسائل باب: 65 من أبواب الوصايا الحديث: 2 و 1.

فإن و في بهما أو لم يف بهما و أجاز الوارث نفذت في كليهما (85)، و إن لم يف بهما و لم يجز الوارث في الزيادة يقدم الواجب البدني و يرد النقص على التبرعي (86)، و إن ذكر المخرج و أوصى بأن تخرج من الثلث يعين الثلث فيخرج منه الواجب المالي (87)، فإن بقي منه شي ء يصرف في الواجب البدني (88)، فإن بقي شي ء يصرف في التبرعي (89) حتى إنه لو لم يف الثلث إلا بالواجبات المالية لغت الوصايا الأخيرة بالمرة (90) إلا أن

______________________________

و الواجبات المالية.

(85) لوجود المقتضي و فقد المانع عن وجوب العمل بهما.

(86) لفرض وجوب الأول و أهميته بالنسبة إلى التبرعي حتى قيل إنه يخرج من الأصل أيضا.

(87) لفرض أنه أوصى بذلك فيجب العمل بوصيته.

(88) لفرض كونه واجبا فيقدم على التبرعي نصا و إجماعا ففي صحيح عمار قال: «أوصت إليّ امرأة من أهل بيتي بثلث مالها و أمرت أن يعتق عنها و يحج و يتصدق فلم يبلغ ذلك، فسألت أبا حنيفة فقال: يجعل ذلك أثلاثا ثلثا في الحج و ثلثا في العتق و ثلثا في الصدقة، فدخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقلت له: إن امرأة من أهلي ماتت و أوصت إليّ بثلث مالها و أمرت أن يعتق عنها و يحج عنها و يتصدق فنظرت فيه فلم يبلغ، فقال عليه السّلام: ابدأ بالحج فإنه فريضة من فرائض اللّه عز و جل و اجعل ما بقي طائفة في العتق و طائفة في الصدقة» (1)، مع أن الحكم مطابق للقاعدة أيضا.

(89) لوجود المقتضي حينئذ و فقد المانع عن الصرف فيه.

(90) لعدم الموضوع للوصية حينئذ إلا مع اجازة الورثة.

ص: 199


1- الوسائل باب: 65 من أبواب الوصايا الحديث: 1.

يجيز الورثة (91).

مسألة 16: لو أوصى بوصايا متعددة متضادة بأن كانت المتأخرة منافية للمتقدمة

(مسألة 16): لو أوصى بوصايا متعددة متضادة بأن كانت المتأخرة منافية للمتقدمة كما لو أوصى بعين شخصية لواحد ثمَّ أوصى بها لآخر، و مثله ما إذا أوصى بثلثه لشخص و قال: «أعطوا ثلثي لزيد بعد موتي» ثمَّ قال: «أعطوا ثلثي لعمرو بعد موتي» كانت اللاحقة عدولا عن السابقة فيعمل باللاحقة (92)، و لو أوصى بعين شخصية لشخص ثمَّ أوصى بنصفها مثلا لشخص آخر فالظاهر كون الثانية عدولا بالنسبة إلى نصفها لا تمامها فيبقى النصف الآخر للأول (93).

مسألة 17: لو أراد أحد أن لا تقسم تركته بين ورثته إلى مدة معلومة

(مسألة 17): لو أراد أحد أن لا تقسم تركته بين ورثته إلى مدة معلومة يجعلها حبسا عليهم إلى تلك المدة (94).

مسألة 18: لو كان لشخص عند آخر أمانة و أوصى له أن يصرف ذلك المال في مصرف خاص

(مسألة 18): لو كان لشخص عند آخر أمانة و أوصى له أن يصرف ذلك المال في مصرف خاص يلحظ فيها مراعاة مقدار الثلث أيضا (95)

______________________________

(91) فتنفذ تمام الوصية حينئذ لوجود المقتضي و فقد المانع.

(92) لأن العمل بكل من السابقة و اللاحقة غير ممكن لفرض التضاد و العمل بالسابق دون اللاحق خلاف فرض صحة الوصية اللاحقة فيتعين العمل باللاحقة لأن متعارف الناس يرونها رجوعا عن السابقة.

نعم، لو كانت في البين قرائن معتبرة دالة على الخلاف يعمل بها.

(93) لوجود المقتضي للصحة فيه و فقد المانع عنها لأن الرجوع بحسب العرف انما كان بالنسبة إلى النصف فقط لا التمام.

(94) لصحة الحبس كما مر في كتاب الوقف في حصول مقصوده بذلك من غير إشكال، و أما لو أوصى بأن لا تقسم تركته ففيه إشكال من جهة كونها خلاف ظاهر الكتاب، و إمكان جعلها خلاف إطلاقه.

(95) لعموم الأدلة الدالة على نفوذ الوصية في الثلث فقط.

ص: 200

و لو خاف الوصي من إظهار ذلك للورثة يرجع في حكمه إلى الحاكم الشرعي (96).

مسألة 19: متعلق الوصية إن كان كسرا مشاعا من التركة كالثلث أو الربع مثلا

(مسألة 19): متعلق الوصية إن كان كسرا مشاعا من التركة كالثلث أو الربع مثلا ملكه الموصى له بالموت و القبول بناء على اعتباره، و كان له من كل شي ء ثلثه أو ربعه مثلا و شارك الورثة في التركة من حين ما ملكه هذا في الوصية التمليكية (97)، و أما في الوصية العهدية كما إذا أوصى بصرف ثلثه أو ربع تركته في العبادات و الزيارات كان الموصى به فيها باقيا على حكم مال الميت (98)، فهو يشارك الورثة حين ما ملكوا بالإرث فكان للميت من كل شي ء ثلثه أو ربعه مثلا و الباقي للورثة (99)، و هذه الشركة باقية ما لم يفرز الموصى به عن مال الورثة و لم تقع القسمة بينهم و بين

______________________________

(96) لوجوب إنفاذ الوصية مهما أمكن و لا طريق للإنفاذ إلا بذلك و هو يختلف باختلاف الخصوصيات و الجهات، فيرى فيه رأيه بعد ملاحظة تلك الجهات.

(97) أما أن تملك الموصى له بالموت و القبول بناء على اعتباره فلتمامية السبب حينئذ فلا بد من تحقق المسبب و إلا يلزم انفكاك المعلول عن علته و هو محال.

و أما أنه يملك من كل شي ء الكسر المشاع فلأنه لا معنى للإشاعة إلا ذلك و إلا يلزم خلف الفرض و هو محال أيضا.

(98) للأصل و الإجماع و النصوص الدالة على أن للميت ثلث ماله كما تقدم بعضها (1).

(99) لأنه لا معنى للشركة الإشاعية إلا هذا و المفروض أن الموصى به

ص: 201


1- راجع صفحة: 177.

الموصى له (100)، فلو حصل نماء متصل أو منفصل قبل القسمة كان بينهما و لو تلفت من التركة شي ء كان منهما (101)، و إن كان ما أوصى به مالا معينا يساوى بالثلث أو دونه اختص به الموصى له (102)، و لا اعتراض فيه للورثة (103)، و لا حاجة إلى إجازتهم (104)، لما عرفت سابقا أن للموصى تعيين ثلثه فيما شاء من تركته لكن إنما يستقر ملكية الموصى له أو الميت في تمام الموصى به إذا كان يصل إلى الوارث ضعف ما أوصى به (105)، فإذا كان له مال حاضر عند الورثة بهذا المقدار استقرت ملكية تمام المال المعين فللموصى له أو الوصي أن يتصرف فيه أنحاء

______________________________

مشترك شركة اشاعية لا تعيينية.

(100) للأصل و الإجماع بل الضرورة الفقهية.

(101) لأن ذلك من مقومات الشركة ما لم تقسم مضافا إلى الإجماع.

و لا فرق فيما ذكرنا بين الوصية التمليكية و العهدية، و لو حصل تعد من الورثة بالنسبة إلى العين أو النماء يضمنون لقاعدة الإتلاف.

(102) لأن الاختصاص صدر من أهله و في محله مضافا إلى الإجماع و ظواهر الأدلة.

(103) لأصالة عدم ثبوت هذا الحق لهم بعد كون الوصية صحيحة شرعا و جامعة للشرائط.

(104) لعمومات صحة الوصية شرعا مضافا إلى الأصل و الإجماع.

(105) للأدلة الدالة على أنه لا تنفذ الوصية إلا في الثلث و تتوقف صحتها في ما زاد عليه على تنفيذ الوارث (1).

ص: 202


1- راجع صفحة: 208.

التصرف (106)، و إن كان ما عدا ما عين للوصية غائبا توقف التصرف فيه على حصول مثليه بيد الورثة فإن لم يحصل بيدهم شي ء منه شاركوا الموصى له في المال المعين أثلاثا ثلث للموصى له و ثلثان للورثة (107).

______________________________

(106) لقاعدة السلطنة بعد صيرورته مالكا له.

(107) لفرض لزوم التثليث فيما بقي من الميت، فيكون ثلثا له و تنفذ وصيته فيه و ثلثان للورثة.

ص: 203

فصل فيما يشترط في الموصى له

اشارة

فصل فيما يشترط في الموصى له

مسألة 20: يشترط في الموصى له الوجود حين الوصية

(مسألة 20): يشترط في الموصى له الوجود حين الوصية فلا تصح الوصية للمعدوم (1)، كما لو أوصى للميت أو لما تحمله المرأة في المستقبل و لمن يوجد من أولاد فلان (2)، و تصح الوصية للحمل بشرط وجوده حين الوصية و إن لم تلجه الروح و انفصاله حيا (3)، فلو انفصل ميتا بطلت الوصية و رجع المال ميراثا لورثة الموصي (4).

______________________________

(1) للإجماع، و لأنه المنساق من الأدلة، و لأصالة عدم ترتب الأثر إلا فيما إذا كان الموصى له موجودا بعد عدم دليل على شمولها للمعدوم أيضا، و قد يستدل على البطلان بأن المعدوم غير قابل للتمليك و التملك و فيه ما مر مكررا من أن هذا الدليل من المغالطة بين الأعراض الخارجية و الأمور الاعتبارية، و الدليل صحيح في الأول دون الأخير لأن الاعتباريات خفيفة المؤنة يصح اعتبارها حتى بالنسبة إلى المعدوم أيضا.

و ثانيا: أنه خلط بين العدم المطلق و عدم الملكة فلا يصح في الأول دون الثاني كما تقدم مكررا فلا وجه للإعادة.

(2) لعدم وجود الموصى له في جميع ذلك فتبطل الوصية لا محالة.

(3) لتحقق المقتضي للصحة حينئذ و فقد المانع عنها فلا بد من الصحة.

(4) لأن الوصية الباطلة كالعدم فيكون جميع أموال الموصى مما تركه و ينطبق عليه قوله عليه السّلام: «ما تركه الميت فلوارثه» (1).

ص: 204


1- الوسائل باب: 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة- كتاب الفرائض.

مسألة 21: تصح الوصية للذمي و كذا للمرتد الملي

(مسألة 21): تصح الوصية للذمي و كذا للمرتد الملي (5) إذا لم يكن المال مما لا يملكه الكافر- كالمصحف و العبد المسلم (6)- و لا تصح للحربي و لا للمرتد عن فطرة على إشكال (7).

______________________________

(5) للعمومات و الإطلاقات و ظهور الإجماع، و قوله تعالى لٰا يَنْهٰاكُمُ اللّٰهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقٰاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيٰارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (1)، و ما ورد من صحتها لليهود و النصارى كقول أبي جعفر عليه السّلام فيمن أوصى بماله في سبيل اللّه: «أعطه لمن أوصى له به و إن كان يهوديا أو نصرانيا» (2)، و غير ذلك من الروايات الدالة على صحة الوصية و إنفاذها و لو كان الموصى له يهوديا أو نصرانيا.

(6) لما تقدم في كتاب البيع في شرائط العوضين و المتعاوضين فراجع.

(7) استدل على عدم الصحة.

تارة: بقوله تعالى: بالآية المتقدمة لٰا يَنْهٰاكُمُ اللّٰهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقٰاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيٰارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.

و ثانية: بقوله تعالى لٰا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوٰادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كٰانُوا آبٰاءَهُمْ أَوْ أَبْنٰاءَهُمْ (3).

و ثالثة: بمفهوم الآية إِنَّمٰا يَنْهٰاكُمُ الهَُٰ عَنِ الَّذِينَ قٰاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيٰارِكُمْ وَ ظٰاهَرُوا عَلىٰ إِخْرٰاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولٰئِكَ هُمُ الظّٰالِمُونَ (4).

ص: 205


1- سورة الممتحنة: 8.
2- الوسائل باب: 32 من أبواب الوصايا.
3- سورة المجادلة: 22.
4- سورة الممتحنة: 9.

مسألة 22: لا تصح الوصية لمملوك الغير

(مسألة 22): لا تصح الوصية لمملوك الغير (8)

______________________________

و رابعة: بأن الحربي غير قابل للملك و أنه و ماله في ء للمسلمين.

و خامسة: بقول الشيخ رحمه اللّه: «لا تجوز الوصية للحربي عندنا» المشعر بالإجماع.

و سادسة: بأن أقصى مورد الجواز من الكافر الذمي و لو كانت جائزة للحربي لأشير إليه أيضا هذه أدلتهم.

و الكل مخدوش: أما الآيات الكريمة- منطوقا و مفهوما- فالمنساق منها المودة و المحبة و الاعتماد عليهم، كما يفعل ذلك المؤمنون بعضهم مع بعض لا مجرد البر و الإحسان لأغراض صحيحة لمكافاة الإحسان أو صلة الأرحام أو جلب القلوب أو دفع الأذية مثلا إلى غير ذلك من الأغراض الصحيحة العقلائية.

و أما الرابعة: ففساده لا يخفى لكونه قابلا للملك لكن ما يملكه في ء للمسلمين، كفاسد الخامسة لمعارضته بإجماع مجمع البيان و مخالفة نفس الشيخ لهذا الإجماع الذي ذكره، و قال في الجواهر و نعم ما قال: «و في إثبات الأحكام الشرعية بأمثال ذلك مفاسد للفقه»، و أما الأخيرة فتكفي العمومات و الإطلاقات للصحة ما لم يثبت دليل على المنع، و قال في الجواهر: «و مما عرفت يظهر لك قوة القول بالجواز مطلقا من غير فرق بين الحربي و غيره و القريب و غيره».

(8) للإجماع، و قول أحدهما عليهما السّلام في الصحيح: «لا وصية لمملوك» (1)، و صحيح ابن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في مكاتب كانت تحته امرأة حرة فأوصت له عند موتها بوصية، فقال أهل الميراث: لا يجوز وصيتها لأنه مكاتب لم يعتق، فقضى أنه يرث بحساب ما أعتق منه، و يجوز له من الوصية بحساب ما أعتق منه، قال: و قضى عليه السّلام في مكاتب أوصي له بوصية

ص: 206


1- الوسائل باب: 78 من أبواب الوصايا.

و إن أجاز المالك (9) و تصح لمملوك نفسه (10)، و لكن لا يملك الموصى به كالأحرار بل إن كان بقدر قيمته ينعتق و لا شي ء له و إن كان أكثر من قيمته انعتق و كان الفاضل له، و إن كان أقل ينعتق منه بمقداره و سعى للورثة في البقية (11).

______________________________

و قد قضى نصف ما عليه فأجاز له نصف الوصية، و قضى في مكاتب قضى ربع ما عليه فأوصي له بوصية فأجاز له ربع الوصية، و قال في رجل أوصى لمكاتبة و قد قضت سدس ما كان عليها فأجاز لها بحساب ما أعتق منها» (1).

(9) لإطلاق الدليل الشامل لهذه الصورة أيضا مضافا إلى ظهور الإجماع عليه.

(10) للإطلاق و ظهور الاتفاق.

(11) على المشهور بل ادعي عليه الإجماع، و في الفقه الرضوي: «فإن أوصى لمملوكه بثلث ماله قوّم المملوك قيمة عادلة فإن كانت قيمته أكثر من الثلث استسعى في الفضيلة» (2)، و عن الحسن بن صالح عن الصادق عليه السّلام: «في رجل أوصى للمملوك له بثلث ماله، فقال يقوّم المملوك بقيمة عادلة ثمَّ ينظر ما ثلث الميت فإن كان الثلث أقل من قيمة العبد أعتق العبد و دفع إليه ما فضل من الثلث بعد القيمة» (3)، بعد حمله على المثال، و في المسألة أقوال أخر خلاف المشهور فراجع المطولات.

ص: 207


1- الوسائل باب: 80 من أبواب الوصايا.
2- مستدرك الوسائل باب: 10 من أبواب الوصايا.
3- الوسائل باب: 79 من أبواب الوصايا الحديث: 2.

فصل في الوصي و الناظر

اشارة

فصل في الوصي و الناظر

مسألة 23: يجوز للموصي أن يعين شخصا لتنجيز وصاياه و تنفيذها فيتعين

(مسألة 23): يجوز للموصي أن يعين شخصا لتنجيز وصاياه و تنفيذها فيتعين و يقال له: «الموصى إليه» و «الوصي» (1). و يشترط فيه أمور البلوغ

______________________________

(1) الوصاية هي تسليط الموصي شخصا بعد موته على قصّر أو إخراج حق أو استيفائه أو رد الودائع أو استرجاعها أو تنفيذ الوصية أو نحو ذلك مما يكون الموصي مسلطا عليه بالذات، و عن جمع- بل عن الحدائق دعوى ظهور الاتفاق عليه- انها عقد يحتاج إلى الإيجاب و القبول و لا مدرك لقول الجمع، كما لا وجه لدعوى ظهور الاتفاق إن أريد بذلك تقوم حقيقتها بالقبول كسائر العقود المتعارفة، لأن المشهور بين الفقهاء كما يظهر من كلماتهم بعد رد بعضها إلى بعض أن الوصاية تلزم بعدم الرد الذي وصل إلى الموصي سواء قبل الوصي الوصاية أو لا، بل و إن رد و لم يبلغ رده إلى الموصي. و أما الدليل على صحة الوصاية، فالإجماع و السيرة و قاعدة السلطنة على ما كان الموصي مسلطا عليه، فكل ما كان مسلطا عليه في حياته يكون مسلطا على الوصاية به بعد مماته ما لم يدل دليل على الخلاف.

و بعبارة أخرى: الوصاية من سنخ الولاية و الاستنابة بعد الممات قررها الشرع تسهيلا على الأنام و حفظا للنظام و تتفاوتان سعة و ضيقا بحسب خصوصيات الجعل و سائر جهاته.

ثمَّ انهم قالوا: إن الوصاية نقل الولاية و الوصية التمليكية نقل الملك و الوصية العهدية نقل سلطة التنفيذ، و لا مشاحة في الاصطلاح بعد وضوح المقصود.

ص: 208

و العقل و الإسلام (2)، فلا تصح وصاية الصغير و لا المجنون و لا الكافر عن المسلم و إن كان ذميا قريبا (3)، و هل يشترط فيه العدالة كما نسب إلى

______________________________

(2) لإجماع الفقهاء على كل ذلك بل بناء العقلاء على اعتبار العقل و تقبيحهم لوصاية بعض المراتب من الصبيان، و قصور غير البالغ عن تصدي ذلك كما لا يخفى.

و يظهر من صاحب الجواهر اعتبار الإيمان بالمعنى الأخص أيضا، و لعل دليله أن أهل كل ملة لا يعتمدون في الوصاية إلا إلى أهل مذهبهم و ملتهم، و فيه تأمل ظاهر و يأتي باقي أدلتهم على اعتبار الإسلام و المناقشة فيها.

(3) لظهور إجماع الفقهاء على التعميم فيشمل القريب و البعيد أيضا.

ثمَّ أنه قد استدل على عدم صحة وصاية المسلم إلى الكافر.

تارة: بدعوى الإجماع.

و أخرى: بقصور الكافر عن منصب الولاية.

و ثالثة: بآية الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنٰاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ (1).

و رابعة: بآية نفي السبيل (2).

و خامسة: بآية لٰا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّٰهِ فِي شَيْ ءٍ (3).

و الكل مخدوش أما الإجماع فقد حصل من الاجتهاد في سائر أدلتهم التي وصلت إلينا، و أما قصور الكافر عن منصب الولاية على المسلم فليست الوصاية ولاية بل هي إذن و استنابة في أمور ربما يوكلها المسلم إلى غلامه و خادمه الأمين لديه، كأن يجعل كافرا أمينا خادما لأولاده و حافظا لأمواله و مديرا

ص: 209


1- سورة التوبة: 71.
2- سورة النساء: 141.
3- سورة آل عمران: 28.

المشهور أم يكفي الوثاقة؟ لا يبعد الثاني (4)

______________________________

لشؤونه.

و أما الثالثة: فلأن المنساق منها الاعتماد الديني و الركون من جهة الديانة و المعنويات و كذا المنساق من آية الركون إلى الظالم أيضا.

و أما الرابعة: فقد اعترف جمع من الفقهاء بإجمالها و ان المتيقن منها بالبراهين الصحيحة و الأدلة القويمة فإنها للمسلم على الكافر بالوجدان دون العكس كما يشهد به العيان.

و أما الأخيرة: فلأن المنساق منها اتخاذ محل الاعتماد و السير و الانقطاع اليه لا مثل الأجير و الخادم و الاستنابة في الجهات الجسمانية مع إحراز الوثاقة و الأمانة.

و لكن مع ذلك كله فالحق مع المشهور و لعل جميع ما قلناه من قبيل الشبهة في مقابل البديهة.

(4) استدل على اعتبار العدالة.

تارة: بالإجماع.

و أخرى: بأن الفاسق ليس محل الامانة و الوثاقة.

و ثالثة: بآية وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ (1).

و رابعة: بأنها ولاية و غير العادل ليس أهلا لها.

و خامسة: بنصوص وردت فيمن مات و له أموال و ورثة صغار و لا وصي له حيث اشترطت عدالة المتولي لأمرها (2).

و الكل مخدوش أما الثلاثة الأولى فما مر آنفا في اعتبار الإسلام فراجع، و كذا الرابعة لأنها من مجرد الإذن و الوكالة و الاستنابة في أمور خاصة، و على

ص: 210


1- سورة هود: 113.
2- راجع الوسائل باب: 88 من أبواب الوصايا.

و إن كان الأول أحوط (5).

مسألة 24: إنما لا تصح وصاية الصغير منفردا

(مسألة 24): إنما لا تصح وصاية الصغير منفردا و أما منضما إلى الكامل فلا بأس به (6)، فيستقل الكامل بالتصرف إلى زمن بلوغ الصغير و لا ينتظر بلوغه فإذا بلغ شاركه من حينه، و ليس له الاعتراض فيما أمضاه الكامل سابقا إلا ما كان على خلاف ما أوصى به الميت فيرده إلى ما أوصى

______________________________

فرض كونها من الولاية فلها مراتب متفاوتة شدة و ضعفا أدناها كاستيجار الكافر مسلما لخدمة بيته و حفظ ماله و سائر شؤونه و نحو ذلك من الأمور، و قال في الجواهر و نعم ما قال: «إنها لا تستأهل جوابا».

ثمَّ نقول إن العدالة.

تارة: تعتبر بنحو الموضوعية و الصفة الخاصة كالقاضي و مرجع التقليد.

و أخرى: بنحو الطريقية للوثاقة و الأمانة و الصدق في القول كما في الراوي، حيث اتفق محققو المتأخرين على قبول خبر الموثوق بصدق الراوي و لو لم يكن عادلا، و لا ريب في أن المقام من الثاني دون الأول إذ المناط كله الوثاقة و الأمانة فكم من فاسق أمين في أموال الناس خصوصا في أموال اليتامى، و قد سمعنا في ذلك قصصا و حكايات و لكن الأحوط مع ذلك ما هو المشهور.

(5) ظهر وجهه مما تقدم.

(6) للإطلاق و الاتفاق و خبر ابن يقطين قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل أوصى إلى امرأة و شرّك في الوصية معها صبيا؟ فقال عليه السّلام: يجوز ذلك و تمضي المرأة الوصية و لا تنتظر بلوغ الصبي فإذا بلغ الصبي فليس له أن لا يرضى إلا ما كان من تبديل أو تغيير فإن له أن يرده إلى ما أوصى به الميت» (1)، و في مكاتبة الصفار قال: «كتبت إلى أبي محمد عليه السّلام رجل أوصى إلى ولده و فيهم كبار قد أدركوا و فيهم صغارا، أ يجوز للكبار أن ينفذوا وصيته و يقضوا دينه لمن

ص: 211


1- الوسائل باب: 50 من أبواب الوصايا.

و لا ينتظر بلوغه فإذا بلغ شاركه من حينه، و ليس له الاعتراض فيما أمضاه الكامل سابقا إلا ما كان على خلاف ما أوصى به الميت فيرده إلى ما أوصى به (7)، و لو مات الصغير أو بلغ فاسد العقل كان للكامل الانفراد بالوصاية (8).

مسألة 25: لو طرأ الجنون على الوصي بعد موت الموصي بطلت وصايته

(مسألة 25): لو طرأ الجنون على الوصي بعد موت الموصي بطلت وصايته، و لو أفاق بعد ذلك لم تعد (9) و احتاج إلى نصب جديد من الحاكم (10).

مسألة 26: لا يجب على الموصى إليه قبول الوصاية

(مسألة 26): لا يجب على الموصى إليه قبول الوصاية (11) و له أن

______________________________

صح على الميت بشهود عدول قبل أن يدرك الأوصياء الصغار؟ فوقع عليه السّلام: نعم على الأكابر من الولد أن يقضوا دين أبيهم و لا يحبسوه بذلك» (1).

(7) لما ذكر ذلك في خبر ابن يقطين مضافا إلى ظهور إجماعهم على ذلك كله.

(8) لوجود المقتضي للانفراد حينئذ و فقد المانع و لا تصل النوبة إلى تدخل الحاكم الشرعي لوجود منصوص الوصاية في البين.

(9) أما زوال الوصاية فلانتفاء المشروط بانتفاء شرطه. و أما عدم عودها بعد ذلك فلأصالة عدم العود بعد الزوال، و لا يشمله دليل النصب الأول لأنه كان من القضية الشخصية لا الكلية فانعدام الحكم الشخصي المنشأ بانعدام موضوعه و زواله فلا محالة يحتاج العود إلى نصب جديد، هذا إذا طالت مدة عروض الجنون و أما إذا قصرت فالحكم بالزوال مشكل لصدق بقاء الموضوع عرفا فيشمله دليل الجعل و النصب لا محالة، و لكن الأحوط الاستيذان من الحاكم مع ذلك أيضا.

(10) لانحصار ولاية النصب فيه حينئذ بعد موت الموصي.

(11) و هو المشهور بل ادعي عدم الخلاف فيه من غير الصدوق قدّس سرّه لأصالة

ص: 212


1- الوسائل باب: 50 من أبواب الوصايا.

.....

______________________________

عدم الوجوب في كل ما لم يثبت وجوبه بدليل معتبر، سواء كان احتمال الوجوب عينيا أو كفائيا أو غيرهما و إطلاق الفتاوى بعدم الوجوب و إرساله إرسال المسلمات و عدم استنكار عدم القبول عند المتشرعة في الجملة، و لو كان واجبا مطلقا لشاع و بان في هذا الأمر العام البلوى، مع ظهور النصوص منطوقا أو مفهوما في صحة الرد و عدم وجوب القبول في الجملة، قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في رواية ابن مسلم: «إن أوصى رجل إلى رجل و هو غائب فليس له أن يرد وصيته، و إن أوصى إليه و هو بالبلد فهو بالخيار إن شاء قبل و إن شاء لم يقبل» (1)، و عنه عليه السّلام أيضا في صحيح ابن حازم: «إذا أوصى الرجل إلى أخيه و هو غائب فليس له أن يرد عليه وصيته لأنه لو كان شاهدا فأبى أن يقبلها طلب غيره» (2)، و في صحيح ابن يسار عن الصادق عليه السّلام: «في رجل يوصى اليه، قال: إذا بعث بها إليه من بلد فليس له ردها و إن كان في مصر يوجد فيه غيره فذاك إليه» (3)، و عنه عليه السّلام أيضا في صحيح هشام بن سالم: «في الرجل يوصي إلى رجل بوصية فيكره أن يقبلها، فقال عليه السّلام: لا يخذله على هذه الحال» (4)، إلى غير ذلك من الأخبار، و المنساق من مجموعها بعد رد بعضها إلى بعض أن القبول بحسب الذات من حقوق الأخوة الإيمانية بل الإنسانية، لأنه من مصاديق قضاء الحوائج و فرع قبول الهدية و العطية، فكما أن قضاء حاجة المؤمن و قبول هديته و عطيته راجحة بحسب الذات و يتصف بالوجوب تارة و الحرمة أخرى لعوارض خارجة فكذا قبول الوصية فهو راجح بذاته، و قد يجب إن لزم من ردها ضرر و تضييع حق الموصي و قد يحرم إن لزم من قبولها ضرر على الوصي.

ثمَّ ان المراد بالغيبة و الحضور في النصوص إمكان وصول الرد إليه عرفا و عدم الإمكان كذلك، لأن ظاهر الإجماع على أنه لا موضوعية لنفس الغيبة و الحضور من حيث ذاتهما، و حيث أن الإيصاء إلى شخص نحو اعتماد عليه

ص: 213


1- الوسائل باب: 23 من أبواب الوصايا.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب الوصايا.
3- الوسائل باب: 23 من أبواب الوصايا.
4- الوسائل باب: 23 من أبواب الوصايا.

يردها ما دام الموصي حيا بشرط أن يبلغه الرد (12)، فلو كان الرد بعد موت الموصي أو قبله و لكن لم يبلغه الرد حتى مات لم يكن أثر للرد و كانت الوصاية لازمة على الوصي (13)، بل لو لم يبلغه أنه قد أوصى إليه و جعله وصيا إلا بعد موت الموصي لزمته الوصاية و ليس له ردها (14). و إن كان

______________________________

و استيمان له يكون لرده أثر على نفس الموصي من حيث رد الكرامة و الإحسان، و ربما يترتب عليه مفاسد إن لم يبلغه الرد و يشهد لذلك كله الوجدان كما هو معلوم لمن كان مورد ابتلاء هذه الأمور.

(12) لما مر من التعليل الذي ذكره أبو عبد اللّه عليه السّلام في رواية ابن حازم مضافا إلى ظهور اتفاقهم عليه.

(13) لإطلاق قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح ابن سالم السابق: «لا يخذله على هذه الحال» مضافا إلى ظهور الإجماع.

(14) لجريان ما تقدم في سابقة فيه أيضا هذه خلاصة ما ينبغي أن يقال في المقام، و أما الكلمات فهي مضطربة مشوشة من أراد العثور عليها فليراجع المطولات، مع انها اجتهادات فردية لا أن تكون كلها إجماعية و طريق الاحتياط أن يقبل و لا يرد مطلقا ما لم يكن ضرر شرعي في البين، و نسب إلى الصدوق قدّس سرّه وجوب القبول على الولد في وصية والده مستندا إلى مكاتبة ابن الريّان إلى أبي الحسن عليه السّلام: «كتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام رجل دعاه والده إلى قبول وصيته هل له أن يمتنع من قبول وصيته؟ فوقع عليه السّلام ليس له أن يمتنع»(1).

و فيه. أولا: أنه لا يستفاد منها إلا المجاملة الأخلاقية بين الولد و الوالد.

و ثانيا: على فرض استفادة الوجوب المطلق يمكن أن يكون ذلك لأجل انطباق عنوان ثانوي عليه و الكل يقولون بالوجوب حينئذ.

و ثالثا: أنها لا تقاوم النصوص الظاهرة في عدم الوجوب مطلقا كما مر

ص: 214


1- الوسائل باب: 24 من أبواب الوصايا.

الأحوط عدم الرد مطلقا خصوصا في وصية الوالد (15).

مسألة 27: يجوز للموصي أن يجعل الوصاية لاثنين فما فوق

(مسألة 27): يجوز للموصي أن يجعل الوصاية لاثنين فما فوق فإن نص على الاستقلال و الانفراد فهو (16) و إلا فليس لكل منهما الاستقلال بالتصرف لا في جميع ما أوصى به (17) و لا في بعضه، و ليس لهما أن يقسّما الثلث مثلا و ينفرد كل منهما في نصفه (18) من غير فرق في ذلك

______________________________

و كذا إطلاق ظواهر الفتاوي.

(15) ظهر وجه الاحتياط مما مر.

(16) للأصل و الإطلاق و ظهور الاتفاق و السيرة قديما و حديثا في الجملة.

(17) لأن جعل الوصاية من ناحيته و الاختيار بيده فله أن يفعل ما يشاء ما لم يكن نهي شرعي في البين و المفروض عدمه.

(18) لأن المنساق من تعدد الأوصياء عرفا مراعاة الوفاق و الإنفاق و شدة الاستيثاق بالنسبة إلى مجموع مورد الوصية و تبادل الأفكار و الانظار بالنسبة إليه، و الاستقلال و التقسيم ينافي ذلك كله مضافا إلى ظهور الإجماع و مكاتبة الصفار إلى أبي محمد عليه السّلام: «رجل كان أوصى إلى رجلين أ يجوز لأحدهما أن يتفرد بنصف التركة و الآخر بالنصف؟ فوقع عليه السّلام: لا ينبغي لهما أن يخالفا الميت و أن يعملا على حسب ما أمرهما إن شاء اللّه» (1)، و في رواية صفوان قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل كان لرجل عليه مال فهلك و له وصيان فهل يجوز أن يدفع.

إلى أحد الوصيين دون صاحبه؟ قال عليه السّلام: لا يستقيم إلا أن يكون السلطان قد قسم بينهما المال فوضع على يد هذا النصف و على يد هذا النصف أو يجتمعان بأمر سلطان» (2)، و المراد بتقسيم السلطان مورد الاضطرار إلى التقسيم لجهات خارجية.

ص: 215


1- الوسائل باب: 51 من أبواب الوصايا.
2- الوسائل باب: 51 من أبواب الوصايا.

بين أن يشترط عليهما الاجتماع أو يطلق (19)، و لو تشاحا و لم يجتمعا أجبرهما الحاكم على الاجتماع فإن تعذر استبدل بهما (20).

مسألة 28: لو مات أحد الوصيين أو طرأ عليه الجنون أو غيره مما يوجب ارتفاع وصايته

(مسألة 28): لو مات أحد الوصيين أو طرأ عليه الجنون أو غيره مما يوجب ارتفاع وصايته استقل الآخر و لا يحتاج إلى ضم شخص آخر من قبل الحاكم (21).

______________________________

و أما رواية بريد بن معاوية قال: «إن رجلا مات و أوصى إلى والي آخر أو إلى رجلين فقال أحدهما: خذ نصف ما ترك و أعطني النصف مما ترك فأبى عليه الآخر، فسألوا أبا عبد اللّه عليه السّلام عن ذلك فقال ذلك له» (1)، فمحمول على صورة الإذن من الموصي في ذلك أو عدم إمكان العمل بالوصية إلا بذلك و لا إشكال في الصحة حينئذ.

(19) لأن الإطلاق منصرف إلى ما هو المعهود من الاتفاق و تأكد الاستيثاق و تبادل الأفكار و الأنظار في مجموع مورد الوصية كما هو واضح.

(20) أما الإجبار فلأنه ولي الممتنع، و لأنه لا شأن لحكام الشرع الجامعين للشرائط إلا ذلك، و المسألة من صغريات الأمر بالمعروف بحسب مراتبه التي منها الإجبار. و أما الاستبدال لو انحصر الأمر به فلأنه من فروع ولايته على مثل هذه الأمور بعد عدم وصول نظره إلى طريق آخر يكون أقرب إلى مراعاة نظر الموصي مهما أمكن و حفظ مورد وصيته فيمن أوصى له بحسب الإمكان.

(21) أما ارتفاع الوصاية فلزوال موضوعها بالموت و فقد شرطها بالجنون.

و أما بقاء وصاية الآخر فيكفي فيه الأصل بلا إشكال. و أما استقلاله و عدم الاحتياج إلى نصب آخر فنسب إلى جمع مستدلا بأن التعدد كان مشروطا بالحيوة و اجتماع الشرائط و مع الموت أو فقد الشرط فينحصر نظر الموصي بالآخر لا محالة، و لأنه مع وجود الوصي في البين لا تصل النوبة إلى ولاية الحاكم فليس له جعل وصي آخر لعدم الولاية عليه. هذه خلاصة كلماتهم

ص: 216


1- الوسائل باب: 51 من أبواب الوصايا.

نعم، لو ماتا معا احتاج إلى النصب من قبله (22)، فهل اللازم نصب اثنين أو يكفي نصب واحد إذا كان كافيا؟ وجهان أحوطهما الأول و أقواهما الثاني (23).

مسألة 29: يجوز أن يوصي إلى واحد في شي ء بعينه و الى آخر في غيره

(مسألة 29): يجوز أن يوصي إلى واحد في شي ء بعينه و الى آخر في

______________________________

على طولها.

و فيه: أنه عين المدعى قرره بعبارة أخرى و مقتضى استصحاب عدم الاستقلالية للآخر عدم صحة استقلاله بالتصرف مطلقا ما لم يدل دليل على الخلاف مع أن ظاهر التعدد في الوصاية إن للتعدد موضوعية خاصة ما لم يقم دليل على الخلاف و هو مفقود مع إمكان الاستخلاف.

و دعوى: أنه لا ولاية للحاكم مع وجود الوصي. لا وجه له، لأنه فيما إذا كان الوصي الموجود قادرا على التصرف من كل جهة لا فيما إذا شك في صحة استقلاله بالتصرف، و لذا نسب إلى جمع منهم الشهيدين من أنه يضم إليه الحاكم شخصا.

و دعوى: أنه لو حظ الموضوعية في التعدد فتبطل وصاية الآخر أصلا لفرض زوال التعدد فيزول الحكم لا محالة.

فاسد: لأنه قد لا حظ الموصي في وصيته جهتان.

الأولى: ذات كل واحد من الوصيين.

الثانية: جهة اشتراكهما فيكون كل منهما مطلوب له بنحو تعدد المطلوب و زوال الثانية لا توجب زوال الجهة الأولى كما هو واضح.

(22) لانحصار الولاية فيه حينئذ فيفعل ما يقتضيه نظره.

(23) أما كون الثاني هو الأقوى فلزوال موضوع ولاية الولي الذاتي و تبدله إلى الولي الشرعي فكأنه بنفسه ولي في الوصاية فلا وجه لوجوب التعدد حينئذ، و أما الاحتياط فلمراعاة احتمال الموضوعية في التعدد مهما أمكن تداركه.

ص: 217

غيره و لا يشارك أحدهما الآخر (24).

مسألة 30: لو قال أوصيت إلى زيد، فإن مات فإلى عمرو صح

(مسألة 30): لو قال أوصيت إلى زيد، فإن مات فإلى عمرو صح (25) و يكونا وصيين إلا أن وصاية عمرو موقوفة على موت زيد و كذا لو قال أوصيت إلى زيد فإن كبر ابني أو تاب عن فسقه أو اشتغل بالعلم فهو وصيي.

مسألة 31: لو ظهرت خيانة الوصي فللحاكم عزله و نصب شخص آخر مكانه أو ضم أمين إليه

(مسألة 31): لو ظهرت خيانة الوصي فللحاكم عزله و نصب شخص آخر مكانه أو ضم أمين إليه حسب ما يراه من المصلحة (26)، و أما لو ظهر

______________________________

(24) أما الأول فللأصل و الإطلاق و الاتفاق. و أما الثاني فلأن التفصيل قاطع الشركة.

(25) الوجوه المتصورة في جعل الوصي ثلاثة.

الأول: عرضية كما إذا أوصى إلى زيد و عمرو بالتشريك.

الثاني: طولية كما إذا أوصى إلى زيد و بعد موته فإلى عمرو.

الثالث: مركب منهما كما إذا أوصى إلى زيد و عمرو بالتشريك و بعد موتهما فإلى بكر و خالد كذلك و هكذا، و الكل صحيح لأصالة الصحة و الإطلاق و الاتفاق، و لا فرق في ذلك كله بين الترتيب بحسب الموت أو زوال صفة أو تحقق وصف أو نحو ذلك من الأغراض الصحيحة العقلائية غير المنهية لاتحاد الجميع تحت كبرى واحدة. و منه يظهر الوجه في بقية المسألة و لا ريب في انتهاء وصية كل سابق مع صيرورة الوصية فعلية للاحقه.

(26) لأنه لم يجعل حاكما بين الناس إلا للقيام بمثل ذلك من الأمور الحسبية فيتصداها مباشرة أو تسبيبا حسب ما يراه من الجهات و الخصوصيات.

ثمَّ انه يمكن أن يقال: بانعزال الخائن بعد تحقق الخيانة منه إذ لا يرضى عاقل بكون وصيه خائنا فيما أوصى به فهي مانعة حدوثا و بقاء عن الوصاية.

نعم، لو كان الفسق و الخيانة في غير ما أوصى به لا وجه للانعزال بناء على

ص: 218

منه العجز ضم إليه من يساعده (27).

مسألة 32: إذا لم ينجز الوصي ما أوصى إليه في زمن حياته

(مسألة 32): إذا لم ينجز الوصي ما أوصى إليه في زمن حياته ليس له أن يجعل وصيا لتنجيزه و إمضائه بعد موته (28) إلا إذا كان مأذونا من الموصي في الإيصاء (29).

مسألة 33: الوصي أمين

(مسألة 33): الوصي أمين فلا يضمن ما كان في يده إلا مع التعدي أو التفريط و لو بمخالفة الوصية فيضمن لو تلف فضلا عما لو أتلف (30).

______________________________

عدم اعتبار العدالة خصوصا مع اطلاع الموصي عليه و جعله وصيا مع ذلك، و في مورد الانعزال يكون تدخل الحاكم الشرعي لإعلام الناس ببطلان تصرفاته فيما أوصى به و عدم ترتب الأثر عليها.

(27) أما عدم انعزال من عرض له العجز عن الوصاية فللأصل و الإطلاق و ظهور الاتفاق، و أما ضم المساعد فلأنه من صغريات الأمور الحسبية التي لا بد من قيام حكام الشرع بها، و لو ساعده الناس حسبة صح و لا يحتاج إلى الحاكم لحصول الغرض بذلك أيضا هذا إذا قدر على العمل بالوصية في الجملة و لكن عجز عن الاستقلال به. و لكن لو عجز عنه بالمرة لعروض عارضة من هرم أو نحوه فالظاهر انعزاله لزوال الموضوع عرفا فينصب الحاكم شخصا آخر مكانه.

(28) لأصالة عدم حق له على ذلك مضافا إلى ظهور الإجماع.

(29) لثبوت هذا الحق له حينئذ بإذن الموصي.

(30) أما كونه أمينا فلأن استيلائه على ما أوصى به كان بتسليط من الموصي و قرره الشرع أيضا و لا معنى للأمانة المالكية إلا هذا مضافا إلى إجماع المسلمين إن لم يكن من جميع المليين.

و أما عدم ضمان الأمين فلأن الضمان مخالف للاستيمان لنصوص كثيرة مرت في أبواب متفرقة (1)، بل بالضرورة الفقهية إن لم تكن عقلائية.

و أما الضمان مع التعدي أو التفريط و لو بالمخالفة فلزوال الاستيمان

ص: 219


1- راجع ج: 18 صفحة: 267.

مسألة 34: لو أوصى إليه بعمل خاص أو قدر مخصوص أو كيفية خاصة

(مسألة 34): لو أوصى إليه بعمل خاص أو قدر مخصوص أو كيفية خاصة اقتصر عليه و لم يتجاوز عنه إلى غيره (31)، و أما لو أطلق بأن قال:

«أنت وصي» من دون ذكر المتعلق فالأقرب وقوعه لغوا (32) إلا إذا كان هناك عرف خاص و تعارف يدل على المراد، فهو المتبع كما في عرف الاعراب و بعض طوائف الإعجام (33)، حيث أن مرادهم بحسب الظاهر الولاية على أداء ما عليه من الديون و استيفاء ماله على الناس و ردّ الأمانات و البضائع إلى أهلها و أخذها و إخراج ثلثه و صرفه فيما ينفعه و لو بنظر حاكم

______________________________

فيثبت الضمان حينئذ بالأدلة الأربعة كما تقدم في كتاب الضمان.

(31) لأصالة عدم جواز التصرف إلا فيما ما هو المأذون بالخصوص مضافا إلى الإجماع، و المستفاد من نصوص كثيرة مفهوما و منطوقا منها صحيح السعيد عن الصادق عليه السّلام قال: «سألته عن رجل يوصي بنسمة فيجعلها الوصي في حجة؟ فقال عليه السّلام: يغرمها و يقضي وصيته» (1)، و في رواية أبي سعيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سئل عن رجل أوصى بحجة فجعلها وصيه في نسمة؟

فقال عليه السّلام: يغرمها وصيه و يجعلها في حجة كما أوصى به فإن اللّه تبارك و تعالى يقول فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مٰا سَمِعَهُ فَإِنَّمٰا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ (2)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(32) لأصالة عدم ترتب الأثر على المجمل إلا إذا كان في البين ظهور في الإطلاق و لو بالانصراف أو قرينة معتبرة على التعيين و المفروض انتفاء كل منهما.

(33) لا اختصاص لذلك بالطائفتين بل يعم ذلك كل من ثبت في عرفه الإطلاق الانصرافي المعتبر أو القرينة المعتبرة المعينة.

ص: 220


1- الوسائل باب: 37 من أبواب الوصايا الحديث: 3.
2- الوسائل باب: 37 من أبواب الوصايا الحديث: 5.

الشرع من استيجار العبادات و أداء الحقوق و المظالم و نحوها (34).

نعم، في شموله بمجرده للقيمومة على الأطفال تأمل و إشكال (35)، فالأحوط أن يكون تصدّيه لأمورهم بإذن من الحاكم، و لعل المنساق منه في بعض البلاد ما يشملها و بالجملة بعد ما كان التعارف هو المدار فيختلف باختلاف الأعصار و الأمصار (36).

مسألة 35: ليس للوصي أن يعزل نفسه بعد موت الموصي و لا أن يفوّض أمر الوصية إلى غيره

(مسألة 35): ليس للوصي أن يعزل نفسه بعد موت الموصي و لا أن يفوّض أمر الوصية إلى غيره (37).

نعم، له التوكيل في إيقاع بعض الأعمال المتعلقة بالوصية مما لم يتعلق الغرض إلا بوقوعها من أي مباشر كان خصوصا إذا كان مما لم تجر

______________________________

(34) فيتحقق الإطلاق الانصرافي المعتبر حينئذ و يخرج اللفظ عن إجماله إلى ظهور الإطلاق فلا بد من العمل بالإطلاق حينئذ.

(35) لأن القيمومة عليهم أخص من مطلق الوصاية عرفا و تحتاج إلى عناية زائدة عند المتشرعة فهي تعد قسيما لمطلق الوصاية بنظرهم لا قسما منها، و الشك في الشمول يكفي في لزوم استيذان جديد لها من الحاكم ما لم يستظهر من الإطلاق أو القرينة التعميم حتى بالنسبة إلى هذه الجهة.

(36) فربما كانت قرينة معتبرة على التعميم لها أيضا و ربما كانت القرينة على التخصيص لغيرها، و ربما يشك في كل من التعميم أو التخصيص و لا ريب في الشمول في الأول و في الأخيرين يرجع إلى الحاكم و اللّه تعالى هو العالم.

(37) أما عدم صحة العزل فلما مر من عدم صحة رد الوصية مع عدم وصول الرد إلى الموصي و لزومها على الوصي حينئذ، و العزل مثل الرد عرفا و المفروض عدم إمكان الوصول إلى الموصي لمكان موته و إن شئت قلت الرد إما قولي أو فعلي و الثاني هو العزل. و أما عدم صحة التفويض إلى الغير فلأصالة عدم الولاية له على ذلك و عدم الإذن من الموصي في ذلك.

ص: 221

العادة على مباشرة أمثال هذا الوصي و لم يشترط عليه المباشرة (38).

مسألة 36: لو نسي الوصي مصرف الوصية

(مسألة 36): لو نسي الوصي مصرف الوصية صرف الموصى به في وجوه البر (39).

______________________________

(38) كل ذلك للأصل و الإطلاق و السيرة و الاتفاق في الجميع.

(39) نسب ذلك إلى المشهور لخبر ابن الريان، قال: «كتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام أسأله عن إنسان أوصى بوصية فلم يحفظ الوصي إلا بابا واحدا منها كيف يصنع في الباقي؟ فوقع عليه السّلام: الأبواب الباقية اجعلها في البر» (1)، و استظهروا من التتبع في الأدلة أن الأصل في كل مال لم يعلم مالكه و لا مصرفه أنه يصرف في البر كما ورد في المنذور للكعبة (2)، و الوقف المجهول المصرف (3)، و ما ورد في من أوصى بمال يحج عنه و لا يفي به (4)، إذ الصدقة الواردة في بعضها أعم من الصدقة على شخص خاص و الصدقة العامة على عامة المسلمين و هي جهات القربة و وجوه البر لكن لا بد و إن يقيد إطلاق هذا الحكم بأمور.

الأول: التروي و التفحص مقدمة للعمل بالوصية مهما أمكن لعله يتذكر ما نسي من الوصاية ثمَّ بعد اليأس يعمل بذلك.

الثاني: عدم كون أطراف الشبهة مرددة بين أطراف يرى المتشرعة بارتكازاتهم صحة التقسيط عليها.

الثالث: عدم الظفر على الجامع القريب بعد الفحص و التأمل و إلا فيصرف فيه.

ص: 222


1- الوسائل باب: 61 من أبواب الوصايا.
2- راجع الوسائل باب: 22 من أبواب مقدمات الطواف.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب الوقوف و الصدقات الحديث: 1.
4- الوسائل باب: 87 من أبواب الوصايا.

مسألة 37: إذا أوصى الميت وصية عهدية و لم يعين وصيا أو بطلت وصاية من عينه

(مسألة 37): إذا أوصى الميت وصية عهدية و لم يعين وصيا أو بطلت وصاية من عينه بموت أو جنون أو غير ذلك تولى الحاكم أمرها أو عين من يتولاه، و لو لم يكن الحاكم و لا منصوبه تولاه من المؤمنين من يوثق به (40).

مسألة 38: يجوز للموصي أن يجعل ناظرا على الوصي

(مسألة 38): يجوز للموصي أن يجعل ناظرا على الوصي و وظيفته تابعا لجعل الموصي (41)، فتارة من جهة الاستيثاق على وقوع ما أوصى به على ما أوصى به بجعل الناظر رقيبا على الوصي و أن يكون أعماله باطلاعه حتى أنه لو رأى منه خلاف ما قرره الموصي لاعترض عليه، و أخرى من جهة عدم الاطمئنان بأنظار الوصي و الاطمئنان التام بإنظار الناظر يجعل على الوصي أن يكون أعماله على طبق نظر الناظر و لا يعمل إلا ما رآه صلاحا، فالوصي و إن كان وليا مستقلا في التصرف لكنه غير مستقل في الرأي و النظر، فلا يمضي من أعماله إلا ما وافق نظر الناظر فلو استبدّ الوصي

______________________________

الرابع: عدم كون المورد من الأقل و الأكثر أو المتباينين و إلا فيؤخذ بالأقل في الأول و يتخير في الثاني.

ثمَّ ان الظاهر عدم الفرق بين الوصية العهدية و التمليكية أو هما معا.

(40) أما الأول فيتولى الحاكم مباشرة أو تسبيبا فللانحصار فيه حينئذ فيتصدى ذلك من باب ولاية الحسبة المنطبقة عليه قهرا، و كذا في من يوثق به من المؤمنين لانحصار القيام بمثل هذه الأمور بهم حينئذ، و أما تعبير بعض الفقهاء: ب «عدول المؤمنين» فقد ذكرنا في كتاب البيع أن العدالة في نظائر المقام لا موضوعية لها و انما هي طريق إلى الوثاقة و الأمانة و صحة العمل.

(41) أما أنه يجوز للموصي جعل الناظر فللأصل و الإطلاق و الاتفاق و السيرة المستمرة قديما و حديثا، و أما أن وظيفته تابعة للجعل فلأجل أن ذلك من فروع سلطنته و ولايته على الإيصاء إلى الغير، فهذان الحكمان في هذه

ص: 223

بالعمل على نظره من دون مراجعة الناظر و اطلاعه و كان عمله على طبق ما قرره الموصي فالظاهر صحة عمله و نفوذه على الأول بخلافه على الثاني (42)، و لعل الغالب المتعارف في جعل الناظر في الوصايا هو النحو الأول (43).

مسألة 39: يشترط في القيم على الأطفال ما اشترط في الوصي على المال

(مسألة 39): يشترط في القيم على الأطفال ما اشترط في الوصي على المال (44) و القول باعتبار العدالة هنا لا يخلو من قوة (45) و إن كان الاكتفاء بالأمانة و وجود المصلحة ليس ببعيد (46).

______________________________

المسألة من الضروريات الفقهية إن لم يكن من الفطريات.

(42) أما الصحة و النفوذ على الأول فلأن نظر الناظر كان من مجرد الطريقية لإتيان ما أوصى به، و المفروض تحققه على ما أراده الموصي بل لو منعه الناظر عن الإتيان و أتى الموصى به على نحو ما أراده الموصي لصح و كفى.

و أما عدم النفوذ على الثاني فمع توافق النظرين يصح و مع الاختلاف لا يصح، و للناظر إجازة ما فعله الوصي و وجه الكل معلوم.

(43) فمع حصول الشك عمل على النحو الأول و الاحتياط في أن يكون العمل بنظرهما.

(44) لعموم تلك الأدلة الشاملة للوصاية على المال و القيمومة على الأطفال، و قال في الجواهر: «قد اتفقت الأقوال على عدم الفرق بين متعلق الوصاية في ذلك من ولاية على قاصر أو على أداء حق لازم أو على صرف ثلث في وجوه البر أو نحو ذلك».

(45) لكثرة أهمية مورد الوصية فيه لأنها في المقام ولاية على النفس و قال باعتبار العدالة فيه من لم يقل بها في الوصاية على المال، و لكن يظهر من العبارة المتقدمة من الجواهر ظهور الإجماع على عدم الفرق.

(46) لأن المناط كله الوثاقة و الأمانة و إتيان الوظيفة بمقتضى التكليف

ص: 224

مسألة 40: لو عين الموصي على القيم تولي جهة خاصة و تصرفا مخصوصا اقتصر عليه

(مسألة 40): لو عين الموصي على القيم تولي جهة خاصة و تصرفا مخصوصا اقتصر عليه (47)، و يكون أمره في غيره إلى الحاكم أو المنصوب من قبله (48)، فلو جعله قيما بالنسبة إلى حفظ أمواله و ما يتعلق بإنفاقه ليس له الولاية على أمواله بالبيع و الإجارة و المزارعة و غيرها، و على نفسه بالإجارة و نحوها و على ديونه بالوفاء و الاستيفاء، و لو أطلق و قال فلان قيم على أولادي مثلا كان وليا على جميع ما يتعلق بهم (49) مما كان للموصي الولاية عليه، فله الإنفاق عليهم بالمعروف و الإنفاق على من عليهم نفقته كالأبوين الفقيرين و حفظ أموالهم و استنمائها، و استيفاء ديونهم و إيفاء ما عليهم كأرش ما أتلفوا من أموال الناس و كفارة القتل دون الدية فإنها في العمد و الخطأ على العاقلة، و كذا إخراج الحقوق المتعلقة بأموالهم كالخمس إذا تعلق بمالهم و غير ذلك (50).

نعم، في ولايته على تزويجهم كلام يأتي في محله (51) إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

الذي جعله الموصي و قرره الشرع، فلا وجه لاعتبار العدالة بعد ذلك فكم من ثقة أمين غير عادل أشد دقة و تحفظا لأداء حقوق الناس و مراعاة الأيتام و القصر من العادل الذي لا يرتكب المكروه بعقيدته؟!

(47) لحرمة تصرفه في غير المأذون فيه بالأدلة الأربعة كما تقدم مكررا.

(48) لانحصار الولاية على الصغير حينئذ فيه فيتصدى الأمور مباشرة أو تسبيبا.

(49) لظهور الإطلاق و الاتفاق و شهادة العرف و السيرة بذلك أيضا.

(50) لأن كل ذلك من لوازم التعميم المحقق و شؤون الإطلاق غير المقيد.

(51) و يأتي هناك ما يتعلق به إن شاء اللّه تعالى.

ص: 225

مسألة 41: يجوز جعل الولاية على الأطفال لاثنين

(مسألة 41): يجوز جعل الولاية على الأطفال لاثنين فما زاد بالاستقلال و الاشتراك و جعل الناظر على الوصي كالوصية بالمال (52).

مسألة 42: ينفق الوصي على الصبي من غير إسراف و لا تقتير

(مسألة 42): ينفق الوصي على الصبي من غير إسراف و لا تقتير (53) فيطعمه و يلبسه عادة أمثاله و نظرائه (54)، فإن أسرف ضمن الزيادة (55) و لو بلغ فأنكر أصل الإنفاق أو ادعى عليه الإسراف فالقول قول الوصي بيمينه، و كذا لو ادعى عليه أنه باع ماله من غير حاجة و لا غبطة (56).

نعم، لو اختلفا في دفع المال إليه بعد البلوغ فادعاه الوصي و أنكره الصبي قدم قول الصبي و البينة على الوصي (57).

______________________________

(52) كل ذلك لعموم ولاية الموصي و تسلطه على كل ما شاء و أراد ما لم ينه عنه الشارع و المفروض عدمه.

(53) لأنه المنساق من الأدلة بالنسبة إلى الصغير و الكبير و في رواية عيص بن القاسم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن اليتيم تكون غلته في الشهر عشرين درهما كيف ينفق عليه منها؟ قال عليه السّلام: قوته من الطعام و التمر، و سألته أنفق عليها ثلثها؟ قال: نعم و نصفها» (1).

(54) لأنه المتعارف بين الناس و الأدلة منزلة على ما هو المتعارف.

(55) لقاعدة «اليد» من غير دليل حاكم عليها مضافا إلى اتفاقهم على الضمان حينئذ و سقوط استيمانه بالتعدي.

(56) كل ذلك لأن الوصي أمين يقبل قوله باليمين ما لم تكن حجة معتبرة على الخلاف.

(57) لأصالة عدم الدفع فيقبل قول المنكر بيمينه إلا إذا أقام الوصي البينة على الدفع فيقبل قوله حينئذ لعموم «البينة على المدعي و اليمين على من أنكر» (2).

ص: 226


1- الوسائل باب: 74 من أبواب ما يكتسب به.
2- راجع الوسائل باب: 3 من أبواب كيفية الحكم- كتاب القضاء.

مسألة 43: يجوز للقيم الذي يتولى أمور اليتيم أن يأخذ من ماله أجرة مثل عمله

(مسألة 43): يجوز للقيم الذي يتولى أمور اليتيم أن يأخذ من ماله أجرة مثل عمله (58). سواء كان غنيا أو فقيرا (59)، و إن كان الأحوط

______________________________

(58) لأن ذلك هو المستفاد من الآية الكريمة وَ مَنْ كٰانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَ مَنْ كٰانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ (1)، في الجملة، و النصوص الكثيرة، و أصالة احترام العمل، و الإجماع، و السيرة و في الصحيح عن هشام بن الحكم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عمن تولى مال اليتيم ماله أن يأكل منه؟

فقال عليه السّلام: ينظر إلى ما كان غيره يقوم به من الأجر لهم فليأكل بقدر ذلك» (2)، و هذه الصحيحة معتبرة سندا و صريحة متنا و من الأخبار المحكمة فلا بد من رد غيرها إليه أو طرحها. و في صحيح ابن سنان عن الصادق عليه السّلام: «في قول اللّه عز و جل فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ قال عليه السّلام: المعروف هو القوت و إنما عنى الوصي أو القيم في أموالهم و ما يصلحهم» (3)، و المراد بالقوت المتعارف فينطبق على الصحيحة الأولى هذا إذا وسع المال للصرف على حوائج اليتيم، و أما إذا لم يسع إلا للصرف على اليتيم فقط فليس له أن يضر باليتيم و يأخذ أجرة المثل منه و له أن يأخذ أجرة مثل عمله من بيت المال لأنها معدة للمصالح و المقام منها، و عليه يحمل ما عنه عليه السّلام في صحيح الكناني: «فإن كان المال قليلا فلا يأكل منه شيئا»(4). و أما ما عنه عليه السّلام أيضا في قوله: «فليأكل بالمعروف قال كان أبي عليه السّلام يقول: إنها منسوخة» (5)، فلا بد من حمل النسخ فيه على التخصيص أي انها مختصة بخصوص من عمل لليتيم و أصلح شأنه و ماله لا كل من يصاحب اليتيم يجوز له أن يأكل من ماله بل لا بد من التنزه عن ذلك مهما أمكن.

(59) لا يخفى أن إطلاقات مثل هذه الروايات يشمل الغني و الفقير، مع أن أخذ أجرة المثل موافق للقاعدة و لا ينافي ذلك وجوب العمل عليه كما في

ص: 227


1- سورة النساء: 6.
2- الوسائل باب: 72 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 5.
3- الوسائل باب: 72 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 1.
4- الوسائل باب: 72 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 3.
5- الوسائل باب: 72 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 11.

الأولى للأول التجنب (60)، و أما الوصي على الأموال فإن عين الموصي مقدار المال الموصى به و طبقه على مصرفه المعين بحيث لم يبق شيئا لأجرة الوصي و استلزم أخذ الأجرة، اما الزيادة عن المال الموصى به أو النقصان في مقدار المصرف كما إذا أوصى بأن يصرف ثلثه أو عينا معينا من تركته أو مقدارا من المال كألف درهم في استيجار عشرين سنة عبادة كل سنة كذا مقدارا أو إطعام خمسين فقيرا بخمسين درهما، و قد ساوى المال مع المصرف بحيث لو أراد أن يأخذ شيئا لنفسه لزم أحد الأمرين المذكورين لم يجز له أن يأخذ الأجرة لنفسه، حيث أن مرجع هذه الوصية إلى الإيصاء إليه بأن يتولى أمور الوصية تبرعا و بلا أجرة، فهو كما لو نص على ذلك و الوصي قد قبل الوصاية على هذا النحو فلم يستحق شيئا (61)،

______________________________

وجوب بذل الطعام عند الغلاء مع صحة أخذ العوض و القيمة.

(60) لقوله تعالى وَ مَنْ كٰانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ (1)، الظاهر في مطلق الرجحان لأن مادة الاستعفاف تدل على الرجحان إلا إذا كانت قرينة في البين تدل على الوجوب، مع أن قاعدة احترام العمل من القواعد النظامية المقررة شرعا المتقنة لا تصلح للتقييد بمثل الآية المجملة من هذه الجهة و كذا ما سيقت مساقها من الأخبار كما لا يخفى على أولي الأبصار، و أما الكلمات فهي مختلفة مشوشة من شاء أن يصرف عمره بلا فائدة فليراجع المطولات.

(61) نفس الاقدام على هذا العمل أعم من إسقاط حرمة العمل و قصد التبرع فله أن لا يقصد التبرع و يأخذ أجرة عمله من الوجوه المنطبقة كبيت المال و سهم سبيل اللّه، خصوصا إن كان في العمل صعوبات و مشقات لا يرغب فيه الناس إلا بالأجرة.

ص: 228


1- سورة النساء: 6.

و إن عين المال و المصرف على نحو قابل للزيادة و النقصان كان حاله حال متولي الوقف في أنه لو لم يعين له جعلا معينا جاز له أن يأخذ أجرة مثل عمله (62)، و ذلك كما إذا أوصى بأن يصرف ثلثه أو مقدارا معينا من المال في بناء القناطر و تسوية المعابر و تعمير المساجد، و كذا لو أوصى بأن يعمر المسجد الفلاني من ماله أو من ثلثه.

مسألة 44: الوصية جائزة من طرف الموصي

(مسألة 44): الوصية جائزة من طرف الموصي (63) فله أن يرجع عن وصيته ما دام فيه الروح و تبديلها من أصلها أو من بعض جهاتها و كيفياتها و متعلقاتها، فله تبديل الموصى به كلا أو بعضا و تغيير الوصي

______________________________

(62) لأصالة احترام العمل و عدم المنافاة في العمل بالوصية مع أخذ الأجرة عليه، فإن لبناء كل مسجد و تسوية معبر و بناء قنطرة قيم يقوم بتنظيم هذه الأمور و يأخذ أجرة و تعد الأجرة من مصارف نفس تلك الأمور و من المال الذي يصرف فيها و يكون الوصي حينئذ مثل القيم على هذه الأمور.

(63) للإجماع و الاعتبار لأن المال و الرأي و النظر في معرض التغير و التبدل و الزوال و ما هذا شأنه فكيف يبقى على كل حال، و تدل عليه نصوص مستفيضة إن لم تكن متواترة، و قد وردت على طبق فطرة العقول و ما ارتكز في النفوس منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في الصحيح: «للموصي أن يرجع في وصيته إن كان في صحة أو مرض» (1)، و عنه عليه السّلام أيضا: «لصاحب الوصية أن يرجع فيها و يحدث في وصيته ما دام حيا» (2)، إلى غير ذلك مما سيق هذا المساق، فالوصية إما لازمة من الطرفين كما إذا قبلها الوصي و مات الموصي، و إما جائزة منهما كما في زمان حياتهما و إمكان وصول رد الوصي إلى الموصي، و إما جائزة من طرف الموصي و لازمة من طرف الوصي و هي ما إذا رد الوصي و لم يبلغ الرد إلى الموصي، و قد تقدم الكلام في المسائل السابقة.

ص: 229


1- الوسائل باب: 18 من أبواب الوصية الحديث: 3.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب الوصية الحديث: 4.

و الموصى له و غير ذلك (64).

و لو رجع عن بعض الجهات يبقى غيرها بحالها (65) فلو أوصى بصرف ثلثه في مصارف مخصوصة و جعل الوصاية لزيد ثمَّ بعد ذلك عدل عن وصاية زيد و جعل الوصاية لعمرو تبقى أصل الوصية بحالها، و كذلك إذا أوصى بصرف ثلثه في مصارف معينة على يد زيد ثمَّ بعد ذلك عدل عن تلك المصارف و عين مصارف أخرى و هكذا (66) و كما له الرجوع في الوصية المتعلقة بالمال كذلك له الرجوع في الوصية بالولاية على

______________________________

(64) كل ذلك للإطلاق و الاتفاق و التصريح ببعض ما ذكر في بعض الروايات.

(65) للأصل و الإطلاق و الاتفاق.

(66) الأقسام كثيرة.

الأول: الرجوع عن الموصي و الوصي معا.

الثاني: الرجوع عن أحدهما.

الثالث: الرجوع عن بعض الموصى به.

الرابع: تشريك الوصي مع غيره.

الخامس: عكس ذلك.

السادس: تغير وصف ذكره سابقا.

السابع: بيان صفة لم يذكرها سابقا.

الثامن: تعجيل ما أجله سابقا.

التاسع: عكس ذلك.

العاشر: تقليل ما كثرة أو عكس ذلك.

الحادي عشر: تنجيز ما وصى به، إلى غير ذلك من الأقسام المتصورة

ص: 230

الأطفال (67).

مسألة 45: يتحقق الرجوع عن الوصية بالقول

(مسألة 45): يتحقق الرجوع عن الوصية بالقول (68)، و هو كل لفظ دال عليه بحسب متفاهم العرف بأي لغة كان نحو رجعت عن وصيتي أو أبطلتها و عدلت عنها أو نقضتها و نحوها. و بالفعل و هو إما بإعدام موضوعها كإتلاف الموصى به و كذا نقله إلى الغير بعقد لازم كالبيع أو جائز كالهبة مع القبض. و إما بما يعد عند العرف رجوعا و إن بقي الموصى به بحاله و في ملكه كما إذا و كل شخصا على بيعه أو وهبته و لم يقبض بعد (69).

مسألة 46: الوصية بعد ما وقعت تبقى على حالها و يعمل بها ما لم يرجع الموصي

(مسألة 46): الوصية بعد ما وقعت تبقى على حالها و يعمل بها ما لم يرجع الموصي و إن طالت المدة و لو شك في الرجوع- و لو للشك في كون

______________________________

و الكل صحيح ما لم يحل بينه و بينها هادم اللذات كما في ظاهر الروايات (1).

(67) لعموم الأدلة و إطلاقها الشامل للجميع.

(68) المذكور في الروايات: «يرجع» و «يرد» و «هو بالخيار»(2)، و المرجع في جميع ذلك هو العرف و أهل المحاورة كما هو الشأن في كل ما لم يرد فيه تحديد شرعي، و الرجوع عند العرف إما قولي أو فعلي و هو.

تارة: يحكم بتحققه قولا أو فعلا بأي قول أو فعل كان.

و أخرى: يحكم بالعدم أو يتردد فيه، و لا ريب في تحققه في الأول و أما الأخيران فيكفي في عدم تحققه استصحاب بقاء الوصية كما هو واضح.

(69) لأن المتعارف يحكمون في مثلهما بتحقق الرجوع و في مورد الشك يرجع إلى الأصل كما مر.

ص: 231


1- الوسائل باب: 18 من أبواب الوصايا الحديث: 4 و 6.
2- راجع جميع ذلك في الوسائل باب: 18 من أبواب الوصايا.

لفظ أو فعل رجوعا- يحكم ببقائها و عدم الرجوع (70)، لكنه فيما إذا كانت الوصية مطلقة بأن كان مقصود الموصي وقوع مضمون الوصية و العمل بها بعد موته في أي زمان قضى اللّه عليه، فلو كانت مقيدة بموته في سفر كذا أو عن مرض كذا و لم يتفق موته في ذلك السفر أو عن ذاك المرض بطلت تلك الوصية (71) و احتاج إلى وصية جديدة، و لا ريب أن الغالب في الوصايا و لا سيما ما تقع عند المسافرة إلى البلاد البعيدة بالطرق الغير المأمونة كسفر الحج و نحوه و في حال الأمراض الشديدة و أمثال ذلك قصر نظر الموصي إلى موته في ذلك السفر و في ذلك المرض، و قد يصرّح بذلك و قد يشهد بذلك ظاهر حاله بحيث لو سأل عنه إذا رجعت عن هذا السفر سالما أو طبت عن هذا المرض إن شاء اللّه تعالى و بقيت مدة مديدة هل تعمل بهذه الوصية؟ يقال: لا، لا بدّ لي من نظر جديد و وصية أخرى، و حينئذ يشكل العمل بالوصايا الصادرة عند الأسفار و في حال الأمراض بمجرد عدم رجوع الموصي و عدم نسخها بوصية أخرى خصوصا مع طول المدة إلا إذا علم بالقرائن و ظهر من حاله أن عدم الإيصاء الجديد منه إنما هو لأجل الاعتماد على الوصية السابقة، كما إذا شوهد منه المحافظة على ورقة الوصية و تكرر منه ذكرها عند الناس و اشهادهم بها (72).

______________________________

(70) لاستصحاب البقاء و ظاهر الحال و ظهور الإجماع.

(71) لفرض أنها كانت محدودة بحد خاص و مدة مخصوصة فلا وجه لبقائها حينئذ.

(72) لتحقق الأمارة المعتبرة حينئذ على أنها كانت مطلقة لا مقيدة بحد مخصوص فيجري عليها حكم الوصية المطلقة.

ص: 232

مسألة 47: لا تثبت الوصية بالولاية سواء كانت على المال أو على الأطفال إلا بشهادة عدلين من الرجال

اشارة

(مسألة 47): لا تثبت الوصية بالولاية سواء كانت على المال أو على الأطفال إلا بشهادة عدلين من الرجال (73)، و لا تقبل فيها شهادة النساء لا منفردات و لا منضمات مع الرجال، و أما الوصية بالمال فهي كسائر الدعاوي المالية تثبت بشهادة رجلين عدلين و شاهد و يمين و شهادة رجل و امرأتين (74)، و

تمتاز بين الدعاوي المالية بأمرين
اشارة

تمتاز بين الدعاوي المالية بأمرين.

أحدهما: انها تثبت بشهادة النساء منفردات

أحدهما: انها تثبت بشهادة النساء منفردات و إن لم تكمل الأربع و لم تنضم اليمين فتثبت ربع الوصية بواحدة (75)، و نصفها باثنين و ثلاثة

______________________________

(73) أما عدم الثبوت مطلقا فللإجماع و لأصالة عدم الحجية و عدم ترتب الأثر إلا في خصوص ما قام عليه الدليل.

و أما الثبوت بعدلين من الرجال فللأدلة الثلاثة فمن الكتاب قوله تعالى:

يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهٰادَةُ بَيْنِكُمْ إِذٰا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنٰانِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرٰانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصٰابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ (1)، و من السنة إطلاق ما دل على صحة شهادة البينة كما يأتي في كتاب الشهادات إن شاء اللّه تعالى و من الإجماع إجماع المسلمين.

(74) كل ذلك لإجماع الإمامية و ما يأتي من دليل هذا التفصيل في كتاب الشهادات.

و أما ما ورد من أنه لا تقبل شهادة المرأة إلا في المنفوس و العذرة (2)، فأسقطه عن الاعتبار للتعارض (3)، و الإعراض.

(75) لإطلاق معقد الإجماع و النصوص منها موثق ربعي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في شهادة امرأة حضرت رجلا يوصي، فقال: يجوز في ربع ما أوصى بحساب شهادتها» (4)، و هذه من المسائل النادرة التي تقبل فيها شهادة المرأة دون الرجل حيث لم يقل أحد بقبول شهادة رجل واحد في ربع الوصية

ص: 233


1- سورة المائدة: 106.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب الشهادات الحديث: 24.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب الشهادات الحديث: 33.
4- الوسائل باب: 24 من أبواب الشهادات الحديث: 16.

أرباعها بثلاث و تمامها بأربع (76).

ثانيهما: انها تثبت بشهادة رجلين ذميين عدلين في دينهما

ثانيهما: انها تثبت بشهادة رجلين ذميين عدلين في دينهما عند الضرورة و عدم عدول المسلمين (77) و لا تقبل شهادة غير أهل الذمة من

______________________________

بل تقبل شهادته في تمامها بيمينه و المرأة لا تحتاج إلى يمين.

(76) لأنه من اللوازم العرفية بل العقلية لثبوت الوصية في الربع بواحدة ثبوت نصفها باثنين و ثلاثة أرباعها بثلاث و تمامها بأربع، مع أن الأخير مطابق للأدلة الدالة على أن أربع نسوة كرجلين في الشهادة (1)، مضافا إلى الإجماع في كل ذلك.

(77) كتابا و سنة و إجماعا ففي صحيح حمزة بن حمران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن قول اللّه عز و جل ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرٰانِ مِنْ غَيْرِكُمْ؟ فقال اللذان منكم مسلمان و اللذان من غيركم من أهل الكتاب فقال:

إذا مات الرجل المسلم بأرض غربة فطلب رجلين مسلمين يشهدهما على وصيته فلم يجد مسلمين فليشهد على وصيته رجلين ذميين من أهل الكتاب مرضيين عند أصحابهما» (2)، و قريب منه غيره.

و أما خبر يحيى بن محمد المشتمل على قبول شهادة المجوسي بعد فقدان أهل الذمة فلا عامل به منا، قال: «سألت أبا عبد اللّه عن قول اللّه عز و جل يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهٰادَةُ بَيْنِكُمْ إِذٰا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنٰانِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرٰانِ مِنْ غَيْرِكُمْ قال: اللذان منكم مسلمان و اللذان من غيركم من أهل الكتاب فإن لم تجدوا من أهل الكتاب فمن المجوس- الحديث-» (3).

ص: 234


1- الوسائل باب: 15 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 5.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب الوصايا الحديث: 7.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب الوصايا الحديث: 6.

الكفار (78).

مسألة 48: إذا كانت الورثة كبارا و أقروا كلهم بالوصية بالثلث و ما دونه لوارث أو أجنبي

(مسألة 48): إذا كانت الورثة كبارا و أقروا كلهم بالوصية بالثلث و ما دونه لوارث أو أجنبي أو بأن يصرف على الفقراء مثلا تثبت في تمام الموصى به و يلزمون بالعمل بها أخذا بإقرارهم (79)، و لا يحتاج إلى بينة (80)، و إذا أقر بها بعضهم دون بعض فإن كان المقرّ اثنين عادلين تثبت أيضا في التمام لكونه إقرارا بالنسبة إلى المقرّ و شهادة بالنسبة إلى غيره فلا

______________________________

(78) للأصل و التصريح بأهل الكتاب في الأخبار (1)، كما مر بعضها.

و ما ورد من ذكر الكافر أو أهل الكتاب لا بد و أن يحمل على الذمي فمجموع الأخبار أقسام ثلاثة.

الأول: ما اشتمل على الكافر (2).

الثاني: ما اشتمل على أهل الكتاب (3).

الثالث: ما اشتمل على الذمة كما مر، و لا بد من تقييد الأولين بالأخير كما هو مقتضى الصناعة. و سيأتي في كتاب الشهادات بعض الفروع المتعلقة بالمقام.

(79) لأن «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (4)، باعتراف جميع العقلاء و قررهم الشارع على ذلك.

(80) لأنها من اللغو و من تحصيل الحاصل بعد الإقرار الجامع للشرائط.

ص: 235


1- الوسائل باب: 20 من أبواب الوصايا.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب الوصايا الحديث: 2 و 9 و 10.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب الوصايا الحديث: 1 و 3 و 5.
4- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب الإقرار.

يحتاج إلى بينة أخرى (81)، و إلا تثبت بالنسبة إلى حصة المقر خاصة أخذا بإقراره (82)، و أما بالنسبة إلى حصة الباقين يحتاج إلى البينة (83).

نعم، لو كان المقرّ عدلا واحدا و كانت الوصية بالمال لشخص أو أشخاص كفى ضم يمين المقر له مع إقرار المقر في ثبوت التمام (84)، بل لو كان المقر امرأة تثبت في ربع حصة الباقين إن كانت واحدة و في نصفها إن كانت اثنتين و في ثلاثة أرباعها إن كانت ثلاثة و في تمامها إن كانت أربع، و بالجملة بعد ما كان المقر من الورثة شاهدا بالنسبة إلى حصة الباقي كان كالشاهد الأجنبي فيثبت به ما يثبت به (85).

______________________________

(81) لفرض قيام البينة بالنسبة إلى حصة غير المقر و تمامية الحجة فيكون الاحتياج إلى البينة الأخرى من اللغو الباطل، و في رواية إسحاق ابن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل مات فأقر بعض ورثته لرجل بدين قال عليه السّلام: يلزم ذلك في حصته» (1)، و قريب منه غيره و في حديث آخر: «إن شهد اثنان من الورثة و كانا عدلين أجيز ذلك على الورثة، و إن لم يكونا عدلين الزم ذلك في حصتهما» (2).

(82) فيكون المقتضي لترتب الأثر موجودا و المانع عنه مفقود فلا بد من ترتبه.

(83) لأصالة عدم ثبوت كل دعوى إلا بحجة معتبرة شرعا.

(84) لدخوله حينئذ تحت القاعدة الكلية من أن الدعاوي المالية تثبت بالشاهد الواحد و اليمين على ما يأتي في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.

(85) لإطلاق دليل ما ورد في قبول شهادة المرأة في الوصية على ما مر من التفصيل و إطلاق دليل قبول شهادة العدل الواحد مع اليمين (3)، الشامل للوارث

ص: 236


1- الوسائل باب: 20 من أبواب الوصايا الحديث: 3.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب الوصايا الحديث: 7.
3- راجع الوسائل باب: 14 من أبواب كيفية الحكم.

مسألة 49: إذا أقرّ الوارث بأصل الوصية كان كالأجنبي

(مسألة 49): إذا أقرّ الوارث بأصل الوصية كان كالأجنبي (86) فليس له إنكار وصاية من يدعي الوصاية و لا يسمع منه هذا الإنكار كغيره (87).

نعم، لو كانت الوصية متعلقة بالقصر أو العناوين العامة كالفقراء، أو وجوه القرب كالمساجد و المشاهد، أو الميت نفسه كاستيجار العبادات و الزيارات له و نحو ذلك لكل من يعلم بكذب من يدعي الوصاية خصوصا إذا رأى منه الخيانة الإنكار عليه و الترافع معه عند الحاكم من باب الحسبة (88)، لكن الوارث و الأجنبي في ذلك سيّان (89).

______________________________

و الأجنبي، مضافا إلى ظهور تسالمهم على ذلك كله.

(86) لعموم دليل اعتبار الإقرار الجامع للشرائط الشامل لكل منهما فيجب على الوارث إنفاذ الوصية بمقتضى إقراره كما في كل إقرار صدر من كل مقر.

(87) لأصالة عدم حق له على الإنكار و عدم كونه طرفا بالنسبة إليه لا نفيا و لا إثباتا و انما كان طرفا بالنسبة إلى أصل الوصية و قد أقر بها فسقط حقه من كل جهة.

(88) و هي أمور علم رضاء الشرع بالقيام بها على النحو المشروع من كل أحد بلا اختصاص بفرد دون آخر لشمول مثل قوله صلّى اللّه عليه و آله: «كل معروف صدقة» (1)، و قوله عليه السّلام: «اللّه في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه» (2). و لكن نسب إلى المشهور توقفهما على الاستيذان من الحاكم، و الظاهر أن التوقف عليه انما هو طريق للإتيان بها صحيحا شرعا، فإذا كان العامل بها ثقة و عارفا بكيفية العمل و خصوصياته و موانعه لا موضوع للاستيذان حينئذ، و قد تعرضنا للمسألة في المواضع المناسبة لها فراجع.

(89) لشمول عموم دليل محبوبيتها و وجوبها الكفائي للكل على حد

ص: 237


1- الوسائل باب: 1 من أبواب فعل المعروف الحديث: 5.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب فعل المعروف الحديث: 2.

نعم، فيما إذا تعلقت بأمور الميت لا يبعد أولوية الوارث من غيره و اختصاص حق الدعوى به مقدما على غيره (90).

مسألة 50: إذا تصرف الإنسان في مرض موته

(مسألة 50): إذا تصرف الإنسان في مرض موته فإن كان معلقا على موته كما إذا قال أعطوا فلانا بعد موتي كذا أو هذا المال المعين أو ثلث مالي أو ربعه أو نصفه مثلا لفلان بعد موتي و نحو ذلك فهو وصية (91)، و قد عرفت أنها نافذة مع اجتماع الشرائط ما لم تزد على الثلث و في الزائد موقوف على إجازة الورثة (92)، كالواقعة في مرض آخر غير مرض الموت أو في حال الصحة (93)، و إن كان منجزا بمعنى كونه غير معلق على الموت و إن كان معلقا على أمر آخر فإن لم يكن مشتملا على المجانية

______________________________

سواء كسائر الواجبات الكفائية في الشريعة الغراء.

(90) لاقتضاء مرتكزات المتشرعة ذلك بل جميع الأنام، و تقدم في أحكام التجهيزات ما يناسب المقام و لباب المقال: أن تصرف الشخص إما فيما بعد موته أولا. و الثاني إما في مرض موته أو لا، و الكل صحيح مطلقا إلا الأول فإنه يصح في الثلث مع عدم إجازة الورثة.

نعم، وقع الخلاف في المنجزات في مرض الموت، و تقدم في كتاب الحجر نفوذها مطلقا فراجع.

(91) لغة و عرفا و شرعا نصا (1)، و إجماعا و تقدم بعض الكلام في أول كتاب الوصية فراجع.

(92) تقدم ما يتعلق بكل ذلك فلا وجه للإعادة.

(93) كل ذلك لعموم أدلة الوصية و إطلاقها و ظهور الإجماع و قاعدة السلطنة الشامل لذلك كله.

ص: 238


1- راجع الوسائل باب: 14 من أبواب الوصايا الحديث: 1.

و المحاباة كبيع شي ء بثمن المثل و اجارة عين بأجرة المثل فهو نافذ بلا إشكال (94)، و إن كان مشتملا على المحاباة (95) بأن لم يصل ما يساوي ماله إليه، سواء كان مجانا محضا كالوقف و العتق و الإبراء و الهبة الغير المعوضة أم لا كالبيع بأقل من ثمن المثل و الإجارة بأقل من أجرة المثل و الهبة المعوضة بما دون القيمة و غير ذلك، ففي نفوذه مطلقا أو كونه مثل الوصية في توقف ما زاد على الثلث على إمضاء الورثة قولان معروفان أقواهما الأول كما مرّ في كتاب الحجر (96).

مسألة 51: إذا جمع في مرض الموت بين عطية منجزة و معلقة بالموت

(مسألة 51): إذا جمع في مرض الموت بين عطية منجزة و معلقة بالموت فإن و في الثلث بهما لا إشكال في نفوذهما في تمام ما تعلقتا به (97)، و إن لم يف بهما فعلى المختار من إخراج المنجزة من الأصل يبدأ بها فتخرج من الأصل و تخرج المعلقة من ثلث ما بقي (98)، و أما على القول الآخر فإن أمضى الورثة تنفذان معا (99)، و إن لم يمضوا تخرجان معا من الثلث و يبدأ أولا بالمنجزة (100) فإن بقي شي ء يصرف في المعلقة.

______________________________

(94) لقاعدة السلطنة و الإطلاق و الاتفاق.

(95) و وقع في مرض الموت.

(96) و تقدم ما يتعلق بذلك كله فلا وجه للإعادة.

(97) لوجود المقتضي لصحة الصرف و المصرف فيهما و انتفاء المانع عنها فلا بد حينئذ من صحتهما معا كذلك.

(98) لصيرورة المنجز حينئذ كسائر الديون المالية التي تقدم على الوصية.

(99) لوجود المقتضي و انتفاء المانع لنفوذهما معا حينئذ.

(100) و إن كانت متأخرة لأن لها مالك فعلي في حياة الموصي فهي ماله

ص: 239

مسألة 52: لو أوصى بالقسط أو النصيب، أو القليل، أو الكثير

(مسألة 52): لو أوصى بالقسط أو النصيب، أو القليل، أو الكثير، فإن علم المراد و لو بالقرينة المعتبرة يعمل بها و إلا فيؤخذ بما يصدق عليه ذلك العنوان عرفا، و كذا لو أوصى بالجزء أو السهم (101). و كذا مثل الوصية بالمتاع في الصندوق أو السفينة.

______________________________

فلا يزاحمه غيره.

ثمَّ ان المنجزة تفارق الوصية في أمور.

الأول: ان الوصية معلقة على ما بعد الموت بخلاف المنجزة.

الثاني: ان المنجزة من الأصل بناء على التحقيق بخلاف الوصية فإنها من الثلث قولا واحدا.

الثالث: المنجزة لازمة بخلاف الوصية فإن فيها تفصيل تقدم.

(101) المناط كله على ما يفهم اللفظ و لو بالقرائن. و عن الباقر عليه السّلام: «إن الجزء يحمل على العشر» (1)، و عن الرضا عليه السّلام: «إن السهم يحمل على الثمن» (2).

و الأخذ بإطلاقهما ما لم تكن قرينة في البين مشكل.

ص: 240


1- الوسائل باب: 54 من أبواب الوصايا.
2- الوسائل باب: 55 من أبواب الوصايا.

بسم اللّه الرحمن الرحيم

كتاب الأيمان و النذور

اشارة

كتاب الأيمان و النذور

______________________________

مادة اليمين بأي هيئة استعملت يستأنس منها القوة و القهر و الغلبة فهذا هو الجامع بين متفرعات هذا اللفظ و مشتقاته. و القسم يمين لأنه يوجب قوة المقسم به و تأكده، و القسم من الأمور المتعارفة في جميع الأعصار و الأزمان و الملل و الأديان بل القسم بالعظيم و المحبوب من جبلة النفوس و القلوب سيما حضرت المحبوب جل شأنه خلّاق البرايا و الآفاق، و قد قسم اللّه تعالى بمخلوقاته، لأنها دلائل وجوده و آيات ظهوره و أشعة نوره، و قسم خليل الرحمن و أحفاده مذكور في القرآن وَ تَاللّٰهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنٰامَكُمْ (1)، و تَاللّٰهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ (2)، و أفضل أقسامه تعالى قوله جل شأنه فَلٰا وَ رَبِّكَ (3)، فإنه قسم بمقام الربوبية الذي هو من أعظم المقامات الألوهية و الخالقية ثمَّ إضافة ذلك إلى مقام نبيه صلّى اللّه عليه و آله الذي هو أشرف خلقه و قوله تعالى:

لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ (4)، لأنه قسم بمراتب جلاله تعالى و جماله و قوله تعالى وَ الْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسٰانَ لَفِي خُسْرٍ (5)، لأن المراد به عصر طي بساط الجور و الطغيان و بسط جهات العدل و الإحسان و كمال الحجة الباطنية في

ص: 241


1- سورة الأنبياء: 57.
2- سورة يوسف: 85.
3- سورة النساء: 65.
4- سورة الحجر: 72.
5- سورة العصر: 1- 2.

كتاب الأيمان و النذور

اليمين

اشارة

اليمين: هو الحلف باللّه تعالى لترك فعل فيما مضى أو عدم إتيان فعل فيما يأتي (1).

و يطلق عليه القسم أيضا (2).

و هو على أقسام

اشارة

و هو على أقسام (3):

______________________________

جميع أفراد الإنسان، و قسم عدونا إبليس في أقدم العصور الماضية قبل ظهور الإنسان على الساهرة ورد في القرآن الكريم فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلّٰا عِبٰادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (1)، و بالجملة: القسم بالعزيز مقتضى الطبع و الغريزة، و كلما عظم المقسم به زاد أهمية القسم به حتى ينتهي إلى عظيم لا نهاية لعظمته و جلاله و كبريائه و قيموميته فلا ينبغي أن يقسم به في كل شي ء صادقا فضلا عن أن يكون كاذبا قال تعالى وَ لٰا تَجْعَلُوا اللّٰهَ عُرْضَةً لِأَيْمٰانِكُمْ (2)، و قال الصادق عليه السّلام: «لا تحلفوا باللّه صادقين و لا كاذبين» (3).

(1) و سمي يمينا لأنهم كانوا يتصافقون عند الحلف بالجارحة الخاصة.

(2) في العرف و اللغة و الشرع و الجامع القريب في استعمالات الحلف العقد و العهد، و بهذا الجامع يطلق على اليمين لوجود الجامع في اليمين و القسم (بالتحريك) هو الحلف و اليمين، فالمعنى في الثلاثة واحد و اللفظ مختلف.

(3) المعروف أن الأقسام ثلاثة:

ص: 242


1- سورة ص: 82.
2- سورة البقرة: 224.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الأيمان الحديث: 5.
الأول: ما يقع تأكيدا و تحقيقا للأخبار

الأول: ما يقع تأكيدا و تحقيقا (4) للأخبار عما وقع في الماضي أو

______________________________

الأول: اللغو.

الثاني: التأكيد.

الثالث: المناشدة.

الرابع: العقد.

و الأول: عبارة عما يحصل من سبق اللسان أو بلا قصد في الجنان و صيرورته كالعادة غير الاختيارية للإنسان كما في بعض العوام من الرجال و النسوان و الصبيان، و الجامع كل قسم يكون فاقدا لشرط من شروط الصحة و لا يؤاخذ به و لا كفارة لمخالفته فهو لغو، لإطلاق قوله تعالى لٰا يُؤٰاخِذُكُمُ اللّٰهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمٰانِكُمْ (1)، فيشمل كل ما كان غير مقدور حرجيا كان أو نحو ذلك مما يرتفع به الحكم، و أما قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الأيمان ثلاث: يمين ليس فيها كفارة و يمين فيها كفارة و يمين غموس توجب النار، فاليمين التي ليست فيها كفارة الرجل يحلف على باب بر أن لا يفعله فكفارته أن يفعله، و اليمين التي تجب فيها الكفارة الرجل يحلف على باب معصية أن لا يفعله فيفعله فيجب عليه الكفارة، و اليمين الغموس التي توجب النار الرجل يحلف على حق امرء مسلم على حبس ماله» (2)، فهو تثليث باعتبار ترتب الأثر و اللغو داخل فيما لا أثر له.

(4) أقسام اللّه تعالى و قسم الخليل و أحفاده من هذا القبيل، و كذا ما نقله- من قسم اللّه تعالى- أبو جعفر الباقر عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول اللّه عز و جل و عزتي و جلالي و كبريائي و نوري و علوي و ارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواه على هواي إلا شتت عليه أمره، و لبّست عليه دنياه، و شغلت قلبه بها و لم آته منها إلا ما

ص: 243


1- سورة المائدة: 89.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب الأيمان ج: 16.

عن الواقع في الحال (5)، كما يقال: «و اللّه جاء زيد بالأمس» أو «هذا المال لي».

الثاني: يمين المناشدة

الثاني: يمين المناشدة و هو ما يقرن به الطلب و السؤال يقصد به حث المسؤول على إنجاح المقصود، كقول السائل «اسئلك باللّه أن تعطني كذا»، و يقال للقائل «الحالف» و «المقسم» و للمسؤول «المحلوف عليه» و «المقسم عليه» و الأدعية المأثورة و غيرها مشحونة بهذا القسم من القسم (6).

______________________________

قدرت له، و عزتي و جلالي و عظمتي و نوري و علوي و ارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواي على هواه إلا استحفظته ملائكتي و كفلت السماوات و الأرضين رزقه و كنت له من وراء تجارة كل تاجر و أتته الدنيا و هي راغمة» (1)، و يمكن أن يكون كل ذلك من قسم العقد.

(5) و يصح تعلقه بالنفي كأن يقول: «و اللّه ما جئتك في الأمس» أو «ليس هذا المال أو العمل لي» و الأيمان التي يؤتى بها في المخاصمات من يمين التأكيد.

(6) و هي لا تعد و لا تحصى و قد ورد في التعقيبات المشتركة «اللهم إني أسألك باسمك المكنون المخزون»، و في المستفيضة عنهم «اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك»، و في مناجاة كل يوم من شعبان «الهي بك عليك إلا الحقتني بمحل أهل طاعتك» إلى غير ذلك مما لا يحصى و لا يستقصي و في الصحيفة الملكوتية السجادية «أسألك بسبحات وجهك و أنوار قدسك»، و ما فيها من الدعوات غنى و كفاية و من أفضل منن اللّه تعالى على عباده الهامه عز و جل أوليائه مثل هذه الدعوات ليقتبس الكل من فائق دعائهم و يستضي ء من مشكاة ضيائهم صلوات اللّه عليه أجمعين.

ص: 244


1- الوسائل باب: 32 من أبواب جهاد النفس الحديث: 3.
الثالث: يمين العقد

الثالث: يمين العقد (7) و هو ما يقع تأكيدا و تحقيقا لما بني عليه و التزم به من إيقاع أمر أو تركه في المستقبل، كقوله: «و اللّه لأصومن أو لأتركن شرب الدخان» مثلا.

و لا إشكال في أنه لا ينعقد القسم الأول و لا يترتب عليه شي ء (8).

سوى الإثم لو كان كاذبا في إخباره عن عمد (9) و هي المسماة بيمين الغموس التي في بعض الأخبار عدت من الكبائر (10)، و في بعضها أنها تدع الديار بلاقع (11)، و قد قيل إنها سميت بالغموس لأنها تغمس

______________________________

(7) و هو المقصود لدى الفقهاء بوضع كتاب الأيمان دون غيره من أقسام اليمين.

(8) لأصالة الإباحة العقلية و الشرعية، و إطلاق: «كل شي ء حلال حتى يرد فيه نهي» (1)، و ظهور الإجماع نعم يأتي في المسألة السابعة عشرة أن الأيمان الصادقة كلها مكروهة.

(9) لحرمة الكذب عن عمد فيما إذا وقع بلا قسم فضلا عما إذا قرن به.

(10) كما في رواية فضل بن شاذان عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام: «و اليمين الغموس» (2)، و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رواية عبد العظيم الحسني: «و اليمين الغموس الفاجرة لأن اللّه عز و جل يقول: الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّٰهِ وَ أَيْمٰانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولٰئِكَ لٰا خَلٰاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ» (3).

(11) و هو المتواتر بين الفريقين (4). و البلقع: الأرض القفراء و هو كناية عن الخراب و تغيير الأحوال و إبادة الأهل و تفرقهم في البلاد و تغير النعم و حلول

ص: 245


1- راجع الوسائل باب: 61 من أبواب الأطعمة المباحة.
2- الوسائل باب: 46 من أبواب جهاد النفس الحديث: 33.
3- الوسائل باب: 46 من أبواب جهاد النفس الحديث: 2.
4- الوسائل باب: 4 من أبواب الأيمان و في سنن البيهقي ج: 10 صفحة: 35 باب ما جاء في اليمين الغموس.

صاحبها في الإثم أو في النار (12). و كذا لا ينعقد القسم الثاني و لا يترتب عليه شي ء من إثم أو كفارة لا على الحالف في إحلافه و لا على المحلوف عليه في حنثه و عدم إنجاح مسؤوله (13).

و أما القسم الثالث: فهو الذي ينعقد عند اجتماع الشرائط الآتية

______________________________

النقم، و عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «في كتاب علي عليه السّلام: إن اليمين الكاذبة و قطيعة الرحم تدران الديار بلاقع من أهلها» (1).

(12) أو في غضب الجبار و كل واحد من هذه العناوين ملازم للآخر كما هو معلوم.

(13) كل ذلك للأصل، و الإجماع، و جملة من الأخبار منها رواية عبد الرحمن عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقسم على الرجل في الطعام يأكل معه فلم يأكل معه، هل عليه في ذلك كفارة؟ قال عليه السّلام:

لا» (2)، و في رواية أخرى عنه عليه السّلام أيضا: «سئل عن الرجل يقسم على أخيه؟

قال عليه السّلام: ليس عليه شي ء إنما أراد إكرامه» (3). و أما خبر ابن سنان عن رجل عن علي بن الحسين قال: «إذا أقسم الرجل على أخيه فلم يبر قسمه فعلى المقسم كفارة يمين»(4)، فمع قصور سنده يمكن حمله على الندب أو التقية، و لكن يكره رد السائل خصوصا إذا اقترن سؤاله بالتوسل بالأسماء المقدسة الإلهية أو سائر المقدسات الدينية، و يستحب أكيدا الاهتمام بقضاء حوائج الناس، و نرجوا من رحمة اللّه تعالى غير المتناهية شدة و عدة و مدة أن لا يردنا عن بابه و ان كنا غير مستأهلين فإنه تعالى أجل من أن ينزه عباده عن شي ء و يرغبهم إلى شي ء ثمَّ يفعل ما نزههم عنه و يترك ما رغبهم إليه.

ص: 246


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الأيمان و في سنن البيهقي ج: 10 صفحة: 35 باب ما جاء في اليمين الغموس.
2- الوسائل باب: 42 من أبواب الأيمان الحديث: 3.
3- الوسائل باب: 42 من أبواب الأيمان الحديث: 1.
4- الوسائل باب: 42 من أبواب الأيمان الحديث: 4.

و يجب برّه و الوفاء به و يحرم حنثه و يترتب على حنثه الكفارة (14).

مسألة 1: لا ينعقد اليمين إلا باللفظ أو ما يقوم مقامه

(مسألة 1): لا ينعقد اليمين إلا باللفظ (15) أو ما يقوم مقامه كإشارة الأخرس (16)، و في انعقاده بالكتابة إشكال (17). و الظاهر أنه لا يعتبر فيه

______________________________

(14) كل ذلك للإجماع بل الضرورة الفقهية و النصوص الآتية في المسائل المستقبلة إن شاء اللّه تعالى.

(15) لظواهر الأدلة و لقاعدة: «أن جميع المقاصد لا يترتب عليها الأثر ما لم يكن مبرز خارجي معتبر لها من لفظ أو فعل أو نحو ذلك» بلا فرق في ذلك بين الإخبار و الإنشاء مطلقا، و أصل هذا الحكم متفق عليه بين الفقهاء بل العقلاء فالمدار في ترتب الأثر مطلقا على العنوان المبرز في الخارج لا المنوي و المقصود في القلب بلا إظهار و إبراز في البين خارجا، و بعد اتفاق الفقهاء على عدم وقوع اليمين بالفعل يتعين تحققه باللفظ أو ما يقوم مقامه عند التعذر كإشارة الأخرس.

(16) لأن إشارة الأخرس المفهمة للمعنى المقصود معتبرة شرعا و عرفا و قد تقدم في قراءة الصلاة و التلبية فراجع و سيأتي في الطلاق، مضافا إلى إجماعهم على كفايتها في المقام، و يمكن تأسيس أصل في الأخرس بأنه يقال:

«تجزي إشارته المفهمة في كل ما يجزي لفظ القادر المتكلم».

(17) من أن مقتضى كونها عنوانا صحيحا معتبرا لدى العرف و العقلاء.

الكفاية بها مع ظهورها في المقصود، و من ظهور إجماعهم على عدم كفاية الكتابة في الإنشائيات مطلقا مستشهدا بما ورد في الطلاق من عدم كفايتها فيه (1)، و لكن استشهادهم لا يخلو عن شبهة القياس و الإجماع منقول بلا التباس و يثبتون عدم اعتباره في أصولهم و يعتمدون عليه في فروعهم، و لذلك في الفقه نظائر كثيرة كما لا يخفى على ذوي البصيرة. و أما التمسك بأصالة عدم ترتب

ص: 247


1- الوسائل باب: 14 من أبواب الطلاق.

العربية خصوصا في متعلقاته (18).

مسألة 2: لا ينعقد اليمين إلا إذا كان المقسم به هو «اللّه»

(مسألة 2): لا ينعقد اليمين إلا إذا كان المقسم به هو «اللّه» جل شأنه (19) اعني ذاته المقدسة أما بذكر اسمه العلمي المختص به كلفظ الجلالة و يلحق به ما لا يطلق على غيره كالرحمن، أو بذكر الأوصاف

______________________________

الأثر فلا وجه له مع استقرار سيرة العقلاء على الاعتماد على الكتابة في إبراز مقاصدهم و مهماتهم، و لعل عدم ذكرها في الأخبار و عدم جعلها في عرض الأقوال لقلة الكتابة في أهل تلك الأعصار و عدم كونها مقدورا لكل أحد كاللفظ و القول: ثمَّ ان المتيقن من الإجماع على فرض اعتباره انما هو صورة التمكن من اللفظ فلا يشمل صورة العجز عنه.

(18) لإطلاق الأدلة و عدم دليل على اعتبارها في أصل اليمين فضلا عن متعلقاته، و مقتضى أصالة الصحة- مع كون الموضوع عام البلوى في كل لغة و لهجة- عدم الاعتبار في ذاته و متعلقاته. مع أن المناط كله حرمة ما هو اسم للذات الأقدس صريحا أو ظهورا عرفيا، فيرجع النزاع صغرويا فمن يقول بالوقوع يراه ظاهرا و من يقول بالعدم يراه غير ظاهر، فلا فرق بين القول الفارسي: «و اللّه اين كار را نخواهم كرد» أو يقول: «بخدا قسم اين كار را نخواهم كرد».

(19) للأصل و الإجماع و النصوص منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «كل يمين بغير اللّه فهي من خطوات الشيطان» (1)، و في صحيح محمد بن مسلم قال:

«سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: لا تتبعوا خطوات الشيطان، قال: كل يمين بغير اللّه فهي من خطوات الشيطان» (2)، و في رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السّلام: «إذا قال الرجل: أقسمت أو حلفت فليس بشي ء حتى يقول: أقسمت

ص: 248


1- الوسائل باب: 15 من أبواب الأيمان.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب الأيمان.

و الأفعال المختصة به التي لا يشاركه فيها غيره كقوله و مقلب القلوب و الأبصار و الذي نفسي بيده، و الذي فلق الحبة و برء النسمة و أشباه ذلك. أو بذكر الأوصاف و الأفعال المشتركة التي تطلق في حقه تعالى و في حق غيره لكن الغالب إطلاقها في حقه بحيث ينصرف إطلاقها إليه (20) كقوله و الرب و الخالق و البارئ و الرازق و الرحيم، و لا ينعقد بما لا ينصرف إليه كالموجود و الحي و السميع و البصير و القادر و إن نوى الحلف بذاته المقدسة على إشكال (21) فلا يترك الاحتياط.

______________________________

باللّه أو حلفت باللّه» (1)، و في صحيح ابن مهزيار قلت لأبي جعفر عليه السّلام: «جعلت فداك في قول اللّه عز و جل وَ اللَّيْلِ إِذٰا يَغْشىٰ. وَ النَّهٰارِ إِذٰا تَجَلّٰى و قوله عز و جل وَ النَّجْمِ إِذٰا هَوىٰ و ما أشبه هذا فقال: إن اللّه عز و جل يقسم من خلقه بما شاء و ليس لخلقه أن يقسموا إلا به عز و جل» (2)، و في صحيح محمد بن مسلم قال: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: قول اللّه عز و جل وَ اللَّيْلِ إِذٰا يَغْشىٰ- وَ النَّجْمِ إِذٰا هَوىٰ و ما أشبه ذلك، فقال: إن للّه عز و جل أن يقسم من خلقه بما شاء و ليس لخلقه أن يقسموا إلا به» (3).

(20) لأن المناط كله الظهور العرفي فيه تبارك و تعالى سواء كان ذلك بذات اللفظ كلفظ الجلالة أو بواسطة القرينة المعتبرة أو بالانصراف المعتبر في المحاورات كما في جميع ألفاظ الإخبارات و الإنشاءات، بل و جميع التكلمات الدائرة بين الأنام من الخواص و العوام فالكل معتبر عرفا و شرعا و لغة و فصلنا القول فيه في الأصول فراجع.

(21) من عدم ظهور لفظي في الاختصاص به تعالى و ظهور اتفاقهم على عدم الوقوع بها فلا أثر و لا حرمة له، و من أن النية و قرينة الحال و سياق المقال

ص: 249


1- الوسائل باب: 15 من أبواب الأيمان.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب الأيمان الحديث: 1.
3- الوسائل باب: 30 من أبواب الأيمان الحديث: 3.

مسألة 3: المعتبر في انعقاد اليمين أن يكون الحلف باللّه تعالى

(مسألة 3): المعتبر في انعقاد اليمين أن يكون الحلف باللّه تعالى لا بغيره فكل ما صدق عرفا أنه قد حلف به، و الظاهر صدق ذلك بأن يقول و حق اللّه و بجلال اللّه و عظمة اللّه و كبرياء اللّه بل و بقوله و قدرة اللّه و علم اللّه و لعمر اللّه (22).

______________________________

قرينة معتبرة على الاختصاص و المفروض تحقق جميعها في المورد لفرض كونه مورد القسم، خصوصا بعد قول علي عليه السّلام: «من حلف فقال لا و رب المصحف فحنث فعليه كفارة واحدة» (1)، مع اشتراك رب المصحف بين مالكه الدنيوي و الباري جل شأنه و ان أمكن أن يقال أنا رب المصحف منصرف إليه تعالى ما لم تكن قرينة على الخلاف.

(22) كل ذلك للإطلاق و الاتفاق بعد تحقق الظهور العرفي في القسم به تعالى و الظهور العرفي معتبر شرعا و عرفا كما ثبت في محله، و من منع أو تردد كالمحقق في الشرائع فإنما هو لإشكال في تحقق الظهور لا بعد تسليم الظهور.

و بالجملة: إما أن يكون اللفظ ظاهرا فيه تعالى أو لا، و على الأول لا ريب في الوقوع، و على الأخير لا يقع سواء كان مطلقا أو لا، و في صحيح الحلبي عن الصادق عليه السّلام قال: «لا أرى للرجل أن يحلف إلا باللّه، فأما قول الرجل: لا أب لشانيك فإنه قول الجاهلية و لو حلف الناس بهذا و أشباهه لترك الحلف باللّه، و أما قول الرجل: يا هناه و يا هناه فإنما ذلك لطلب الاسم و لا أرى به بأسا و أما قوله: لعمر اللّه و ايم اللّه فإنما هو باللّه» (2)، مضافا إلى الإجماع في الوقوع به.

و أما حق اللّه فيتصور على قسمين:

الأول: أن يكون المراد به الحقوق المجعولة للّه تعالى و هي كثيرة و لا ريب في عدم وقوعه حينئذ.

ص: 250


1- الوسائل باب: 39 من أبواب الأيمان.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب الأيمان الحديث: 4.

مسألة 4: يعتبر في اليمين القربة

(مسألة 4): يعتبر في اليمين القربة بمعنى كونها مضافا إلى اللّه تبارك و تعالى (23) و هل يفسدها الرياء؟ فيه إشكال (24).

مسألة 5: لا يعتبر في انعقاده أن يكون إنشاء القسم بحروفه

(مسألة 5): لا يعتبر في انعقاده أن يكون إنشاء القسم بحروفه بأن يقول و اللّه أو باللّه أو تاللّه لا فعلن بل لو أنشأه بصيغتي القسم و الحلف كقوله أقسمت باللّه أو حلفت باللّه انعقد أيضا (25) نعم لا يكفي لفظي أقسمت و حلفت بدون لفظ الجلالة أو ما هو بمنزلته (26).

______________________________

الثاني: أن يكون عنوانا مشيرا و آليا إلى ذاته الأقدس و لا ريب في الوقوع حينئذ و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات فراجع.

(23) إجماعا و نصا قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في صحيح الحلبي: «كل يمين لا يراد بها وجه اللّه عز و جل فليس بشي ء في طلاق أو عتق أو غيره» (1)، و قريب منه غيره و لكن القربة في المقام ليست مثل قصد القربة في العبادات كالصلاة و نحوها بل المناط أن يكون اليمين أو النذر و العهد مضافا بنفسها إلى اللّه تبارك و تعالى كقراءة القرآن و الدعاء مما هو كثير.

(24) مقتضى التشديد الوارد في الرياء (2)، هو البطلان فكيف ينعقد حينئذ؟! مع أنه في مقام تعظيمه تعالى بالحلف أو النذر. و من الجمود على الإطلاقات و انها من الإيقاعات فيصح، لكنه جمود لا يرتضيه ايمان المؤمنين و لم أر من تعرض لهذا الفرع.

(25) للإطلاق و ظهور الاتفاق و سيرة الأنام في مختلف القرون و الأعوام.

(26) للأصل و النص و الاتفاق قال أمير المؤمنين عليه السّلام في رواية السكوني:

«إذا قال الرجل: أقسمت أو حلفت فليس بشي ء حتى يقول: أقسمت باللّه أو

ص: 251


1- الوسائل باب: 14 من أبواب الأيمان الحديث: 2.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب مقدمة العبادات.

مسألة 6: لا ينعقد اليمين بالحلف بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السّلام

(مسألة 6): لا ينعقد اليمين بالحلف بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السّلام و سائر النفوس المقدسة المعظمة و لا بالقرآن الشريف و لا بالكعبة المشرفة و سائر الأمكنة الشريفة المحترمة (27).

مسألة 7: لا ينعقد اليمين بالطلاق و العتاق

(مسألة 7): لا ينعقد اليمين بالطلاق و العتاق (28) بأن يقول:

«زوجتي طالق و عبدي حرّان فعلت كذا أو إن لم أفعل كذا»، فلا يؤثر مثل هذا اليمين لا في حصول الطلاق و العتاق بالحنث و لا في ترتب إثم أو كفارة عليه (29)، و كذا اليمين بالبراءة من اللّه (30) أو من رسوله صلّى اللّه عليه و آله أو من

______________________________

حلفت باللّه» (1)، و يشهد لذلك الاعتبار أيضا.

(27) كل ذلك للأصل و الإجماع، و للقاعدة التي أسسها أبو جعفر عليه السّلام:

«كل يمين بغير اللّه فهي من خطوات الشيطان» (2)، و هذه القاعدة تشمل الجميع و لا ينافي ذلك كون المقسم به مقدسا و معظما في ذاته.

(28) للأصل و النص و الإجماع بل الضرورة المذهبية و ما تقدم من القاعدة، و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في صحيح الحلبي: «كل يمين لا يراد بها وجه اللّه في طلاق أو عتق فليس بشي ء» (3)، و ما يظهر منه الخلاف محمول على التقية(4).

(29) لأن الشارع نزّل وجود هذا اليمين بمنزلة العدم فكأن اليمين لم يقع فالزوجة باقية على زوجيتها و المملوك باق على رقيته و لا إثم و لا كفارة لانتفاء الموضوع لهما.

نعم، عند إخواننا العامة فيه تفصيل مذكور في كتبهم.

(30) لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «من برئ من اللّه صادقا أو كاذبا فقد برئ من

ص: 252


1- الوسائل باب: 15 من أبواب الأيمان الحديث: 3.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب الأيمان الحديث: 4.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب الأيمان الحديث: 1.
4- الوسائل باب: 14 من أبواب الأيمان الحديث: 8 و 11.

دينه أو من الأئمة (31) بأن يقول مثلا: «برئت من اللّه أو من دين الإسلام إن فعلت كذا أو إن لم أفعل كذا» فلا يؤثر في ترتب الإثم أو الكفارة على حنثه. نعم هذا اليمين بنفسه حرام و يأثم حالفه (32) من غير فرق بين الصدق و الكذب و الحنث و عدمه، ففي خبر يونس بن ظبيان عن الصادق عليه السّلام أنه قال: «يا يونس لا تحلف بالبراءة منّا فإن من حلف بالبراءة منّا صادقا أو كاذبا برء منّا»، و في خبر آخر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «أنه سمع رجلا يقول أنا برئ من دين محمد، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ويلك إذا برئت من دين محمد فعلى دين من تكون؟ قال فما كلّمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتى مات» بل الأحوط تكفير الحالف بإطعام عشرة مساكين لكل مسكين مدّ و يستغفر اللّه تعالى شأنه (33)، و مثل اليمين بالبراءة أن يقول إن لم يفعل كذا أو لم

______________________________

اللّه»(1)، مضافا إلى الإجماع.

(31) لما تقدم في سابقيه من الأصل و النص و الإجماع و القاعدة.

و الحاصل أن الشارع كما وحّد المسلمين في دينهم و معبودهم و عبادتهم و قبلتهم وحّدهم في اليمين الصادر منهم فلا بد و أن يكون بذات مخصوصة فقط.

(32) إجماعا و نصوصا تقدم و يأتي في المتن.

(33) لمكاتبة محمد بن الحسن إلى أبي محمد عليه السّلام: «رجل حلف بالبراءة من اللّه و رسوله فحنث ما توبته و كفارته؟ فوقع عليه السّلام يطعم عشرة مساكين لكل مسكين مد و يستغفر اللّه عز و جل» (2)، و لا وجه لوجوب الكفارة بعد كون هذا القسم لغوا و باطلا و اختلافهم في كمية الكفارة بحيث يظهر منهم عدم الاعتماد

ص: 253


1- الوسائل باب: 7 من أبواب الأيمان.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الأيمان.

يترك كذا فهو يهودي أو نصراني مثلا (34).

مسألة 8: لو علق اليمين على مشية اللّه

(مسألة 8): لو علق اليمين على مشية اللّه بأن قال: «و اللّه لافعلن كذا إن شاء اللّه» و كان المقصود التعليق على مشيئته تعالى لا مجرد التبرك بهذه الكلمة لم تنعقد (35) إلا إذا كان المحلوف عليه فعل واجب أو ترك

______________________________

على المكاتبة.

(34) فيكون مثل هذا القسم لغوا و لا يترتب عليه الأثر من الكفارة على الحنث و إن أثم بأصل هذا القسم، ففي رواية إسحاق بن عمار قال: «قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام رجل قال هو يهودي أو نصراني إن لم يفعل كذا و كذا، قال: بئس ما قال و ليس عليه شي ء» (1)، و في رواية أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقول: هو يهودي أو هو نصراني إن لم يفعل كذا و كذا قال: ليس بشي ء» (2)، و يلحق بمثل هذه الأقسام ما تعارف بين بعض العوام حيث يقولون:

«لست من أبي إن لم أفعل كذا».

(35) نصا و إجماعا فعن نبينا الأعظم: «من حلف على يمين فقال إن شاء اللّه لم يحنث» (3)، و عن الصادق عليه السّلام: قال: أمير المؤمنين عليه السّلام: «من استثنى في المين فلا حنث و لا كفارة» (4)، و يشهد له الاعتبار أيضا لأنه تعليق على ما لا يعلم تحققه و أما صحة المشيئة التبركية فلأنه لا تعليق فيها بل تكون من مجرد التبرك فقط فهي خارجة عن متعلقات الكلام كالبسملة التي تذكر تبركا في كل مقصد و مرام و تستحب في كل فعل يريد أن يفعله الإنسان لقوله تعالى وَ لٰا تَقُولَنَّ لِشَيْ ءٍ إِنِّي فٰاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً إِلّٰا أَنْ يَشٰاءَ اللّٰهُ وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذٰا نَسِيتَ (5).

ص: 254


1- الوسائل باب: 34 من أبواب الأيمان.
2- الوسائل باب: 34 من أبواب الأيمان.
3- الوسائل باب: 28 من أبواب الأيمان.
4- الوسائل باب: 28 من أبواب الأيمان.
5- سورة الكهف: 23.

حرام (36) بخلاف ما إذا علق على مشيئة غيره بأن قال و اللّه لا فعلن كذا إن شاء زيد مثلا فإنها تنعقد على تقدير مشيئته (37)، فإن قال زيد أنا شئت أن تفعل كذا انعقدت و تحقق الحنث بتركه و إن قال لم أشأ لم تنعقد و كذا لو لم يعلم انه شاء أو لم يشأ (38). و كذلك الحال لو علق على شي ء آخر غير المشيئة (39) فإنه تنعقد على تقدير حصول المعلق عليه فيحنث لو لم يأت

______________________________

(36) نسب هذا التفصيل إلى العلامة و عن الدروس أنه نادر و عن الرياض انه كالاجتهاد في مقابل النص، و غاية ما يستدل به عليه انصراف الأخبار عن مثله و لأنه معلوم لمعلومية تعلق مشيئة اللّه تعالى و علمه و رضاه بفعل الواجبات و المندوبات و ترك المحرمات و المكروهات فكأنه لا تعليق في الواقع، و هذا التعليق بنحو الاقتضاء لا العلية التامة حتى يلزم الجبر على ما فصلناه في الأصول.

و فيه: أما دعوى الانصراف فلا وجه لها و على فرضه فهو بدوي لا اعتبار به، و أما أن مورد المشيئة معلوم تعلق مشيئة اللّه تعالى به فهو صحيح بالنسبة إلى كلي فعل الواجبات و ترك المحرمات في الجملة، و أما بالنسبة إلى شخص الحالف فلم يعلم تعلق المشية به فكم قد نرى تخلف المراد عن ارادتنا في كل وقت و زمان بل في كل آن، فالحق ما هو ظاهر المشهور من عدم الفرق بينهما.

(37) لأن مرجع ذلك إلى اشتراط شرط في اليمين و ظاهرهم الاتفاق على صحة الشرط في الأيمان و النذور و العهود، و حينئذ فمع تحقق الشرط ينعقد اليمين و مع عدمه ينتفي كما هو مقتضى القاعدة في كل شرط و مشروط مطلقا.

(38) أما الانعقاد في الأول فلوجود المقتضي و فقد المانع. و أما عدم الانعقاد في الثاني فلقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه و أما الثالث فللأصل بعد عدم إحراز، الشرط و هل يجب الفحص مقدمة لوجوب العمل باليمين؟

وجهان تقدم ذلك في وجوب الفحص عن تحقق الاستطاعة.

(39) لاتفاقهم على عدم الفرق بين التعليق على مشية الغير أو شي ء آخر

ص: 255

بالمحلوف عليه على ذلك التقدير.

مسألة 9: يعتبر في الحالف البلوغ و العقل و الاختيار و القصد

(مسألة 9): يعتبر في الحالف البلوغ و العقل و الاختيار و القصد (40) فلا تنعقد يمين الصغير و المجنون مطبقا أو أدوارا (41) و لا المكره و لا السكران، بل و لا الغضبان في شدة الغضب السالب للقصد (42) و كذا لا

______________________________

في كل ما يجوز و ما لا يجوز.

(40) للإجماع بل الضرورة الفقهية، و هذه كلها من الشرائط العامة لكل عقد أو إيقاع بلا فرق بينهما، و يدل على اعتبار الأول إجماع الفقهاء و ضرورة فقههم و إطلاق كلامهم يشمل من بلغ عشرا أيضا، و على الثاني إجماع العقلاء فضلا عن الفقهاء، و على الثالث قول نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله المعروف بين الفريقين بنصوصهما المستفيضة: «وضع عن أمتي ما أكرهوا عليه» (1)، و قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر ابن سنان: «لا يمين في غضب و لا في قطيعة رحم و لا في إجبار و لا في اكراه» (2)، و على الأخيرة الأدلة الثلاثة فمن الكتاب قوله تعالى لٰا يُؤٰاخِذُكُمُ اللّٰهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمٰانِكُمْ وَ لٰكِنْ يُؤٰاخِذُكُمْ بِمٰا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمٰانَ (3)، و من السنة قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في رواية مسعدة ابن صدقة في قوله تعالى لٰا يُؤٰاخِذُكُمُ اللّٰهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمٰانِكُمْ قال اللغو قول الرجل لا و اللّه و بلى و اللّه و لا يعقد على شي ء» (4)، و غيره من الروايات و من الإجماع إجماع الفقهاء بل العقلاء لعدم ترتب الأثر عندهم على ما صدر بلا قصد البتة.

(41) أي في حال دور جنونه و أما في حال إفاقته فتشمله أدلة الصحة خصوصا إن طالت الإفاقة.

(42) أما السكران فلعدم الاعتناء بفعله و قوله و قصده عند العقلاء فضلا

ص: 256


1- الوسائل باب: 16 من أبواب الأيمان الحديث: 6.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب الأيمان الحديث: 1.
3- سورة المائدة: 89.
4- الوسائل باب: 17 من أبواب الأيمان الحديث: 1.

يصح من المحجور فيما حجر عليه (43).

مسألة 10: لا تنعقد يمين الولد مع منع الوالد

(مسألة 10): لا تنعقد يمين الولد مع منع الوالد و لا يمين الزوجة مع منع الزوج و لا يمين المملوك مع منع المالك (44). إلا أن يكون المحلوف

______________________________

عن الفقهاء، و أما الغضبان المسلوب عنه القصد لشدة الغضب فلعدم القصد مضافا إلى ما مر من النص.

(43) لأنه لا يقدر شرعا على التصرف فيما حجر عليه فيبطل يمينه من حيث عدم القدرة شرعا.

(44) إجماعا و نصوصا منها ما عن أبي جعفر عليه السّلام في الصحيح قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا رضاع بعد فطام و لا وصال في صيام و لا يتم بعد احتلام- إلى أن قال صلّى اللّه عليه و آله- و لا يمين لولد مع والده و لا للمملوك مع مولاه و لا للمرأة مع زوجها و لا نذر في معصية و لا يمين في قطيعة» (1)، و جملة: «لا يمين» في قوله صلّى اللّه عليه و آله تحتمل وجوها:

الأول: عدم الصحة مطلقا إلا بالإذن السابق منهم فيبطل اليمين لعدم الاذن السابق منهم.

الثاني: نفي الصحة الفعلية و بقاء الصحة الاقتضائية مترقبة للإجازة فتكفي الإجازة اللاحقة في الصحة و لو لم يكن إذن سابق في البين، و الإشكال عليه بأن الإيقاعات لا تقع مترقبة للإجازة إجماعا.

مدفوع: بأن المتيقن منه على فرض صحته انما هو فيما إذا كان مورد الإيقاع متعلقا بالغير كالطلاق مثلا لا بالنفس كما في المقام.

الثالث: الصحة مطلقا و لكن لهم حق حل اليمين الصادر منهم، فيكون المعنى: لا يمين مع معارضة هؤلاء، و عن جمع انه مع هذه الاحتمالات فلا بد من الجمع بين الحقين و العمل بالدليلين أي العمومات و الإطلاقات و هذه

ص: 257


1- الوسائل باب: 11 من أبواب الأيمان الحديث: 1.

عليه فعل واجب أو ترك حرام (45)، و لو حلف أحد الثلاثة في غير ذلك كان للأب أو الزوج أو المالك حل اليمين (46) و ارتفع أثرها فلو حنث لا كفارة عليه (47)، و هل يشترط إذنهم و رضاهم في انعقاد يمينهم حتى أنه لو لم يطلعوا على حلفهم أو لم يحلو مع علمهم لم تنعقد من أصلها (48)، أو لا بل كان منعهم مانعا عن انعقادها (49) و حلهم رافعا لاستمرارها فصحت

______________________________

الأخبار فيقتضي الأخير، و لكن أشكل عليه لظهور الجملة في نفي الحقيقة شرعا كما في نذر المعصية و اليمين على قطيعة الرحم المذكورين في سياق هذه الأخبار، و يأتي في ذيل المسألة بقية الكلام.

(45) لأنه «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (1)، مضافا إلى الإجماع هذا في نفس الفعل الواجب و ترك الحرام و أما نفس الحلف من حيث هو فالظاهر شمول إطلاق الدليل له أيضا.

(46) لما مر من دعوى انه المتيقن من الأدلة مضافا إلى عدم الخلاف فيه حينئذ، و من ذلك يعلم أنه يجوز للولد أن يلتمس من والده أن يحل يمينه بعد انعقاده لما مر سابقا.

(47) لقاعدة انتفاء الموضوع المسلمة بين الفقهاء بل العقلاء.

(48) يظهر ذلك عن جمع منهم العلامة في الإرشاد و الشهيد الثاني في المسالك جمودا على لفظ «لا يمين» الظاهر في نفي الحقيقة شرعا، و لأن اليمين إيقاع و هو لا يقع معلقا على الإجازة، و يرد على الأول أن هذا التعبير أعم من نفي الحقيقة مع أن نفي الحقيقة ثابتة على كل حال سواء كان الإذن السابق معتبرا أو المنع اللاحق مانعا، لانتفاء الحقيقة على كل حال، و يرد على الثاني ما سيأتي.

(49) نسب ذلك إلى جمع منهم المحقق في النافع و الشهيد في الدروس بل نسب إلى الشهرة لأن قول: «لا يمين» يصح إطلاقه مع مانعية المنع أيضا و لا

ص: 258


1- الوسائل باب: 11 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و انعقدت في الصورتين المزبورتين؟ قولان أحوطهما ثانيهما بل لا يخلو من قوة (50).

______________________________

يختص بخصوص شرطية الإذن، و يظهر من صدر عبارة المحقق رحمه اللّه في الشرائع شرطية الإذن، و من ذيلها مانعية المنع فراجع و لكن لا بد من رد صدر كلامه إلى ذيله خروجا عن التهافت و توفيقا بين شرائعه و نافعة.

و أما دعوى: أن الإيقاع لا يقع معلقا على الإجازة فهو مسلم فيما قام عليه إجماع أو دل عليه دليل بالخصوص لا فيما اختلفت فيه الآراء و لم يرد فيه نص من الإمام و لا إجماع من الفقهاء، مع أن صحة تعليق اليمين و النذر على الشرط يخرجهما عن تحت تلك القاعدة على فرض اعتبارها مطلقا.

(50) لعمومات انعقاد اليمين و إطلاقاته المقتصر في تخصيصها و تقييدها بالمتيقن مما يستفاد من هذه الأدلة و عدم ثبوت ولاية المذكورين بنحو يكون إذنهم السابق شرطا في صحة مثل اليمين، كما في سائر الأمور العرفية العادية فكما يكون منعهم مانعا فيها لا أن يكون إذنهم شرطا في صحتها إلا في بعض ما يتعلق بالمملوك فليكن في المقام أيضا كذلك.

و بالجملة: كون المنع مانعا مطابق للمرتكزات و منه يظهر كونه أحوط لأنه عمل بالمحتمل الشرطية للعمومات و الإطلاقات عند الشك في شرطية شي ء في الصحة في موردها، و لا يصح التمسك بأصالة عدم ترتب الأثر مع صدق العموم و الإطلاق عرفا، لأنه تمسك بالأصل مع وجود الدليل و الصدق العرفي كما في جميع موارد الشك في الشرطية حيث يرجع فيها إلى الأصل.

ثمَّ ان حل أيمان هؤلاء.

تارة: يتعلق بما قبل الحنث.

و أخرى: بما بعد الحنث و قبل إعطاء الكفارة.

و ثالثة: بما بعده فهل يصح في الثاني فتسقط عنه الكفارة و في الأخير

ص: 259

مسألة 11: لا إشكال في انعقاد اليمين إذا تعلقت بفعل واجب أو مستحب أو بترك حرام أو مكروه

(مسألة 11): لا إشكال في انعقاد اليمين إذا تعلقت بفعل واجب أو مستحب أو بترك حرام أو مكروه (51)، و في عدم انعقادها إذا تعلقت بترك واجب أو مستحب أو بفعل حرام أو مكروه (52)، و أما المباح المتساوي الطرفين في الدين و في نظر الشرع فإن ترجح فعله على تركه بحسب المنافع و الأغراض العقلائية الدنيوية أو العكس فلا إشكال في انعقادها إذا تعلقت بطرفه الراجح (53) و عدم انعقادها إذا تعلقت بطرفه

______________________________

يجوز له استرجاعها مع عدم التلف؟ وجهان من إطلاق أنه مانع فكأنه لم ينعقد اليمين أصلا فيجوز له الرجوع إلى الفقير، لعدم حصول الملكية له بقبضه، و من احتمال انصرافها إلى ما قبل الحنث فلا يصح الرجوع اليه.

(51) كل ذلك للإطلاق و الاتفاق و السيرة الفتوائية و العملية بين الفقهاء و المتشرعة.

(52) للإجماع بل الضرورة الفقهية بل العقلائية لأنهم لا يلزمون أنفسهم بأمر مرجوح لديهم سواء كان ذلك بالحلف أو بغيره، و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في الصحيح: «لا تجوز يمين في تحليل حرام و لا تحريم حلال و لا قطيعة رحم» (1)، و قريب منه غيره، مع أنه لو صح تحليل الحرام بالقسم و نحوه لبطل الأحكام و اختل النظام إذ كل أحد يحلف على فعل ما يشاء من المحرمات فتصير حلالا.

(53) للإجماع و السيرة الفتوائية و العملية و ما ورد من الأخبار المعلقة للصحة على ما إذا كان المحلوف عليه طاعة للّه تعالى (2)، فإنها بقرينة استثناء ما إذا كان معصية للّه تعالى يشمل المباح الراجح و لو كان الرجحان لغرض عقلائي غير منهي عنه شرعا. و مجموع النصوص الواردة في الباب على قسمين:

ص: 260


1- الوسائل باب: 11 من أبواب الأيمان الحديث: 7.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب الأيمان و غيره.

المرجوح (54)، و أما إذا ساوى طرفاه بحسب الدنيا أيضا فهل تنعقد إذا تعلقت به فعلا أو تركا قولان أشهرهما أو أحوطهما أولهما و لا يخلو من قوة (55).

______________________________

الأول: ما يدل منطوقا أو مفهوما على وقوع اليمين على المباح (1).

الثاني: ما يظهر منه اعتبار الرجحان(2)، و لا بد من حمله على الأفضلية لئلا يتسرع كل أحد إلى الحلف باسم اللّه تبارك و تعالى أو مطلق الرجحان الاعتقادي ما لم ينه عنه الشرع، و كذا ما اشتمل على اعتبار البر و الطاعة (3)، فإن المراد الاقتضائي منهما لا الفعلي من كل جهة، و بهذا يجمع بين شتات الأخبار و متفرقاتها هذا كله في غير الإيلاء فيصح تعلقه بالمرجوح مع أنه يمين، كما انه يجب حنثه و بهما يمتاز الإيلاء عن سائر أقسام الأيمان و يأتي التفصيل، فما يظهر من بعض النصوص من اعتبار الرجحان(4)، لا وجه له بعد رد النصوص بعضها إلى بعض و استفادة الحكم من مجموعها و نعم ما قال في الجواهر: «فما سمعته من اللمعة من اعتبار كون متعلق اليمين كمتعلق النذر واضح الضعف و إن تبعه في الكفارة لبعض النصوص التي يجب طرحها في مقابل ما عرفت».

(54) لأصالة عدم ترتب الأثر بعد عدم صحة التمسك بالإطلاقات و العمومات للشك في صدقها عرفا و معه لا يصح التمسك بالدليل لأجل التردد في موضوعه، و أما ما ورد فيمن حلف أن يزن الفيل (5)، حيث لم يحكم أمير المؤمنين عليه السّلام ببطلان حلفه فمع قصور سنده لا بد من رد علمه إلى أهله.

(55) للعموم و الإطلاق و دعوى الانصراف إلى الراجح و لو دنيويا صحيح

ص: 261


1- الوسائل باب: 18 من أبواب الأيمان الحديث: 5 و 6 و غيرها.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب الأيمان الحديث: 3.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب الأيمان الحديث: 2.
4- الوسائل باب: 24 من أبواب الأيمان الحديث: 2.
5- الوسائل باب: 46 من أبواب الأيمان.

.....

______________________________

لو لم يكن الانصراف من باب الغالب و حينئذ فلا وجه للتمسك به، بل و مع الشك في أنه غالبي أو من حيث الظهور اللفظي لا وجه لسقوط العموم و الإطلاق لذلك لأنه لو صح سقوطهما بكل تشكيك لبطل استفادة الأحكام و التفهيم و التفهم بين الأنام. و قال في الجواهر بعد نقل جملة من عبارات الفقهاء الصريحة أو الظاهرة ما هذا لفظه «إلى غير ذلك من عباراتهم المتفقة ظاهرا على انعقاد اليمين على المباح المتساوي فعلا و تركا على فعله أو تركه».

أقول: و قد يدعى الإجماع على أقل من نقل مثل هذا المقدار من الأقوال فراجع و تأمل، فيصح اليمين على كل راجح اعتقادي ما لم ينه الشارع عنه و لو تنزيها، و يشهد له ما قالوه من صحة اليمين من الكافر و إن كان كفر جحود، للإطلاق و العموم الشامل للمسلم و الكافر فلو جعلوا مناط صحة اليمين كل راجح اعتقادي ما لم ينه عنه الشرع و لو تنزيها لصح و كفى و لم يحتاجوا إلى هذه التطويلات كما لا يخفى على من راجع المطولات.

ثمَّ أن الرجحان الاعتقادي على أقسام:

الأول: أن يستقر الاعتقاد و لم ينكشف الخلاف و لا ريب في صحة اليمين حدوثا و بقاء و يترتب الكفارة على الحنث.

الثاني: ينكشف أن الاعتقاد كان من الأول باطلا بحيث لو تأمل و تفكر في الجملة لم يحلف و لم يقدم على اليمين و لا أثر لمثل هذا الحلف للأصل بعد الشك في شمول الأدلة له.

الثالث: أن لا يبقى على الاعتقاد مدة ثمَّ تبدل موضوع الرجحان إلى المرجوحية فيتبدل حكم الحلف لنصوص كثيرة منها ما عن سعيد الأعرج قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يحلف على اليمين فيرى أن تركها أفضل و إن لم يتركها خشي أن يأثم؟ قال: أما سمعت قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا رأيت خيرا من يمينك فدعها» (1)، و عنه عليه السّلام أيضا: «من حلف على يمين فرأى ما هو خير منها

ص: 262


1- الوسائل باب: 18 من أبواب الأيمان الحديث: 1.

مسألة 12: تنحل اليمين إذا تعلقت براجح ثمَّ صار مرجوحا

(مسألة 12): كما لا تنعقد اليمين على ما كان مرجوحا تنحل إذا تعلقت براجح ثمَّ صار مرجوحا (56)، و لو عاد إلى الرجحان لم تعد اليمين بعد انحلالها على الأقوى (57).

مسألة 13: إنما تنعقد اليمين على المقدور دون غيره

(مسألة 13): إنما تنعقد اليمين على المقدور دون غيره (58) و لو كان مقدورا ثمَّ طرأ العجز عنه بعد اليمين انحلت اليمين (59) و يلحق بالعجز العسر و الحرج الرافعان للتكليف (60).

______________________________

فليأت الذي هو خير منها و له حسنة» (1)، إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة و إطلاقها يشمل القسمين.

الرابع: أن يتردد في بقاء الرجحان و عدمه مقتضى الأصل الموضوعي و الحكمي بقاء الرجحان و وجوب البقاء و حرمة الحنث.

(56) لاعتبار الرجحان حدوثا و بقاء و مع انتفاء الشرط ينتفي المشروط كذلك.

(57) لتحقق الانحلال فيستصحب ذلك، و إطلاق ما تقدم من قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «إذا رأيت خيرا من يمينك فدعها»، فإنه ظاهر في ترك اليمين رأسا فلا وجه للثبوت بعد الانحلال إلا دعوى أن الانحلال كان ما داميا لا دائميا و أن عموم وجوب الوفاء باليمين يشمل جميع آنات الأزمنة بالعموم الانحلالي، فزمان ما بعد حل اليمين داخل تحت العموم من الأول و هو حسن ثبوتا و لكن لا دليل عليه إثباتا في مقابل الاستصحاب بعد الانحلال.

(58) بالضرورة الفقهية إن لم تكن عقلائية.

(59) لقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه حدوثا و بقاء.

(60) لأنهما يرفعان التكاليف الأولية الإلهية فضلا عن الالتزامات الجعلية الخلقية فعموم أدلتهما شامل للجميع، مضافا إلى القاعدة المستفادة من

ص: 263


1- الوسائل باب: 18 من أبواب الأيمان الحديث: 3.

مسألة 14: إذا انعقدت اليمين وجب عليه الوفاء بها

(مسألة 14): إذا انعقدت اليمين وجب عليه الوفاء بها و حرمت عليه مخالفتها (61) و وجبت الكفارة بحنثها (62)، و الحنث الموجب للكفارة

______________________________

النصوص (1): «كل يمين ليس فيه رضاء اللّه تعالى فهو من خطوات الشيطان»، فإذا كان المحلوف عليه عسرا أو حرجيا حدوثا لا ينعقد اليمين فلا موضوع لوجوب الوفاء و إن لم يكن كذلك حدوثا ثمَّ عرض ذلك ينحل فيسقط وجوب الوفاء قهرا لزوال موضوعه.

(61) بالأدلة الأربعة فمن الكتاب قوله تعالى وَ لٰكِنْ يُؤٰاخِذُكُمْ بِمٰا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمٰانَ (2)، و من السنة نصوص كثيرة متفرقة في موارد كثيرة منها قول أبي جعفر عليه السّلام: «فإن جعل للّه شيئا من ذلك ثمَّ لم يفعل فليكفّر عن يمينه» (3)، و كذا قوله عليه السّلام: «و إنما الكفارة في أن يحلف الرجل و اللّه لا أزني و اللّه لا أشرب الخمر و اللّه لا أسرق و اللّه لا أخون و أشباه هذا و لا أعصي ثمَّ فعل فعليه الكفارة فيه» (4)، و من الإجماع إجماع المسلمين الدين لهم أيمان محترمة لديهم، و من العقل استقباحه لنقض كل التزام صحيح صدر عن كل عاقل بلا مجوز له.

(62) بالأدلة الثلاثة فمن الكتاب قوله تعالى فَكَفّٰارَتُهُ إِطْعٰامُ عَشَرَةِ مَسٰاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مٰا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ (5)، و من السنة ما رواه أبو حمزة الثمالي: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عمن قال و اللّه ثمَّ لم يف؟

فقال: كفارته إطعام عشرة مساكين» (6)، و عن علي عليه السّلام: «إذا حنث الرجل فليطعم عشرة مساكين»(7)، و من الإجماع إجماع المسلمين.

ص: 264


1- راجع الوسائل باب: 11 من أبواب الأيمان.
2- سورة المائدة: 89.
3- الوسائل باب: 23 من أبواب الأيمان.
4- الوسائل باب: 23 من أبواب الأيمان.
5- سورة المائدة: 89.
6- الوسائل باب: 19 من أبواب الكفارة الحديث: 1.
7- الوسائل باب: 19 من أبواب الكفارة الحديث: 2.

هي المخالفة عمدا (63) فلو كانت جهلا أو نسيانا أو اضطرارا أو إكراها فلا حنث و لا كفارة (64).

مسألة 15: إذا كان متعلق اليمين الفعل كالصلاة و الصوم

(مسألة 15): إذا كان متعلق اليمين الفعل كالصلاة و الصوم فإن عين له وقتا تعين و كان الوفاء بها بالإتيان به في وقته (65) و حنثها بعدم الإتيان به في وقته و إن أتى به في وقت آخر (66)، و إن أطلق كان الوفاء بها بإيجاده في أي وقت كان و لو مرة (67). و حنثها بتركه بالمرة (68)، و لا

______________________________

(63) لأدلة اعتبار القصد و الاختيار، و لإجماع الإمامية و المستفيضة عن النبي الأعظم صلّى اللّه عليه و آله امتنانا على الأمة: «وضع عن هذه الأمة تسعة أشياء: الخطأ، و النسيان، و ما أكرهوا عليه و ما لا يعلمون، و ما لا يطيقون، و ما اضطروا إليه- الحديث-» (1)، الشاملة لنفي الحكم التكليفي و الوضعي، و ذكرنا في علم الأصول ما يتعلق برفع الحكم الوضعي فراجع تهذيب الأصول.

(64) لأن اعتبار القصد و التعمد و الاختيار في تحقق الحنث يوجب عدم تحققه مع عدم واحد منها لا محالة فتنفي الكفارة المعلقة عليه قهرا فعدم التحقق يكون تخصصا لا تخصيصا.

(65) لأنه قد حدد المحلوف عليه بوقت معين فيكون الوفاء محدودا به لمكان الالتزام الحلفي فيتحقق الحنث بعدم الإتيان في ذلك الوقت لا محالة هذا مضافا إلى الإجماع بل الضرورة الفقهية في كل منهما.

(66) فلا حنث و لا كفارة لخروجه عن مورد الحلف بلا إشكال.

(67) لعدم تحديد للمحلوف عليه بوجه فيكفي كل ما صدق عليه الطبيعي كما في كل حكم تعلق بكل مطلق غير محدود بحد.

(68) لأن ترك الطبيعة إنما هو بترك جميع أفرادها و مع عدم تحقق ذلك

ص: 265


1- الوسائل باب: 16 من أبواب الأيمان الحديث: 3.

يجب التكرار و لا الفور و البدار و يجوز له التأخير و لو بالاختيار إلى أن يظن الفوت (69) لظن طرو العجز أو عروض الموت (70)، و إن كان متعلقها الترك كما إذا حلف أن لا يأكل الثوم أو لا يشرب الدخان فإن قيده بزمان كان حنثها بإيجاده و لو مرة في ذلك الزمان (71)، و إن أطلق كان مقتضاه التأبيد مدة العمر فلو أتى به مدة و لو مرة في أي زمان كان تحقق الحنث (72).

مسألة 16: إذا كان المحلوف عليه الإتيان بعمل

(مسألة 16): إذا كان المحلوف عليه الإتيان بعمل كصوم يوم سواء كان مقيدا بزمان كصوم يوم شعبان أو مطلقا من حيث الزمان لم يكن له إلا حنث واحد فلا تتكرر فيه الكفارة (73)، إذ مع الإتيان به في الوقت المعين

______________________________

يتحقق الحنث قهرا.

(69) كل ذلك للأصل و الإطلاق و ظهور الاتفاق، و لما أثبتناه في الأصول من أن الأمر لا يقتضي الفور و البدار مع عدم الدليل على الخلاف.

(70) المناط كله صحة نسبة الحنث إلى الاختيار و تحصيل ذلك بان يتسامح في الإتيان مع ظهور أمارات عروض العجز أو أن يعجز نفسه عن الإتيان و لو مع عدم عروض أمارة العجز.

(71) لتعلق الحلف بترك الطبيعة في وقت خاص و هي لا تترك إلا بترك جميع أفرادها في ذلك الوقت و مع تحقق فرد ما يصدق الإتيان بالطبيعة فيتحقق الحنث قهرا.

(72) لتعلق الحلف بترك الطبيعة المطلقة بلا تحديد بها بحد و زمان، و لا يتحقق تركها كذلك إلا بترك جميع أفرادها ما دام الحياة فلو أتى بفرد منها مرة واحدة تحقق الحنث حينئذ.

(73) لأن المحلوف عليه شي ء واحد فليس له إلا حنث واحد لما ثبت من أن نقيض الواحد واحد، و بقية المسألة واضحة مما ذكرناه.

ص: 266

أو مدة العمر و لو مرة لا مخالفة و لا حنث و مع تركه بالمرة تحقق الحنث الموجب للكفارة، و كذلك إذا كان ترك عمل على الإطلاق سواء كان مقيدا بزمان كما إذا حلف على ترك شرب الدخان في يوم الجمعة أو غير مقيد به كما إذا حلف على تركه مطلقا، لأن الوفاء بهذا اليمين إنما هو بترك ذلك العمل بالمرة و حنثها بإيقاعه و لو مرة فلو أتى به حنث و انحلت اليمين فلو أتى به مرارا لم يحنث إلا بالمرة الأولى فلا تتكرر الكفارة و هذا مما لا إشكال فيه (74) إنما الإشكال في مثل ما إذا حلف على أن يصوم كل خميس أو حلف على أن لا يأكل الثوم في كل جمعة مثلا فهل يتكرر الحنث و الكفارة إذا ترك الصوم في أكثر من يوم أو أكل الثوم في أكثر من جمعة واحدة أم لا بل تنحل اليمين بالمخالفة الأولى فلا حنث بعدها قولان أحوطهما الأول و أشهرهما الثاني (75).

______________________________

(74) لأن الترك نقيض الفعل و بالعكس و إذا حصل أحدهما يرتفع الآخر فلا فرق بين ما إذا كان المحلوف عليه هو الفعل أو الترك من هذه الجهة.

(75) أما كون الأول أحوط فلا ريب فيه لأنه تكرير للكفارة مع احتمال تكرر الموجب و لا ريب في حسن العمل بهذا الاحتمال و الاحتياط إن لم يزاحم جهة أخرى أهم منه.

و أما كون الثاني أقوى فللأصل بعد كون المسألة من صغريات الأقل و الأكثر. إذ الأقل معلوم و الأكثر مشكوك فيرجع فيه إلى البراءة، مع أن نسبة المخالفة إلى اليمين و النذر و العهد نسبة الفسخ إلى العقد فكما أنه لا وجه لتكرار الفسخ لا وجه لتكرر المخالفة و حيث أن المخالفة واحدة تكون الكفارة كذلك أيضا.

إن قيل: ان اليمين تنحل حسب الأيام فلكل يوم يمين مستقل و حنث خاص و كفارة خاصة فلا بد من تعددها.

ص: 267

مسألة 17: كفارة اليمين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم

(مسألة 17): كفارة اليمين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام (76)، و سيجي ء تفصيلها و ما يتعلق

______________________________

يقال: هذا اليمين و أخويها يتصور على أقسام:

الأول: أن يكون النظر إلى ذات اليمين بنحو التفريد الزماني بحيث لم يلحظ فيه تعدد الحنث.

الثاني: لحاظ مجموع الأيام بنحو الكلي المجموعي بحيث يكون القسم في حاق الواقع واحدا لا متعددا و لو بالانحلال الفرضي.

الثالث: لحاظ الانحلال بالنسبة إلى ذات اليمين و بالنسبة إلى حنثيته أيضا بحيث يكون المحلوف عليه لحاظ كل يوم مستقلا لا ضمنا و لحاظ حنثيته كذلك أيضا.

و في الأولين لا وجه لتعدد الحنث و الكفارة لفرض وحدة الحلف و في الأخير الظاهر التعدد.

الرابع: أن يشك إنه من أي الأقسام و مقتضى الأصل عدم تعدد الحنث و الكفارة حينئذ.

ثمَّ أن الحنث لا يخلو عن أقسام:

الأول: صدق الحنث عرفا.

الثاني: عدم صدقه كذلك.

الثالث: الشك في صدقه و عدمه، و لا ريب في تحققه في الأول فيثبت الإثم و الكفارة و يزول الإثم بدفع الكفارة كما لا ريب في عدم تحقق الإثم و الكفارة في الثاني لعدم الموضوع لهما، و كذا في الأخير للأصل الموضوعي و الحكمي و إن كان الأحوط دفعها.

نعم، لو كان المقصود إحراز أن الحالف غير حانث لحلفه تكون صورة الشك بحكم الصورة الأولى فلا تكون الأقسام ثلاثة حينئذ.

(76) بالأدلة الثلاثة فمن الكتاب قوله تعالى:

ص: 268

بها من الأحكام في كتاب الكفارات (77) إن شاء اللّه تعالى.

مسألة 18: الأيمان الصادقة كلها مكروهة

(مسألة 18): الأيمان الصادقة كلها مكروهة (78) سواء كانت على الماضي أو المستقبل و تتأكد الكراهة في الأول (79)، ففي خبر الخزاز عن مولانا الصادق عليه السّلام: «لا تحلفوا باللّه صادقين و لا كاذبين فإنه يقول عز و جل وَ لٰا تَجْعَلُوا اللّٰهَ عُرْضَةً لِأَيْمٰانِكُمْ»، و في خبر ابن سنان عنه عليه السّلام: «اجتمع الحواريون إلى عيسى (على نبينا و آله و عليه السلام) فقالوا يا معلم الخير

______________________________

فَكَفّٰارَتُهُ إِطْعٰامُ عَشَرَةِ مَسٰاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مٰا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ ذٰلِكَ كَفّٰارَةُ أَيْمٰانِكُمْ إِذٰا حَلَفْتُمْ وَ احْفَظُوا أَيْمٰانَكُمْ (1)، و من السنة نصوص مستفيضة منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في الصحيح: «في كفارة اليمين يطعم عشرة مساكين لكل مسكين مد من حنطة أو مد من دقيق و حفنة أو كسوتهم لكل إنسان ثوبان أو عتق رقبة، و هو ذلك بالخيار أي ذلك (الثلاثة) شاء صنع فإن لم يقدر على واحدة من الثلاث فالصيام عليه ثلاثة أيام» (2)، و قريب منه غيره، و من الإجماع إجماع الإمامية إن لم يكن من المسلمين.

(77) يأتي ما يتعلق بها من الأدلة إن شاء اللّه تعالى.

(78) للآية الكريمة وَ لٰا تَجْعَلُوا اللّٰهَ عُرْضَةً لِأَيْمٰانِكُمْ (3)، بعد حملها على مطلق المرجوحية بالنسبة إلى الصادق بقرينة الإجماع على عدم الحرمة فيها و لنصوص (4)، مستفيضة إن لم تكن متواترة التي لا بد من حملها على الكراهة بقرينة الإجماع.

(79) أما عدم الفرق في الكراهة بينهما فلظهور الإطلاق و الاتفاق.

ص: 269


1- سورة المائدة: 89.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب الكفارات ج: 15.
3- سورة البقرة: 224.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب الأيمان.

أرشدنا فقال لهم: إن موسى نبي اللّه أمركم أن لا تحلفوا باللّه كاذبين و أنا آمركم أن لا تحلفوا باللّه كاذبين و لا صادقين».

نعم، لو قصد بها رفع مظلمة عن نفسه أو عن غيره من أخوانه جاز بلا كراهة و لو كذبا، ففي خبر زرارة عن الباقر عليه السّلام: «إنما نمر بالمال على العشارين فيطلبون منّا أن نحلف لهم و يخلون سبيلنا و لا يرضون منا إلا بذلك، فقال: احلف لهم فهو أحلى من التمر و الزبد»، بل ربما تجب اليمين

______________________________

و أما تأكدها في الأول فهو المشهور بين الفقهاء و ظاهرهم الإجماع، و قد يصطلح عليه بيمين الغموس التي مر تفسيرها (1).

و يستحب ترك القسم على المال إجلالا للّه جل جلاله فعن نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «من أجلّ اللّه أن يحلف به أعطاه اللّه خيرا مما ذهب منه» (2)، و عن الصادق عليه السّلام: «إن ادعي عليك مال و لم يكن عليك فأراد أن يحلفك فإن بلغ مقدار ثلاثين درهما فأعطه و لا تحلف و إن كانت أكثر من ذلك فاحلف و لا تعطه» (3)، و عن أبي جعفر عليه السّلام في رواية أبي بصير: «ان أباه كانت عنده امرأة من الخوارج فقال له مولى له: يا ابن رسول اللّه إن عندك امرأة تبرأ من جدك فقضى لأبي انه طلقها فادعت عليه صداقها فجائت به إلى أمير المدينة تستعديه فقال له أمير المدينة: يا علي إما أن تحلف و إما أن تعطيها، فقال لي يا بني: قم فأعطها أربعمائة دينار، فقلت له: يا أبت جعلت فداك أ لست محقا؟! قال: بلى يا بني و لكن أجللت اللّه أن أحلف به يمين صبر»(4)، ثمَّ الظاهر أن حكم القسم يختلف بحسب الأحكام الخمسة التكليفية كما هو واضح.

ص: 270


1- راجع صفحة: 245.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الأيمان الحديث: 3.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب الأيمان.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب الأيمان.

الكاذبة لدفع ظالم عن نفسه أو عرضه أو عن نفس مؤمن أو عرضه (80)، لكن إذا كان ملتفتا إلى التورية و يحسنها فالأحوط لو لم يكن الأقوى أن يوري (81) بأن يقصد باللفظ خلاف ظاهره من دون قرينة مفهمة.

______________________________

(80) لنصوص كثيرة مضافا إلى الإجماع فعن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: احلف باللّه كاذبا و نج أخاك من القتل» (1)، و في رواية أبي الصباح قال: «و اللّه لقد قال لي جعفر بن محمد عليه السّلام إن اللّه علّم نبيه التنزيل و التأويل، فعلّمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليا عليه السّلام قال: و علّمنا و اللّه، ثمَّ قال: ما صنعتم من شي ء أو حلفتم عليه من يمين في تقية فأنتم منه في سعة» (2)، مع أن الحكم مطابق للقاعدة لكونه من صغريات تقديم الأهم على المهم الثابت بالأدلة الأربعة- كما تقدم- بعد تحقق الأهمية.

(81) لا ريب في حسن التورية مع القدرة العرفية و عدم محذور في البين إنما الكلام في وجوبها مع الإمكان، و استدل من قال بالوجوب أولا: بإطلاق أدلة حرمة الكذب و مع القدرة عليها لا يتحقق الكذب فيفعل محرما إن كذب و لم يورّ.

ثانيا: بانصراف الأدلة المجوزة للكذب مع الضرورة أو وجود المصلحة إلى صورة عدم القدرة عليها فلا مجوز للكذب مع إمكانها.

و فيه: ان ظواهر الأدلة المرخصة للكذب مع المصلحة أو الضرورة انها في مقام التقييد و التخصيص لأدلة حرمة الكذب و معنى التخصيص و التقييد خروج الفرد المعلوم الفردية عن تحت العام و المطلق، و المفروض تحقق التخصيص و التقييد فنفس الكذب بما هو كذب خارج عن إطلاق أدلة حرمته و عمومها فلا وجه للتورية حينئذ، و أما الانصراف فقد تكرر منا أنه لا وجه له ما

ص: 271


1- الوسائل باب: 12 من أبواب الأيمان الحديث: 2.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب الأيمان الحديث: 4.

مسألة 19: الأقوى أنه يجوز الحلف بغير اللّه في الماضي و المستقبل

(مسألة 19): الأقوى أنه يجوز الحلف بغير اللّه في الماضي و المستقبل (82) و إن لم يترتب على مخالفتها اثم و لا كفارة (83) كما أنه ليس قسما فاصلا في الدعاوي و المرافعات (84).

______________________________

لم يوجب الظهور العرفي و لو بالقرينة الخارجية، و تقدم بعض الكلام في المكاسب المحرمة عند بيان حرمة الكذب (1)، فراجع.

(82) لأصالة الإباحة العقلية و النقلية و ظهور الإجماع و السيرة فيما لم يكن كذب في البين و إطلاق قوله تعالى لٰا يُؤٰاخِذُكُمُ اللّٰهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمٰانِكُمْ (2)، بعد ان كان المراد به كل ما لم يترتب عليه الأثر، و لوقوع ذلك عن الأئمة عليهم السّلام (3).

و أما قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في الصحيح: «كل يمين لا يراد بها وجه اللّه عز و جل فليس بشي ء»(4)، فالمنساق منه انما هو في مقام فصل الخصومة و ترتب الأثر لا مطلقا.

(83) لعدم موضوع للإثم بعد الجواز فلا موضوع للكفارة مع عدم الإثم.

(84) إجماعا و نصوصا تقدم بعضها و يأتي بعضها الآخر في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.

ثمَّ ان الحلف بغير اللّه تبارك و تعالى على أقسام:

الأول: أن يكون لتعظيمه و تجليله في مقابل اللّه عز و جل، و لا ريب في حرمته لأن المتيقن مما ورد أنه من خطوات الشيطان (5)، و إنه شرك (6)، و هو المعلوم من حديث المناهي: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يحلف الرجل بغير اللّه

ص: 272


1- ج: 16 صفحة: 148.
2- سورة البقرة: 225.
3- راجع الوسائل باب: 30 و 31 من أبواب الأيمان.
4- الوسائل باب: 14 من أبواب الأيمان.
5- الوسائل باب: 15 من أبواب الأيمان الحديث: 4 و غيره.
6- الوسائل باب: 30 من أبواب الأيمان الحديث: 11 و 2 و 7 و 14 و 10.

مسألة 20: لو نذر أن لا يحلف أبدا فحلف على فعل شي ء أو تركه

(مسألة 20): لو نذر أن لا يحلف أبدا فحلف على فعل شي ء أو تركه يشكل تحقق الحلف (85).

مسألة 21: لو أنشأ الحلف بالفارسي مثلا- اجتهادا أو تقليدا- ثمَّ تبدل رأيه

(مسألة 21): لو أنشأ الحلف بالفارسي مثلا- اجتهادا أو تقليدا- ثمَّ

______________________________

و قال من حلف بغير اللّه فليس من اللّه في شي ء» (1).

الثاني: أن ينطبق عليه هذا العنوان و لو لم يقصد ذلك و الظاهر كونه كالأول.

الثالث: أن يقسم بالغير تعظيما للّه تعالى لئلا يقسم به في كل شي ء مع إقناع الطرف بذلك و سكوته عن المحاجة و المخاصمة، و مقتضى الأصل جوازه و إن لم يترتب أثر القسم الصحيح الشرعي عليه من وجوب الوفاء و حرمة النقض و الكفارة، و عليه يحمل ما ورد عن الأئمة من القسم كقول مولانا الرضا عليه السّلام: «لا و قرابتي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما قلته قط» (2)، و قوله عليه السّلام أيضا لأبي حمزة: «و حقك لقد كان مني في هذه السنة ست عمر» (3)، و قول أبي جعفر عليه السّلام لأبي داود: «أنى قد جئت و حياتك» (4)، إلى غير ذلك مما ورد عنهم عليهم السّلام.

(85) لمكان النهي عنه بالنذر، و لكن يظهر من بعض صحة الحلف بل أفتى به في ملحقات العروة.

و فيه: بعد أن صار إنشاء السبب منهيا عنه كيف يجزم بصحته مع أن السبب لا بد من إضافته إلى اللّه تعالى و لا أقل من احتمال انصراف الإطلاقات عن مثله فيرجع إلى أصالة عدم ترتب الأثر. و قياسه بسائر الإنشاءات لا وجه له إذ لا إضافة فيها إلى اللّه تعالى و لو لفظا فالجزم بالصحة مشكل. و كذا يشكل تحقق الحنث أيضا لأن وجود هذا الحلف كعدمه بعد النهي عنه شرعا إلا أن يكون مراد الناذر مطلق إنشاء الحلف و لو لم يكن شرعيا.

ص: 273


1- الوسائل باب: 30 من أبواب الأيمان الحديث: 11 و 2 و 7 و 14 و 10.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب الأيمان الحديث: 8.
3- الوسائل باب: 30 من أبواب الأيمان الحديث: 10.
4- الوسائل باب: 30 من أبواب الأيمان الحديث: 14.

تبدل رأيه إلى عدم الجواز كذلك كان حلفه صحيحا (86).

مسألة 22: لو حلف صحيحا ثمَّ زال عقله بالإغماء و نحوه فصحى

(مسألة 22): لو حلف صحيحا ثمَّ زال عقله بالإغماء و نحوه فصحى الظاهر بقاء حلفه و عدم زواله (87).

______________________________

(86) لفرض حدوث الحلف حين الإنشاء صحيحا جامعا للشرائط فيشمله دليل وجوب الوفاء به.

(87) للأصل موضوعا و حكما إلا إذا ثبت تغير الموضوع فلا وجه للأصل حينئذ.

ص: 274

النذر و أحكامه

اشارة

النذر و أحكامه النذر هو الالتزام بعمل للّه تعالى على نحو مخصوص (1). و لا ينعقد

______________________________

أصل هذه المادة تستعمل لغة بمعنى الإعلام و التخويف و يلزمهما الإثبات و التثبت و المعنى المعهود الشرعي من صغريات المعنى اللغوي أي الإثبات و التثبيت المتضمن للإعلام و التخويف و ليس معناه مستقلا في مقابل اللغة.

و تدل على مشروعيته الأدلة الأربعة فمن الكتاب قوله تعالى وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ(1)، و قوله تعالى يُوفُونَ بِالنَّذْرِ (2)، و من السنة المستفيضة بل المتواترة التي يأتي بعضها، و من الإجماع إجماع المسلمين لو لم يكن من المليين قال تعالى في قصة مريم إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمٰنِ صَوْماً (3)، و في قصة أمها رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مٰا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً (4)، و من العقل انه من السلطة الاختيارية التي يحكم العقل بثبوتها لكل فاعل مختار ما لم ينه عنها الشرع.

(1) أرسل هذا التعريف إرسال المسلمات أما الالتزام بالعمل فهو عين المعنى اللغوي من حيث تضمن المعنى للتثبت و الإثبات. و أما القربة فهو من مقومات النذر إجماعا و نصوصا سيأتي بعضها، و يأتي بعض الأخبار الدالة عليه.

ص: 275


1- سورة الحج: 29.
2- سورة الدهر: 7.
3- سورة مريم: 26.
4- سورة آل عمران: 35.

بمجرد النية (2) بل لا بد من الصيغة و هي ما كانت مفادها إنشاء الالتزام بفعل أو ترك للّه تعالى (3) كأن يقول: «للّه عليّ أن أصوم أو ان أترك شرب الخمر» مثلا، و هل يعتبر في الصيغة قول (اللّه) بالخصوص أو يجزي غير

______________________________

(2) لقاعدة: «ان الالتزامات لا أثر لها ما لم يكن لها مبرز خارجي» مضافا إلى النصوص الكثيرة منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في موثق الكناني: «ليس النذر بشي ء حتى يسمي اللّه صياما أو صدقة أو هديا أو حجا» (1)، و عنه عليه السّلام أيضا: «إذا لم يقل للّه عليّ فليس بشي ء» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار، و يدل عليه الإجماع أيضا من غير الشيخين و القاضي حيث نسب إليهم الانعقاد بمجرد النية و عد هذا من الأقوال النادرة.

(3) للنصوص الكثيرة التي تقدم بعضها، و لإجماع الإمامية بل و جميع المليين الذين يعتقدون باللّه تعالى و ينذرون له عز و جل ثمَّ ان الإضافة إلى اللّه عز و جل على قسمين:

الأول: بأن يكون الداعي المحرّك لإتيان العمل و الغاية الباعثة للإتيان هو اللّه عز و جل كما في العبادات بحيث يفسد العمل بالرياء أو إتيانه بداعي غير اللّه تعالى من سائر الدواعي كما فصلناه في نية الوضوء و الصلاة، و لا دليل على اعتبار هذا القسم من الإضافة إليه تعالى في اليمين و النذر و العهد بل مقتضى الأصل و الإطلاق عدمه، فلو أتى باليمين أو النذر أو العهد لترك شي ء أو فعله لمجرد غرض نفساني فقط من دون أن تكون الغاية هو اللّه تعالى يصح كل ذلك. و أما قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في رواية ابن صدقة: «إذا لم يجعل للّه فليس بشي ء» (3)، و قريب منه غيره فلا يدل على كونه عبادة بذاته مثل الصلاة، لأن المراد من هذه الأخبار انما هو ذكر اللّه تعالى في مقام إنشاء النذر.

ص: 276


1- الوسائل باب: 1 من أبواب النذر الحديث: 2.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب النذر الحديث: 6.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب النذر الحديث: 2.

هذه اللفظة من أسمائه المختصة كما تقدم في اليمين؟ الظاهر هو الثاني (4) فكل ما دل على الالتزام بعمل للّه جل شأنه يكفي في الانعقاد (5)، بل لا

______________________________

الثاني: أن تكون الصيغة المنشأ بها اليمين أو النذر أو العهد متضمنة لاسمه عز و جل سواء كان داعي الالتزام هو اللّه تعالى أو لا، و هذا هو المعتبر في الثلاثة بلا إشكال، و كلمات القوم في المقام لا تخلو من تشويش و لعل أول من أوقعهم فيه المحقق رحمه اللّه في الشرائع، حيث عبر رحمه اللّه باعتبار القربة فقال: «يشترط مع الصيغة نية القربة فلو قصد منع نفسه بالنذر لا للّه لم ينعقد» و لكن لو كان متعلق الثلاثة عبادة فلا ريب في اعتبار القربة في المتعلق حينئذ كما هو معلوم و لكنه لا يستلزم كون الثلاثة عباديا و قريبا بذاتها.

(4) نسب إلى أكثر الأصحاب اعتبار النطق بلفظ الجلالة بل ادعي عليه الإجماع، و عن الشهيد في الدروس الاكتفاء بأحد الأسماء المختصة كما في اليمين لأن لفظ «اللّه» الذي ذكر في الأخبار انما هو لأجل تحقق الإضافة الاختصاصية إلى الذات الأقدس عز و جل و لا موضوعية فيه بوجه، فكل لفظ تحققت الإضافة الاختصاصية إلى الذات الأقدس تعالى يتحقق النذر به، و يشهد لما قلناه أخبار اليمين (1)، و قول الصديقة العذراء أم المسيح في الأرض المرفوع إلى السماء إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمٰنِ صَوْماً (2)، و قال في الجواهر و نعم ما قال:

«لا يخفى أن سياق النصوص اجمع إرادة خصوص ذاته المقدسة لا خصوص هذا اللفظ».

(5) لوجود المقتضي من صدق النذر عرفا و فقد المانع فتشمله الإطلاقات لا محالة.

ص: 277


1- الوسائل باب: 30 من أبواب الأيمان.
2- سورة مريم: 26.

يبعد انعقاده بما يرادف القول المزبور من كل لغة (6) خصوصا لمن لم يحسن العربية (7).

مسألة 1: لو اقتصر على قوله: «عليّ كذا» لم ينعقد النذر

(مسألة 1): لو اقتصر على قوله: «عليّ كذا» لم ينعقد النذر (8) و ان

______________________________

(6) لأنه لا موضوعية للعربية في إبراز الالتزامات و الإنشاءات المتعارفة بين الناس إلا أن يدل دليل خاص على اعتبارها و هو مفقود، إذ ليس في البين إلا الكتاب الكريم و الأخبار الواصلة إلينا، أما الكتاب فعموم قوله تعالى وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ (1)، و قوله تعالى يُوفُونَ بِالنَّذْرِ (2)، الشاملة لكل نذر تحقق بأي لغة كان، و أما الأخبار من حيث أن السائل و المجيب كانوا من العرب صدرت العربية عنهم عليهم السّلام لا لأجل أنها مقومة لإبراز مقاصد الناس مطلقا على فرقهم المختلفة و ألسنتهم المتشتته، و أما دعوى الإجماع على اعتبار العربية في العقود و الإيقاعات فعهدة اعتبار مثل هذا الإجماع على مدعيه. نعم تعتبر العربية في الصلاة و قراءة القرآن بالضرورة الدينية و يلحق بالقرآن على الظاهر الدعوات الخاصة المعتبرة.

(7) لأن المتيقن من إجماعهم على فرض اعتباره انما هو من قدر عليها و المنساق من النصوص على فرض صحة استفادة اعتبار العربية خصوص القادر عليها. و بالجملة كون اعتبار العربية في إنشاء الالتزامات كاعتبارها في القرآن و الصلاة مما تأباه الأذهان السليمة و السلائق المستقيمة، مع أن بنائهم على الرجوع إلى أصالة عدم الشرطية عند الشك فيها مطلقا و التمسك بالعمومات و الإطلاقات بعد الصدق العرفي، و لكن مع ذلك كله مراعاة الاحتياط حسن و أولى.

(8) نسب ذلك إلى ظاهر الأكثر للأصل و قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ليس

ص: 278


1- سورة الحج: 29.
2- سورة الدهر: 7.

نوى في ضميره معنى للّه (9)، و لو قال: «نذرت للّه» أن أصوم مثلا أو «للّه عليّ نذر صوم يوم» مثلا لم ينعقد على إشكال (10) فلا يترك الاحتياط.

______________________________

النذر بشي ء حتى يسمى للّه» (1)، و قوله عليه السّلام أيضا: «إذا لم يقل للّه عليّ فليس بشي ء» (2).

(9) لشمول إطلاق النص و الفتوى لهذه الصورة أيضا، و هناك قولان آخران، أحدهما: لابن حمزة من التفصيل بين النذر المشروط فينعقد و غيره فلا ينعقد.

ثانيهما: للقاضي من الاكتفاء بمجرد النية في الصحة، و الأول ضعيف و الثاني أضعف و من أراد العثور عليه فليراجع المطولات.

(10) من الجمود على ما في النصوص من التعبير ب «للّه عليّ» (3)، فلا ينعقد بهذه التعبيرات و من أن هذه التعبيرات مساوق عرفا لما ورد في الروايات فلا بد من الانعقاد. و منه يعلم وجه وجوب الاحتياط لأن فيه النجاة إلى أن يطلع على وجه الأرض أمامها و يكشف بعدله و أنواره ظلمها و ظلامها و يبلغ بمقدمه حقائق التكوين و التشريع إلى كمالها و تمامها.

ثمَّ انه لا ريب في أن كلمة «اللام» في قول «للّه عليّ» يفيد الاختصاص فيجعل الناذر حقا للّه تعالى على نفسه و يلتزم بوفائه بهذا الحق المجعول، و أما استفادة الملكية منها فلا دليل عليها من عقل أو نقل.

نعم، لفظ «له» في العلوم العقلية عبارة عن مقولة الجدة أي:

الملك فمن أتعب نفسه في أن «اللام» تدل على الملك خلط بين الفنون الأدبية و العرفية و العقلية و كم لهم من هذه الاختلاطات كما لا يخفى على الخبير.

ص: 279


1- الوسائل باب: 1 من أبواب النذر و العهد الحديث: 2.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب النذر و العهد الحديث: 6.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب النذر الحديث: 1 و 6.

مسألة 2: يشترط في الناذر البلوغ و العقل و الاختيار و القصد. و انتفاء الحجر

(مسألة 2): يشترط في الناذر البلوغ و العقل و الاختيار و القصد (11).

و انتفاء الحجر في متعلق النذر (12)، فلا ينعقد نذر الصبي و إن كان مميزا و بلغ عشرا (13) و لا المجنون و لو أدواريا حال دوره (14) و لا المكروه و لا السكران بل و لا الغضبان غضبا رافعا للقصد (15)، و كذا السفيه إن كان

______________________________

(11) تقدم غير مرة أن هذه كلها من الشرائط العامة للالتزامات مطلقا عقدا كانت أو إيقاعا، و اعتبار العقد و القصد فيها من الشروط العقلائية لها عند الناس أجمعين، إذ لا أثر لالتزام المجنون و الساهي و الناسي لديهم، و البلوغ معتبر فيها لدى المسلمين نصا (1)، و إجماعا و كذا الاختيار لحديث رفع الإكراه (2)، المتكرر نقله في الأخبار، و يمكن أن يجعل اعتباره من الأمور العقلائية أيضا لبناء العقلاء على عدم ترتب الأثر على التزام المكره مطلقا ما لم يكن في البين طيب النفس.

(12) لأنه يعتبر في متعلق النذر أن يكون مقدورا شرعا على التصرف فيه و مع الحجر لا قدرة له عليه كذلك.

(13) لإطلاق ما دل على سقوط إنشاء الصبي مطلقا عقدا كان أو إيقاعا ما لم يدل دليل على الخلاف، و لا دليل على الخلاف في المقام إلا إطلاق ما ورد عن أبي جعفر عليه السّلام في الموثق: «إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنه يجوز في ماله ما أعتق أو تصدق أو أوصى على حد معروف و حق فهو جائز» (3)، و مثله غيره و لكنه موهون بالإعراض أو محمول على بعض المحامل.

(14) دون حال إفاقته فيصح النذر حينئذ.

(15) لعدم تحقق أصل القصد حينئذ، و أما خبر ابن بشير عن موسى ابن جعفر عليه السّلام: قال: «جعلت فداك إني جعلت للّه عليّ أن لا أقبل من بني عمي صلة

ص: 280


1- الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب الأيمان الحديث: 3.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب الوقوف و الصدقات الحديث: 1.

المنذور مالا و لو في ذمته (16) و المفلس إن كان المنذور من المال الذي حجر عليه و تعلق به حق الغرماء (17).

مسألة 3: لا يصح نذر الزوجة مع منع الزوج

(مسألة 3): لا يصح نذر الزوجة مع منع الزوج (18) و لو نذرت بدون إذنه كان له حلّه (19)، كاليمين و إن كان متعلقا بمالها و لم يكن العمل به

______________________________

و لا اخرج متاعي في سوق مني تلك الأيام، قال: إن كنت جعلت ذلك شكرا فف به و إن كنت إنما قلت ذلك من غضب فلا شي ء عليك» (1)، فإن كان هذا الغضب موجبا لرفع القصد فالحكم مطابق للقاعدة و إن لم يكن كذلك فمقتضى الإطلاقات و العمومات الصحة.

(16) لمكان حجره في التصرف في أمواله فكيف يصح نذره؟!

(17) لتعلق حق الغرماء و لا وجه لصحة النذر حينئذ كما تقدم في كتاب الحجر.

(18) على المشهور لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في الصحيح: «ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق و لا صدقة و لا تدبير و لا هبة و لا نذر في مالها إلا بإذن زوجها إلا في حج أو زكاة أو بر والديها أو صلة رحمها» (2).

و أشكل عليه باشتماله على ما لا يقول به أحد من بطلان عتقها بدون إذن الزوج فلا وجه للاعتماد عليه.

و فيه: أن التفكيك بالعمل ببعض الأجزاء من الأخبار ورد بعضها من سيرة الأصحاب من محدثهم و فقيههم كما لا يخفى على أولي الألباب.

و الظاهر عدم الفرق بين الدائمة و المنقطعة إلا مع تحقق الانصراف عن الأخيرة لأجل القرائن الخاصة كقصر المدة.

(19) بلا إشكال فيه و انما الكلام في أنه هل ينعقد بلا إذن منه أو لا ينعقد

ص: 281


1- الوسائل باب: 23 من أبواب النذر و العهد.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب النذر.

مانعا عن الاستمتاع بها (20)، و لو أذن لها في النذر فنذرت عن إذنه انعقد و ليس له بعد ذلك حله و لا المنع عن الوفاء به (21)، و هل يشترط انعقاد نذر الولد بإذن الوالد فلا ينعقد بدونه أو ينعقد و له حلّه أو لا يشترط بالإذن و لا له حلّه فيه؟ خلاف و إشكال (22).

______________________________

أصلا بدون اذنه؟ فتكون الأقسام ثلاثة: تحقق الإذن السابق و لا ريب في الانعقاد حينئذ، و تحقق المنع السابق و لا ريب في عدم الانعقاد أصلا، و عدم تحققهما معا فينعقد بناء على عدم اعتبار الإذن السابق و يكون للزوج حلّه، و مقتضى الجمع بين الحقين و العمل بالدليلين هو الأخير و تقدم ذلك في اليمين أيضا و سيأتي في مسألة 30 ما ينفع المقام.

(20) أما الأول فلذكره بالخصوص فيما تقدم من النص. و أما الأخير فللإطلاق و تقدم في نذر الحج بعض ما ينفع المقام.

(21) لوقوع النذر جامعا للشرائط فيشمله قوله عليه السّلام: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (1).

(22) نسب إلى الأكثر إلحاق الولد بالزوجة في ذلك، و استدلوا عليه.

تارة: بتنقيح المناط.

و أخرى: بأن المراد باليمين في الأخبار ما يشمل النذر بعضها في كلام الإمام عليه السّلام و بعضها في كلام الراوي مع تقرير الإمام عليه السّلام له (2)، و تقدم بعض الكلام في نذر الحج فراجع.

و ثالثة: بأن الاستقراء و التتبع التام يكشف عن اشتراك اليمين و النذر في كثير من الأحكام.

و يمكن الخدشة في الكل أما الأول فهو قياس باطل. و أما الثاني فلا وجه

ص: 282


1- الوسائل باب: 11 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
2- تقدم جميع الروايات في ج: 12 صفحة: 186 فراجع.

و الأحوط أن يكون بإذنه (23) ثمَّ بعد ذلك لزم و ليس له حله و لا منعه عن الوفاء (24).

مسألة 4: النذر اما نذر برّ

(مسألة 4): النذر اما نذر برّ و يقال له: «نذر المجازات» (25)، و هو ما علق على أمر اما شكرا لنعمة دنيوية أو أخروية كأن يقول إن رزقت ولدا و إن وفقت لزيارة بيت اللّه فللّه عليّ كذا، و اما استدفاعا لبلية كأن يقول إن شفى اللّه مريضي فللّه عليّ كذا. و اما نذر زجر و هو ما علق على فعل حرام أو مكروه زجرا للنفس على ارتكابهما مثل أن يقول إن تعمدت الكذب أو بلت في الماء فللّه على كذا، أو على ترك واجب أو مستحب زجرا لها عن تركهما مثل أن يقول إن تركت فريضة أو نافلة الليل فللّه عليّ كذا، و اما نذر تبرع و هو ما كان مطلقا و لم يعلق على شي ء كأن يقول للّه عليّ أن أصوم

______________________________

له إلا إذا ثبت أن الإطلاق بنحو الحقيقة و أن اليمين من أفراد النذر الحقيقية أو الحكمية الشرعية، و هو أول الدعوى مع أن للمجاز و الاستعارة باب واسع جدا في جميع المحاورات خصوصا العربية فيبقى مقتضى الإطلاقات و العمومات في النذر، و أصالة عدم توقف صحة نذر الولد على إذن الوالد بحاله.

(23) لأنا و ان أشكلنا فيما ذكروه من الأدلة لكن يمكن دعوى حصول الظن الاجتهادي بالحكم من بعضها و عليه تدور المسائل الاجتهادية.

(24) لتحقق النذر جامعا للشرائط فلا وجه بعد ذلك لتأثير منعه إذ «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (1).

(25) النذر إما مشروط أو لا، و الأول إما شكر أو زجر، و يطلق على الأول نذر الشكر و على الثاني نذر الزجر و على الأخير النذر المطلق، و هذه الأقسام الثلاثة وجدانية لكل من يتوجه إلى النذر في الجملة.

ص: 283


1- الوسائل باب: 11 من أبواب الأمر بالمعروف.

غدا لا اشكال و لا خلاف في انعقاد الأولين (26) و في انعقاد الأخير قولان أقواهما الانعقاد (27).

مسألة 5: لو كان النذر مشروطا و حصل الشرط قبل إنشاء النذر

(مسألة 5): لو كان النذر مشروطا و حصل الشرط قبل إنشاء النذر و لا

______________________________

(26) بإجماع الإمامية بل المسلمين إن لم يكن من ضروريات فقههم.

(27) نسب ذلك إلى المشهور بل ادعي الإجماع عليه لصدق النذر لغة و عرفا فيشمله إطلاق الأدلة و عمومها من الكتاب و السنة كقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «من نذر أن يطع اللّه فليطعه» (1)، و قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ليس شي ء هو للّه طاعة يجعله الرجل عليه إلا ينبغي له أن يفي به» (2)، إلى غير ذلك مما هو كثير.

و عن السيدين المرتضى و ابن زهرة عدم الانعقاد، و نسب التوقف في الحكم إلى المدارك و الكفاية و استدل لهم بأمور.

الأول: ما عن ثعلب من أن النذر هو الوعد بشرط.

الثاني: أصالة عدم ترتب الأثر.

الثالث: إجماع المرتضى على عدم الانعقاد.

الرابع: ورود النصوص المستدل بها للمشهور مورد الغالب من النذر المشروط برا كان أو زجرا، مع عدم ذكر النذر فيها.

الخامس: موثق سماعة قال: «سألته عن رجل جعل عليه أيمانا أن يمشي إلى الكعبة أو صدقة أو نذرا أو هديا إن هو كلّم أباه أو أمه أو أخاه أو ذا رحم أو قطع قرابة أو مأثما يقيم عليه أو أمرا لا يصلح له فعله؟ فقال عليه السّلام: لا يمين في معصية اللّه إنما اليمين الواجبة التي ينبغي لصاحبها أن يفي بها ما جعل للّه عليه الشكر إن هو عافاه اللّه من مرضه أو عافاه من أمر يخافه أو ردّ عليه ماله أو ردّه من سفر أو رزقه رزقا فقال: للّه عليّ كذا و كذا لشكر فهذا الواجب على صاحبه

ص: 284


1- سنن البيهقي باب: 2 من كتاب النذر.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب النذر الحديث: 6.

.....

______________________________

الذي ينبغي لصاحبه أن يفي به» (1)، و صحيح ابن حازم عن الصادق عليه السّلام: «إذا قال الرجل عليّ المشي إلى بيت اللّه و هو محرم بحجة أو عليّ هدي كذا و كذا فليس بشي ء حتى يقول: للّه عليّ المشي إلى بيته، أو يقول للّه عليّ أن أحرم بحجة، أو يقول: للّه عليّ هدى كذا و كذا إن لم أفعل كذا و كذا» (2).

و الكل مخدوش أما قول ثعلب فلا اعتبار به في مقابل إطلاق غيره من أهل اللغة و الانفهام العرفي، و إمكان حمله على الغالب و من دأب أهل الأدب جعل الشائع الغالب من الحقيقة بل هو من دأب بعض الفقهاء أيضا.

و أما الثاني: فلا وجه للتمسك به في مقابل إطلاقات الأدلة و عموماتها الموافقة للفهم العرفي.

و أما إجماع السيد فعهدة إثبات اعتباره عليه، و كم له من هذه الإجماعات التي استقرت الشهرة العظيمة على الخلاف كما لا يخفى على من له أدنى خبرة بالفقه فضلا عن الخبير البصير به.

و أما حمل المطلقات على الغالب فلا وجه له إذا صار المطلق ظاهرا عرفا فيما هو الغالب و لو بالقرينة المعتبرة، و مع الشك يؤخذ بظاهر الإطلاق و العام و إلا لبطل الإفادة و الاستفادة بين الأنام.

و أما الخبران ففيهما.

أولا: انهما ليسا في مقام التفصيل بين المشروط و المطلق بل في مقام التفصيل بين النذر الصحيح و الباطل.

و ثانيا: ان سياقهما الإرشاد إلى تقليل النذر مهما أمكن لكونه مرجوحا لقول الصادق عليه السّلام: «اني لأكره الإيجاب أن يوجب الرجل على نفسه» (3).

ص: 285


1- الوسائل باب: 17 من أبواب النذر.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب النذر الحديث: 1.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب النذر و العهد.

يعلم به الناذر ثمَّ علم به بعد إنشائه لا ينعقد النذر (28)، و هل يجري ذلك فيما لو علّق النذر بما هو مطلوب له مطلقا كشفاء مريض أو قدوم مسافر و حصل ذلك قبل إنشاء النذر؟ (29).

مسألة 6: يشترط في متعلق النذر أن يكون مقدورا للناذر، و أن يكون طاعة للّه

(مسألة 6): يشترط في متعلق النذر سواء كان معلقا أو مشروطا

______________________________

و ثالثا: إن نذر الشكر يمكن أن يكون من المطلق فعنه عليه السّلام أيضا: «لو ان عبدا أنعم اللّه عليه نعمة أو ابتلاه ببلية فعافاه من تلك البلية فجعل على نفسه أن يحرم بخراسان كان عليه أن يتم» (1).

فتلخص: أن المطلقات من الكتاب و السنة و أصالة اللزوم في العهود مطلقا مما لا حاكم عليها من نقل أو عقل.

(28) إجماعا و نصا ففي صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: «سألته عن رجل وقع على جارية له فارتفع حيضها و خاف أن تكون قد حملت، فجعل للّه عتق رقبة و صوما و صدقة إن هي حاضت و قد كانت الجارية طمثت قبل أن يحلف بيوم أو يومين و هو لا يعلم؟ قال عليه السّلام: ليس عليه شي ء» (2)، و في رواية جميل بن صالح قال: «كانت عندي جارية بالمدينة فارتفع طمثها فجعلت للّه نذرا إن هي حاضت فعلمت أنها حاضت قبل أن أجعل النذر فكتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام بالمدينة فأجابني إن كانت حاضت قبل النذر فلا نذر عليك و إن كانت (حاضت) بعد النذر فعليك» (3)، فيكشف ذلك كله عن بطلان أصل النذر لا صحته.

(29) من أن الصدقة في النذر مثلا مترتبة على العلم بقدوم المسافر أو شفاء المريض سواء حصل كل منهما قبل النذر أو بعده فالعلم حاصل بعد النذر و إن كان الشفاء أو القدوم حصل قبله فيجب عليه التصدق حينئذ وفاء لنذره،

ص: 286


1- الوسائل باب: 13 من أبواب المواقيت الحديث: 3.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب النذر و العهد.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب النذر و العهد.

شكرا أو زجرا أو كان تبرعا- أن يكون مقدورا للناذر (30)، و أن يكون طاعة للّه تعالى صلاة أو صوما أو حجا أو صدقة أو عتقا و نحوها مما يعتبر في صحتها القربة، أو أمرا ندب إليه الشرع و يصح التعرّف به كزيارة المؤمنين و تشييع الجنائز و عيادة المرضى و غيرها فينعقد في كل واجب أو مندوب و لو كفائيا كتجهيز الموتى إذا تعلق بفعله، و في كل حرام أو مكروه إذا تعلق بتركه (31)، و أما المباح كما إذا نذر أكل طعام أو تركه فإن قصد به معنى راجحا كما لو قصد بأكله التقوّى على العبادة أو بتركه منع النفس عن

______________________________

و من إمكان دعوى أن المنساق من هذه النذور حدوث الشفاء أو القدوم و كذا الولادة ذكرا مثلا بعد النذر و لكن الأحوط هو الأول.

(30) للضرورة الفقهية إن لم تكن عقلائية، إذا العاقل بما هو عاقل لا يقدم على إلزام نفسه بما هو غير مقدور له.

(31) كل ذلك للضرورة المذهبية إن لم تكن دينية بل يمكن أن تكون من الفطريات لأن كل من له أدنى شعور لا ينذر و لا يلزم نفسه بشي ء بالإلزام النذري إلا إذا أدرك رجحانه في الجملة، بل يمكن أن يكون الراجح عند قوم مرجوحا عند آخرين فأصل رجحان متعلق الإلزام في الجملة مسلّم لديهم، و قد وردت النصوص مطابقة للفطرة قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في رواية أبي الصباح الكناني:

«ليس شي ء هو للّه طاعة يجعله الرجل عليه إلا ينبغي له أن يفي به و ليس من رجل جعل للّه عليه مشيا في معصية اللّه إلا انه ينبغي له أن يتركه إلى طاعة اللّه» (1)، و المراد بالطاعة في صدر الحديث كل ما ليس بمرجوح بقرينة ذيل الحديث كما أن ذكر الصلاة و الصوم و الحج في جملة من الأخبار كما تقدم بعضها من باب المثال لا الخصوصية قطعا.

ص: 287


1- الوسائل باب: 17 من أبواب النذر و العهد الحديث: 4.

الشهوة فلا إشكال في انعقاده (32)، كما لا إشكال في عدم الانعقاد فيما إذا صار متعلق النذر فعلا أو تركا بسبب اقترانه ببعض العوارض مرجوحا (33) و لو دنيويا (34)، و أما إذا لم يقصد به معنى راجحا و لم يطرأ عليه ما يوجب رجحانه أو مرجوحيته فالظاهر عدم انعقاد النذر به (35). و لكن لا ينبغي

______________________________

(32) للإطلاق و الاتفاق و حكم الفطرة السليمة بصحته و انعقاده لأجل رجحانه، و احتمال أن الرجحان لا بد و أن يكون بحسب الذات لا العوارض مردود بالإطلاق و السيرة.

(33) للأصل و الإجماع و حكم الفطرة السليمة و المستفاد من مجموع النصوص بعد رد بعضها إلى بعض.

(34) للإطلاق و السيرة و أصالة اللزوم في كل التزام إلا ما خرج بالدليل، و في خبر مسمع قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام كانت لي جارية حبلى فنذرت للّه عز و جل إن ولدت غلاما أن أحجه أو أحج عنه، فقال عليه السّلام: إن رجلا نذر للّه عز و جل في ابن له إن هو أدرك أن يحج عنه أو يحجه فمات الأب و أدرك الغلام بعد، فأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الغلام فسأله عن ذلك فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يحج عنه مما ترك أبوه» (1)، فاحتمال أن يكون الرجحان دينيا فقط (مردود). و أما قوله عليه السّلام أيضا في الصحيح: «كل ما كان لك فيه منفعة في دين أو دينا فلا حنث عليك فيه» (2)، فالمعنى ليس لك حق الحنث فيصير دليلا لما نحن فيه و إلا فلا بد من رد علمه إلى أهله.

(35) لأصالة عدم ترتب الأثر بعد الشك في شمول الإطلاقات و العمومات للمباح المتساوي طرفيه، مع أن بناء الناس في نذورهم المتعارفة لديهم الالتزام بما هو راجح عندهم، و قال في الجواهر و ما أحسن ما قال: «ربما

ص: 288


1- الوسائل باب: 16 من أبواب النذر و العهد.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب النذر و العهد.

ترك الاحتياط (36).

مسألة 7: يعتبر في النذر و العهد القربة

(مسألة 7): يعتبر في النذر و العهد القربة بالمعنى الذي تقدم في اليمين (37).

مسألة 8: قد عرفت أن النذر اما معلق على أمر أو غير معلق

(مسألة 8): قد عرفت أن النذر اما معلق على أمر أو غير معلق، و الأول على قسمين نذر شكر و نذر زجر (38)، فليعلم أن المعلق عليه في نذر الشكر إما من فعل الناذر أو من فعل اللّه تعالى (39)، و لا بد في الجميع من أن يكون أمرا صالحا لأن يشكر عليه حتى يقع المنذور مجازاة له (40)،

______________________________

يستفاد من ملاحظة جميع النصوص أن كون النذر مفيدا للالتزام بما هو ثابت للّه على العبد قبل النذر و النذر ملزم، له و من هنا كان المنذور جزاء للشكر بل لعله لا يتصور كون المباح للّه عليه- إلى أن قال- إن لم يكن إجماع أمكن الإشكال في انعقاد النذر على المباح المقترن بما يقتضي رجحانه في الدين».

أقول: ذيل كلامه رحمه اللّه جمود على ظواهر النصوص المشتملة على مثل الصلاة و الصوم و الحج و لكنه احتمال عليل و جمود بلا دليل في مقابل مجموع النصوص و رد بعضها إلى بعض.

(36) خروجا عن خلاف من قال بانعقاد النذر في المباح أيضا و استيناسا بين النذور و الاقسام فيما يجوز و ما لا يجوز من الأحكام.

(37) تقدم في مسألة 4 من اليمين إذ الدليل واحد و لا وجه للإعادة بالتكرار.

(38) هذه الأقسام عرفية وجدانية قررها الشارع نصا كما تقدم و إجماعا.

(39) هذا التقسيم موضوعي عقلي و شرعي كما هو المستفاد من مجموع النصوص، و الظاهر كونه كذلك في كل نذر صدر من كل ناذر بلا اختصاص له بالمسلمين بل يعم جميع المليين الذين يكون لهم نذر.

(40) للإجماع بل الضرورة الدينية إن لم تكن فطرية.

ص: 289

فإن كان من فعل الناذر فلا بد أن يكون طاعة للّه تعالى من فعل واجب أو مندوب أو ترك حرام أو مكروه فيلتزم بالمنذور شكرا له تعالى حيث أنه وقفه عليها مثل أن يقول إن حججت في هذه السنة أو زرت زيارة عرفة أو إن تركت الكبائر أو المكروه الفلاني في شهر رمضان فللّه عليّ أن أصوم شهرا (41)، فلو علق النذر شكرا على ترك واجب أو مندوب أو فعل حرام أو مكروه لم ينعقد (42)، و إن كان من فعل غيره فلا بد أن يكون مما فيه منفعة دينية أو دنيوية للناذر صالحة لأن يشكر عليها شرعا أو عرفا (43)، مثل إن يقول إن أقبل الناس على الطاعات فللّه عليّ كذا أو يقول ان قدم مسافري أو لم يقدم عدويّ الذي يؤذيني فللّه عليّ كذا، فإن كان على عكس ذلك مثل ان يقول ان تجاهر الناس على المعاصي أو شاع بينهم المنكرات فللّه عليّ صوم شهر مثلا لم ينعقد (44)، و إن كان من فعله تعالى

______________________________

(41) كل ذلك الإجماع المسلمين و نصوصهم الكثيرة منها ما عن ضريس الكناسي قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل نذر نذرا في شكر ليحجّنّ به رجلا إلى مكة فمات الذي نذر- إلى أن قال عليه السّلام- يحج عنه وليه حجة النذر انما هو مثل دين عليه» (1).

(42) للأصل و الإجماع و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا نذر في معصية» (2).

(43) لما مر من اعتبار الرجحان في الجملة في متعلقة مضافا إلى السيرة المستمرة بين المتشرعة قديما و حديثا.

(44) لإجماع المسلمين، و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا نذر في معصية» (3)، بل بعضها يمكن أن يوجب الكفر من حيث الاستخفاف و الإهانة باللّه تعالى.

ص: 290


1- الوسائل باب: 29 من أبواب وجوب الحج.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب النذر الحديث: 2.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب النذر الحديث: 2.

لزم أن يكون أمرا يسوغ تمنّيه و يحسن طلبه منه تعالى (45)، كشفاء مريض أو إهلاك عدو ديني أو أمن في البلاد أو سعة على العباد و نحو ذلك فلا ينعقد إن كان على عكس ذلك (46) كما إذا قال إن أهلك اللّه هذا المؤمن الصالح أو إن شفى اللّه هذا الكافر الطالح أو قال إن وقع القحط في البلاد أو شمل الخوف على العباد فللّه عليّ كذا هذا في نذر الشكر، و أما نذر الزجر فلا بد أن يكون الشرط و المعلق عليه فعلا أو تركا اختياريا للناذر (47)

______________________________

(45) لإجماع المسلمين إن لم يكن من ضرورة فقههم، و تدل عليه نصوصهم الكثيرة منها ما عن الصادق عن أبيه عليهما السّلام في قول اللّه عز و جل:

يُوفُونَ بِالنَّذْرِ قال مرض الحسن و الحسين و هما صبيان صغيران فعادهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و معه رجلان، فقال أحدهما: يا أبا الحسن لو نذرت في ابنك نذرا إن عافاهما اللّه فقال عليه السّلام: أصوم ثلاثة أيام شكرا للّه عز و جل، و كذلك قالت فاطمة عليها السّلام، و كذلك قالت جاريتهم فضة فألبسهما اللّه العافية فأصبحوا صياما و ليس عندهم طعام- الحديث-» (1)، و غيره من الروايات.

(46) للأصل و الإجماع و سيرة المتشرعة إن لم تكن عقلائية إذ لا يلتزم العاقل بما هو عاقل بمثل ذلك، و يستفاد ذلك من النصوص المتفرقة منطوقا و مفهوما كما تقدم بعضها.

(47) للإجماع و ظواهر الأدلة، و لأن الالتزام بحكم على ما ليس بمختار خارج عن طريقة العقلاء فلو قال: إن أريق الخمر في حلقي بلا اختيار مني أبدا فللّه عليّ كذا لا ينعقد، أو قال: إن صدر مني الكذب نسيانا أو اضطررت اليه مثلا فللّه عليّ كذا، فجميع ذلك فاسد.

ص: 291


1- الوسائل باب: 6 من أبواب النذر.

و كان صالحا لأن يزجر عنه (48) حتى يقع النذر زاجرا عنه كفعل حرام أو مكروه، مثل أن يقول إن تعمدت الكذب أو تعمدت الضحك في المقابر مثلا فللّه عليّ كذا أو ترك واجب أو مندوب (49) كما إذا قال إن تركت الصلاة أو نافلة الليل فللّه عليّ كذا.

مسألة 9: إذا كان الشرط فعلا اختياريا للناذر

(مسألة 9): إذا كان الشرط فعلا اختياريا للناذر فالنذر المعلق عليه قابل لأن يكون نذر زجر و المائز هو القصد (50)، مثلا إذا قال إن شربت الخمر فللّه عليّ كذا إن كان في مقام زجر النفس و صرفها عن الشرب و إنما أوجب على نفسه شيئا على تقدير شربه ليكون زاجرا عنه فهو نذر زجر فينعقد، و إن كان في مقام تنشيط النفس و ترغيبها و قد جعل المنذور جزاء لصدوره منه و تهيأ أسبابه له كان نذر شكر فلا ينعقد (51).

مسألة 10: لو نذر الصلاة أو الصوم أو الصدقة في زمان معين تعين

(مسألة 10): لو نذر الصلاة أو الصوم أو الصدقة في زمان معين تعين فلو أتى بها في زمان آخر مقدّم أو مؤخر لم يجز (52)، و كذا لو نذرها في

______________________________

(48) هذا من القيود المقومة للموضوع لفرض أن النذر نذر زجر و ما لا يصلح لذلك كيف يتحقق نذر الزجر بالنسبة إليه.

(49) لصحة زجر النفس عن فعل الحرام أو المكروه أو ترك الواجب أو المندوب بالإجماع، و كذا جملة كثيرة من الأخلاق الذميمة فيزجر نفسه عن ارتكابها و جملة من الأخلاق الحسنة و المجاملات الشرعية فيزجر نفسه عن تركها، بل يصح الزجر عن الوساوس النفسانية الشيطانية إن كانت حدوثها أو بقائها بالاختيار.

(50) لأن التمييز بين الأفعال المشتركة في حقيقة واحدة هو القصد و هذا هو المتحقق في الخارج، و كذا الكلام بالنسبة إلى ترك الواجب و فعل المكروه أيضا.

(51) لأنه يصير حينئذ من نذر المعصية و الشكر يصير شكر لها.

(52) أما وجوب الإتيان في الزمان المعين فلتقييد النذر به فيجب الوفاء

ص: 292

مكان فيه رجحان فلا يجزي في غيره و ان كان أفضل (53)، و أما لو نذرها في مكان ليس فيه رجحان ففي انعقاده و تعينه وجهان بل قولان أقواهما الانعقاد (54) نعم لو نذر إيقاع بعض فرائضه أو بعض نوافله الراتبة كصلاة الليل أو صوم شهر رمضان مثلا في مكان أو بلد لا رجحان فيه بحيث لم يتعلق النذر بأصل الصلاة و الصيام بل تعلق بإيقاعهما في المكان الخاص

______________________________

به. و أما عدم الإجزاء في غيره فلأنه غير المنذور فلا وجه لإجزائه عن المنذور، ثمَّ ان ظاهر هم الاتفاق على انه لا يعتبر في الصلاة مثلا في زمان معين رجحان الزمان من حيث هو فيكفي رجحان العمل الواقع فيه في صحة انعقاد النذر، بل صرح بعضهم بعدم الفرق بين كون الزمان الذي عيّنه أعلى مزية من غيره أو أدنى أو مساويا له و ذلك، لإطلاق الأدلة و عدم دليل على كون مورد النذر بجميع جهاته و خصوصياته راجحا بل يكفي الرجحان في الجملة.

(53) أما انعقاد النذر فلوجود المقتضي من رجحان المكان و فقد المانع فلا بد من الانعقاد. و أما عدم الإجزاء في غيره و إن كان أفضل، فللأصل و عدم انطباق المنذور عليه فلا وجه للإجزاء.

(54) هذه المسألة مبنية على أنه هل يعتبر في المنذور الرجحان من جميع جهاته و خصوصياته و لوازمه و ملزوماته أو يكفي الرجحان في الجملة؟ مقتضى الإطلاقات هو الثاني خصوصا في مثل الصلاة و الصوم و الأعمال الخيرية التي يكون المقصد الاسنى هو ذات هذه الاعمال، و تعيين الزمان و المكان انما يكون لدواعي اعتقادية ربما يكون راجحا و لو دنيويا فتصير هذه الخصوصية راجحة أيضا، و يشهد لكفاية الرجحان ما ورد في نذر الصوم في السفر (1)، و نذر الإحرام قبل الميقات (2).

ص: 293


1- الوسائل باب: 13 من أبواب بقية الصوم الواجب.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب المواقيت.

فالظاهر عدم انعقاد النذر لعدم الرجحان في متعلقه (55)، هذا إذا لم يطرأ عليه عنوان راجح مثل كونه افرغ للعبادة أو أبعد عن الرياء و نحو ذلك و إلا فلا إشكال في الانعقاد (56).

مسألة 11: لو نذر صوما و لم يعين العدد كفى صوم يوم

(مسألة 11): لو نذر صوما و لم يعين العدد كفى صوم يوم (57)، و لو نذر صلاة و لم يعين الكيفية و الكمية يجزي ركعتان و لا يجزي ركعة على الأقوى (58)، و لو نذر صدقة و لم يعين جنسها و مقدارها كفى أقل ما

______________________________

(55) الأقسام خمسة:

الأول: كون كل واحد من ذات المنذور و قيده راجحا و لو دنيويا و تعلق النذر بكل واحد منهما انبساطا عليهما و لا ريب في الصحة و الانعقاد.

الثاني: كون كل منهما مرجوحا و لا إشكال في عدم الانعقاد.

الثالث: كون ذات المنذور راجحا و تعلق النذر به و لكن قيّد بقيد غير راجح بحيث لا يكون القيد مورد النذر الظاهر الصحة و الانعقاد أيضا.

الرابع: عين هذا القسم مع كون القيد مورد النذر تبعا، و من يقول باعتبار الرجحان في المنذور بجميع قيوده و أوصافه لا بد و أن يقول بعدم الانعقاد حينئذ، و من يقول بكفاية الرجحان في الجملة لا بد و أن يقول بالصحة.

الخامس: كون القيد الغير الراجح مورد النذر في الواقع و كون الذات تبعا له و الظاهر عدم الانعقاد و الوجه في الكل واضح كما لا يخفى.

(56) لوجود المقتضي له و فقد المانع فلا بد من الانعقاد و هذا هو القسم الأول الذي تعرضنا لنا.

(57) لأن المنذور انما هو ذات الطبيعة و هي تصدق على كل ما يصح أن يكون فردا لها.

(58) بناء على انصراف الصلاة إلى الركعتين و إلا فيجزي كلما هو مصداق للصلاة شرعا و لو مفردة الوتر كما عن جمع منهم المحقق و ابن إدريس، فالنزاع

ص: 294

يتناوله الاسم (59)، و لو نذر أن يفعل قربة أتى بعمل قربي و يكفي صيام يوم أو التصدق بشي ء أو صلاة و لو مفردة الوتر و غير ذلك (60).

مسألة 12: لو نذر صوم عشرة أيام مثلا فإن قيّد بالتتابع أو التفريق تعين

(مسألة 12): لو نذر صوم عشرة أيام مثلا فإن قيّد بالتتابع أو التفريق تعين و إلا تخير بينهما (61)، و كذا لو نذر صيام سنة فإن الظاهر أنه مع الإطلاق يكفي صوم اثنى عشر شهرا و لو متفرقا (62)، نعم لو نذر صوم شهر لم يبعد ظهوره في التتابع (63)، و يكفي ما بين الهلالين من شهر و لو

______________________________

في كفاية المفردة و عدمها لفظي لا أن يكون معنويا كما أنه الظاهر في جملة من هذه المسائل.

(59) لأنه يصلح أن يكون مصداقا للطبيعة المنذورة و صدق الطبيعة على كل ما يصح أن يكون مصداقا لها قهري.

(60) كقول «لا إله إلّا اللّه» أو «سبحان اللّه» أو الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله لصدق الفعل و العمل القربي على جميع ذلك، و كذا يكفي إتيان سجدة واحدة أو قضاء حاجة مؤمن للّه تعالى أو إكرام الوالدين أو صلة رحم له تعالى.

نعم، لو كانت في البين قرينة توجب ظهور اللفظ في غير ذلك تتبع القرينة حينئذ لا محالة.

(61) أما تعيين التتابع أو التفريق مع تعين أحدهما في النذر فلوجوب الوفاء بما عين في النذر و أما التخيير في غيره فللأصل و إطلاق النذر بعد عدم ما يصلح لتعيين أحدهما في البين لا من الناذر و لا من الشارع.

(62) للأصل و الإطلاق مع عدم قرينة على التتابع في البين.

(63) الظاهر أن لفظ الشهر أعم من التتابع و التفريق ما لم تكن قرينة في البين على تعيين أحدهما فيصح فيه التخيير أيضا.

نعم، لو نذر أن يصوم شهر رجب مثلا أو نذر أن يصوم أسبوعا يمكن دعوى الظهور في التتابع. و الحق ان النزاع في هذه المسائل لفظي يدور مدار

ص: 295

ناقصا (64) و له أن يشرع فيه في أثناء الشهر، و حينئذ فهل يجب إكمال ثلاثين أو يكفي التلفيق بأن يكمل من الشهر الثاني مقدار ما مضى من الشهر الأول (65) أظهرهما الثاني و الأحوط إتمامه ثلاثين يوما (66).

مسألة 13: إذا نذر صيام سنة معينة استثنى منها العيدان

(مسألة 13): إذا نذر صيام سنة معينة استثنى منها العيدان فيفطر فيهما و لا قضاء عليه (67)، و كذا يفطر في الأيام التي عرض فيها ما لا يجوز معه الصيام من مرض أو حيض أو نفاس أو سفر لكن يجب القضاء على الأقوى (68).

______________________________

القرائن المختلفة باختلاف الخصوصيات و الجهات بل الأشخاص و مع عدمها فالأصل و الإطلاق متبع لا محالة.

(64) لصدق الشهر عليه لغة و عرفا و شرعا.

(65) لصدق الشهر عليه أيضا بعد كون المنذور مطلق الشهر و عدم تقييده بقيد خاص إلا أن يكون في البين جهة انصراف إلى غير الملفق و مع الشك في الانصراف و عدمه يتبع الإطلاق.

(66) عملا باحتمال اعتبار الثلاثين كما عن بعض.

(67) أما أصل الاستثناء فلخروجها تخصصا عن موضوع النذر من جهة حرمة الصوم فيهما و عدم الاقتضاء للصحة أداء كما في صوم الليل حيث انه لا مقتضي للصحة فيه أداء بوجه، و أما القضاء فهو تابع للدليل كما يأتي.

و أما عدم القضاء فيدل عليه- مضافا إلى الإجماع- انه لا معنى لقضاء ما لم يكن أصله مشروعا لا اقتضاء و لا فعلا فلا موضوع للقضاء أصلا من جهة عدم الاقتضاء الذاتي في أصل تشريعه فكيف بقضائه!!

(68) أما الإفطار فللنص و الإجماع و قد تقدم في فصل شرائط صحة الصوم فراجع (1)، و أما القضاء فلعموم: «يقضي ما فاته كما فاته» (2)، و لأنه من

ص: 296


1- ج: 10 صفحة: 234.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب قضاء الصلاة.

.....

______________________________

الواجب الموقّت المعين الذي يقضى إجماعا و يمكن أن يستفاد ذلك من بعض النصوص كصحيح ابن مهزيار قال: «كتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام: يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو أيام التشريق أو سفر أو مرض، هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه و كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب إليه: قد وضع اللّه عنه الصيام في هذه الأيام كلها و يصوم يوما بدل يوم إن شاء اللّه، و كتب إليه يسأله يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما فوقع ذلك اليوم على أهله ما عليه من الكفارة؟ فكتب إليه يصوم يوما بدل يوم و تحرير رقبة مؤمنة» (1).

و الإشكال بأن حديث «يقضي ما فاته كما فاته» (2)، مختص بالفرائض اليومية أي الموقت بأصل الشرع، و المتيقن من الإجماع على فرض اعتباره ذلك أيضا، و لا يستفاد التعميم من مثل صحيح ابن مهزيار و غيره.

مخدوش: بأن حديث: «يقضي ما فاته» ورد في مقام جعل القاعدة الكلية فجميع الصغريات المعلومة و المشكوكة مع الصدق العرفي داخلة تحته ما لم يدل دليل على الخلاف، و لا وجه للأخذ بالمتيقن من الإجماع بعد تصريح جمع بالتعميم، و المنساق من مثل الحديثين ان الحكم ورد من باب تطبيق الحم الكلي على الفرد لا من باب الاختصاص و يقتضيه استصحاب بقاء الوجوب بعد كون التقييد بالوقت من باب تعدد المطلوب كما هو المرتكز في الأذهان، فتأمل فإنه يمكن المناقشة فيما ذكر.

و أما ما يقال: من ان القضاء انما هو بفرض جديد.

و فيه: ان الفرض الجديد كاشف عن بقاء الأمر الأول بملاكه.

و ثانيا: ان المراد به موارد ثبوت القضاء شرعا لا ان علة ثبوته واقعا منحصر بذلك.

و يدل على التعميم خبر قاسم الصيقل انه كتب إليه: «يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو

ص: 297


1- الوسائل باب: 10 من أبواب النذر و العهد.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب قضاء الصلاة.

مسألة 14: لو نذر صوم كل خميس مثلا فصادف بعضها أحد العيدين

(مسألة 14): لو نذر صوم كل خميس مثلا فصادف بعضها أحد العيدين أو أحد العوارض المبيح للإفطار من مرض أو حيض أو نفاس أو سفر أفطر و يجب عليه القضاء حتى في الأول على الأقوى (69).

______________________________

أضحى أو أيام التشريق- إلى ان قال- فكتب إليه قد وضع اللّه عنك الصيام في هذه الأيام كلها و تصوم يوما بدل يوم» (1)، و عن الصادق عليه السّلام انه سأل عن رجل «جعل على نفسه نذرا صوما فحضرته نية في زيارة أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: يخرج و لا يصوم في الطريق فإذا رجع قضى ذلك» (2)، فيستفاد من ذلك كله أصالة وجوب القضاء في النذر الموقت مطلقا إلا ما خرج بدليل خاص.

(69) أما الإفطار فلما مر في كتاب الصوم في (فصل شرائط صحة الصوم)، و اما وجوب القضاء في غير الأول فلما مر في الفرع السابق.

و اما فيه: فنسب عدم وجوب القضاء فيه إلى جمع و جعله المحقق في الشرائع أشبه و استدل عليه.

تارة: بالأصل.

و أخرى: بأن القضاء يحتاج إلى فرض جديد و هو مفقودة.

و ثالثة: بخروج العيد عن اقتضاء الصوم ذاتا كالليل.

و رابعة: بصحيح زرارة قال: «إن أمي كانت جعلت عليها نذرا، نذرت للّه في بعض ولدها في شي ء كانت تخافه عليه- أن تصوم ذلك اليوم الذي يقدم فيه عليها، فخرجت معنا إلى مكة فأشكل علينا صيامها في السفر فلم ندر تصوم أو تفطر، فسألت أبا جعفر عليه السّلام عن ذلك فقال: لا تصوم في السفر إن اللّه قد وضع عنها حقه في السفر و تصوم هي ما جعلت على نفسها- الحديث-» (3)، بناء على

ص: 298


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الصوم المحرم الحديث: 6.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب النذر الحديث: 1.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب النذر الحديث: 2.

مسألة 15: لو نذر صوم يوم معين فأفطر عمدا

(مسألة 15): لو نذر صوم يوم معين فأفطر عمدا يجب قضاؤه مع الكفارة (70).

مسألة 16: إذا نذر صوم يوم معين جاز له السفر

(مسألة 16): إذا نذر صوم يوم معين جاز له السفر و إن كان غير ضروري و يفطر ثمَّ يقضيه و لا كفارة عليه (71).

______________________________

مساواة السفر للعيد.

و الكل مخدوش .. أما الأول: فلا وجه له مع صحيح ابن مهزيار و ما مر من الأخبار.

و أما الثاني: ففيه. أولا: ان القضاء بنفس الأمر الأول ما لم يدل دليل على سقوطه و الفرض الجديد كاشف عن بقائه لا أن يكون له موضوعية خاصة.

و ثانيا: صحيح ابن مهزيار و سائر النصوص التي مر بعضها يصلح للأمر الجديد على فرض اعتباره.

و أما الثالث: فلأنه بعد ورود الدليل و هو صحيح ابن مهزيار المتقدم فلا وجه له.

و أما الرابعة: فلا تعارض بين صحيح ابن مهزيار و غيره و لا يمكن أن يستفاد منها عدم وجوب القضاء كما لا يخفى. و لذا نسب إلى الصدوق و الشيخ و ابن حمزة وجوب القضاء فيه لما تقدم من صحيح ابن مهزيار الصحيح سندا و متنا على نسخة الكافي(1)، الذي هو أضبط و أمتن من غيره فلا محيص إلا من العمل به كما صرح به في الجواهر و جميع ما استدل به على عدم الوجوب من سنخ الاجتهاد في مقابل النص المعتبر.

(70) أما القضاء فلما مر من وجوب قضاء الصوم المنذور المعين. و أما الكفارة فلما يأتي من وجوبها في المخالفة العمدية للنذر نصا و إجماعا.

(71) أما عدم الكفارة فلأنه مأذون في ترك الصوم بالمسافرة و لا معنى

ص: 299


1- كما تقدم في صفحة: 297.

مسألة 17: لو نذر زيارة أحد من الأئمة عليهم السّلام أو بعض الصالحين لزم

(مسألة 17): لو نذر زيارة أحد من الأئمة عليهم السّلام أو بعض الصالحين لزم و يكفي الحضور و السلام على المزبور (72)، و الظاهر عدم وجوب غسل الزيارة و صلاتها مع الإطلاق و عدم ذكرهما في النذر (73)، و إن عين إماما لم يجز غيره و إن كان زيارته أفضل (74)، كما أنه إن عجز عن زيارة من عينه لم يجب زيارة غيره بدلا عنه (75)، و إن عين للزيارة زمانا تعين فلو تركها في وقتها عامدا حنث و تجب الكفارة (76). و هل يجب معها القضاء فيه تردد و إشكال (77).

______________________________

للكفارة فيما هو مأذون في تركه شرعا. و أما القضاء فلأنه صوم موقت معين ترك فلا بد من قضائه كما تقدم، و أما جواز السفر فقد تقدم في كتاب الصوم في فصل شرائط صحة الصوم فراجع فلا وجه للإعادة بالتكرار.

(72) أما أصل الوجوب فلما دل على وجوب الوفاء بالنذر من الأدلة، و أما كفاية الحضور و السلام فلصدق الزيارة عليه عرفا و لغة و شرعا فيكفي كل ما يصدق عليه صرف الوجود من الطبيعة و الزوائد خارجة عنه و إن كان لها دخل في زيادة الفضل و المزية.

(73) لخروجهما عن حقيقة الزيادة المنذورة بالإطلاق و الاتفاق.

(74) للأصل بعد عدم دليل عليه مضافا إلى ظهور الاتفاق على عدم الإجزاء.

(75) للإجماع و الأصل بعد كون البدلية تحتاج إلى دليل و هو مفقود.

(76) أما التعين بالتعيين فلتحققه بالنذر الذي يجب الوفاء به. و أما لزوم الكفارة مع المخالفة فلانة من اللوازم الشرعية للمخالفة العمدية لكل نذر.

(77) من وجوب القضاء في كل نذر معين ترك عمدا. و من أن وجوب القضاء انما هو في مورد شرّع فيه القضاء في الجملة لا مثل المقام الذي لم يشرّع فيه ذلك و طريق الاحتياط الإتيان بعنوان الرجاء.

ص: 300

مسألة 18: لو نذر أن يحج أو يزور الحسين عليه السّلام ماشيا انعقد مع القدرة و عدم الضرر

(مسألة 18): لو نذر أن يحج أو يزور الحسين عليه السّلام ماشيا انعقد مع القدرة و عدم الضرر (78)، فلو حج أو زار راكبا مع القدرة على المشي فإن كان النذر مطلقا و لم يعين الوقت اعاده ماشيا (79) و إن عين وقتا و فات الوقت حنث بلا إشكال و لزم الكفارة (80)، و هل يجب مع ذلك القضاء ماشيا فيه تردد (81).

______________________________

(78) أما أصل الانعقاد فللإطلاق و الاتفاق بعد معلومية الرجحان في المنذور، و أما التقييد بالقدرة و عدم الضرر فلأن كل تكليف مشروط بهما.

(79) لعدم إتيانه بالمنذور على وجهه لأن ما أتى به غير المنذور عرفا فلا بد من الإعادة لإطلاق دليل وجوبه مع إمكان الإتيان به، و كذا مع الشك في أن المأتي به يجزي عن الواجب أو لا، و يقتضيه استصحاب بقاء الوجوب أيضا.

(80) أما تحقق الحنث فلأنه ترك المنذور بالعمد و الاختيار، و أما لزوم الكفارة فلأنه مترتب على الترك العمدي و قد تحقق.

(81) استدل على وجوب القضاء.

تارة: بعموم «يقضي ما فاته كما فاته»(1).

و أخرى: بأن الحج عبادة يتدارك واجبه الأصلي إذا لم يؤت به على وجهه فكذا واجبه العارضي بنذر و نحوه لاشتراكهما في الوجوب.

و ثالثة: باستصحاب بقاء الوجوب على نحو ما مر. هذه أدلتهم على وجوب القضاء.

و فيه: أن كل ذلك صحيح فيما إذا لم يأت بالعمل المنذور أو أتى به باطلا لا مثل المقام الذي وقع أصل العمل صحيحا و انما خالف النذر فيما هو خارج عن ذلك العمل، و لا ربط له به بل هو التزام خاص في عرض الالتزام بأصل الحج فما ترك عمدا لا وجه لقضائه من حيث هو لكونه لغوا و ما ليس قضائه

ص: 301


1- الوسائل باب: 6 من أبواب قضاء الصلوات.

و الأحوط القضاء (82) و كذلك الحال لو ركب في بعض الطريق و مشى في البعض (83).

مسألة 19: ليس لمن نذر الحج أو الزيارة ماشيا أن يركب البحر

(مسألة 19): ليس لمن نذر الحج أو الزيارة ماشيا أن يركب البحر أو يسلك طريقا يحتاج إلى ركوب السفينة و نحوها و لو لأجل العبور من الشط و نحوه (84)، و لو انحصر الطريق في البحر فإن كان كذلك من أول الأمر لم ينعقد النذر (85)، و إن طرأ ذلك بعد النذر فإن كان النذر مطلقا و توقع المكنة من طريق البر و المشي منه فيما بعد انتظر (86)، و إن كان معينا و طرأ ذلك في الوقت أو مطلقا و يأس من المكنة بالمرة سقط عنه و لا شي ء عليه (87).

______________________________

لغوا قد أتى به صحيحا فلا موضوع للقضاء على كل تقدير.

(82) لأن الحج و إن وقع صحيحا بحسب ذاته، و لكنه ليس من الوفاء بالنذر كأنه لم يقع أصلا بحسب مرتكزات الناذرين و إنظار المتشرعة و يظهر عن جمع وجوبه منهم ظاهر المحقق في الشرائع.

(83) ظهر حكمه مما مر في سابقة.

(84) لأن ذلك من المخالفة العمدية للنذر فيوجب الحنث و الكفارة هذا إذا كان المقصود من المشي استمراره إلى الوصول إلى المقصد، و لكن لو نذر المشي من طريق فيه نهر أو بحر و كان المتعارف من المشاة يركبون السفينة و نحوهما للعبور منه ثمَّ بعد ذلك يشرعون في المشي فالظاهر جوازه تنزيلا لنذره على المتعارف.

و بالجملة: الحكم تابع لقصد الناذر و ملاحظة سائر الخصوصيات و الجهات.

(85) لعدم القدرة على الإتيان بالمنذور فيصير لغوا و باطلا.

(86) مقدمة لوجوب الوفاء بنذره مع عدم كونه معينا و مضيقا.

(87) لأن التكليف بوجوب الوفاء يدور مدار القدرة عليه عقلا و شرعا،

ص: 302

مسألة 20: لو طرأ الناذر المشي العجز عنه في بعض الطريق دون البعض

(مسألة 20): لو طرأ الناذر المشي العجز عنه في بعض الطريق دون البعض الأحوط لو لم يكن الأقوى أن يمشي مقدار ما يستطيع و يركب في البعض (88) و لا شي ء عليه، و لو اضطر إلى ركوب السفينة الأحوط أن يقوم فيها بقدر الإمكان (89).

______________________________

و المفروض عدمها فيسقط التكليف بالوفاء و يترتب عليه عدم الكفارة مع المخالفة لعدم الموضوع لها حينئذ، و في خبر ابن مسلم قال: «سألته عن رجل جعل عليه مشيا إلى بيت اللّه فلم يستطع، قال عليه السّلام: يحج راكبا» (1)، و مثله خبره الآخر عن أبي جعفر (2)، و في القاعدة الكلية التي ذكرها أبو عبد اللّه عليه السّلام غنى و كفاية عن جميع ذلك، قال عليه السّلام: «من جعل للّه شيئا فبلغ جهده فليس عليه شي ء» (3).

(88) لقاعدة الميسور و خبر حفص قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّه حافيا؟ قال عليه السّلام: فليمش فإذا تعب فليركب» (4)، بعد ظهور النذر في الانحلال بالنسبة إلى الأبعاض بحسب المتعارف. و احتمال أن يكون المراد مجموع المسافة من حيث المجموع و إن كان صحيحا ثبوتا لكنه لا دليل عليه إثباتا. و منه يظهر أنه لا شي ء عليه لمكان العجز و الاضطرار و وجوب الكفارة يدور مدار المخالفة بالعمد و الاختيار.

(89) نسب ذلك إلى جمع منهم الشيخ رحمه اللّه لأن القيام أقرب شباهة إلى الماشي من القعود، و لخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام: «إن عليا عليه السّلام سئل عن رجل نذر أن يمشي إلى البيت فعبر في المعبر؟ قال: فليقم في المعبر قائما حتى يجوزه»(5).

ص: 303


1- الوسائل باب: 8 من أبواب النذر الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب النذر الحديث: 3.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب النذر الحديث: 5.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب النذر الحديث: 2.
5- الوسائل باب: 37 من أبواب وجوب الحج.

مسألة 21: لو نذر التصدق بعين شخصية تعينت و لا يجزي مثلها أو قيمتها مع وجودها

(مسألة 21): لو نذر التصدق بعين شخصية تعينت و لا يجزي مثلها أو قيمتها مع وجودها (90)، و مع التلف فإن كان لا بإتلاف منه انحل النذر (91) و لا شي ء عليه (92)، و إن كان بإتلاف منه ضمنها بالمثل أو القيمة فيتصدّق بالبدل بل يكفر أيضا على الأحوط (93).

مسألة 22: لو تردد المنذور بين الأقل و الأكثر لا يجب إلا الأول

(مسألة 22): لو تردد المنذور بين الأقل و الأكثر لا يجب إلا

______________________________

و لا وجه للأول بعد سقوط أصل المشي عنه شرعا و جريان قاعدة الميسور بعيد عن الأذهان إذ لا يعد القيام ميسور المشي لديهم مع عدم الحركة، و الثاني قاصر عن إفادة الوجوب و قد مر بعض الكلام في كتاب الحج فراجع.

(90) أما التعين فلتعلق النذر بها كذلك فيجب الوفاء بها بالخصوص و أما عدم إجزاء المثل أو القيمة مع وجودها، فلأن ذلك ليس من الوفاء به في شي ء فلا وجه للأجزاء مع التمكن من الوفاء بالعين المنذورة، و قال في الجواهر: «فقد ظهر لك من جميع ما ذكرناه أنه متى نذر الصدقة تعين مقدارا و جنسا و محلا و مكانا و زمانا بل لا تجزي القيمة في المتعين».

(91) لزوال موضوعه من دون اختياره و تسبيبه.

(92) من القيمة أو المثل و الكفارة كل ذلك للأصل بعد عدم دخل له في التلف كما هو المفروض.

(93) أما الضمان بمعنى وجوب الإعادة فيظهر منهم الإجماع عليه و يقتضيه خبر ابن مهزيار، قال: «قلت لأبي الحسن عليه السّلام: رجل جعل على نفسه نذرا إن قضى اللّه حاجته أن يتصدق في مسجده بألف درهم فقضى اللّه حاجته فصيّر الدراهم ذهبا و وجهها إليك أ يجوز ذلك أو يعيد؟ قال عليه السّلام: يعيد» (1)، و إطلاقه يشمل إعادة الذهب إلى الدرهم و الصدقة في المسجد.

و أما الضمان بمعنى اشتغال الذمة للمنذور له فإن قيل: بأن مثل هذه النذور

ص: 304


1- الوسائل باب: 9 من أبواب النذر.

الأول (94)، و لو تردد بين المتباينين يحتاط (95) بالجمع و إن كان في

______________________________

يوجب ملكية المنذور له للعين المنذورة، أو انه لا يملك و لكن يحصل له حق خاص يصح لأجل حصوله التعبير بالضمان بلا إشكال فيه كما في الضمان للفقراء و السادة و الموقوف عليه في الزكاة و الخمس و الوقف، فيتحقق الضمان في المقام بلا إشكال أيضا.

و أما إن قلنا بأنه ليس في النذر إلا وجوب الدفع و الوفاء على الناذر تكليفا و لا يحصل ملك و لا حق للمنذور له في المنذور، و لو حصل حق. فهو ليس من الحقوق التي ترد مورد الضمان و النقل و الانتقال الاختياري و الاسقاط و نحوها من لوازم الحقوق الخاصة القابلة لها ما لم يدل دليل على الخلاف فالتعبير بالضمان حينئذ مشكل.

نعم، لا ريب في حصول الملكية للمنذور له بعد القبض.

ثمَّ انه لو وصلت النوبة إلى الشك فأصل وجوب الوفاء و الدفع بالنسبة إلى المنذور له تكليفا مسلم كما أن حصول نحو من الاختصاص به أيضا كذلك، و أما حصول الملكية له أو حصول حق كحق الرهانة أو حق الجناية أو حق الفقراء و السادة و الموقوف عليه في الزكاة و الخمس و العين الموقوفة مشكوكة، و مقتضى الأصل عدم تحقق مثل هذه الحقوق إلا مع دليل يدل عليه و هو مفقود و المسألة معروفة بلا اشكال و غير محررة في كلماتهم كما هو حقه مع انها تذكر في موارد شتى هذا.

و أما الكفارة فإن تعمد في الإتلاف فيتحقق الحنث فتجب و التبديل بالمثل أو القيمة تكليف آخر لا يتدارك الذنب الحاصل بالعمد في تفويت مورد النذر بالاختيار المنحصر تداركه بالكفارة فلا وجه للتعبير بالأحوط.

(94) لأصالة البراءة عن الأكثر كما هو المقرر في محله.

(95) لقاعدة الاشتغال.

ص: 305

وجوبه إشكال (96)، و كذا الكلام في العهد و اليمين (97) و لو تردد المنذور له بين شخصين يدفعه إلى الحاكم و يبيّن الحال (98).

مسألة 23: لو نذر الصدقة على شخص معين لزم

(مسألة 23): لو نذر الصدقة على شخص معين لزم و لا يملك المنذور له الإبراء منه (99) فلا يسقط من الناذر بالإبراء (100). و لا يلزم على المنذور له القبول (101) فينحل النذر بعدم قبوله للتعذر (102) و لو امتنع ثمَّ رجع إلى القبول فهل يعود النذر و يجب التصدق عليه (103) فيه تأمل و الاحتياط لا يترك.

______________________________

(96) لدعوى الإجماع عن جمع على عدم وجوب الاحتياط في الماليات كما تقدم مكررا.

(97) لوحدة المناط في الجميع.

(98) كما مر في كتاب الزكاة فراجع و قد فصلنا الكلام هناك (1).

(99) لأصالة عدم ثبوت هذا الحق بالنسبة إليه، و لأن هذا ليس متمحضا له بل مشوب بحق اللّه تعالى أيضا، و قد أرسل ذلك في الجواهر إرسال المسلمات بحيث يظهر منه الإجماع عليه.

(100) لأصالة بقائه بعد عدم دليل على السقوط بإسقاط المنذور له.

(101) للأصل سيما إذا استلزم المنة و المهانة.

نعم، لو ثبت أنه كالدين وجب قبوله عليه بعد دفع الدائن و عدم محذور عن القبول في البين. و لكنه لا دليل لهذا الاحتمال، و الظاهر كونه كالهبة و الصدقات.

(102) بلا إشكال فيه إن كان عدم القبول دائميا و أما إن لم يقبل ثمَّ ندم و قبل فلا يصدق التعذر حينئذ و مع الشك فأصالة وجوب الوفاء تجري بلا إشكال.

(103) لأصالة بقاء النذر و عدم انحلاله و وجوب الوفاء إلا إذا ثبت ان صرف

ص: 306


1- راجع ج: 11 صفحة: 319.

مسألة 24: لو مات الناذر قبل أن يفي بالنذر يخرج من أصل تركته

(مسألة 24): لو مات الناذر قبل أن يفي بالنذر يخرج من أصل تركته و كذا كل ما تعلق بالمال (104) كسائر الواجبات المالية، و لو مات المنذور له قبل أن يتصدق عليه قام وارثه مقامه على احتمال مطابق للاحتياط (105)، و يقوى هذا الاحتمال لو نذر أن يكون مال معين صدقة على فلان فمات قبل قبضه (106).

______________________________

وجود امتناع المنذور له عن القبول يوجب الانحلال، و لا دليل عليه من عقل أو نقل مع تجدد الآراء و الأفكار في الناس، فالامتناع الذي يوجب الانحلال انما هو فيما إذا كان في تمام الوقت المضروب له في الموقّت و امتناعا مستقرا ثابتا مطلقا في غير الموقت. و أما في غير الصورتين فمقتضى الأصل عدم الانحلال. و على هذا لو كان المنذور عينا شخصية لا يجوز إتلافها بمجرد امتناع المنذور له عن القبول إلا إذا علم بالقرائن أنه امتناع ثابت مستقر فيجوز له الإتلاف حينئذ، و لا ضمان و لا كفارة عليه لانحلال النذر بمثل هذا الامتناع.

(104) لأنه من الواجبات المالية و كل واجب مالي يخرج من الأصل فهو يخرج من الأصل و الصغرى وجداني و الكبرى منصوص (1)، و إجماعي فالنتيجة واضحة بديهية.

(105) لأن المتشرعة بل العرف مطلقا يرون المنذور له ذا حق في الجملة في مال الناذر فيشمله عموم ما تركه الميت فلوارثه. و احتمال اختصاص الحديث بالمال الخارجي أو انصرافه إليه ساقط، أما الأول فينفيه ظاهر العموم.

خصوصا مع ملاحظة ما ورد من قوله عليه السّلام: «ما تركه الميت من حق أو مال فلوارثه» (2)، و أما الثاني فلا اعتبار به ما لم يوجب ظهور اللفظ في المنصرف إليه كما ثبت في الأصول.

(106) لصيرورة العين الخارجية مورد حقه الاختصاصي حينئذ و لا يقصر

ص: 307


1- تقدم في صفحة: 196.
2- تقدم ما يتعلق به في ج: 18 صفحة: 153.

مسألة 25: لو نذر شيئا لمشهد من المشاهد المشرفة صرفه في مصالحه

(مسألة 25): لو نذر شيئا لمشهد من المشاهد المشرفة صرفه في مصالحه كتعميره و ضيائه و فرضه و قوامه و خدامه و نحو ذلك و في معونة زواره (107)، و أما لو نذر شيئا للإمام أو بعض أولاد الإمام كما لو نذر شيئا

______________________________

ذلك عن سائر حقوقه الاختصاصية الموروثة.

(107) لظهور الإجماع و شهادة الاعتبارات المتعارفة لدى المتشرعة بذلك، و ما ورد في نصوص هدايا الكعبة بعد القطع بعدم الفرق بينها و بين المشاهد المشرفة من هذه الجهة، و القطع بان ما ذكر فيها من باب المثال لا الخصوصية كصحيح ابن جعفر قال: «سألته عن رجل جعل جاريته هديا للكعبة؟ فقال: مر مناديا يقوم على الحجر فينادي: ألا من قصرت به نفقته أو قطع به أو نفذ طعامه فليأت فلان بن فلان و مره أن يعطي أولا فأولا حتى ينفذ ثمن الجارية» (1)، و خبره الآخر قال: «سألته عن الرجل يقول: هو يهدى إلى الكعبة كذا و كذا ما عليه إذا كان لا يقدر على ما يهديه؟ قال عليه السّلام: إن كان جعله نذرا و لا يملكه فلا شي ء عليه، و إن كان مما يملك غلام أو جارية أو شبهه باعه و اشترى بثمنه طيبا فيطيب به الكعبة» (2)، و خبره الثالث قال: «سألته عن رجل جعل ثمن جاريته هديا للكعبة؟ فقال: مر مناديا يقوم على الحجر فينادي: ألا من قصرت به نفقته أو قطع به أو نفذ طعامه فليأت فلان و مره أن يعطي أولا فأولا حتى ينفذ ثمن الجارية» (3)، و خبر ياسين قال: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول إن قوما أقبلوا من مصر فمات منهم رجل فأوصى بألف درهم للكعبة، فلما قدم الوصي مكة سأل فدلّوه على بني شيبة فأتاهم فأخبرهم، فقالوا: قد برئت ذمتك ادفعها إلينا فقام الرجل فسأل الناس: فدلّوه على أبي جعفر محمد بن علي عليه السّلام قال أبو جعفر

ص: 308


1- الوسائل باب: 22 من أبواب مقدمات الطواف الحديث: 7.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب النذر.
3- الوسائل باب: 22 من أبواب مقدمات الطواف الحديث: 2.

للأمير أو الحسين أو العباس عليهم السّلام، فالظاهر أن المراد صرفه في سبل الخير بقصد رجوع ثوابه إليهم (108) من غير فرق بين الصدقة على المساكين و اعانة الزائرين و غيرهما من وجوه الخير كبناء مسجد أو قنطرة و نحو ذلك (109) و إن كان الأحوط الاقتصار (110) على معونة زوارهم و صلة

______________________________

فأتاني فسألني فقلت: إن الكعبة غنية عن هذا أنظر إلى من أمّ هذا البيت فقطع به أو ذهبت نفقته أو ضلّت راحلته و عجز أن يرجع إلى أهله فادفعها إلى هؤلاء الذي سميت لك- الحديث-» (1)، إلى غير ذلك من الروايات، و المستفاد من مجموعها أنها تصرف في ما يرجع إلى ما يتعلق بالكعبة أو المشهد تعلقا عرفيا، و يلحق بذلك ما ينذر لأن يلقى في الضرائح المقدسة.

(108) أرسلوا ذلك إرسال المسلمات الفقهية بحيث يظهر منهم الإجماع عليه و جعلوا ذلك هو الأصل في مال يكون كذلك بلا فرق بين النذر و الهدية و الوقف و غيرها، و يمكن استفادة ذلك مما مر من الأخبار بعد إلقاء الخصوصية للقطع بعدم اعتبارها، و يصح تأسيس قاعدة كلية بأن يقال: كل ما اختص بشخص بحسب أصل الشرع أو بجعل المالك و لم يمكن صرفه في نفس ذلك الشخص يصرف فيما يصل ثوابه إليه، لأنه بعد ان لم يمكن إيصال أصل المال إليه لا بد و إن يوصل بدله إليه و هو الثواب، و يمكن استفادة ذلك من الأخبار الواردة في مختلف الأبواب (2)، بل من المعلوم إحراز رضاء المالك بعد التفاته و توجهه و لو في الجملة إلى هذه الأمور.

(109) لأن كل ذلك خير محبوب و له ثواب مرغوب مع مراعاة الأهم و المهم.

(110) من باب تقديم الأهم على المهم المختلف باختلاف الأزمنة

ص: 309


1- الوسائل باب: 22 من أبواب مقدمات الطواف الحديث: 6.
2- الوسائل باب: 22 من أبواب مقدمات الطواف الحديث: 6.

من يلوذ بهم من المجاورين المحتاجين و الصلحاء من الخدام المواظبين بشؤون مشاهدهم و إقامة مجالس تعازيهم، هذا إذا لم يكن في قصد الناذر جهة خاصة و إلا اقتصر عليها (111)، و لو شك في أنه نذر للمشهد أو لمن هو مدفون فيصرف في وجوه البر (112).

مسألة 26: لو عين شاة للصدقة أو لأحد الأئمة أو لمشهد من المشاهد يتبعها نمائها المتصل

(مسألة 26): لو عين شاة للصدقة أو لأحد الأئمة أو لمشهد من المشاهد يتبعها نمائها المتصل كالسمن (113) و أما المنفصل كالنتاج و اللبن فالظاهر أنه ملك للناذر.

مسألة 27: لو نذر التصدق بجميع ما يملكه لزم

(مسألة 27): لو نذر التصدق بجميع ما يملكه لزم (114)، فإن شق عليه قوّم الجميع بقيمة عادلة على ذمته و يتصرف في أمواله بما شاء و كيف

______________________________

و الأمكنة و سائر الجهات و الخصوصيات، و بذلك يختلف الحكم لزوما أو احتياطا وجوبيا أو استحبابيا و يكون تشخيص الموارد بنظر الفقيه بعد عرض الموضوع عليه.

(111) لفرض تعلق النذر بتلك الخصوصية و الجهة فيجب الوفاء به كذلك.

(112) لما مر من أنه الأصل في كل مال لم يعلم مصرفه الخاص به.

(113) لسيرة المتشرعة بل العقلائية عند كل من له نذر من العقلاء و قاعدة التبعية لو قلنا بحصول الملكية للمنذور له بمجرد تحقق النذر، بل و كذا لو قلنا بحصول مجرد الحق فقط لتعلق هذا الحق بالنماء المتصل أيضا، بل و كذا لو لم نقل بهذا و لا ذاك و قلنا بمجرد الحكم التكليفي بوجوب الوفاء بالنذر، لتعلقه بالعين و بما يلزمها تكوينا من النماء.

و أما المنفصل فمقتضى الأصل عدم التبعية إلا أن تكون في البين قرينة معتبرة عليها فتتبع، و مع الشك فالمرجع هو الأصل.

(114) للإطلاق و الاتفاق و خصوص ما يأتي من الصحيح، و لكن لا بد و أن يقيد ذلك بما إذا لم تكن في البين جهة مرجوحة توجب عدم انعقاد النذر و هي

ص: 310

شاء ثمَّ يتصدق عما في ذمته شيئا فشيئا، و يحسب منها ما يعطي (115) إلى

______________________________

تختلف باختلاف الأشخاص و الخصوصيات و لا تضبطها ضابطة كلية حتى يتعرض الفقيه لها.

(115) الأصل في الحكم صحيح الخثعمي قال: «كنا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام جماعة إذ دخل عليه رجل من موالي أبي جعفر عليه السّلام فسلّم عليه ثمَّ جلس و بكى، ثمَّ قال له: جعلت فداك إني كنت أعطيت اللّه عهدا إن عافاني اللّه من شي ء كنت أخافه على نفسي ان أتصدق بجميع ما أملك، و إن اللّه عافاني منه و قد حوّلت عيالي من منزلي إلى قبّة في خراب الأنصار و قد حملت كل ما أملك فأنا بائع داري و جميع ما أملك فأتصدق به، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: انطلق و قوّم منزلك و جميع متاعك و ما تملك بقيمة عادلة و اعرف ذلك ثمَّ اعمد إلى صحيفة بيضاء فاكتب فيها جملة ما قومت ثمَّ انظر إلى أوثق الناس في نفسك، فادفع إليه الصحيفة و أوصه و مره ان حدث بك حدث الموت أن يبيع منزلك و جميع ما تملك فيتصدق به عنك، ثمَّ ارجع إلى منزلك و قم في مالك على ما كنت فيه فكل أنت و عيالك مثل ما كنت تأكل، ثمَّ انظر كل شي ء تصدق به فيما تستقبل من صدقة أو صلة قرابة أو في وجوه البر فاكتب ذلك كله و أحصه فإذا كان رأس السنة فانطلق إلى الرجل الذي أوصيت إليه فمره أن يخرج إليك الصحيفة ثمَّ اكتب فيها جملة ما تصدقت و أخرجت من صدقة أو بر في تلك السنة، ثمَّ افعل ذلك في كل سنة حتى تفي للّه بجميع ما نذرت فيه و يبقى لك منزلك و مالك إن شاء اللّه، فقال الرجل: فرجت عني يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جعلني اللّه فداك» (1).

و الاشكال عليه أولا: بالصدقة بالقيمة في منذور العين.

و ثانيا: بوجوب التعجيل في النذر المطلق.

و ثالثا: بصحة النذر فيما يضر بالناذر من المال، و كلها مخالفة

ص: 311


1- الوسائل باب: 14 من أبواب النذر.

الفقراء و المساكين و أرحامه المحتاجين (116) و يقيد ذلك في دفتر إلى أن يوفي التمام، فإن بقي منه شي ء أوصى بأن يؤدى مما تركه بعد موته (117) و هل يجري هذا الحكم فيما إذا نذر بعين خاص ثمَّ تعسر عليه الوفاء به؟

وجهان (118).

مسألة 28: النذر إما نذر فعل أو نذر نتيجة

(مسألة 28): النذر إما نذر فعل أو نذر نتيجة، و الأول كما إذا نذر أن يتصدق بمال على شخص مثلا، و الثاني كما إذا نذر أن يكون ماله الخاص صدقة أو لشخص بعنوان التمليك أو وقفا أو نحو ذلك من العناوين و لا

______________________________

لضوابط النذر.

مردود: بان ذلك كله من الاجتهاد في مقابل النص الصحيح الذي تلقّاه الأصحاب بالقبول مع دفع الإشكالات بما لا يخفى على المتأمل الخبير.

(116) لأن كل ذلك مورد التصدق شرعا فيشمله دليل وجوب الوفاء بنذره هذا مع ذكر وجوه البر في الصحيح كما تقدم فيشمله أيضا.

(117) لاشتغال ذمته بمال الغير فلا بد و أن يؤدى من تركته بعد موته كما تقدم في كتاب الوصية.

(118) من كون الحكم على خلاف القاعدة على ما قالوه فيقتصر فيه على خصوص مورد النص المتقدم. و من أنه حكم تسهيلي امتناني، و لا وجه للاقتصار في الأحكام التسهيلية و الامتنانية على مورد النص مع بناء الشريعة على التسهيل مهما وجد إليه السبيل، و ما قالوه من مخالفة النص للضوابط مجرد الدعوى كما لا يخفى على المتأمل.

و يمكن تطبيق الصحيح على القاعدة بأن يقال: إن النذر تعلق في حاق الواقع بمالية خاصة و العين المذكورة فيه أخذت بعنوان الطريقية في ظرف عدم محذور في البين، و مع المحذور يبقى النذر المتعلق بأصل المالية بحاله فيجب الوفاء به.

ص: 312

ريب في صحة الأول، و أما الثاني ففيه تفصيل (119).

مسألة 29: لو أتى بالجزاء في النذر المعلق قبل حصول المعلق عليه لا يجزي

(مسألة 29): لو أتى بالجزاء في النذر المعلق قبل حصول المعلق عليه لا يجزي و تجب الإعادة بعده (120).

______________________________

(119) أما صحة الأول فتكون من ضروريات الفقه إن لم يكن من الدين كما تقدم.

و أما الثاني فإن كفى نفس النذر في التسبيب به إلى حصول ذلك العنوان فيصح أيضا، لإطلاقات النذر و عموماتها الشاملة لذلك أيضا كشمولها لنذر الفعل، كما إذا نذر أن يكون مستقبل القبلة ساعة فاتفق تحقق الاستقبال منه في تلك الساعة بلا عمد منه و لا اختيار و قد تحقق منه الوفاء بنذره، و كذا لو نذر أن يكون المال الخاص له صدقة فإن المتعارف يحكمون بتحقق الصدقة بإنشاء النذر و ليس له إتلافه بعد ذلك، و أما إذا لم يكن كذلك أي لم يكف نفس النذر للتسبيب به لحصول المنذور كما إذا قال: للّه عليّ أن تكون زوجتي مطلّقة، أو قالت المرأة: للّه عليّ أن أكون منكوحة لزيد أو نحو ذلك فلا وجه لصحة النذر حينئذ للشك في شمول الإطلاقات و العمومات له فلا يصح التمسك بها مع الشك في الصدق فيرجع إلى أصالة عدم ترتب الأثر، و كذا لو شك في كفاية النذر في حصول التسبب به إلى تحقق المنذور، لأصالة عدم ترتب الأثر.

فالأقسام ثلاثة:

الأول: إحراز كفاية النذر في التسبب به إلى حصول العنوان.

الثاني: إحراز عدم ذلك.

الثالث: الشك في الكفاية و عدمها، و يصح في القسم الأول فقط دون الأخيرين، و هذه خلاصة الكلام في هذه المسألة التي أطيل القول فيها في موارد كثيرة و منه يظهر أن النزاع بينهم لفظي صغروي لا أن يكون كبرويا فراجع المطولات تجد تشويش الكلمات.

(120) للأصل بعد عدم اتصافه بعنوان أنه جزاء النذر كما إذا نذر إن شفى

ص: 313

مسألة 30: في النذر المعلق يجوز للناذر تفويت المعلق عليه قبل حصوله

(مسألة 30): في النذر المعلق يجوز للناذر تفويت المعلق عليه قبل حصوله (121) و إن كان الأحوط خلافه (122).

مسألة 31: قد مر أنه يجوز للزوج حلّ نذر الزوجة

(مسألة 31): قد مر أنه يجوز للزوج حلّ نذر الزوجة و لكنه على أقسام:

الأول: ما إذا كان الحل لغرض شرعي.

الثاني: ما إذا كان لغرض صحيح عقلائي.

الثالث: ما إذا كان لمجرد الاقتراح بلا ترتب غرض عليه أصلا لا شرعيا و لا عقليا.

الرابع: عدم المبالاة بالشرع كما إذا نذرت الزوجة أن تسبح اللّه كل يوم عشرة مرات فأظهر زوجها عدم الرضاء به فهل يكون لحلّه أثر في القسمين الأخيرين؟ وجهان (123).

مسألة 32: يكره الإيجاب على النفس بالنذر و نحوه

(مسألة 32): يكره الإيجاب على النفس بالنذر و نحوه (124).

______________________________

اللّه مريضه إلى عشرة أيام مثلا يتصدق بدينار أو يصوم في أيام فتصدق أو صام قبل الشفاء و هكذا.

(121) للأصل بعد كونه شرطا لأصل الوجوب لا الواجب كما إذا نذر إن جاء مسافرة بعد ثلاثة أيام أن يتصدق بدينار فيخبر المسافر بالوسائل الحديثة أن لا يجي ء إلا بعد عشرة أيام و هكذا في نظائر المقام.

(122) لذهاب بعض إلى الحرمة في هذه الصورة أيضا و لكن لا دليل له من عقل أو نقل بل هما على خلافه من البراءة العقلية و النقلية.

(123) منشأ التأثير الجمود على ظاهر الإطلاق و منشأ عدم صحته دعوى الانصراف عن القسمين الأخيرين سيما القسم الرابع، و كذا الكلام في الولد و الوالد هنا و في اليمين.

(124) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في الصحيح: «إني لأكره الإيجاب أن يوجب

ص: 314

مسألة 33: إذا عجز الناذر عن المنذور

(مسألة 33): إذا عجز الناذر عن المنذور في وقته إن كان موقتا أو مطلقا إن كان مطلقا انحل نذره و سقط عنه و لا شي ء عليه (125)، نعم لو نذر صوما فعجز عنه تصدق عن كل يوم بمد من طعام على الأحوط (126) و أحوط منه التصدق بمدين (127).

______________________________

الرجل على نفسه» (1)، و قوله عليه السّلام: «لا توجب على نفسك الحقوق و اصبر على النوائب» (2).

(125) أما الانحلال فلعدم القدرة و إن التكليف بغير المقدور قبيح مطلقا و ما تقدم من قول الصادق عليه السّلام في بيان القاعدة: «من جعل للّه شيئا فبلغ جهده فليس عليه شي ء» (3)، و منه يظهر سقوط التكليف و أنه لا شي ء عليه.

(126) لخبر محمد بن منصور: «أنه سأل موسى بن جعفر عليه السّلام عن رجل نذر صياما فثقل الصيام عليه؟ قال عليه السّلام: يتصدق لكل يوم بمد من حنطة» (4)، و الخبر قاصر عن إفادة الوجوب لقصور السند لأن المسمى بمحمد بن منصور في الرواة تسعة كلهم ما بين مهمل و مجهول إلا محمد بن منصور بن يونس بن بزرج و لم يثبت أن راوي هذا الحديث هو ذلك الرجل الثقة، مع أنه إذا سقط أصل التكليف لأجل العجز فكيف يثبت له البدل؟! مضافا إلى و هن الروايات بالإعراض و اضطرابها و زيد في بعضها من حنطة أو شعير (5)، و ما كان هذا حاله فكيف يعتمد عليه في إثبات حكم مخالف للأصل و الشهرة!!

(127) لخبر ابن عمار عن الصادق عليه السّلام: «في رجل يجعل عليه صياما في

ص: 315


1- الوسائل باب: 6 من أبواب النذر.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب النذر.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب النذر الحديث: 5.
4- الوسائل باب: 12 من أبواب النذر و العهد.
5- راجع تمام الروايات في الوافي ج: 7 صفحة: 85 باب: 70 من أبواب النذور و الأيمان.

مسألة 34: النذر كاليمين في انه إذا تعلق بإيجاد عمل

(مسألة 34): النذر كاليمين في انه إذا تعلق بإيجاد عمل من صوم أو صلاة أو صدقة و غيرها فإن عين له وقتا تعين و يتحقق الحنث و يجب الكفارة بتركه فيه (128)، فإن كان صوما أو صلاة يجب قضاؤه أيضا على الأقوى (129) بل و إن كان غيرهما أيضا على الأحوط (130)، و إن كان

______________________________

نذر فلا يقوى قال عليه السّلام: يعطي من يصوم عنه في كل يوم مدين» (1)، و هو أيضا مهجور و قاصر سندا لأن في طريقه يحيى بن المبارك و هو مجهول، مع أنه مشتمل على الاستنابة أيضا.

(128) أما تعين الإتيان به في الوقت المنذور فلوجوب الوفاء كما عين في كل التزام أوجبه المكلف على نفسه شرعا. و أما ترتب الحنث و الكفارة فلانة من المخالفة العمدية كما هو واضح.

(129) للعمومات الدالة على وجوب قضاء الصلاة الفائتة بعد ضعف احتمال الاختصاص بخصوص اليومية، و استصحاب بقاء الوجوب بعد كون التوقيت من باب تعدد المطلوب، مع ورود النصوص في قضاء الصوم المنذور ففي خبر ابن مهزيار قال: «كتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام: يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو أيام التشريق أو سفر أو مرض، هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه و كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب إليه: قد وضع اللّه عنه الصيام في هذه الأيام كلها و يصوم يوما بدل يوم إن شاء اللّه» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة و تقدم أيضا رواية ابن عمار.

(130) لأن المتعارف في التوقيت في مثل هذه النذور انه من باب تعدد المطلوب و لا أقل من الشك في انه من باب تعدد المطلوب أو وحدته

ص: 316


1- الوسائل باب: 12 من أبواب النذر الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب النذر.

مطلقا كان وقته العمر (131). و جاز له التأخير إلى أن يظن بالوفاة (132) فيضيق و يتحقق الحنث بتركه مدة الحيوة (133) هذا إذا كان المنذور فعل شي ء و إن كان ترك شي ء فإن عين له الوقت كان حنثه بإيجاده فيه (134)، و إن كان مطلقا كان حنثه بإيجاده مدة حيوته و لو مرة (135) و لو أتى به

______________________________

فيستصحب بقاء أصل الوجوب، و يشهد لذلك مرتكزات المتشرعة من الناذرين حيث يرون أنفسهم ملزمين بالمنذور بعد فوات الوقت، و يستفاد ذلك من صحيح ابن مهزيار أيضا قال: «قلت لأبي الحسن عليه السّلام: رجل جعل على نفسه نذرا إن قضى اللّه حاجته أن يتصدق بدراهم فقضى اللّه حاجته فصير الدراهم ذهبا و وجهها إليك أ يجوز ذلك أو يعيد؟ فقال عليه السّلام: يعيد» (1)، إذ الظاهر عدم الخصوصية في الدرهم و لا في المكان الخاص و يمكن أن يستفاد منه الحكم الكلي، مع ان بنائهم على أن خصوصية المورد لا يوجب تقييد إطلاق الجواب و مع ذلك كله لا تصل النوبة إلى أصالة البراءة بل مقتضى الأصل بقاء أصل الوجوب فيجب الخروج عن عهدته.

(131) لأنه لا معنى للإطلاق و عدم التوقيت إلا ذلك.

(132) المراد به ظهور بعض الأمارة له و إلا فمطلق ظن الوفاة مستوعب لمطلق أوقات العمر.

(133) أما التضيق بظهور أمارات الموت فيشهد له الوجدان و العرف و ظهور الإجماع. و أما تحقق الحنث بالترك في مدة الحيوة فلأنه لا معنى لعدم التوقيت إلا ذلك.

(134) للإجماع و العرف و الوجدان.

(135) لأن انعدام الطبيعة لا يتحقق إلا بترك جميع أفرادها مطلقا فيتحقق الحنث بصرف الوجود و لو مرة بلا فرق بين المقام و اليمين.

ص: 317


1- الوسائل باب: 9 من أبواب النذر و العهد.

تحقق الحنث و انحل النذر كما مر في اليمين.

مسألة 35: إنما يتحقق الحنث الموجب للكفارة بمخالفة النذر اختيارا

(مسألة 35): إنما يتحقق الحنث الموجب للكفارة بمخالفة النذر اختيارا فلو أتى بشي ء تعلق النذر بتركه نسيانا أو جهلا أو اضطرارا لم يترتب عليه شي ء (136)، بل الظاهر عدم انحلال النذر به (137) فيجب الترك بعد ارتفاع العذر لو كان النذر مطلقا أو موقتا و قد بقي الوقت.

مسألة 36: لو كان النذر حين إنشائه صحيحا فصار باطلا بعده

(مسألة 36): لو كان النذر حين إنشائه صحيحا اجتهادا أو تقليدا- فصار باطلا بعده كذلك و كانت العين المنذورة موجودة ففيه تفصيل (138).

______________________________

(136) للأصل و الإجماع و حديث الرفع (1)، المعروف بين الفريقين الظاهر في رفع كل ما يتعلق بمورد الجهل و الإكراه و الاضطرار و النسيان لوروده مورد الامتنان و هو يقتضي التعميم للحكم التكليفي الصوم فراجع (2).

و الوضعي ما لم يكن دليل على الخلاف و هو مفقود في المقام.

(137) للأصل و إطلاق أدلة وجوب الوفاء بالنذر بعد كون دليل الرفع ما داميّا لا دائميا كما هو واضح فلا بد من ترتب الأثر على النذر ما لم يعلم بارتفاعه رأسا.

(138) الأقسام أربعة:

الأول: ما يكون صحيحا حين الإنشاء و العمل فلا ريب في وجوب الوفاء به.

الثاني: ما يكون باطلا حينهما و لا ريب في عدم انعقاده.

الثالث: ما يكون صحيحا حين الإنشاء و باطلا حين العمل كما لو قلد شخصا يقول بعدم اعتبار الصيغة في صحة النذر ثمَّ قلد آخرا يذهب إلى

ص: 318


1- الوسائل باب: 16 من أبواب الأيمان.
2- تقدم في ج: 10 صفحة: 320.

مسألة 37: كفارة حنث النذر كفارة اليمين

(مسألة 37): كفارة حنث النذر كفارة اليمين و قيل كفارة من أفطر شهر رمضان و سيجي ء في كتاب الكفارات إن شاء اللّه تعالى (139).

______________________________

اعتبارها يجب الوفاء بالنذر لوقوع الإنشاء صحيحا جامعا للشرائط فأثر أثره.

الرابع: ما يكون بعكس الثالث فالظاهر البطلان لعدم تحقق الإنشاء.

(139) فراجع هناك و لا وجه للتكرار و تقدم أيضا في كتاب الصوم (1).

ص: 319


1- تقدم في ج: 10 صفحة: 320.

.....

العهد

اشارة

العهد

______________________________

قد وردت مادة (ع- ه- د) في الكتاب و السنة كثيرا فقال تعالى في قصص أبينا آدم عليه السّلام وَ لَقَدْ عَهِدْنٰا إِلىٰ آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (1)، و قال تعالى وَ عَهِدْنٰا إِلىٰ إِبْرٰاهِيمَ وَ إِسْمٰاعِيلَ أَنْ طَهِّرٰا بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ وَ الْعٰاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ (2)، و قال تعالى في قصة بعض أصحاب نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجٰالٌ صَدَقُوا مٰا عٰاهَدُوا اللّٰهَ (3)، و قال تعالى:

في أجمع آية للمكارم الأخلاقية و الكمالات الإنسانية وَ الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذٰا عٰاهَدُوا وَ الصّٰابِرِينَ فِي الْبَأْسٰاءِ وَ الضَّرّٰاءِ (4)، و قال جلّ شأنه وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كٰانَ مَسْؤُلًا (5)، و في الحديث: «حسن العهد من الإيمان» (6)، و هو إما من اللّه عز و جل مع عبادة أو من العباد معه تعالى قال عز و جل وَ أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ (7)، و أصل هذه المادة تستعمل في الالتزام و الحفاظ و الذمة و الوصية، و لا ريب في أصل مشروعيته بالأدلة الثلاثة بل الأربعة، فمن الكتاب بعض ما مر و من السنة بعض ما يأتي، و من الإجماع إجماع المسلمين و من العقل حكمه بحسن العهد مع اللّه تعالى فيما لم ينه عنه.

ص: 320


1- سورة طه: 115.
2- سورة البقرة: 125.
3- سورة الأحزاب: 23.
4- سورة البقرة: 177.
5- سورة الإسراء: 34.
6- النهاية لابن الأثير ج: 3 صفحة: 325 باب العين مع الهاء.
7- سورة البقرة: 40.

أحكام العهد

اشارة

أحكام العهد و هو الاحتفاظ بالشي ء (1). و لا ينعقد بمجرد النية (2) بل يحتاج إلى الصيغة على الأقوى (3) و صورتها أن يقول: «عاهدت اللّه» أو «على عهد اللّه» (4)، و يقع مطلقا و معلقا على شرط كالنذر (5)، و الظاهر أنه يعتبر في

______________________________

(1) لغة و عرفا كما تقدم و منه أخذ المعنى الشرعي أيضا لأن من يعاهد اللّه يهتم و يحتفظ بما عاهد.

(2) للأصل و قاعدة «ان كل إنشاء ليس له مبرز خارجي لا يترتب عليه الأثر» المستفاد من ظهور الإجماع و مرتكزات المتشرعة و سياق الأدلة.

(3) لما مر من القاعدة، و احتمال الاكتفاء بمجرد النية هنا و في النذر، لأن الإيقاع مع اللّه تعالى و هو عالم السر و الخفيات، مضافا إلى إطلاق الأدلة.

مردود: بان علمه تعالى بالسر و الخفايا معلوم لا ريب فيه و لكن لا ربط له باعتبار ما يستفاد من ظواهر الأدلة كقوله عليه السّلام في النذر: «حتى يقول للّه عليّ» (1)، و في العهد جعل على نفسه الظاهر في إنشاء الالتزام نطقا.

(4) لا ريب في ظهور اللفظين في العنوان المعروف و كذا ما يرادفهما من حيث الظهور في إنشاء عنوان العهد.

(5) للإجماع و إطلاق الأدلة كقوله تعالى وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللّٰهِ إِذٰا عٰاهَدْتُمْ (2)، و من السنة ما يأتي الإشارة إليها.

ص: 321


1- الوسائل باب: 1 من أبواب النذر.
2- سورة النحل: 91.

المعلق عليه إذا كان مشروطا ما اعتبر فيه في النذر المشروط (6)، و أما ما عاهد عليه فهو بالنسبة إليه كاليمين يعتبر فيه أن لا يكون مرجوحا دينا أو دنيا.

مسألة 1: لا يعتبر فيه الرجحان

(مسألة 1): لا يعتبر فيه الرجحان فضلا عن كونه طاعة (7) كما اعتبر ذلك في النذر فلو عاهد على فعل مباح لزم كاليمين (8)، نعم لو عاهد على فعل كان تركه أرجح أو على ترك أمر كان فعله أولى و لو من جهة الدنيا لم ينعقد (9)،

______________________________

(6) قد تقدم ما يتعلق بالنذر في مسألة 4 منه فراجع و قد أرسلوا التساوي بينهما من هذه الجهة إرسال المسلمات الفقهية بحيث يظهر منهم الإجماع عليه.

(7) للإطلاقات الدالة على لزوم الوفاء به كتابا و سنة من غير تقييد بما إذا كان متعلقه راجحا فضلا عن كونه طاعة، و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله تعالى:

يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ قال: «العهود» (1)، و في صحيح ابن جعفر عن أخيه عليهما السّلام قال: «سألته عن رجل عاهد اللّه في غير معصية ما عليه إن لم يف بعهده؟ قال عليه السّلام: يعتق رقبة، أو يتصدق بصدقة أو يصوم شهرين متتابعين» (2)، و لا ريب في أن غير المعصية يشمل مطلق المباح و لو لم تكن فيه جهة رجحان مطلقا.

(8) لما مر آنفا من إطلاق الآية و الحديث.

(9) للإجماع، و سيرة المتشرعة إن لم تكن عقلائية عند كل من يعهد على شي ء لأنهم لا يعهدون على فعل المرجوح أو ترك الراجح.

نعم، يختلف الراجح و المرجوح باختلاف الملل و الأديان و لا يضر ذلك بالمرتكزات.

ص: 322


1- الوسائل باب: 25 من أبواب النذر و العهد.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب النذر و العهد.

و لو لم يكن كذلك من أول الأمر ثمَّ طرأ عليه ذلك انحل (10).

مسألة 2: مخالفة العهد بعد انعقاده يوجب الكفارة

(مسألة 2): مخالفة العهد بعد انعقاده يوجب الكفارة (11)، و هل هي كفارة من أفطر شهر رمضان أو كفارة اليمين؟ قولان أظهرهما الأول كما يجي ء في الكفارات.

______________________________

(10) لأنه شرط حدوثا و بقاء على ما هو المتسالم عليه عند الفقهاء إن لم يكن عند العقلاء.

(11) نصا و إجماعا كما يأتي في كتاب الكفارات إن شاء اللّه تعالى فلا وجه للتكرار هنا هذا و اللّه العالم.

و الحمد للّه ربّ العالمين.

ص: 323

ص: 324

.....

______________________________

بسم اللّه الرحمن الرحيم

كتاب الكفارات

اشارة

كتاب الكفارات

الحمد للّه الذي كفّر عن المؤمنين سيئاتهم و أصلح بالهم و أدخلهم الجنة التي عرّفها لهم و الصلاة و السلام على سيد النبيين محمد و آله الطاهرين لا ريب في ان جعل القانون بلا جعل مجازاة على مخالفته لغو فيذهب القانون هدرا فجعله مع جعل المجازاة على المخالفة متلازمان- كتلازم المبدأ و المعاد- في مقام التشريع.

و القوانين المجعولة أقسام.

الأول: ما يتدارك مخالفتها بالجريمة المالية أو ترويض النفس بالصوم، و الكفارات و الديات من هذا القبيل على ما يأتي في بيان موجباتها و أحكامها إن شاء اللّه تعالى، و تقدم في كتاب الحج جملة منها.

الثاني: ما يتدارك مخالفتها بالتعذيب و يأتي في كتاب الحدود و التعزيرات تفصيلها إن شاء اللّه تعالى.

الثالث: ما لا يتدارك مخالفتها إلا عند العرض على اللّه عز و جل و خلق النار إنما هو لأجل هذه الجهة.

الرابع: ما يتدارك مخالفتها بالآلام و المحن الدنيوية قال تعالى:

ص: 325

.....

______________________________

وَ مٰا أَصٰابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمٰا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (1)، و الآيات المباركة و السنن المعصومية في بيان هذا الموضوع كثيرة.

الخامس: ما يتدارك مخالفتها بالاستغفار.

السادس: ما يتعلق بخطرات القلوب التي هي سيئات المقربين و يختص تكفيرها بمباشرة رب العالمين الواقف على الضمائر و العالم بالسرائر، و تفصيل هذا الإجمال يحتاج إلى وضع كتاب مستقل يتضمن شرح التكوين و حقائقه و بيان ما يتعلق بما فوق التكوين و دقائقه.

ثمَّ انه لا بد من تقديم أمور.

الأول: مادة- ك- ف- ر- يستعمل بمعنى الستر و الكفارة ساترة للذنب كما أن الكافر سمي به لأنه يستر الحق، و سمي الليل كافرا لأنه ساتر بسواده و كذا سمي الزارع كافرا لأنه يستر الحب في الأرض. و الكفارة بالمعنى اللغوي استعمل في الشرع أيضا. و هي عبادة خاصة لها أحكام مخصوصة على ما يأتي بيانها.

الثاني: الكفارة لتدارك المنقصة الحاصلة بارتكاب ما يوجبها ذنبا كانت تلك المنقصة أو لا. و موارد الذنب كثيرة يأتي التعرض لها و موارد غير الذنب ككفارة قتل الخطأ و الصيد جهلا و خطأ- بناء على ثبوتها فيه- و كفارة الظهار حيث أنه على المعروف ذنب معفو عنه، و هذه كلها من الكفارات الواجبة و اما المندوبة منها فكثيرة مثل كفارة الطيرة فإنها التوكل على ما في الحديث (2)، و عن علي عليه السّلام: «كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الأخوان» (3)، و عن الصادق عليه السّلام كفارة الضحك: «اللّهم لا تمقتني» (4)، و عنه عليه السّلام أيضا: «كفارة المجالس أن تقول

ص: 326


1- سورة الشورى: 30.
2- الوسائل باب: 35 من أبواب الكفارات.
3- الوسائل باب: 33 من أبواب الكفارات.
4- الوسائل باب: 34 من أبواب الكفارات.

كتاب الكفارات و هي ما توجب محو ذنوب خاصة بما سيأتي.

و الكلام في أقسامها و أحكامها.

أما الأول: فهي على أربعة أقسام

اشارة

أما الأول: فهي على أربعة أقسام (1) مرتّبة، و مخيّرة و ما اجتمع فيه

______________________________

عند قيامك منها: سبحان ربك ربّ العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد للّه ربّ العالمين» (1)، فأطلق الكفارة فيها مع عدم ذنب في موردها، و قد وردت كفارات أخرى مندوبة مذكورة في المطولات منها أن من ضرب عبده لغير حد شرعي استحب له عتقه، ففي خبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام: «إن أبي ضرب غلاما له واحدة بسوط و كان بعثه في حاجة فأبطأ عليه، فبكى الغلام و قال: اللّه تبعثني في حاجتك ثمَّ تضربني قال: فبكى أبي عليه السّلام و قال: يا بني اذهب إلى قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فصل ركعتين و قل: اللّهم اغفر لعلي بن الحسين عليه السّلام خطيئته ثمَّ قال للغلام اذهب فأنت حر- الحديث-» (2).

أقول: لا بد و أن يتأمل في هذه الأخبار التي يستفاد منها أبواب من المعارف و الكمالات الإنسانية و قريب منه غيره من الروايات.

الثالث: الكفارات مطلقا عبادة متقوّمة بقصد القربة إجماعا بل و في الجواهر: «بل من أعظمها»، و على هذا فلو دخل فيها الرياء فلا تجزي و تجب الإعادة كما هو شأن كل عبادة مشروطة بقصد القربة بلا فرق بين ما إذا كان الرياء تمام الداعي أو بنحو الضميمة على ما فصلنا في نية الوضوء و الصلاة فراجع.

(1) إجماعا و نصوصا تأتي الإشارة إليها و ظاهرهم أن الحصر استقرائي

ص: 327


1- الوسائل باب: 37 من أبواب الكفارات.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب الكفارات الحديث: 1.

الأمران، و كفارة الجمع. أما المرتّبة فهي ثلاث كفارات (2) الظهار، و كفارة قتل الخطأ و يجب فيهما العتق، فإن عجز فصيام شهرين متتابعين فإن عجز فإطعام ستين مسكينا (3)، و كفارة من أفطر يوما من قضاء شهر رمضان بعد

______________________________

و يمكن جعله عقليا بأن يقال: إن الكفارة إما جمع أو لا، و الثاني إما تخيير فقط أو لا و الثاني إما مترتّب فقط أو لا.

(2) أرسلوا ذلك إرسال المسلمات بحيث يظهر منهم الإجماع عليه في غير كفارات الإحرام و تقدم التفصيل فيها في كتاب الحج فراجع.

(3) أما الظهار فتدل عليه الآية الكريمة وَ الَّذِينَ يُظٰاهِرُونَ مِنْ نِسٰائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمٰا قٰالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّٰا ذٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَ اللّٰهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ شَهْرَيْنِ مُتَتٰابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّٰا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعٰامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً (1)، و النص ففي خبر أبي بصير عن الصادق عليه السّلام قال: «سمعته يقول: جاء رجل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ظاهرت من امرأتي، قال: اذهب فأعتق رقبة، قال: ليس عندي، قال:

اذهب فصم شهرين متتابعين، قال: لا أقوى، قال: اذهب فأطعم ستين مسكينا» (2)، و الإجماع.

و أما قتل الخطأ: فهو المشهور و تدل عليه الآية الكريمة وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلىٰ أَهْلِهِ- إلى أن قال تعالى- فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ شَهْرَيْنِ مُتَتٰابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللّٰهِ وَ كٰانَ اللّٰهُ عَلِيماً حَكِيماً (3)، و السنة ففي صحيح ابن سنان عن الصادق عليه السّلام: «كفارة الدم إذا قتل الرجل مؤمنا متعمدا- إلى أن قال- و إذا قتل خطأ أدّى ديته إلى أوليائه ثمَّ أعتق رقبة فإن لم يجد صام

ص: 328


1- سورة المجادلة: 4.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الكفارات ج: 15.
3- سورة النساء: 92.

الزوال و هي إطعام عشرة مساكين فإن عجز فصيام ثلاثة أيام متتابعات (4).

و أما المخيّرة فهي أيضا ثلاث: كفارة من أفطر في شهر رمضان بأحد

______________________________

شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا مدا مدا- الحديث-»(1).

و نسب إلى سلّار و ابن حمزة و ظاهر المفيد أنها مخيرة و هو من الاجتهاد في مقابل النص مع عدم دليل لهم يصح الاعتماد عليه فلا بد و أن يرد إلى أهله.

(4) على المشهور بين الأصحاب لصحيح بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السّلام: «في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان؟ قال: إن كان أتى أهله قبل زوال الشمس فإن عليه أن يتصدق على عشرة مساكين فإن لم يقدر عليه صام يوما مكان يوم و صام ثلاثة أيام كفارة لما صنع» (2)، و يمكن الاستدلال بصحيح ابن سالم قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل وقع على أهله و هو يقضي شهر رمضان، فقال: إن كان وقع عليها قبل صلاة العصر فلا شي ء عليه يصوم يوما بدل يوم و إن فعل بعد العصر صام ذلك اليوم و أطعم عشرة مساكين، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيام كفارة كذلك» (3)، بناء على أن المراد بقبل صلاة العصر قبل الزوال لدخول وقت صلاة العصر بالزوال كما مر في كتاب الصلاة عند البحث عن الأوقات.

و أما ما في الموثق عن القاضي رمضان المفطر بعد ما زالت الشمس قال عليه السّلام: «قد أساء و ليس عليه شي ء إلا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه» (4)، فأسقطه عن الاعتبار معارضته بغيره مما صح من الأخبار و عدم اعتناء أعاظم الفقهاء به مع كونه بمنظر منهم، و كذا خبر زرارة قال: «سألت أبا جعفر عن رجل صام قضاء من شهر رمضان و أتى النساء؟ قال: عليه من الكفارة

ص: 329


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الكفارات الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث: 1.
3- الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث: 2.
4- الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث: 4.

الأسباب الموجبة للكفارة التي مرت في كتاب الصوم (5)، و كفارة حنث العهد (6)، و كفارة جز المرأة شعرها في المصاب (7) و هي العتق أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا مخيرا بينها على الأظهر. و أما ما

______________________________

ما على الذي أصاب في شهر رمضان لأن ذلك اليوم عند اللّه من أيام رمضان» (1)، فلا وجه له في مقابل ما مر من الصحيح، فالأقوال التي تبلغ ثمانية بل تسعة في كفارة شهر رمضان بلا حاصل و يكون التطويل في نقلها و تزييفها بلا طائل من أراد العثور عليها فليراجع المطولات إن لم يكن له شغل أهم من ذلك.

و أما التتابع فلا دليل على وجوبه كما تقدم في بحث الصوم (2)، و إن كان أحوط، كما تقدم فيه مقدار ما يعطى لكل مسكين (3).

(5) و تقدم ما يتعلق بها فلا وجه للتكرار هنا فراجع.

(6) على المشهور بل ادعى عليه الإجماع، و في خبر أبي بصير عن أحدهما عليهما السّلام قال: «من جعل عليه عهد اللّه و ميثاقه في أمر اللّه طاعة فحنث فعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا» (4).

(7) إجماعا و نصا قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في خبر ابن سدير: «فإذا خدشت المرأة وجهها أو جزت شعرها أو نتفته ففي جز الشعر عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا، و في الخدش إذا أدميت و في النتف كفارة حنث يمين و لا شي ء في اللطم على الخدود سوى الاستغفار و التوبة» (5).

و نوقش فيه.

تارة: بضعف السند.

ص: 330


1- الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث: 3.
2- راجع ج: 10 صفحة: 323.
3- تقدم في ج: 10 صفحة: 156.
4- الوسائل باب: 24 من أبواب الكفارات الحديث: 2.
5- الوسائل باب: 31 من أبواب الكفارات الحديث: 2.

اجتمع فيه الأمران فهي كفارة حنث اليمين (8)

______________________________

و أخرى: بضعف الدلالة.

و ثالثة: بالمعارضة بإجماع الحلي على الخلاف.

و الكل باطل. أما الأول: فظاهر من قال بالكفارة فيه اعتماده على الخبر المذكور و هذا المقدار يكفي في حصول الاطمئنان بالصدور.

و أما الثاني: فلا إشكال في الظهور و نعم ما قال في الجواهر: «إنه حصل من الاختلال في الطريقة».

و أما الأخير: فكيف يعتمد عليه مع دعوى الإجماع من المرتضى و غيره على ما قاله أبو عبد اللّه عليه السّلام في خبر ابن سدير. ثمَّ المراد من الجز هو القص و القطع و تقدم في مكروهات الدفن بعض ما يتعلق بالمقام (1).

(8) كتابا و سنة و إجماعا قال تعالى فَكَفّٰارَتُهُ إِطْعٰامُ عَشَرَةِ مَسٰاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مٰا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ ذٰلِكَ كَفّٰارَةُ أَيْمٰانِكُمْ إِذٰا حَلَفْتُمْ (2)، و من السنة قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في كفارة اليمين: «عتق رقبة أو كسوة، و الكسوة ثوبان أو إطعام عشرة مساكين أي ذلك فعل أجزأ عنه فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متواليات، و إطعام عشرة مساكين مدا مدا» (3)، إلى غير ذلك من الأخبار و في خبر آخر عنه عليه السّلام أيضا في كفارة اليمين: «أو صوم ثلاثة أيام متوالية إذا لم يجد شيئا من ذلك» (4)، و في خبر إسحاق بن عمار: «صيام ثلاثة أيام لا يفرق بينهن» (5)، و ما يظهر منه الخلاف كخبر زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن شي ء من كفارة اليمين، فقال:

ص: 331


1- راجع ج: 4 صفحة: 249.
2- سورة المائدة: 89.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب الكفارات الحديث: 2 و 4 و 12 و 6.
4- الوسائل باب: 12 من أبواب الكفارات، الحديث: 2 و 4 و 12 و 6.
5- الوسائل باب: 12 من أبواب الكفارات، الحديث: 2 و 4 و 12 و 6.

و كفارة حنث النذر (9) على الأظهر و كفارة نتف المرأة شعرها و خدش

______________________________

يصوم ثلاثة أيام قلت: إن ضعف عن الصوم و عجز؟ قال: يتصدق على عشرة مساكين، قلت: إنه عجز عن ذلك، قال: يستغفر اللّه و لا يعد فإنه أفضل الكفارة و أقصاه و أدناه فليستغفر اللّه و يظهر توبة و ندامة» (1)، محمول على بعض المحامل.

(9) نسب ذلك إلى جمع- منهم الصدوق و المحقق في النافع و كتاب نذر الشرائع- و لكنه تردد في كتاب كفاراته في أن كفارة النذر ككفارة شهر رمضان أو مثل كفارة اليمين.

و استدل على كونها كاليمين.

تارة: بالإجماعين المنقولين عن الانتصار و الغنية.

و أخرى: بقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر الحلبي: «إن قلت للّه عليّ فكفارة يمين» (2)، و ما ورد عنه عليه السّلام أيضا في خبر حفص: «سألته عن كفارة النذر فقال عليه السّلام: كفارة النذر كفارة اليمين» (3)، و كذا خبر صفوان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«قلت له: بأبي أنت و أمي جعلت على نفسي مشيا إلى بيت اللّه، قال: كفر بيمينك فإنما جعلت على نفسك يمينا و ما جعلته للّه فف به» (4)، إلى غير ذلك من الأخبار و منه يستفاد ترتب أحكام اليمين على النذر إلا ما خرج بالدليل.

و نوقش في الجميع، أما الإجماع المنقول فقد فرغوا عن عدم اعتباره في الأصول، خصوصا إجماعي الانتصار و الغنية الذي لا أصل لهما كما عن بعض أهل الخبرة، ثمَّ انه كيف يدعى الإجماع في حكم كان المشهور على خلافه. و أما البقية فأوهنها موافقتها للعامة (5)، و مخالفتها للمشهور هذا بحسب الاستظهار من الأدلة. و أما بحسب الأصل فالمسألة من الأقل و الأكثر لأن كونها من كفارة حنث

ص: 332


1- الوسائل باب: 12 من أبواب الكفارات، الحديث: 2 و 4 و 12 و 6.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب الكفارات الحديث: 1.
3- الوسائل باب: 23 من أبواب الكفارات الحديث: 4.
4- الوسائل باب: 23 من أبواب الكفارات الحديث: 3.
5- راجع المغني لابن قدامة ج: 11 صفحة: 234.

وجهها في المصاب و شق الرجل ثوبه في موت ولده أو زوجته (10) و يجب في جميع ذلك عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم مخيرا بينها، فإن عجز عن الجميع فصيام ثلاثة أيام. و قيل إن كفارة النذر مثل كفارة إفطار شهر رمضان و حيث أن هذا هو المشهور (11) فلا ينبغي ترك

______________________________

اليمين معلوم، و من كفارة شهر رمضان مشكوكة فيرجع في الأكثر إلى البراءة إلا أن المشهور- و هو الأحوط- انها ككفارة شهر رمضان، و قد تقدم في كتاب الصوم (1)، بعض الكلام.

(10) للنص المنجبر بالإجماع ففي خبر ابن سدير قال: «سألت أبا عبد اللّه عن رجل شق ثوبه على أبيه أو على أمه أو على أخيه أو على قريب له؟

فقال عليه السّلام: لا بأس بشق الجيوب قد شق موسى بن عمران على أخيه هارون، و لا يشق الوالد على ولده و لا زوج على امرأته و تشق المرأة على زوجها و إذا شق زوج على امرأته أو والد فكفارته حنث يمين، و لا صلاة لهما حتى يكفرا أو يتوبا من ذلك فإذا خدشت المرأة وجهها أو جزّت شعرها أو نتفته ففي جز الشعر عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا، و في الخدش إذا أدميت و في النتف كفارة حنث يمين، و لا شي ء في اللطم على الخدود سوى الاستغفار و التوبة- الحديث-» (2). و عن بعض القول بالندب استضعافا للحديث و في الجواهر: «انه من اختلال الطريقة».

و المراد بالنتف القلع، و لا فرق بين خدش تمام الوجه أو بعضه للإطلاق، و لا شي ء في خدش سائر البدن للأصل، و كذا لا فرق بين كون الثوب المشقوق جديدا أو عتيقا لظهور الإطلاق، و لو جزّت بعض الشعر و نتفت بعضها الآخر فعليها كفارتان لتعدد السبب المقتضي لتعدد المسبب.

(11) نقل الشهرة جمع منهم صاحب الجواهر.

ص: 333


1- راجع ج: 10 صفحة: 320.
2- الوسائل باب: 31 من أبواب الكفارات الحديث: 1.

الاحتياط لمن عجز عن العتق باختيار الإطعام و إكمال الستين، و مع العجز عنه صيام شهرين متتابعين فقط مع العجز عن إكساء عشرة مساكين و الجمع بينهما مع التمكن منه (12). و أما كفارة الجمع فهي كفارة قتل المؤمن عمدا و ظلما (13)، و كفارة الإفطار في شهر رمضان بالمحرّم على الأحوط لو لم يكن الأقوى (14)، و هي عتق رقبة مع صيام شهرين متتابعين و إطعام ستين مسكينا (15).

مسألة 1: لا فرق في جز المرأة شعرها بين جز تمام شعر رأسها و جز بعضه

(مسألة 1): لا فرق في جز المرأة شعرها بين جز تمام شعر رأسها و جز بعضه بما يصدق عرفا أنه قد جزّت شعرها، كما أنه لا فرق بين كونه

______________________________

(12) لأنه عمل بالاحتياط حينئذ.

(13) للإجماع و النصوص منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر ابن سنان:

«كفارة الدم إذا قتل الرجل المؤمن متعمدا فعليه أن يمكّن نفسه من أوليائه فإن قتلوه فقد أدى ما عليه إذا كان نادما على ما كان منه و عازما على ترك العود، و إن عفى عنه فعليه أن يعتق رقبة و يصوم شهرين متتابعين و يطعم ستين مسكينا و ان يندم على ما كان منه و يعزم على ترك العود و يستغفر اللّه عز و جل أبدا ما بقي» (1)، و مثله غيره من الأخبار و يأتي التفصيل في محله إن شاء اللّه تعالى و تقدم في كتاب الصوم بعض ما يتعلق بالمقام (2).

(14) تقدم دليله في كتاب الصوم (3)، فراجع و لا وجه للتكرار هنا.

(15) على ما تقدم في مسألة 1 من (فصل ما يوجب الكفارة) من كتاب الصوم (4).

ص: 334


1- الوسائل باب: 28 من أبواب الكفارات الحديث: 2.
2- راجع صفحة: 315 ج: 10.
3- ج: 10 صفحة: 154.
4- ج: 10 صفحة: 154.

في مصاب زوجها و مصاب غيره و بين القريب و البعيد (16)، و لا يبعد إلحاق الحلق بالجز بل الأحوط إلحاق الإحراق به أيضا (17).

مسألة 2: لا يعتبر في خدش الوجه تمامه

(مسألة 2): لا يعتبر في خدش الوجه تمامه بل يكفي مسماه نعم الظاهر أنه يعتبر فيه الإدماء (18)، و لا عبرة بخدش غير الوجه و لو مع الإدماء و لا بشق ثوبها و إن كان على ولدها أو زوجها، كما لا عبرة بخدش الرجل وجهه و لا بجز شعره و لا بشق ثوبه على غير ولده و زوجته (19)، نعم لا فرق في الولد بين الذكر و الأنثى (20) و في شموله لولد الولد خصوصا ولد البنت تأمل (21)، و إن كان الأحوط الشمول (22)، و كذلك في شمول الزوجة الغير الدائمة (23) فإنه قد يشك فيه لكن لا يبعد الشمول خصوصا لمن كانت مدتها طويلة كتسعين سنة.

______________________________

(16) كل ذلك لظهور الإطلاق- كما مر- و الاتفاق.

(17) لإمكان دعوى أن المنساق من الأدلة تغيير هيئة الطبيعة للشعر بأي وجه حصل:

(18) أما الأول فللإطلاق. و أما الثاني فلقوله عليه السّلام: «إذا أدميت» كما مر في خبر ابن سدير.

(19) كل ذلك للأصل بعد خروج جميع ذلك عن مورد الدليل الدال على ثبوت الكفارة.

(20) لشمول الإطلاق و ظهور الاتفاق.

(21) منشأه إمكان دعوى الانصراف عنه فيرجع حينئذ إلى أصالة البراءة عن الكفارة.

(22) تضعيفا للانصراف و جمودا على الإطلاق.

(23) من إمكان دعوى الانصراف عن المنقطعة و من الجمود على الإطلاق خصوصا في ذات المدة الطويلة.

ص: 335

أحكام الكفارات

اشارة

أحكام الكفارات

مسألة 3: لا يجزي عتق الكافر في الكفارة مطلقا

(مسألة 3): لا يجزي عتق الكافر في الكفارة مطلقا فيشترط فيه الإسلام (1)،

______________________________

(1) نسب ذلك إلى الأكثر و عن بعض دعوى الإجماع عليه و استدل عليه.

تارة: بأصالة عدم براءة الذمة إلا بما هو المعلوم من البراءة به بعد عدم كون إطلاقات أدلة العتق واردة في مقام البيان من هذه الجهة، بل و يكفي الشك في ذلك لعدم صحة التمسك بها لهذه الجهة كما هو واضح.

و أخرى: بإطلاق قوله تعالى وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ (1)، فإنها ظاهرة في عدم الصحة إلا ما خرج بالدليل، و أي خباثة أخبث من خبث الاعتقاد برب العباد. و احتمال الاختصاص بالخباثة من حيث المالية فقط احتمال بدوي يرتفع بعد التأمل كما لا يخفى على أهله.

و ثالثة: بأنها قد قيدت بالأيمان في قتل الخطأ (2)، و في موضعين منه، و الظاهر بل المقطوع به عدم الفرق بين أسباب الكفارات و لعله إنما ذكر الإيمان في خصوص الموارد الثلاثة لقلة المسلمين في زمان نزولها، لئلا يتبادر المكفّر الى عتق كل رقبة و لو كان كافرا و بعد ما انتشر الإسلام فأوكل اللّه المسلمين الى فطرتهم حيث لا يقدمون بفطرتهم و ارتكازهم إلى عتق الكافر.

ص: 336


1- سورة البقرة: 267.
2- سورة النساء: 62.

و يستوي في الإجزاء الذكر و الأنثى و الكبير و الصغير (2) الذي كان بحكم

______________________________

و رابعة: بحكم الفطرة لأن أهل كل ملة إذا أراد أن يرفع ذل الرقبة و ذل العبودية عن أحد يقدم أفراد نحلته في ذلك مهما أمكن فليكن المسلم أيضا هكذا، فما ذكره الفقهاء من الأدلة انما هو من المرتكزات بين أهل كل دين و ملة.

و خامسة: بما يستفاد من الأخبار كقول أحدهما عليهما السّلام في الصحيح: «في حديث الظهار قال و الرقبة و يجزي عنه صبي ممن ولد في الإسلام» (1)، و قريب منه غيره، و في خبر سيف بن عميرة المنجبر عن الصادق عليه السّلام: «أ يجوز للمسلم أن يعتق مملوكا مشركا؟ قال: لا» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار التي يستفاد منها مسلميّة الحكم عندهم، و قد ورد التقييد في كفارة شهر رمضان (3)، و كفارة نذر الصوم المعيّن (4)، فيستفاد من المجموع أن العبادة واحدة و إن كانت أسبابها مختلفة و مسلمية اعتبار الإسلام.

و نسب إلى الإسكافي و الشيخ رحمهما اللّه جواز عتق غير المسلم جمودا على الإطلاقات، و تردد المحقق رحمه اللّه في الشرائع ثمَّ جعل اشتراط الإسلام أشبه، و لا ريب في ضعف ما نسب إلى الأولين بعد التأمل في جميع ما مر و لعله لذلك جعل المحقق اعتباره أشبه بالتأمل في الأدلة.

ثمَّ المراد بالمؤمنة في الآيات المباركة و النصوص المعصومية ما كان الناس عليه في أول البعثة لا الإيمان الاصطلاحي الحادث بعد ذلك أي الاثني عشري.

(2) كل ذلك لصدق الرقبة عليه فيشملها إطلاق الأدلة و قول أبي

ص: 337


1- الوسائل باب: 7 من أبواب الكفارات الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب العتق ج: 16.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث: 11.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث: 1.

المسلم بأن كان أحد أبويه مسلما (3)، و يشترط أيضا أن يكون سالما من العيوب التي يوجب الانعتاق قهرا (4)، كالعمى و الجذام و الإقعاد و التنكيل

______________________________

عبد اللّه عليه السّلام: «عليكم بالأطفال فأعتقوهم فإن خرجت مؤمنة فذاك و إن لم تخرج مؤمنة فليس عليكم شي ء» (1)، و قريب منه غيره.

و أما قوله صلّى اللّه عليه و آله: «كل العتق يجوز له المولود إلا في كفارة القتل» (2)، و نحوه غيره مما هو كثير من الأخبار المهجورة إذ لم يعمل بها من القدماء إلا الإسكافي الذي من عادته العمل بالنادر في مقابل المشهور و لذلك لا يعتنى بمخالفتة من هذه الجهة، و نسب العمل بها إلى الكركي أيضا و لا ريب في حسن الاحتياط بل لا ينبغي تركه.

(3) لأن الإسلام التبعي بالحكمي كالإسلام الحقيقي بضرورة من فقهائنا و تقدم ذلك مكررا و يأتي إن شاء اللّه تعالى، مع بناء الشرع على التسهيل من هذه الجهة بكل ما أمكنه، و في الحديث: «إن رجلا أتى النبي صلّى اللّه عليه و آله بجارية سوداء [خرساء] فقال: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إن عليّ عتق رقبة مؤمنة، فقال لها: أين اللّه؟

فأشارت الى السماء بإصبعها، فقال لها: من أنا، فأشارت إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و الى السماء تعني أنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أعتقها فإنها مؤمنة» (3)، و يستفاد من مثل هذه الأخبار كثرة تسامح الشرع في الحكم بالإسلام الظاهري في الدنيا و نرجوا أن يكون في الآخرة اسمح لأن فيها ينحصر الاضطرار إليه تعالى.

(4) نصا و إجماعا، و لأنه بعد حصول الانعتاق القهري فلا يبقى موضوع للإعتاق لكونه من تحصيل الحاصل، و عن علي عليه السّلام: «العبد الأعمى و الأجذم

ص: 338


1- الوسائل باب: 7 من أبواب الكفارات الحديث: 3.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الكفارات الحديث: 6.
3- سنن البيهقي باب: 9 من كتاب الظهار (باب إعتاق الخرساء) ج: 7.

و لا بأس بسائر العيوب فيجزي عتق الأصم و الأخرس و غيرهما (5)، و يجزي عتق الآبق و إن لم يعلم مكانه إذا لم يعلم موته (6).

مسألة 4: يعتبر في الخصال الثلاث العتق و الصيام و الإطعام النية

(مسألة 4): يعتبر في الخصال الثلاث العتق و الصيام و الإطعام النية المشتملة على قصد العمل و قصد القربة و قصد كونه عن الكفارة (7)

______________________________

و المعتوه لا يجوز في الكفارات لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أعتقهم» (1)، و عن الصادق عليه السّلام قال: «إن أمير المؤمنين قال: لا يجوز في العتاق الأعمى و المقعد و يجوز الأشل و الأعرج» (2).

(5) للنص و الإطلاق و الاتفاق.

(6) للأصل، و الإطلاق و الاتفاق، و صحيح الجعفري عن أبي الحسن عليه السّلام: «عن رجل أبق منه مملوكه يجوز أن يعتقه في كفارة اليمين و الظهار؟ قال عليه السّلام: لا بأس به ما لم يعرف منه موتا» (3)، و في نسخة الكافي «ما علم أنه حي مرزوق» (4)، و ليس المراد بالعلم فيه خصوص العلم المنطقي بل المراد به كل ما يصح الاعتماد عليه و لو كان أصلا معتبرا كالاستصحاب، و لا ريب في عموم الجواب لكل كفارة و لا اختصاص لها بالظهار أو اليمين لأن مورد السؤال لا يوجب تخصيص الجواب مضافا إلى الإجماع على التعميم.

(7) أما اعتبار أصل القصد فلأنها فعل اختياري متقوم بالقصد. و أما اعتبار القربة فلأن الكفارات عبادة إجماعا بل بضرورة الفقه كما تقدم. و أما قصد كونه عن الكفارة فلأنه لا ريب في كونه مطلق العتق أعم من الكفارة، فإذا كانت كفارة خاصة هي المأمور بها فلا بد من صدورها عن إرادة إليها و بداعي امتثال أمرها كما هو الشأن في كل أمر عبادي تعلق بالمكلف.

ص: 339


1- الوسائل باب: 27 من أبواب الكفارات الحديث: 3.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب الكفارات الحديث: 1.
3- الوسائل باب: 48 من أبواب العتق.
4- الوافي ج: 7 صفحة: 97 باب: 75 من أبواب النذر.

و تعيين نوعها إذا كانت عليه أنواع متعددة (8)، فلو كانت عليه كفارة ظهار و كفارة يمين و كفارة إفطار فأعتق عبدا و نوى القربة و التكفير لم يجز عن واحد منها (9). نعم في المتعدد من نوع واحد يكفي قصد النوع و لا يحتاج إلى تعيين آخر (10) فلو أفطر أياما من شهر رمضان من سنة أو سنين متعددة فأعتق عبدا بقصد أنه عن كفارة الإفطار كفى و إن لم يعين اليوم الذي أفطر فيه (11)، و كذلك بالنسبة إلى الصيام و الإطعام (12). و لو كان عليه كفارة و لا يدري نوعها كفى الإتيان بإحدى الخصال ناويا عما في ذمته (13)، بل لو علم أن عليه إعتاق عبد مثلا و لا يدري أنه منذور أو عن كفارة القتل مثلا كفى إعتاق عبد بقصد ما في الذمة (14).

______________________________

(8) لأن صرفها إلى واحد منها بالخصوص مع التعدد ترجيح بلا مرجح فلا بد من التعيين بعد عدم معين آخر في البين.

(9) للأصل، و لأن الإجزاء عن أحدهما حينئذ من الترجيح بلا مرجح.

(10) للأصل و الإطلاق و ظهور الاتفاق و لأن التعيين إنما هو فيما إذا كان المأمور به متعددا نوعا و مع وحدته كذلك لا موضوع للتعيين، لأن الخصوصيات الفردية خارجة عن حقيقة المأمور به و إنما هي من اللوازم التكوينية للفرد غير معتبرة في القصد.

(11) لتحقق الامتثال عن كفارة يوم لا محالة فلا بد من الإجزاء بلا إشكال، و تقدم نظير المقام في نية الصلاة و الزكاة فراجع إذ الكل من باب واحد.

(12) لأن الكل داخل تحت كبرى واحدة و هي إن كل ما لا يعتبر في المأمور به لا يعتبر تعيينه في القصد.

(13) مع العلم باشتراكها في الخصال و ذلك لأنه أتى بالمأمور به فلا بد من الإجزاء، و لا دليل على اعتبار أزيد من هذا القصد بل مقتضى الأصل و الإطلاق عدمه.

(14) للانطباق القهري على المأمور به الواقعي حينئذ بعد عدم دليل على

ص: 340

مسألة 5: يتحقق العجز عن العتق اما بعدم الرقبة أو عدم ثمنها أو عدم التمكن من شرائها

(مسألة 5): يتحقق العجز عن العتق الموجب لوجوب الصيام أو الإطعام في الكفارة المرتبة إما بعدم الرقبة أو عدم ثمنها أو عدم التمكن من شرائها و إن وجد الثمن، أو احتياجه إلى خدمتها لمرض أو كبر أو زمانة أو لرفعة شأن أو احتياجه إلى ثمنها في نفقته و نفقة عياله الواجبي النفقة أو أداء ديونه، بل كل واجب يجب صرف المال فيه بل إذا لم يكن عنده الا مستثنيات الدين لا تباع في العتق و كان داخلا في عنوان العاجز عنه (15)، نعم لو بيع العبد بأزيد من ثمن المثل و كان عنده الثمن وجب

______________________________

اعتبار شي ء آخر في البين.

(15) خلاصة القول: أن العجز و عدم الوجدان.

تارة: دقي عقلي.

و أخرى: بمعنى عدم الوجدان زائدا عن مئونة السنة فيكون غنيا شرعا و عاجزا بالنسبة إلى الزيادة عليها.

و ثالثة: بمعنى العجز بالنسبة إلى الغناء العرفي الذي يكون أوسع دائرة عن الغناء الشرعي فيكون غنيا عرفيا و لكنه عاجز عن الزائد عليه.

و رابعة: بمعنى العجز عما زاد عن قوت اليوم و الليلة. و لا وجه لتوهم الأول و الأخير لعدم ابتناء الأحكام الشرعية على الدقيات العقلية كعدم ابتنائه على التشديدات الصعبة بل تكون من الشريعة السمحة السهلة، و حيث أن الأحكام الشرعية منزلة عن العرفيات ما لم يكن دليل على الخلاف فالمتيقن هو القسم الثالث، و المرجع هو العرف و هو يختلف باختلاف الأشخاص و الأزمنة و الأمكنة و سائر الجهات فلا وجه لتحديده بحد خاص، و لذا أطلق عدم الوجدان في الكتاب الكريم و السنة- كما تقدم- لتتسع دائرته بحسب الأزمنة و الأمكنة و الحالات.

و أما قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر إسحاق بن عمار: «إذا لم يكن عنده

ص: 341

الشراء و لا يعدّ ذلك عجز (16)، إلا إذا استلزم قبحا و ضررا مجحفا (17)، و كذا لو كان له مال غائب يصل اليه قريبا أو كان عنده ثمن الرقبة دون عينها و يتوقع وجودها بعد مدة غير مديدة لم يعد ذلك من العجز (18)، بل ينتظر إلا إذا شق عليه تأخير التكفير كالمظاهر الشبق الذي يشق عليه ترك مباشرة زوجته (19)، و يتحقق العجز من الصيام الموجب لتعين الإطعام بالمرض المانع منه أو خوف حدوثه أو زيادته و بكونه شاقا عليه مشقة لا تتحمل (20)، و هل يكفي وجود المرض أو خوف حدوثه أو زيادته في

______________________________

فضل عن قوت عياله فهو ممن لا يجد» (1)، فهو أيضا إيكال إلى العرف لأن قوت العيال يختلف باختلاف الأشخاص و ليس المراد الضرورة التي تقوم به رمق الحياة.

كما لا وجه لتنظير المقام على مستحق الزكاة حيث يعتبر فيه عدم الغني الشرعي لكونه من القياس و مع الفارق، و منه يظهر أن جملة من الأقوال بلا طائل فيكون صرف الوقت في نقلها وردها بلا حاصل مع أنه من البحث فيما لا موضوع له في هذه الأعصار و لذا أعرضنا عن ذكر جملة من الفروع المربوطة بالعتق.

(16) لفرض تمكنه من الشراء.

(17) لعدم إقدام متعارف الناس على الشراء حينئذ و تكون المعاملة سفهية فهو عاجز من حيث النهي الشرعي عن ذلك.

(18) للإطلاق و الاتفاق و الوجدان الحاكم بعدم العجز فيهما.

(19) لأنه عاجز من الشراء حينئذ بملاحظة هذه المشقة الحاصلة له فينتقل تكليفه إلى المرتبة اللاحقة.

(20) لأن كل ذلك من الأعذار الموجبة لسقوط التكليف بالصوم فينتقل

ص: 342


1- الوسائل باب: 13 من أبواب الكفارات.

الحال و لو مع رجاء البرء و تبدل الأحوال أو يعتبر اليأس؟ وجهان بل قولان لا يخلو أولهما من رجحان (21) نعم لو رجى البرء بعد زمان قصير كيوم أو يومين يشكل الانتقال إلى الإطعام (22)، و كيف لو أخر الصيام و الإطعام إلى أن برء من المرض و تمكن من الصوم لا شك في تعينه في المرتّبة (23) و لم يجز الإطعام (24).

مسألة 6: ليس طرو الحيض و النفاس موجبا للعجز من الصيام

(مسألة 6): ليس طرو الحيض و النفاس موجبا للعجز من الصيام و الانتقال إلى الإطعام و كذا طرو الاضطرار الى السفر الموجب للإفطار لعدم انقطاع التتابع بطروّ ذلك (25).

______________________________

الى الإطعام لا محالة.

(21) من إطلاق ما دل على انتقال الحكم إلى المرتبة اللاحقة بعدم وجدان المرتبة السابقة الصادق على عدم الوجدان الفعلي و لو بلا انتظار لما يحصل فيما بعد، مع أن كون الحكم في مقام التسهيل و الامتنان يقتضي ذلك.

و من احتمال كون المقام من مسألة جواز البدار لذوي الأعذار مع رجاء الزوال التي نسب الى المشهور عدمه ما لم يكن دليل على الخلاف، و مقتضى كون الحكم تسهيليا امتنانيا صحة التمسك بإطلاق أدلة المقام و عدم دخوله في تلك المسألة.

(22) لصحة دعوى أنه لا يصدق عدم الوجدان حينئذ عرفا لتعارف التأخير في الأمور المتعارفة الى هذه المدة نوعا.

(23) لوجود المقتضي للصوم حينئذ و فقد المانع عن صحته فيتعين لا محالة.

(24) لعدم الأمر به مع تمكنه من الصيام و الإطعام بامتثال أمره يسقط أمر الصيام لا بمجرد توجه أمره و لو لم يمتثل بعد، و يأتي في بعض المسائل اللاحقة ما ينفع المقام.

(25) للإجماع، و يأتي في المسألة العاشرة ما ينفع المقام.

ص: 343

مسألة 7: المعتبر في العجز القدرة على حال الأداء لا حال الوجوب

(مسألة 7): المعتبر في العجز القدرة على حال الأداء لا حال الوجوب (26)، فلو كان حال حدوث موجب الكفارة قادرا على العتق عاجزا عن الصيام فلم يعتق حتى صار بالعكس صار فرضه الصيام و سقط عنه وجوب العتق (27).

مسألة 8: إذا عجز عن العتق في المرتّبة فشرع في الصوم

(مسألة 8): إذا عجز عن العتق في المرتّبة فشرع في الصوم و لو ساعة من النهار ثمَّ وجد ما يعتق لم يلزم العتق (28) فله إتمام الصيام و يجزي عن الكفارة (29)، و في جواز رفع اليد عن الصوم و اختيار العتق وجه (30) بل

______________________________

(26) للإجماع، و لأن المنساق من الأدلة أن المناط حال الأداء قدرة و عجزا في عامة العبادات إلا ما خرج بالدليل، و الوجوب من حيث هو لا موضوعية له بل طريق إلى الأداء فالمدار عليه مطلقا، فلا وجه لتوهم استصحاب حال الوجوب لفرض عدم الموضوعية له بوجه من الوجوه و ما هو طريق محض إلى الأداء كيف يستصحب فيه البقاء و الإبقاء.

(27) لأنه لا معنى لكون المدار على حال الأداء إلا ذلك و كذا في نظائر المقام مما هو كثير جدا كما أن المدار في القدرة على التسليم في النذر و العهد و اليمين على ما هو حين الأداء و الوفاء لا حين العقد و الإنشاء.

(28) لاستصحاب صحة البدل، و إطلاق قول الصادق عليه السّلام في صحيح ابن مسلم: «فإن صام فأصاب مالا فليمض الذي ابتدأ فيه» (1).

(29) لإطلاق قوله عليه السّلام: «فليمض الذي ابتدأ فيه»، و لا ريب في ظهوره في الإجزاء كما أن ظاهر الترتيب بين العتق و مجرد الشروع في الصوم لا بين أيام الصوم بحيث يكون صوم كل يوم مرتبا على العجز عن العتق.

(30) لمرسل ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «في رجل صام شهرا من كفارة

ص: 344


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الكفارات.

ربما قيل أنه الأفضل (31)، لكن لا يخلو من إشكال (32) فالأحوط إتمام الصيام (33)، نعم لو عرض ما يوجب استينافه بأن عرض في أثنائه ما أبطل التتابع تعين عليه العتق مع بقاء القدرة عليه (34)، و كذا الكلام فيما لو عجز عن الصيام فدخل في الإطعام ثمَّ زال العجز (35).

مسألة 9: يجب التتابع في الصوم جميع الكفارات

(مسألة 9): يجب التتابع في الصوم جميع الكفارات (36) بعدم تخلل الإفطار و لا صوم آخر غير الكفارة بين أيامها من غير فرق بين ما وجب فيه شهران مرتبا على غيره أو مخيرا أو جمعا (37)، و كذا بين ما وجب فيه شهران و ما وجب فيه ثلاثة أيام ككفارة اليمين (38)، و متى أخل بالتتابع

______________________________

الظهار ثمَّ وجد نسمة قال: يعتقها و لا يعتد بالصوم» (1).

(31) ذكره المحقق في الشرائع بحمل المرسل على مجرد الأفضلية.

(32) وجه الإشكال سقوط الخبر بقصور السند و الإعراض فلا وجه للاعتماد عليه على كل حال.

(33) بل هو الظاهر بعد سقوط ما تقدم من المرسل عن الاعتبار.

(34) لوجود المقتضي لوجوب العتق حينئذ و فقد المانع لأن سقوط التكليف بالعتق و تبدله بالصوم كان مراعى بإكمال الصوم على الوجه المأمور به، و المفروض تعذره فلا بد من العتق حينئذ.

(35) دليلهم على الإلحاق عدم الفصل بينه و بين الصوم، و القطع بوحدة المناط بينهما.

(36) لذكر التتابع في أدلة وجوبه في الجميع حتى في كفارة اليمين كما مر، مضافا إلى الإجماع بل الضرورة الفقهية.

(37) تقدم مثال كل ذلك في أول كتاب الكفارات فراجع.

(38) لما مر من اعتبار التوالي فيه أيضا.

ص: 345


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الكفارات.

وجب الاستيناف (39). و يتفرع على وجوب التتابع أنه لا يجوز الشروع في الصوم من زمان يعلم بتخلل صوم آخر يجب في زمان معين بين أيامه، فلو شرع في صيام ثلاثة أيام قبل شهر رمضان أو قبل خميس معين نذر صومه بيوم أو يومين لم يجز بل وجب استينافه (40).

مسألة 10: إنما يضر بالتتابع ما وقع الإفطار في البين بالاختيار

(مسألة 10): إنما يضر بالتتابع ما وقع الإفطار في البين بالاختيار (41)، فلو وقع ذلك لعذر من الأعذار كما إذا كان الإفطار بسبب الإكراه أو الاضطرار أو بسبب عروض المرض أو طروّ الحيض أو النفاس لم يضرّ به (42)، و من العذر وقوع السفر في الأثناء إذا كان ضروريا دون ما

______________________________

(39) لقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه مضافا إلى الإجماع.

(40) لما مر من القاعدة و ظهور الإجماع، مع أنه منصوص في صوم شهرين متتابعين ففي صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام في حديث قال:

«فإن ظاهر في شعبان و لم يجد ما يعتق ينتظر حتى يصوم شهر رمضان ثمَّ يصوم شهرين متتابعين، و إن ظاهر و هو مسافر انتظر حتى يقدم» (1)، و ظاهرهم الإجماع على عدم الفرق بين أقسامها.

(41) للإجماع بل الضرورة الفقهية.

(42) إجماعا بل ضرورة من الفقه إن لم يكن من الدين و ورود النص في المرض و الحيض ففي خبر رفاعة قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل جعل عليه صوم شهرين متتابعين فيصوم شهرا ثمَّ يمرض هل يعتد به؟ قال: نعم أمر اللّه حبسه، قلت: امرأة نذرت صوم شهرين متتابعين، قال: تصوم و تستأنف أيامها التي قعدت حتى تتم الشهرين، قلت: أرأيت إن هي يئست من المحيض هل تقضيه؟ قال: لا يجزيها الأول» (2)، و أصالة لحوق النفاس بالحيض في

ص: 346


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الكفارات.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب الكفارات.

كان بالاختيار (43)، و كذا منه ما إذا نسي النية حتى فات وقتها بأن تذكر بعد الزوال، و كذا الحال فيما إذا كان تخلل صوم آخر في البين لا بالاختيار كما إذا نسي فنوى صوما آخر و لم يتذكر إلا بعد الزوال، و منه ما إذا نذر صوم كل خميس مثلا ثمَّ وجب عليه صوم شهرين متتابعين فلا يضر بالتتابع تخلل المنذور في البين و لا يتعين عليه البدل في المخيرة و لا ينتقل إلى الإطعام في المرتبة (44)، نعم في صوم ثلاثة أيام يحله فيلزم الشروع فيها من زمان لم يتخلل المنذور بينها كما أشرنا إليه في المسألة السابقة (45).

______________________________

الأحكام إلا ما خرج بالدليل جارية أيضا، و عنه عليه السّلام أيضا: «المظاهر إذا صام شهرا ثمَّ مرض اعتد بصيامه» (1)، و حديث رفع الإكراه و الاضطرار (2)، و بناء الشريعة على التسهيل مهما وجد إليه السبيل.

(43) أما الأول فلفرض تحقق الاضطرار الى السفر فلا يكون قاطعا لحديث رفع ما اضطروا إليه (3)، و أما الثاني فلأنه قطع للتتابع اختيارا فلا وجه لكونه عذرا.

(44) لأن كل ذلك من العذر المقبول للإجماع فلا يضر بالتتابع و لا يوجب الانتقال إلى المرتبة اللاحقة.

(45) يظهر منهم التسالم عليه و يقتضيه ظاهر التأكيد في قول الصادق عليه السّلام:

«صيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين متتابعات و لا تفصل بينهن» (4)، و عنه عليه السّلام أيضا في الصحيح: «كل صوم يفرق إلا ثلاثة أيام في كفارة اليمين» (5)، نعم لو نذر صوم الدهر يوما و يوما لا فعرضت له كفارة اليمين و عجز عن المرتبة

ص: 347


1- الوسائل باب: 25 من أبواب الكفارات.
2- الوسائل باب: 37 من أبواب قواطع الصلاة.
3- الوسائل باب: 56 من أبواب جهاد النفس.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب بقية الصوم الواجب.
5- الوسائل باب: 10 من أبواب بقية الصوم الواجب.

مسألة 11: يكفي في تتابع الشهرين في الكفارة مرتّبة كانت أو مخيّرة صيام شهر و يوم متتابعا

(مسألة 11): يكفي في تتابع الشهرين في الكفارة مرتّبة كانت أو مخيّرة صيام شهر و يوم متتابعا (46)، و يجوز التفريق في البقية و لو اختيارا لا لعذر (47)، فمن كان عليه صيام شهرين متتابعين يجوز له الشروع فيه قبل شعبان بيوم و لا يجوز له الاقتصار على شعبان لتخلل شهر رمضان قبل إكمال شهر و يوم، و كذا يجوز له الشروع قبل الأضحى بواحد و ثلاثين يوما و لا يجوز قبله بثلاثين.

مسألة 12: من وجب عليه صيام شهرين فإن شرع فيه من أول الشهر يجزي هلاليان

(مسألة 12): من وجب عليه صيام شهرين فإن شرع فيه من أول الشهر يجزي هلاليان و إن كانا ناقصين (48)، و إن شرع في أثناء الشهر و إن كان فيه وجوه بل أقوال (49) و لكن الأحوط انكسار الشهرين و جعل كل شهر ثلاثين فيصوم ستين يوما مطلقا سواء كان الشهر الذي شرع فيه مع تاليه تامين أو ناقصين أو مختلفين (50)، و يتعيّن ذلك بلا اشكال فيما إذا

______________________________

السابقة فالظاهر سقوط التوالي حينئذ، لعدم القدرة على امتثاله بعد تقديم الأمر النذري و عدم سقوطه.

(46) إجماعا و نصا قال الصادق عليه السّلام: «إن صام فمرض فأفطر أ يستقبل أو يتم ما بقي عليه؟ قال عليه السّلام: إن صام شهرا ثمَّ مرض استقبل فإن زاد على الشهر يوما أو يومين بنى عليه» (1)، و قريب منه غيره و تقدم في كفارة الصوم ما ينفع المقام.

(47) للأصل و الإطلاق و ظهور الاتفاق.

(48) لتحقق الامتثال بعد عدم دليل على اعتبار كون الشهر تاما بل مقتضى الإطلاق عدمه، فلا بد من الإجزاء مضافا إلى ظهور الإجماع عليه.

(49) سيأتي إن شاء اللّه في عدّة الطلاق ما يناسب المقام.

(50) لا ريب في حسن هذا الاحتياط و إنما الكلام في وجوبه بعد كون

ص: 348


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الكفارات.

وقع التفريق بين الأيام بتخلل ما لا يضر بالتتابع شرعا (51).

مسألة 13: يتخير في الإطعام الواجب في الكفارات بين إشباع المساكين و التسليم لهم

(مسألة 13): يتخير في الإطعام الواجب في الكفارات بين إشباع المساكين و التسليم لهم، و يجوز إشباع البعض و التسليم إلى البعض (52) و لا يتقدر الإشباع بمقدار (53) بل المدار على أن يأكلوا بمقدار شبعهم قلّ أو كثر (54)، و أما التسليم فلا بد من أن يسلّم إلى كل منهم مدا من الطعام (55)

______________________________

مقتضى الأصل و الإطلاق عدمه فلو اكتفى بتكسير الشهرين و تتميم ما نقص أجزأ و صح تمسكا بإطلاق الأدلة، فلو شرع فيه عاشر شوال مثلا يتم الصوم تاسع ذي الحجة لصدق الشهرين عليه عند المتعارف و لا دليل على اعتبار أزيد من ذلك.

(51) لقوة احتمال ظهور الشهرين في الكاملين في هذه الصورة.

(52) كل ذلك لظهور الإطلاق و الاتفاق الشامل لجميع هذه الأقسام.

(53) للأصل و الإطلاق و الاتفاق.

(54) لأنه المنساق من الأدلة التي علق الحكم فيها على مجرد الإطعام بلا تقييد الكلام و لا في قول آخر من المعصومين. و عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «قوت عيالك و القوت يومئذ مد» (1)، فيستفاد منه على أن المناط هو القوت بلا تحديد للكمية و لا الكيفية و قال في الجواهر: «لإطلاق النصوص الاكتفاء بإشباعهم بما يسمّى طعاما الذي قد عرفت أن في اللغة الطعام لكل ما يؤكل فضلا عن الإطعام الذي هو في العرف أيضا كذلك، فيصدق بالإشباع من الفواكه و المربيات و غيرها مما أغلى منها أو أدنى».

(55) على المشهور لأصالة البراءة عن الزائد عليه، و لأنه يكون بقدر

ص: 349


1- الوسائل باب: 12 من أبواب الكفارات الحديث: 10.

لا أقل (56)، و الأفضل بل الأحوط مدّان (57) و لا بد في كل من النحوين كمال العدد من ستين أو عشرة، فلا يجزي إشباع ثلاثين- أو خمسة- مرتين

______________________________

الإشباع غالبا، و لذكر المد بالخصوص في الأخبار (1)، و في كفارة اليمين (2)، و كفارة قضاء شهر رمضان (3)، و كفارة الإحرام (4)، بضميمة عدم الفصل و كل مد ثلاثة أرباع الكيلو تقريبا.

(56) للإجماع و عدم الخلاف بينهم بالنسبة إلى عدم كفاية الأقل.

(57) نسب ذلك إلى جمع منهم الشيخ رحمه اللّه و استدل عليه.

تارة: بالإجماع.

و أخرى: بالاحتياط.

و ثالثة: بما ورد في الظهار: «تصدق على ستين مسكينا ثلاثين صاعا مدين مدين» (5)، و نحوه غيره.

و الكل مخدوش أما الأول فكيف يصح دعوى الإجماع عليه مع ذهاب المشهور الى الخلاف، و أما الاحتياط فقد أثبتنا في الأصول عند دوران الأمر بين الأقل و الأكثر صحة الاكتفاء بالأقل و البراءة عن الأكثر، و أما الخبر فأحسن طريق الجمع حمله على الندب كما هو الشائع في الفقه و يشهد له قول الصادق عليه السّلام:

«في كفارة اليمين مد و حفنة»(6)، لتكون الحفنة في طحنه و طبخه كما في رواية أخرى (7)، و الحفنة الشي ء القليل و تأتي بمعنى ملأ الكفين من طعام أو غيره،

ص: 350


1- الوسائل باب: 14 و 12 من أبواب الكفارات.
2- الوسائل باب: 12 و 20 من أبواب الكفارات.
3- تقدم في ج: 10 صفحة: 156.
4- راجع ج: 13 صفحة: 341.
5- الوسائل باب: 14 من أبواب الكفارات الحديث: 6 و 13.
6- الوسائل باب: 14 من أبواب الكفارات الحديث: 6 و 13.
7- الوسائل باب: 14 من أبواب الكفارات الحديث: 4.

أو تسليم كل واحد منهم مدّين (58)، و لا يجب الاجتماع لا في التسليم و لا في الإشباع، فلو أطعم ستين مسكينا في أوقات متفرقة من بلاد مختلفة و لو كان هذا في سنة و ذلك في سنة أخرى لأجزء و كفى (59).

مسألة 14: الواجب في الإشباع إشباع كل واحد من العدد مرة

(مسألة 14): الواجب في الإشباع إشباع كل واحد من العدد مرة (60)، و إن كان الأفضل إشباعه في يومه و ليلته غداة و عشاء (61).

مسألة 15: يجزي في الإشباع كل ما يتعارف التغذي و التقوّت به لغالب الناس

(مسألة 15): يجزي في الإشباع كل ما يتعارف التغذي و التقوّت به لغالب الناس من المطبوخ و ما يصنع من أنواع الأطعمة و من الخبز من أي

______________________________

و المنساق من المجموع بعد رد بعضها إلى بعض وجوب أصل المد و رجحان الزيادة عليه هذا محصل الأخبار، و أما الكلمات فهي مشوشة بل بعضها بلا حاصل فتكون صرف الوقت في نقلها و تزييفها بلا طائل.

(58) كل ذلك لقاعدة الاشتغال بعد كون الجميع خلاف ما هو المأمور به فلا وجه للإجزاء، و في موثق ابن عمار عن الكاظم عليه السّلام: «سألته عن إطعام عشرة مساكين أو إطعام ستين مسكينا أ يجمع ذلك لإنسان واحد يعطاه؟ قال: لا و لكن يعطى إنسانا كما قال اللّه تعالى» (1)، و لو دفع المد إلى إنسان واحد ثمَّ اشتراه منه ثمَّ دفعه إلى آخر ثمَّ اشتراه منه و فعل هكذا إلى تمام العشرة أو الستين فالظاهر الإجزاء لصدق العدد، و يأتي حكم صورة تعذر العدد في مسألة 19.

(59) كل ذلك للأصل و الإطلاق و ظهور الاتفاق.

(60) لظهور الإطلاق و قول أبي جعفر الباقر عليه السّلام: «يشبعهم به مرة واحدة» (2).

(61) لا ريب في كونه أفضل لكونه من الخير و الإحسان. و أما كلمات الأعلام في المقام فهي متشتتة فلا دليل عليها و من شاء العثور

ص: 351


1- الوسائل باب: 16 من أبواب الكفارات الحديث: 2.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب الكفارات الحديث: 5 و 9.

جنس كان مما يتعارف تخبيزه من حنطة أو شعير أو ذرة أو دخن و غيرها (62)، و إن كان بلا ادام (63).

و الأفضل أن يكون مع الإدام (64)، و هو كل ما جرت العادة على أكله مع الخبز جامدا أو مائعا و إن كان خلا أو ملحا أو بصلا (65)، و كل ما كان أفضل كان أفضل (66)، و في التسليم بذل ما يسمى طعاما من نيّ

______________________________

عليها فليراجع المطولات.

(62) كل ذلك لإطلاق الدليل المنزل على ما هو المتعارف في كل زمان و مكان و صدق الطعام و الإطعام في كل ذلك.

(63) لصدق الإطعام عليه بلا كلام.

(64) لظاهر النص كقوله عليه السّلام: «و الإدام و الوسط الخل و الزيت و ارفعه الخبز و اللحم» (1)، و مثله غيره، و إجماع الإعلام.

(65) كل ذلك لصدق الإدام بين الأنام خصوصا في قديم الأيام.

(66) للوجدان و الإجماع و لأن محبوبية الأفضل مترتبا من الفطريات عند كل أحد فيشمله قوله تعالى لَنْ تَنٰالُوا الْبِرَّ حَتّٰى تُنْفِقُوا مِمّٰا تُحِبُّونَ (2)، و عن الصادق عليه السّلام في صحيح الحلبي: «في قول اللّه عز و جل مِنْ أَوْسَطِ مٰا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ قال: هو كما يكون أن يكون في البيت من يأكل المد و منهم من يأكل أكثر من المد و منهم من يأكل أقل من المد فبين ذلك، و إن شئت جعلت لهم أدما و الأدم أدناه ملح و أوسطه الخل و الزيت و أرفعه اللحم» (3). و الأوسط من الأمور الإضافية فرب أوسط في زمان أو عند قوم يكون أرفع بالنسبة إلى آخرين أو زمان و رب أرفع في زمان أو عند قوم يكون أوسط كذلك.

ص: 352


1- الوسائل باب: 14 من أبواب الكفارات الحديث: 5 و 9.
2- سورة آل عمران: 92.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب الكفارات الحديث: 3.

و مطبوخ من الحنطة و الشعير و دقيقهما و خبزهما و الأرز و غير ذلك (67)، و الأحوط الحنطة أو دقيقة (68) و يجزي التمر و الزبيب تسليما و إشباعا (69).

مسألة 16: يجوز الترامي في الكفارة بلا فرق بين أقسامها

(مسألة 16): يجوز الترامي في الكفارة بلا فرق بين أقسامها بأن يأخذها الفقير ثمَّ يعطيه إلى فقير آخر عما وجب عليه (70).

مسألة 17: التسليم إلى المسكين تمليك له

(مسألة 17): التسليم إلى المسكين تمليك له كسائر الصدقات (71) فيملك ما قبضه و يفعل به ما شاء (72) و لا يتعين عليه صرفه في الأكل (73).

______________________________

(67) كل ذلك للصدق لغة و عرفا فتشملها الأدلة قهرا.

(68) لذكرهما بالخصوص في بعض النصوص (1).

(69) لصدق الطعام و الإطعام، مضافا إلى الإجماع و النص و التمر في كفارة اليمين (2).

(70) لفرض أنه يصير مالكا و الناس مسلطون على أموالهم.

(71) للوجدان و الإجماع و ظواهر الأدلة، و كل من يعطي شيئا للفقير من الصدقات يملكه بل و كذا في جميع التبرعات صدقة كانت أو غيرها.

(72) لقاعدة السلطنة مضافا إلى الإجماع.

(73) لما مر من قاعدة السلطنة، و أصالة البراءة و ظهور الإجماع، و على هذا لو أحيل الفقير على الحناط أو الدقاق أو الخباز أو نحوهما من يجزي متاعه في الكفارة و قبل الطرف الحوالة يصح للفقير أن يبيعه عليه و يأخذ ثمنه و صرفه في كل ما يريد، و كذا يجوز للحاكم الشرعي أو وكيله ذلك أيضا بأن يأخذ ما يجزي في الكفارة عن المالكين ولاية أو وكالة عن الفقراء ثمَّ يبيع ذلك عنهم ولاية أو

ص: 353


1- الوسائل باب: 12 من أبواب الكفارات الحديث: 1.
2- راجع الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الفطرة.

مسألة 18: يتساوى الصغير و الكبير إن كان التكفير بنحو التسليم

(مسألة 18): يتساوى الصغير و الكبير إن كان التكفير بنحو التسليم فيعطى الصغير مدا من طعام كما يعطي الكبير (74)، و إن كان اللازم في الصغير التسليم إلى الولي (75)، و إن كان بنحو الإشباع فكذلك إذا اختلط الصغار مع الكبار (76) فإذا أشبع عائلة كانت ستين نفسا مشتملة على كبار و صغار أجزء و إن كان الصغار منفردين فاللازم احتساب اثنين بواحد (77)، فيلزم إشباع مائة و عشرين بدل ستين، و عشرين بدل عشرة، و الظاهر

______________________________

وكالة فيعطيهم الثمن فيصرفونه فيما شاءوا، و كذا يجوز لمن عليه الكفارة أن يعطي قيمتها الى الحاكم الشرعي أو وكيله فيشتري للفقراء ولاية أو وكالة ما يجزي في الكفارة ثمَّ يقبل ذلك عن طرفهم ولاية أو وكالة ثمَّ يبيعها و يعطيهم ثمن ذلك، و كذا الكلام في نظائر المقام.

(74) لظهور الإطلاق و الاتفاق في أن المناط إنما هو دفع المد الى الفقير بلا فرق بين المدفوع إليه هو الكبير أو الصغير إلا أنهم لم يفصلوا القول في الصغير هل هو الصغير الشرعي أو الصغير الإضافي و إن كان لا ثمرة لهذا البحث في دفع المد و انما تظهر الثمرة في الدفع إلى الولي في الصغير الشرعي.

(75) لأن الصغير محجور عليه أخذا و إعطاء إلا بمباشرة الولي أو إذنه كما تقدم ذلك في كتاب الحجر.

(76) على المشهور، و ظهور الاتفاق إلا ممن لا يعتنى بخلافه مضافا إلى الإطلاق و صحيح يونس بن عبد الرحمن عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «سألته عن رجل عليه كفارة إطعام عشرة مساكين، أ يعطي الصغار و الكبار سواء و النساء و الرجال، أو يفضل الكبار على الصغار و الرجال على النساء؟ فقال: كلهم سواء» (1).

(77) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر غياث بن إبراهيم قال: «لا يجزي إطعام

ص: 354


1- الوسائل باب: 17 من أبواب الكفارات الحديث: 3.

أنه لا يعتبر في إشباع الصغير إذن الولي (78).

مسألة 19: لا إشكال في جواز إعطاء كل مسكين أزيد من مدّ من كفارات متعددة

(مسألة 19): لا إشكال في جواز إعطاء كل مسكين أزيد من مدّ من كفارات متعددة و لو مع الاختيار من غير فرق بين الإشباع و التسليم (79)، فلو أفطر تمام شهر رمضان جاز له إشباع ستين شخصا معينين في ثلاثين يوما أو تسليم ثلاثين مدا من طعام لكل واحد منهم و إن وجد غيرهم (80).

مسألة 20: لو تعذر العدد في البلد وجب النقل الى غيره و إن تعذر انتظر

(مسألة 20): لو تعذر العدد في البلد وجب النقل الى غيره و إن تعذر انتظر (81)، و لو وجد بعض العدد كرر على الموجود حتى يستوفي المقدار (82)، و يقتصر في التكرار على مقدار التعذر، فلو تمكن من عشرة

______________________________

الصغير في كفارة اليمين و لكن صغيرين بكبير» (1)، المحمول على صورة الانفراد و ظاهرهم عدم الفرق بين كفارة اليمين و غيرها. و الاحتياط في الاقتصار على الكبار مطلقا.

(78) لأنه ليس من الإعطاء و التمليك بل هو كسائر قضاء حاجات الصغير المتعارفة كالإحسان إليه بالأكل و الشرب و نحوهما مما ليس فيه تصرفا في نفس الصبي و لا في ماله و ليس من تمليك شي ء له.

(79) للأصل و الإطلاق و ظهور الاتفاق.

(80) لشمول ما مر من الدليل لهذه الصورة أيضا كما صرح به جمع منهم صاحب الجواهر.

(81) مقدمة لامتثال الواجب مضافا إلى الإجماع.

(82) للإجماع و قول علي عليه السّلام: «إن لم يجد في الكفارة إلا الرجل و الرجلين فيكرر عليهم حتى يستكمل العشرة يعطيهم اليوم ثمَّ يعطيهم غدا» (2)، و يمكن الاستيناس له بقاعدة الميسور أيضا.

ص: 355


1- الوسائل باب: 17 من أبواب الكفارات الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب الكفارات الحديث: 1.

كرر عليهم ست مرات و لا يجوز التكرار على خمسة اثنتي عشرة مرة (83)، و الأحوط عند تعذر العدد الاقتصار على الإشباع دون التسليم و أن يكون في أيام متعددة (84).

مسألة 21: المراد بالمسكين- الذي هو مصرف الكفارة- هو الفقير الذي يستحق الزكاة

(مسألة 21): المراد بالمسكين- الذي هو مصرف الكفارة- هو الفقير الذي يستحق الزكاة و هو من لم يملك قوت سنته لا فعلا و لا قوة (85)، و يشترط فيه الإسلام بل الإيمان على الأحوط (86)، و أن لا يكون ممن تجب نفقته على الدافع كالوالدين و الأولاد و المملوك و الزوجة الدائمة (87) دون المنقطعة و دون سائر الأقارب و الأرحام حتى الإخوة

______________________________

(83) لأنه المتفاهم من الأدلة في مثل هذا التكليف العذري الذي ليس فيه دليل وارد مورد البيان من كل جهة مع كون أصل الحكم مخالفا لقاعدة الاشتغال.

(84) أما الاقتصار على الإشباع فبدعوى أنه المنساق من الكلمات. و أما كونه في أيام متعددة فلأنه المذكور فيما مر من الحديث، و لكن كفاية كل منهما للفتوى مشكل بل ممنوع و لذا عبر بالاحتياط.

(85) نصا و إجماعا تقدم التفصيل في المستحقين للزكاة (1).

(86) أما الإسلام فلما مر في كتاب الزكاة (2)، و أما الإيمان بمعنى الأخص فلإمكان استفادته مما مر في اعتباره في الزكاة و لكنه مشكل لبناء الكفارات مطلقا على التسهيل و التيسير، و هما موضوعان مختلفان فإجراء حكم الزكاة عليها من هذه الجهة مشكل بل ممنوع مضافا إلى ما ورد من الخبر (3)، نعم هو الأحوط كما ذكره رحمه اللّه.

(87) تقدم كل ذلك في كتاب الزكاة فلا وجه للإعادة بالتكرار (4).

ص: 356


1- راجع ج: 11 صفحة: 170.
2- تقدم في صفحة: 245 ج 217.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب الكفارات الحديث: 2.
4- سبق في ج: 11 صفحة: 216.

و الأخوات (88)، و لا يشترط فيه العدالة و لا عدم الفسق (89)، نعم لا يعطي المتجاهر بالفسق الذي ألقى جلباب الحياء (90)، و في جواز إعطاء غير الهاشمي الى الهاشمي قولان لا يخلو الجواز من رجحان و إن كان الأحوط الاقتصار على مورد الاضطرار و الاحتياج التام الذي يحل معه أخذ الزكاة (91).

مسألة 22: ما يعتبر في الكسوة التي تخير بينها و بين العتق و الإطعام في كفارة اليمين و ما بحكمها

(مسألة 22): يعتبر في الكسوة التي تخير بينها و بين العتق و الإطعام في كفارة اليمين و ما بحكمها (92) أن يكون ما يعد لباسا عرفا (93). من

______________________________

(88) لما مر في (مسألة 12 و 16) من فصل أوصاف المستحقين للزكاة (1).

(89) للأصل، و لما مر في كتاب الزكاة (2).

(90) لأنه إعانة على الإثم و إغراء بالقبيح فلا يرضى به المتشرعة فكيف بالشارع!

(91) تقدم الوجه في جميع ذلك في (مسألة 21) من فصل أوصاف المستحقين فراجع (3).

(92) مثل كفارة الإيلاء لأن كفارة الإيلاء كاليمين بل هو منها موضوعا و ان اختلفا في جملة من الأحكام على ما يأتي التفصيل إن شاء اللّه تعالى.

(93) لأنه المنساق من لفظ الكسوة في الآية الكريمة (4)، و الثواب الوارد في السنة قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «في كفارة اليمين ثوب يواري عورته، و قال ثوبان» (5)، و عن أبي جعفر عليه السّلام فيها: «ثوب يواري عورته» (6).

ص: 357


1- راجع ج: 11 صفحة: 231- 232.
2- تقدم في صفحة: 323.
3- تقدم في ج 7 صفحة: 339.
4- سورة المائدة: 89.
5- الوسائل باب: 15 من أبواب الكفارات.
6- الوسائل باب: 15 من أبواب الكفارات.

غير فرق بين الجديد و غيره (94) ما لم يكن منخرقا أو منسحقا و باليا بحيث ينخرق بالاستعمال (95)، فلا يكتفي بالعمامة و القلنسوة و الحزام و الخف و الجورب (96)، و الأحوط عدم الاكتفاء بثوب واحد (97) خصوصا بمثل السراويل أو القميص القصير (98)، بل لا يكون أقل من قميص مع

______________________________

(94) للإطلاق و ظهور الاتفاق.

(95) لقاعدة الاشتغال بعد صحة دعوى انصراف الأدلة عما ذكر.

(96) كل ذلك لعدم صدق الكسوة و الثوب على ما ذكر خصوصا بعد التقييد بقوله عليه السّلام: «يواري عورته» الظاهر في الثياب المتعارفة، و الشك في الصدق و عدمه في المقام يكفي في صحة الرجوع إلى قاعدة الاشتغال.

(97) لاشتمال جملة من النصوص على لفظ «ثوبين» كقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لكل إنسان ثوبان» (1)، أو قوله عليه السّلام: «ثوبين لكل رجل» (2)، و كذا قوله عليه السّلام: «و الكسوة ثوبان»(3)، الى غير ذلك من الأخبار مما هو كثير.

و نسب وجوبهما مع الاختيار الى المشهور أيضا بل ادعي الإجماع عليه أيضا. أما الإجماع و الشهرة فهما مستندان إلى هذه الأخبار فلا اعتبار بهما لكونهما اجتهاديا لا تعبديا، و أما الأخبار فيمكن حمل القسم الأول على صورة عدم التمكن من الثوبين كما يمكن حمل القسم الثاني على الاستحباب و الحمل الثاني شائع عند الأصحاب، و الحمل الأول بعيد عن سياق أخبار الباب كما لا يخفى على أولى الألباب و الأحوط ما ذكر في المتن.

(98) لقاعدة الاشتغال بعد صحة دعوى انصراف الأدلة عنها، و الظاهر دعوى الانصراف عما يلبس تحت القميص في هذه الأعصار و كذا ما يلبس تحت السراويل بحيث لا يستر إلا الوركين و العورتين.

ص: 358


1- الوسائل باب: 14 من أبواب الكفارات الحديث: 10.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب الكفارات الحديث: 9.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب الكفارات الحديث: 13.

سراويل (99) و يعتبر فيها العدد كالإطعام (100)، فلو كرر على واحد بأن كساه عشر مرات لم تحسب له إلا واحدة (101)، و لا فرق في المكسو بين الصغير و الكبير و الحر و العبد و الذكر و الأنثى (102)، نعم في الاكتفاء بكسوة الصبي إن كان في نهاية الصغر كابن شهر أو شهرين إشكال (103)، فلا يترك الاحتياط و الظاهر اعتبار كونه مخيطا فلو سلم إليه الثوب غير مخيط لم يكن مجزيا (104)، نعم الظاهر أنه لا بأس بأن يدفع أجرة الخياطة معه ليخيطه و يلبسه (105) و لا يجزي إعطاء لباس الرجال للنساء و بالعكس (106)

______________________________

(99) ظهر وجهه مما مر في القسم الثاني من الأخبار.

(100) كتابا (1)، و سنة و إجماعا كما تقدم.

(101) لقاعدة الاشتغال بعد عدم الإتيان بالمأمور به.

(102) كل ذلك للإطلاق، و ظهور الاتفاق. ثمَّ انه لو شاع اكتفاء المكسو بما يسمى في هذه الأعصار ب (الفانيلة) التي يلبس تحت الثوب أو ما يلبس تحت السروال فهل يجزي ذلك وجهان؟

(103) منشأه صحة دعوى الانصراف و عدمه.

(104) لأن المنساق من الكسوة أو (ثوبان) أو (ثوب يواري عورته) كما تقدم هو المخيط.

(105) لتحقق الامتثال حينئذ و لا تعتبر المباشرة للخياطة من المكفّر بلا تقدم هو المخيط.

(105) لتحقق الامتثال حينئذ و لا تعتبر المباشرة للخياطة من المكفّر بلا إشكال بل يكفي تحقق النتيجة بأي وجه تحقق.

(106) لقاعدة الاشتغال و صحة دعوى ظهور الأدلة في اللباس المختص لكل فريق به فقط، و لو شاع عند المتشرعة لباس مشترك بينهما ففي صحة

ص: 359


1- سورة المائدة: 89.

و لا إعطاء لباس الصغير للكبير (107). و لا فرق في جنسه بين كونه من صوف أو قطن أو كتان أو قنب أو حرير (108)، و في الاجتزاء بالحرير المحض للرجال إشكال (109)، و لو تعذر تمام العدد كسى الموجود و انتظر للباقي (110)، و الأحوط التكرار على الموجود فإذا وجد باقي العدد كساه (111).

مسألة 23: لا يجب ملاحظة الكسوة

(مسألة 23): لا يجب ملاحظة الكسوة الصيفية في الصيف و الشتوية

______________________________

الاجتزاء به وجهان؟

(107) أما إذا لم يمكن للكبير لبسه فلعدم صدق الكسوة و الثوب بالنسبة إليه، و أما إذا أمكن له لبسه كما إذا كان قد خيط للصغير وسيعا جدا لأجل غرض من الأغراض فالظاهر الاجتزاء لشمول الإطلاق له أيضا.

(108) كل ذلك للإطلاق و الاتفاق.

(109) من الإطلاقات الواردة في مقام البيان مع عدم التقييد بشي ء فيجزي بالنسبة إلى المكفّر و إن حرم لبسه فعلا بالنسبة إلى المكسو فيملكه و يستفيد منه في أوقات الضرورة المبيحة للبس الحرير أو يبدله بثوب يجوز لبسه له. و من أن حرمة لبس الحرير للرجال تحديد خاص لكل ثوب إعطاء و لبسا كالمغصوب و نحوه و أما بالنسبة إلى النساء فلا إشكال فيه.

(110) أما كسوة الموجود فلوجود المقتضي و فقد المانع، و أما الانتظار فلأنه مقدمة للامتثال الواجب عليه مع ظهور الإجماع على وجوبه.

(111) احتياط حسن يمكن أن يستأنس له بما مر في مسألة 20 فراجع فهو من الجمع بين التكرار على الموجود و إكساء ما يوجد.

ص: 360

في الشتاء (112).

مسألة 24: لا تجزي القيمة في الكفارة لا في الإطعام و لا في الكسوة

(مسألة 24): لا تجزي القيمة في الكفارة لا في الإطعام و لا في الكسوة (113)، بل لا بد في الإطعام من بذل الطعام إشباعا أو تمليكا و كذلك في الكسوة. نعم لا بأس بأن يدفع القيمة إلى المستحق و يوكله في أن يشتري بها طعاما فيأكله أو كسوة فيلبسها (114)، فيكون هو المعطى عن المالك و معطي له لنفسه باعتبارين (115).

مسألة 25: إذا وجبت عليه كفارة مخيرة لم يجز أن يكفّر بجنسين

(مسألة 25): إذا وجبت عليه كفارة مخيرة لم يجز أن يكفّر بجنسين (116)، بأن يصوم شهرا و يطعم ثلاثين في كفارة شهر رمضان أو

______________________________

(112) للأصل و الإطلاق، و ما تقدم من إطلاق قوله عليه السّلام: «ثوب يواري عورته» (1).

(113) للإجماع و قاعدة الاشتغال و ظواهر الأدلة التي علق فيها الحكم على الإطعام و الكسوة كما تقدم (2).

(114) فيتحقق الإطعام و الكسوة حينئذ عن المالك بالتسبيب، و لا فرق في الإطعام و الكسوة بين المباشرة و التسبيب للإطلاق و الاتفاق.

(115) و يصح اجتماع عنوانين مختلفين في شخص واحد من جهتين كما إذا كان الزوج وكيلا عن الزوجة في إنشاء عقد النكاح فيكون إيجابه وكالة عن الزوجة و قبوله مستقلا عن نفسه، و كذا لو كانت الزوجة وكيلا عن الزوج فيكون الإيجاب مستقلا عن نفسها و القبول وكالة عن الزوج و هو كثير في أبواب العقود، و يجوز ذلك للحاكم الشرعي ولاية أو وكالة عن الفقير على ما يأتي.

(116) للإجماع و لقاعدة الاشتغال لعدم كونه من المأمور به الظاهر في الوحدة.

ص: 361


1- الوسائل باب: 15 من أبواب الكفارات.
2- راجع الوسائل باب: 12 و 14 من أبواب الكفارات.

يطعم خمسة و يكسو خمسة مثلا في كفارة اليمين، نعم لا بأس باختلاف أفراد الصنف الواحد منها كما لو أطعم بعض العدد طعاما خاصا و بعضه غيره أو كسى بعضهم ثوبا من جنس و بعضهم من جنس آخر، بل يجوز في الإطعام أن يشبع بعضا و يسلم الى بعض كما مر (117).

مسألة 26: لا بدل شرعا للعتق في الكفارة

(مسألة 26): لا بدل شرعا للعتق في الكفارة مخيرة كانت أو مرتبة أو كفارة الجمع فيسقط بالتعذر (118)، و أما صيام شهرين متتابعين و الإطعام لو تعذرا بالتمام صام ثمانية عشر يوما (119).

______________________________

(117) كل ذلك لظهور الإطلاق و الاتفاق كما تقدم.

(118) للأصل بعد عدم دليل على الخلاف مضافا إلى الإجماع و إطلاق أدلة سقوط التكليف بالعذر.

(119) على المشهور لخبر أبي بصير و سماعة قالا: «سألنا أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فلم يقدر على الصيام و لم يقدر على العتق و لم يقدر على الصدقة؟ قال عليه السّلام: فليصم ثمانية عشر يوما عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام» (1)، و في الموثق قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل ظاهر من امرأته فلم يجد ما يعتق و لا ما يتصدق و لا يقوى على الصيام؟ قال عليه السّلام:

يصوم ثمانية عشر يوما لكل عشرة مساكين ثلاثة أيام» (2).

و نوقش في الأول بالقصور سندا.

و في الثاني بالاختصاص بالظهار.

و رد الأول باعتماد الأصحاب عليه و فيهم من لا يعمل إلا بالقطعيات و ذلك يكفي في حصول الظن الاجتهادي الذي عليه المدار في الفقه كله.

و الثاني بأن الاختصاص وقع في السؤال و ظاهرهم أن اختصاص السؤال

ص: 362


1- الوسائل باب: 9 من أبواب بقية الصوم الواجب.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب الكفارات.

متتابعات (120) فإن عجز عنه صام ما استطاع أو تصدق بما وجد (121)، و مع العجز عنهما بالمرة استغفر اللّه تعالى و لو مرة (112).

مسألة 27: الظاهر أن وجوب الكفارات موسع

(مسألة 27): الظاهر أن وجوب الكفارات موسع (123) فلا تجب

______________________________

لا يوجب تخصيص الحكم بمورد مع أن التعليل المذكور فيه قرينة على التعميم.

(120) لا دليل لهم على اعتبار التتابع إلا جريان حكم المبدل على البدل و الأصل على الفرع و هو أشبه بالقياس و لا يصلح للفتوى و إن صلح للاحتياط، مع ان الأصل عدم الوجوب عند الشك فيه.

(121) لقاعدة الميسور، و ما ورد عن الصادق عليه السّلام في صوم شهر رمضان:

«رجل أفطر من شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر، قال عليه السّلام: يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا فإن لم يقدر تصدق بما يطيق» (1).

(122) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إن الاستغفار توبة و كفارة لكل من لم يجد السبيل إلى شي ء من الكفارة» (2)، و عنه عليه السّلام في الموثق: «كل من عجز عن الكفارة التي تجب عليه من صوم أو عتق أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك مما يجب على صاحبه فيه الكفارة فالاستغفار له كفارة- الحديث-» (3)، و مقتضى إطلاق النص و الفتوى كفاية المرة.

(123) للأصل و الإطلاق و ظهور الاتفاق و لا دليل على الفورية إلا أنها بمنزلة التوبة و هي فورية إجماعا فالكفارة أيضا كذلك.

و فيه: أن جريان حكم المنزل عليه على المنزل بنحو الكلية لا دليل عليه من عقل أو نقل إلا أن يدل عليه دليل معتبر و هو مفقود هذا في أصل الكفارة.

ص: 363


1- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب الكفارات الحديث: 3.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب الكفارات الحديث: 1.

المبادرة إليها و يجوز التأخير ما لم يؤد الى حد التهاون (124).

مسألة 28: يجوز التوكيل في إخراج الكفارات المالية و أدائها

(مسألة 28): يجوز التوكيل في إخراج الكفارات المالية و أدائها، و يتولى الوكيل النية إذا كان وكيلا في الإخراج، و الموكل حين دفعه الى الوكيل إذا كان وكيلا في الأداء (125) و أما الكفارات البدنية فلا يجزى فيها التوكيل و لا تجوز فيها النيابة على الأقوى إلا عن الميت (126).

مسألة 29: الكفارات المالية بحكم الديون

(مسألة 29): الكفارات المالية بحكم الديون فإذا مات من وجبت

______________________________

و أما الصرف بعد الأخذ فلا وجه للتوسعة و التضييق لأن الآخذ يصير مالكا فله أن يفعل ما يشاء و ما يريد.

(124) لحرمة التهاون و الاستخفاف بأحكام اللّه تعالى بالأدلة العقلية و النقلية (1).

(125) أما جواز التوكيل في الإخراج و الأداء فللإجماع و إطلاق أدلة الكفاية المقتضي للأعم من المباشرة، و أصالة صحة التوكيل في كل شي ء إلا ما خرج بالدليل.

و أما تولي التوكيل النية إذا كان وكيلا في الإخراج فلأن إخراج الكفارة حينئذ منسوب إليه و لا بد من النية حين الإخراج.

و أما نية الموكل حين الدفع إلى الوكيل فلأن الإخراج حينئذ ينسب إلى الموكل فلا بد من تحقق النية حينه و يجزي النية الإجمالية بأن يكون من قصده أن ما يدفعه الوكيل يكون من الكفارة، و الوكيل كالآلة الموصلة إلى الفقير فلا أثر لنيته و عدمها، و تقدم جملة ما ينفع المقام في كتاب الزكاة.

(126) تقدم القول في ذلك قضاء الصلاة و الصوم و الحج فراجع و لا وجه للإعادة مع مسلمية الحكم بين الإمامية بل كونه من ضروريات فقههم في الجملة.

ص: 364


1- راجع الوسائل باب: 5 من أبواب الماء المضاف.

عليه تخرج من أصل المال (127)، و أما البدنية فلا يجب على الورثة أدائها و لا إخراجها من التركة (128) ما لم يوص بها الميت فيخرج من ثلثه (129)، نعم في وجوبها على الولي و هو الولد الأكبر احتمال قوي (130)، و إنما يجري هذا الاحتمال فيما إذا تعين على الميت الصيام (131)، و أما إذا تعين عليه غيره- بأن كانت مرتّبة و تعين عليه الإطعام أو كانت مخيرة و كان متمكنا من الصيام و الإطعام- لم يجب على الولي قطعا (132)، بل يخرج من تركة الميت مقدار الإطعام (133).

مسألة 30: لو علم بأن عليه كفارات و تردد بين الأقل و الأكثر

(مسألة 30): لو علم بأن عليه كفارات و تردد بين الأقل و الأكثر يجزي

______________________________

(127) لأنها واجبات مالية و كل واجب مالي يخرج من أصل المال كما فصل ذلك في هذا الكتاب غير مرة في موارد مختلفة.

(128) للأصل بعد عدم دليل على الخلاف إلا ما استدل به على أن البدنية دين أيضا، و قد تعرضنا لبطلانه في قضاء الصلاة (1)، و غيرها فراجع.

(129) تقدم تفصيل المقال في كتاب الوصية (2)، فراجع فلا وجه للإعادة.

(130) لقوة احتمال شمول صحيح حفص البختري: «رجل يموت و عليه صلاة أو صيام قال عليه السّلام: يقضي عنه أولى الناس بميراثه قلت فإن كان أولى الناس به امرأة؟ فقال: لا إلا الرجال» (3)، و قريب منه غيره للمقام أيضا.

(131) لأنه المنساق من الدليل على فرض شموله للمقام.

(132) للأصل و ظهور الإجماع.

(133) لكونه من الواجب المالي بعد عدم وجوب الصوم على الولي.

ص: 365


1- راجع ج: 7 صفحة: 339.
2- تقدم في صفحة: 137.
3- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث: 5.

دفع الأقل (134) و الأحوط الأكثر (135)، و لو ترددت بين المتباينين يصح الاكتفاء بدفع قيمة أقلها (136) و الأحوط الأكثر (137).

مسألة 31: يصح للحاكم الشرعي أخذ الكفارات و صرفها في مصالح الفقراء

(مسألة 31): يصح للحاكم الشرعي أخذ الكفارات و صرفها في مصالح الفقراء (138).

تمَّ كتاب الكفارات

______________________________

(134) لأصالة البراءة عن الأكثر.

(135) لذهاب جمع إلى الأكثر في كل شبهة مرددة بين الأقل و الأكثر.

(136) لما تقدم من الأصل أيضا و دعواهم الإجماع على عدم وجوب الاحتياط في الماليات المرددة بين المتباينين.

(137) لما عرفت في سابقة.

(138) لأنها من الأمور الحسبية التي له الولاية عليها. هذا و اللّه تعالى هو العالم.

انتهى- بحمد اللّه- المجلد الثاني و العشرون و يبدأ المجلد الثالث و العشرون بكتاب الصيد و الذباحة.

محمد الموسوي السبزواري 24- رمضان المبارك- 1404 ه

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

ص: 366

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.